المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول زيارة ماكرون للبنان عقب تفجير مرفأ بيروت



Abu Taqi
08-08-2020, 04:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
زيارة ماكرون للبنان عقب تفجير مرفأ بيروت
لقد أشرنا في المتابعة الأولى حول تفجير بيروت أن ملابسات الحادث المتعلقة بالشحنة ووجهتها التي تبدلت من موزمبيق إلى بيروت، والظروف المحيطة بتركها في المرفأ، وتخلي صاحب السفينة عنها، وظهور تواطؤ مقصود بإهمال إجراءات السلامة، كل ذلك يشي بأن ثمة تدبير للحادث وأن الهدف منه لا يخرج عن إطار استهداف النظام اللبناني، وتركيبته الطائفية، وحكومته التي تجعل لحزب الله اليد الطولى في القرار السياسي.
كما يأتي في إطار ما هو مخطط للبنان والعراق وسوريا وإيران، ومن ذلك طي صفحة المقاومة المزعومة التي تضمن لإيران التأثير في المنطقة _بخلاف خطط الولايات المتحدة_ وتبرر لحزب الله الاحتفاظ بسلاحه وفرض إرادته على باقي القوى اللبنانية، وإملاء شروطه حيال صفقة القرن التي جاءت على حساب إيران وحزب الله والنظام السوري.
فصفقة القرن تقتضي توطين الفلسطينيين في أماكن إقامتهم، مما يحدث خللًا سكانيًّا لصالح خصوم حزب الله _مخلب إيران القوي في المنطقة_، كما تستوجب تغيير النظام العراقي، وإرخاء قبضة إيران عن طريق الكاظمي, وتقديم نظام بشار قربانًا لأهل سوريا لقاء سكوتهم على انخراط النظام القادم في صفقة القرن، إذ أن كيان يهود يتطلع إلى معاهدة مع دولة ضعيفة ومفككة ومع نظام سوري يحظى بقبول شعبي، وهو ما لا ينطبق على نظام بشار حتى وإن كان قد حرس حدود "إسرائيل" عشرات السنين.
وإذا ما تم ذلك فإنه سيمهد الطريق ويهيئ الظروف لاستغلال ثروات شرق المتوسط، وفطم أوروبا من الغاز الروسي، وإرغام أوروبا على البقاء ضمن جبهة المواجهة الاقتصادية مع روسيا والصين في المستقبل.
الجديد بشأن تفجير بيروت هو ما قاله الرئيس اللبناني الجنرال عون في مؤتمر صحفي يوم الجمعة 7 آب/أغسطس عقب لقائه بالرئيس الفرنسي ماكرون بيوم واحد حيث قال: "هناك احتمال تدخل خارجي عبر صاروخ أو قنبلة أو أي عمل آخر، وطلبت من ماكرون تأمين الصور الجوية لمعرفة ما حصل، وإن لم تتوفر لدى الفرنسيين سنطلبها من مصدر آخر"، وألمح إلى أن تغيير النظام اللبناني وارد ولكن ليس بهذه السرعة. مما يدل على أن ماكرون قد حمل رسالة أميركية واضحة وحازمة زاعمًا أنه سيقنع الولايات المتحدة برفع العقوبات وتخفيف الضغط عن لبنان، في حال الاستجابة للإصلاحات والتغيير الفوري للنظام من خلال "إعادة تأسيس ميثاق جديد" و"إجراء الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي وبناء نظام سياسي جديد". و"تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال الأشهر القادمة، وإنهاض البلاد" .
والأهم من ذلك هو اجتماع ماكرون مع قوى المجتمع المدني الذين سيوكل إليهم مهمة توزيع المساعدات بمعزل عن الحكومة، واجتماعه بالمرجعيات الدينية لا سيما وأن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كان قد دعا مؤخرًا إلى "حياد لبنان" الذي يتضمن "الحياد المسلح"؛ أي جعل مهمة الجيش اللبناني "الدفاع عن النفس" فقط، وحصر المهام العسكرية بالجيش وحده، مما يؤول إلى نزع سلاح حزب الله، وهو الأمر الذي وجد دعمًا دوليًّا فيما عارضه حزب الله.
إن تصريحات الرئيس عون بوجود طرف خارجي في التفجير تنطوي على تهديد بكشف الجهة التي تقف وراء التفجير، رغم أن خطابه لا يخلو من التوسل والخوف لإدراكه أن حجم الحدث يعكس حجم المطالب الدولية، واستعجال ترمب في حسم المسألة اللبنانية التي تفاقمت وأصبحت تهدد بانهيار الدولة وما يترتب على ذلك من تهديدات أمنية للمنطقة برمتها.
والغرض من تهديد الرئيس عون وتلويح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بورقة اللاجئين السوريين في لبنان وأثرهم على أوروبا فيما لو اضطرب الوضع اللبناني، هو محاولة لثني الولايات المتحدة عن فرض تغيير النظام وتركيبته الحالية، مع إبقائه البابَ مفتوحًا للتوافق، وهو ما يفهم من قوله بعدم الإسراع في الإصلاحات المطلوبة، وبخاصة وأن الضغوط الاقتصادية التي تصاعدت منذ أن أوقف صندوق النقد الدولي مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية قبل شهر، لم تترك للجنرال عون والحكومة وحزب الله مجالًا للمناورة وكسب الوقت. سيما وأن ماكرون قد قطع على الحكومة طريق المماطلة والمساومة التي ستلجأ إليها الحكومة من خلال التحقيق عبر تدويل القضية والدعوة إلى تحقيق دولي يحصن الأطراف الخارجية ويحمل الحكومة المرتبطة بحزب الله مسؤولية الحادث.
ولهذا رفض حسن نصرالله تدويل القضية والتحقيق من أجل التهديد بكشف الجهة الخارجية والمساومة السياسية على بقاء النظام، وهذا ما يُفهم من قوله:"في حال عدم التوصل إلى نتيجة في التحقيق فلا يوجد أمل ببناء الدولة".
ومع أن هذا الإصرار الأميركي الملحوظ على حسم الوضع اللبناني ليس للجم إيران وحزب الله فحسب، وهو ما أدركته طهران عبر تصريح محسن رضائي رئيس مصلحة تشخيص النظام، بل يتجاوز ذلك إلى إحكام الطوق على نظام بشار الذي عقد اتفاقًا مع إيران قبل شهر، من شأنه أن يثبتها في سوريا، ويمكن روسيا من اللعب خارج حدود التوافقات مع الولايات المتحدة، وهو ما يفسر دخول فرنسا على مسار الأحداث سريعًا خدمة لمخططات أميركا.
وهكذا فإن أميركا والغرب الكافرين ما يزالان يتلاعبان بمصير الأمة الإسلامية التي كانت أعز أمة على الأرض, وما ذلك إلا لغياب إرادة قوى الأمة الفاعلة على تغيير هذا الوضع المذل إلى ما ينبغي أن يكون عليه حال خير أمة أخرجت للناس.
18/ذي الحجة/1441هـ
8/8/2020م