Abu Taqi
23-09-2020, 11:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
خيوط اللعبة السياسية في ليبيا
في ضوء تفاهمات بوزنيقة وحوار جنيف
مع دخول تركيا بقوة على خط الصراع وهزيمة حفتر في الغرب الليبي, تلاشى تأثير الدول الداعمة لحفتر وبخاصة فرنسا، وتقلص تأثير روسيا إلا بالقدر الذي سمحت به الولايات المتحدة ضمن مقاربة متعلقة بشرق المتوسط وتركيا وأوروبا وحلف الناتو.
وقد اكتشف الروس والفرنسيون أنهم راهنوا على الحصان الخاسر بعد أن أوهمتهم أميركا بأنها تدعم عميلها حفتر من خلال مصر والإمارات, وأنها تدعم تركيا لاقتحام سرت والجفرة، بينما كانت تخطط لسحب البساط من تحت أرجل كافة الأطراف بمن فيهم تركيا عن طريق تثبيت خطوط التماس في سرت والجفرة، وتحويل سرت إلى منطقة منزوعة السلاح عبر إعلان السراج وعقيلة صالح لوقف القتال، والشروع بمفاوضات في المغرب وجنيف لتفعيل المسار السياسي الذي يرتكز على مخرجات "بوزنيقة" ومؤتمر برلين. والذي يتقاطع مع إعلان القاهرة الذي يقضي بإخراج "المرتزقة الأجانب" من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، بالإضافة إلى انتخاب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء من أقاليم ليبيا طرابلس وبرقة وفزان .
ويتقاطع كذلك مع بدء مرحلة انتقالية جديدة تمتد بين 18 إلى 24 شهرًا، وهو ما يتطلب تحييد مدينة سرت عن القتال من كلا الطرفين لتمكين حكومة الوفاق من العمل دون ضغوط أو حماية من قبل قوات فجر ليبيا، وارتهانها لحماية أممية تتحكم فيها الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر توسيع صلاحيات البعثة الأممية وإضافة مهام تنفيذية إلى مهامها، واستحواذها على نصيب الأسد في لجان المفاوضات بجنيف بموجب القرار الأخير لمجلس الأمن، والقاضي باعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة وزيادة مهامها وتوسيعها من40 الى 80 عضو، حيث تختار البعثة الأممية 54 عضوًا و 26 عضوًا من البرلمان ومجلس الدولة.
وإعادة هيكلة البعثة يجعل منها أداة موجهة من قبل الولايات المتحدة لرسم مسار الوضع في ليبيا، بمعزل عن تأثير الدول الطامعة، ودون أن ينفي ذلك وجود تفاهمات ثنائية بين أميركا وتركيا وروسيا على حساب الدول الأوروبية ومصالحها المتوسطية والإفريقية, بالإضافة إلى الأبعاد المتعلقة بالمصالح الصينية في إفريقيا، وتفجير التنافس بينها وبين تركيا وأوروبا وروسيا، وهو ما أشار إليه السيناتور ليندسي غراهام حين دعم فكرة السماح لتركيا بمنافسة الصين في غرب إفريقيا.
وعلى ذلك يمكن لأميركا أن تحقق بالمسار السياسي الليبي الجديد ما عجز حفتر عن تحقيقه بالسلاح، وهو إعادة هيكلة النظام الليبي وإعادة "الثوار" إلى بيوتهم أو توظيفهم في حراسة النظام الذي تشكله الدولة العميقة وذيول القذافي، وذلك بعد أن أثبتت عجز لقاءات باريس (سال سانكلو) وباليرمو وموسكو، وبعد أن حولت ليبيا إلى ميدان للتنافس بين تركيا وفرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا، وجعلت من ليبيا مصدر قلق للاتحاد الأوروبي بسبب الهجرة و"الإرهاب" ولوجود روسيا وتركيا على الرصيف المقابل لجنوب أوروبا وخاصرتها الضعيفة مما يعمق الحاجة الأوروبية لأميركا وحلف الناتو.
ونلفت النظر هنا إلى أن كل طرف من الأطراف الحاضرة في الملف الليبي يحاول تسخير مصالح الأطراف الأخرى لصالحه، ومن ذلك تسخير أميركا للوجود الروسي في ترسيخ بقاء حلف الناتو واحتواء السياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية، ومن ذلك أيضًا تسخير الحضور التركي في احتواء قوى الغرب الليبي وفصائله المسلحة ودمجهم في الجيش، وإعادة تأهيلهم بشكل مؤسسي خاضع للسلطة السياسية، فقد أعلن وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية صلاح الدين النمروش قبل أيام "أن وزارته بدأت مع الجانب التركي بتنفيذ برامج تهدف لبناء القوات المسلحة وتطوير الجيش وإعادة هيكلة القوات المسلحة وتطوير قطاعات الدفاع الجوي والبحري وقوات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة".
وأما اعتراض حفتر على التفاهمات الجديدة فهو جزء من اللعبة حيث سبق له أن رفض الوساطة المصرية، ورفض الاجتماع بالسراج وهما متواجدان في القاهرة مطلع عام 2017، كما رفض التوقيع على وقف إطلاق النار في موسكو، وأدار ظهره للدول الأوروبية المجتمعة في مؤتمر برلين، وكل ذلك وإن كان يعكس نرجسية حفتر وانزعاجه مؤخرًا من تهميش دوره وتحجيمه أو التوجه لإنهائه، سيما وأن التفاهمات المعلنة لم تشر إلى مستقبله، مثلما كانت تأخذ المحادثات السابقة دوره بعين الاعتبار.
لكن رفض حفتر لإعلان السراج وعقيلة صالح وقف إطلاق النار يندرج في إطار تبادل الأدوار، والضغط على قوى الغرب الليبي من أجل المضي قدمًا في الحل السياسي على أرضية مؤتمر برلين وحوار جنيف بتواطؤ مع السراج، بدليل خضوع حفتر لإملاءات السفارة الأميركية في طرابلس قبل ثلاثة أيامٍ من التوافق السياسي بشأن إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية واستئناف تصدير النفط المُخزَّن بعد إغلاقٍ دام أكثر من سبعة أشهرٍ، وهو الاتفاق الذي تم مع أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، وأعلن عنه الناطق باسم مليشيات حفتر، أحمد المسماري يوم الجمعة 18/9/2020.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وقف تصدير النفط من قبل حفتر منذ بدء جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط لم يكن لاعتبارات الضغط على خصومه في طرابلس فحسب، بل كان خدمة للولايات المتحدة للحد من تدهور أسعار النفط بأكثر مما وصلت إليه في أزمة انهيار الأسعار.
أما استئناف تصدير النفط الليبي قبل فصل الشتاء الذي يتوقع فيه زيادة الطلب على الطاقة لا سيما إذا انحسرت جائحة كورونا، فمن شأنه أن يحد من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما تحاول روسيا إعاقته؛ لأن تعطل تصدير النفط الليبي يصب في صالحها، ولذلك تهتم بالبقاء في مدينة سرت التي تمثل بوابة العبور إلى الموانئ النفطية، ولكن عمالة حفتر لأميركا لا يسعفها في تحقيق أغراضها.
وأما بشأن استقالة السراج المشروطة بتشكيل مجلس رئاسي ومواصلة عمل لجنة 5+5، فستكون مبررًا لإبعاد حفتر الذي تصر تركيا على عزله؛ لتعميق قبولها وتعزيز دورها في ليبيا. بالإضافة إلى أن إبعاد حفتر والوجوه التي استهلكت وأصبحت مرفوضة شعبيًّا يخفض حدة الاحتقان والتوتر ويذلل العقبات أمام كادر ملائم للمرحلة المقبلة.
هذا هو حال ليبيا التي يفتقد أهلها امتلاكهم لمصيرهم ومقدرات بلادهم, وهو حال معظم بلاد المسلمين, فهل يتنبه أهل ليبيا المسلمين إلى الواقع الذي يعيشونه، وإلى مكائد الكفار لهم، فيعملون على نبذ الأحقاد، والوقوف صفًا واحدًا في وجه أطماع أميركا ودول الغرب الكافر, وأن يضحوا لاقتلاع نفوذ أميركا بدلًا من الاقتتال فيما بينهم، وتفتيت البلاد ونهب ثرواتها لصالح دول الكفر وأعوانهم.
6/صفر/1442هـ
23/9/2020م
متابعة سياسية
خيوط اللعبة السياسية في ليبيا
في ضوء تفاهمات بوزنيقة وحوار جنيف
مع دخول تركيا بقوة على خط الصراع وهزيمة حفتر في الغرب الليبي, تلاشى تأثير الدول الداعمة لحفتر وبخاصة فرنسا، وتقلص تأثير روسيا إلا بالقدر الذي سمحت به الولايات المتحدة ضمن مقاربة متعلقة بشرق المتوسط وتركيا وأوروبا وحلف الناتو.
وقد اكتشف الروس والفرنسيون أنهم راهنوا على الحصان الخاسر بعد أن أوهمتهم أميركا بأنها تدعم عميلها حفتر من خلال مصر والإمارات, وأنها تدعم تركيا لاقتحام سرت والجفرة، بينما كانت تخطط لسحب البساط من تحت أرجل كافة الأطراف بمن فيهم تركيا عن طريق تثبيت خطوط التماس في سرت والجفرة، وتحويل سرت إلى منطقة منزوعة السلاح عبر إعلان السراج وعقيلة صالح لوقف القتال، والشروع بمفاوضات في المغرب وجنيف لتفعيل المسار السياسي الذي يرتكز على مخرجات "بوزنيقة" ومؤتمر برلين. والذي يتقاطع مع إعلان القاهرة الذي يقضي بإخراج "المرتزقة الأجانب" من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، بالإضافة إلى انتخاب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء من أقاليم ليبيا طرابلس وبرقة وفزان .
ويتقاطع كذلك مع بدء مرحلة انتقالية جديدة تمتد بين 18 إلى 24 شهرًا، وهو ما يتطلب تحييد مدينة سرت عن القتال من كلا الطرفين لتمكين حكومة الوفاق من العمل دون ضغوط أو حماية من قبل قوات فجر ليبيا، وارتهانها لحماية أممية تتحكم فيها الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر توسيع صلاحيات البعثة الأممية وإضافة مهام تنفيذية إلى مهامها، واستحواذها على نصيب الأسد في لجان المفاوضات بجنيف بموجب القرار الأخير لمجلس الأمن، والقاضي باعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة وزيادة مهامها وتوسيعها من40 الى 80 عضو، حيث تختار البعثة الأممية 54 عضوًا و 26 عضوًا من البرلمان ومجلس الدولة.
وإعادة هيكلة البعثة يجعل منها أداة موجهة من قبل الولايات المتحدة لرسم مسار الوضع في ليبيا، بمعزل عن تأثير الدول الطامعة، ودون أن ينفي ذلك وجود تفاهمات ثنائية بين أميركا وتركيا وروسيا على حساب الدول الأوروبية ومصالحها المتوسطية والإفريقية, بالإضافة إلى الأبعاد المتعلقة بالمصالح الصينية في إفريقيا، وتفجير التنافس بينها وبين تركيا وأوروبا وروسيا، وهو ما أشار إليه السيناتور ليندسي غراهام حين دعم فكرة السماح لتركيا بمنافسة الصين في غرب إفريقيا.
وعلى ذلك يمكن لأميركا أن تحقق بالمسار السياسي الليبي الجديد ما عجز حفتر عن تحقيقه بالسلاح، وهو إعادة هيكلة النظام الليبي وإعادة "الثوار" إلى بيوتهم أو توظيفهم في حراسة النظام الذي تشكله الدولة العميقة وذيول القذافي، وذلك بعد أن أثبتت عجز لقاءات باريس (سال سانكلو) وباليرمو وموسكو، وبعد أن حولت ليبيا إلى ميدان للتنافس بين تركيا وفرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا، وجعلت من ليبيا مصدر قلق للاتحاد الأوروبي بسبب الهجرة و"الإرهاب" ولوجود روسيا وتركيا على الرصيف المقابل لجنوب أوروبا وخاصرتها الضعيفة مما يعمق الحاجة الأوروبية لأميركا وحلف الناتو.
ونلفت النظر هنا إلى أن كل طرف من الأطراف الحاضرة في الملف الليبي يحاول تسخير مصالح الأطراف الأخرى لصالحه، ومن ذلك تسخير أميركا للوجود الروسي في ترسيخ بقاء حلف الناتو واحتواء السياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية، ومن ذلك أيضًا تسخير الحضور التركي في احتواء قوى الغرب الليبي وفصائله المسلحة ودمجهم في الجيش، وإعادة تأهيلهم بشكل مؤسسي خاضع للسلطة السياسية، فقد أعلن وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية صلاح الدين النمروش قبل أيام "أن وزارته بدأت مع الجانب التركي بتنفيذ برامج تهدف لبناء القوات المسلحة وتطوير الجيش وإعادة هيكلة القوات المسلحة وتطوير قطاعات الدفاع الجوي والبحري وقوات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة".
وأما اعتراض حفتر على التفاهمات الجديدة فهو جزء من اللعبة حيث سبق له أن رفض الوساطة المصرية، ورفض الاجتماع بالسراج وهما متواجدان في القاهرة مطلع عام 2017، كما رفض التوقيع على وقف إطلاق النار في موسكو، وأدار ظهره للدول الأوروبية المجتمعة في مؤتمر برلين، وكل ذلك وإن كان يعكس نرجسية حفتر وانزعاجه مؤخرًا من تهميش دوره وتحجيمه أو التوجه لإنهائه، سيما وأن التفاهمات المعلنة لم تشر إلى مستقبله، مثلما كانت تأخذ المحادثات السابقة دوره بعين الاعتبار.
لكن رفض حفتر لإعلان السراج وعقيلة صالح وقف إطلاق النار يندرج في إطار تبادل الأدوار، والضغط على قوى الغرب الليبي من أجل المضي قدمًا في الحل السياسي على أرضية مؤتمر برلين وحوار جنيف بتواطؤ مع السراج، بدليل خضوع حفتر لإملاءات السفارة الأميركية في طرابلس قبل ثلاثة أيامٍ من التوافق السياسي بشأن إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية واستئناف تصدير النفط المُخزَّن بعد إغلاقٍ دام أكثر من سبعة أشهرٍ، وهو الاتفاق الذي تم مع أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، وأعلن عنه الناطق باسم مليشيات حفتر، أحمد المسماري يوم الجمعة 18/9/2020.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن وقف تصدير النفط من قبل حفتر منذ بدء جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط لم يكن لاعتبارات الضغط على خصومه في طرابلس فحسب، بل كان خدمة للولايات المتحدة للحد من تدهور أسعار النفط بأكثر مما وصلت إليه في أزمة انهيار الأسعار.
أما استئناف تصدير النفط الليبي قبل فصل الشتاء الذي يتوقع فيه زيادة الطلب على الطاقة لا سيما إذا انحسرت جائحة كورونا، فمن شأنه أن يحد من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما تحاول روسيا إعاقته؛ لأن تعطل تصدير النفط الليبي يصب في صالحها، ولذلك تهتم بالبقاء في مدينة سرت التي تمثل بوابة العبور إلى الموانئ النفطية، ولكن عمالة حفتر لأميركا لا يسعفها في تحقيق أغراضها.
وأما بشأن استقالة السراج المشروطة بتشكيل مجلس رئاسي ومواصلة عمل لجنة 5+5، فستكون مبررًا لإبعاد حفتر الذي تصر تركيا على عزله؛ لتعميق قبولها وتعزيز دورها في ليبيا. بالإضافة إلى أن إبعاد حفتر والوجوه التي استهلكت وأصبحت مرفوضة شعبيًّا يخفض حدة الاحتقان والتوتر ويذلل العقبات أمام كادر ملائم للمرحلة المقبلة.
هذا هو حال ليبيا التي يفتقد أهلها امتلاكهم لمصيرهم ومقدرات بلادهم, وهو حال معظم بلاد المسلمين, فهل يتنبه أهل ليبيا المسلمين إلى الواقع الذي يعيشونه، وإلى مكائد الكفار لهم، فيعملون على نبذ الأحقاد، والوقوف صفًا واحدًا في وجه أطماع أميركا ودول الغرب الكافر, وأن يضحوا لاقتلاع نفوذ أميركا بدلًا من الاقتتال فيما بينهم، وتفتيت البلاد ونهب ثرواتها لصالح دول الكفر وأعوانهم.
6/صفر/1442هـ
23/9/2020م