المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية النزاع الأرمني مع أذربيجان واستغلاله في الضغط على تركيا



Abu Taqi
19-07-2020, 06:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
النزاع الأرمني مع أذربيجان
واستغلاله في الضغط على تركيا

تبادلت كل من أرمينيا وأذربيجان الاتهام بشأن من بدأ الهجوم على الآخر، ولكن بحسب تصريحات الحكومة التركية فإن أرمينيا هي التي بدأت الهجوم، وهو ما تؤيده بعض الشواهد، نحو تطلع أرمينيا إلى احتلال مواقع بالقرب من توفوز المطلة على أنابيب النفط والغاز الأذربيجانية التي تشكل مصلحة لتركيا وأوروبا و"إسرائيل"، فضلًا عن توقيت الحدث وظروفه المرتبطة بالخلافات التركية الروسية في الملف الليبي.
فأرمينيا قد افتعلت الأزمة مستغلة موقف الكونجرس الأميركي المتعاطف مع الأرمن ضد الأتراك، وسعي الولايات المتحدة لاستمالة أرمينيا، وقطع صلتها بروسيا؛ لاستكمال حصار الروس، ومستغلة توتر الموقف بين فرنسا المتعاطفة هي الأخرى مع أرمينيا وبين تركيا بشأن ليبيا، وكذلك خلافات تركيا مع روسيا في ليبيا وإدلب السورية. مما يشي بأن روسيا هي التي حرضت أرمينيا على الهجوم على أذربيجان، ذات العلاقة الوطيدة والمصالح الكبيرة مع تركيا؛ بغرض استجلاب الضغط الفرنسي والأوروبي على تركيا، وإثارة القوى الداعمة لأرمينيا داخل الكونجرس الأميركي، وإحاطة تركيا بشيء من العزلة في ظل تذمر الغرب ومطالبة اليونان بفرض عقوبات على تركيا بسبب مسجد آيا صوفيا وذلك لإضعاف موقفها في الملف الليبي.
ومن جهة ثانية فإنه لا شك أن للتوتر بين أرمينيا وأذربيجان تداعيات على تركيا التي تفاعلت مع الأزمة حفاظًا على مصالحها مع أذربيجان التي تعتبر مصدرًا مهما للطاقة التي تحتاجها تركيا، وتريد روسيا تشتيت جهود تركيا وإشغالها بجبهات جديدة تضطرها إلى تقديم تنازلات.
فالراجح أن روسيا هي التي أثارت الأزمة الأرمنية الأذرية مؤخرًا، والتي رغم وجود أسباب خاصة لها, إلا أن توقيتها مصمم لتوجيه رسالة إلى تركيا والضغط عيها. فنيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا ورغم أنه قد جاء إثر موجة احتجاجات مرتبطة بالثورات الملونة سنة 2018، والتي أجبرت الرئيس الأرمني سيرج سركسيان على التنحي، لكنه "باشنيان الرئيس الحالي" موال لروسيا على الأرجح؛ لأنه لم يتمكن من الوصول إلى الحكم إلا عن طريق الحزب الجمهوري الأرمني الحاكم، الذي يضم المحاربين القدماء والمرتبط بروسيا. ما يعني أن روسيا قد تفاهمت مع باشنيان للحفاظ على مصالحها لقاء تسليمه الحكم، وبخاصة وأنها دعمته من خلال تقديم الغاز لأرمينيا بأسعار تفضيلية أعلن عنها بوتين والرئيس الأرمني بنفسيهما، وذلك في محاولة روسية للالتفاف على حراك الشارع الأرمني ومنظمات المجتمع المدني التي تقف خلف الاحتجاجات والمدعومة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وأرمينيا منطقة نفوذ حيوي وجيواستراتيجي لروسيا وفيها قواعد عسكرية روسية، وتخشى روسيا استقطابها من قبل الغرب عبر اتفاقيات الشراكة، واتخاذها جيبًا لحلف الناتو، وهو ما جعل إبرام اتفاق بعدم نشر قوات أجنبية في أرمينيا هدفًا يريد بوتين تحقيقه في ظل عروض الولايات المتحدة السلاح لأرمينيا.
ومحاولات روسيا صد النفوذ الأميركي من الاقتراب من أرمينيا بلغ حد تصفية رئيس الوزراء الأرمني فازجين سركيسيان في تشرين أول/أكتوبر 1999 إثر اقتحام مسلحين مبنى البرلمان في العاصمة يريفان، وقتله بعد يوم واحد من اجتماعه مع ستروب تالبوت نائب وزيرة الخارجية الأميركية. ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي تلجأ فيها روسيا إلى اغتيال عملاء الولايات المتحدة فقد حاولت اغتيال مرشح الرئاسة الأرمني، باروير هيريكيان، المعارض المشهور منذ زمن الاتحاد السوفييتي. وكذلك محاولة اغتيال رئيس جورجيا إدوارد شيفردنادزة مهندس علاقة جورجيا بحلف الناتو، الذي يوصف بعلاقته القوية بالولايات المتحدة على يد مجموعة تم تسليحها من قبل قاعدة عسكرية روسية في جورجيا.
وفيما يتعلق بالأحداث الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، وعلاقتها بالضغط على تركيا فهو ما يفصح عنه توقيت انفجار الأزمة دون مقدمات تبررها سوى الإرث التاريخي للنزاع، والتوقيت يأتي في خضم الخلاف الروسي والتركي حول الملف الليبي، والذي تتوسل منه أميركا أن يفضي إلى مواجهة بين تركيا وروسيا لفسخ التقارب وتوهين العلاقة بينهما، ومما يدل على ذلك هو إصرار حكومة الوفاق التابعة للولايات المتحدة على دخول سرت والجفرة في ظل التعبئة الروسية والمصرية للتصدي لعملية الاقتحام.
ولذلك تحاول تركيا إقناع روسيا بالسماح لقوات الوفاق بدخول سرت بلا قتال، إلا أن روسيا الانتهازية تريد الجفرة مقابل ذلك، وبخاصة وأن أميركا تحاول إغراء بوتين للتمسك بمدينة سرت والجفرة عن طريق مد قوات حفتر بالتدخل المصري، والمقصود بالتدخل المصري هو تشجيع روسيا على التمسك بسرت والجفرة وإبقاء فرصة الصراع العسكري قائمة.
وبينما تدرك روسيا ذلك تحاول التمترس خلف مبادرة القاهرة التي أطلقها السيسي، واستغلال تدخله من أجل تلافي الصدام المباشر مع تركيا، وحشر تركيا في الزاوية بطريقة لا تبدو روسيا فيها معادية لتركيا. وفي الأثناء انبعثت أزمة أرمينيا وأذربيجان لتفتح ملفًا جديدًا يُلجئ تركيا إلى احتياج روسيا، وبالتالي تضيف عبئًا جديدًا على أردوغان لثنيه عن إسناد قوات الوفاق في الدخول إلى سرت عنوة وإرغامه على مقايضة الجفرة بسرت.
ونتيجة لإدراك الأطراف لقواعد اللعبة فإن أكثر ما يمكن حدوثه إذا لم تصل روسيا وتركيا إلى تفاهم بتسليم سرت لحكومة الوفاق مقابل الجفرة هو تجدد حرب الوكالة كبديل لتلافي الصدام المباشر، سيما وأن التمهيد لإعادة انتاج المشهد بصورة لا يبدو فيها دعم قوات العميل حفتر خرقًا للقرارات الدولية، قد تم إخراجه عن طريق طلب السيسي تفويضًا من برلمان طبرق والشيوخ المرتزقة لعشائر الغرب الليبي، وأخذ موافقة البرلمان المصري للتدخل في ليبيا.
27/ذي القعدة/1441هـ
19/7/2020م