المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول القفز عن الاردن في الاتفاق الثلاثي



Abu Taqi
16-08-2020, 04:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
القفز عن الاردن في الاتفاق الثلاثي
تاريخياً لعب الأردن دور المنطقة العازلة بين كيان يهود ومنطقة الخليج شديدة الحساسية دينيًّا واقتصاديًّا، وإن القفز عن الأردن في الاتفاق الثلاثي يعني زوال الخطر الديني، وبخاصة مع مجيء ابن سلمان إلى السلطة، ويدل على إحكام الولايات المتحدة قبضتها على حكام الخليج، وانصياعهم لأوامرها بصورة مريبة وغير معهودة من قبل العملاء التقليديين الذين يراعون ما يهدد حياتهم عند تنفيذ الأوامر.
ويدل أيضًا على سيطرتها على النفط وثروات المنطقة دون عوائق، كما يدل على إلغاء الدور الوظيفي للنظام الأردني أو تغييره بصورة تفقده أهميته وتبالغ في الزهد ببقائه نتيجة لخطة الحل الإقليمي والوطن البديل.
والغريب في موقف الأردن من اتفاق التحالف "الإسرائيلي الإماراتي" أنه لم يقلق على دوره الوظيفي الذي تم تهميشه في الاتفاق لصالح التحالف مع الإمارات، والذي تجاوز التطبيع بحسب ما أكده تصريح سفير الإمارات في واشنطن: "سننضم إلى جانب إسرائيل لإطلاق الأجندة الاستراتيجية للشرق الأوسط".
فقد علق وزير الخارجية الأردني على الاتفاق بعقلية الصحفي لا بعقلية السياسي، وأطلق مزاميره المشروخة الداعية إلى دولة فلسطينية لا يمانع نتنياهو ذاته بقيامها على شبر من الأرض وأن تسمى امبراطورية.
وقال وزير الخارجية الأردني أيضًا إن تحقيق السلام مرتبط بما ستقوم به "إسرائيل"!! وكأنها لم تعلن القدس عاصمة أبدية وموحدة، وترفض حق عودة الفلسطينيين، وما يترتب عليه من توطين لهم في الأردن. ثم قال بشأن تأجيل الضم "يجب أن تتبعه إسرائيل بوقف كل إجراءاتها اللاشرعية التي تقوض فرص السلام" وكأنه لا يفرّق بين تأجيل الضم وإلغاء الضم؟! وبالتالي لا نعرف بعد كل هذه الإجراءات الإسرائيلية وإعلان نتنياهو لمعادلة "السلام مقابل السلام لا مقابل الأرض" ماهية الإجراءات التي إذا قامت بها "إسرائيل" ستؤدي إلى انفجار الوضع بحسب تصريحات الوزير؟!.
وعندما يقترن ذلك كله بغياب الملك شخصيًّا عن حدث له تداعيات كبيرة على نظامه فإنما يدل على موافقته، لا سيما وأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية تصب في صفقة القرن. وبالتالي لا نعرف ما هي أدوات الضغط التي يملكها ترمب ونتنياهو ليسوق خلفه حكام العرب كالأغنام؟! وبخاصة إذا علمنا أن كيسنجر كان قد صرح بأنه "ليس هناك زعيم عربي, مهما يكن معتدلًا (عميلًا) يمكن أن يأمل البقاء, إذا قبل بمطالب إسرائيل, على أرضية هذا الإذلال". أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال مرهونة بالأسرار التي حصل عليها الموساد الإسرائيلي عن طريق ضابط الموساد شموئيل بار، الذي عمل في المخابرات لمدة 30 عامًا، والذي سبق أن قال أنه سنة 2017 "قبل سنتين (في العام 2015)، اتصلت به شخصية كبيرة من السلطة السعودية، ودعته إلى البحث في تطوير برنامج لمراقبة برامج "سكايب" و"تويتر" لصالح السعودية. ثم تطور المشروع ليشمل متابعة آراء ومواقف أبناء العائلة الحاكمة في السعودية".
لقد سبق وأشرنا أن الاتفاق الثلاثي بين "ترمب ونتنياهو والإمارات" وإن كان يندرج في إطار تصفية قضية فلسطين، إلا أنه يكشف عن مدى استهتار الأنظمة العربية بقضايا الأمة بحيث أصبحت قضاياهم ورقة انتخابية في جيب ترمب، ووصفة علاجية لفساد نتنياهو!! فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الاتفاق الثلاثي جاء في وقت يحتاج فيه ترمب "إنجازًا" لمواجهة تدني شعبيته، حيث جاء الاتفاق في لجة أزمة ترامب الداخلية ووسط استطلاعات للرأي تشير إلى تقدم منافسه الديموقراطي جو بايدن، وعقب تعيين هاريس نائبًا لبايدن والتي تقلص الفوارق السياسية بين الجمهوريين والديموقراطيين إزاء الصين و"إسرائيل" وحلف الناتو، والجاذبة لأصوات الإنجيليين واللوبي الصهيوني وأصوات المهاجرين الأمريكيين من أصول مهاجرة. وعلاوة على ذلك فإن بيان الاتفاق قد صيغ بما يشبه بيانًا انتخابيًّا لترمب حيث تضمن إشادة بجهود ترمب شخصيًّا ودعا إلى مواصلة الاجتماعات في البيت الأبيض، كما أعلن البيت الأبيض "أن هذه الصفقة ستجعل الشرق الأوسط منطقة أكثر أمنًا للشعب الأميركي وستقلل من الحاجة إلى وجود قوات أميركية" فيما شدد بايدن على أن الإعلان جاء ثمرة لـ"جهود الإدارات المتعاقبة من أجل تعزيز الانفتاح العربي الإسرائيلي"، وهو الأمر الذي يؤكد على أن القضية أضحت ورقة انتخابية.
وأما عن الإمارات والسعودية "محمد بن زايد وابن سلمان" فلا شك أن من مصلحتهما الشخصية دعم ترمب ضد كمالا هاريس التي اختارها بايدن نائبة له والتي لها مواقف ناقدة لسياسة السعودية ومحمد بن سلمان شخصيًّا.
وهكذا باتت قضايا الأمة بيد الصبية الرويبضات، يضعون مقدراتها ومصيرها تحت تصرف أسيادهم الكفار بكل رخص واستهتار، ويساندهم في ذلك عبيد الوظيفة ولاعقو العظام التي يرميها الحاكم من الذين باعوا دينهم وكرامة أمتهم مقابل إسناد وخدمة تلك الحفنة المارقة التي تسيدت في غفلة من الزمن على خير أمة أخرجت للناس, فمتى يدرك أحرار الأمة دورهم في كنس تلك الزبالات المنتنة التي سودت تاريخ الأمة الحديث.

26/ذي الحجة/1441هـ
16/8/2020م