Abu Taqi
08-06-2020, 12:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
حول إعلان السيسي واحتجاجات لبنان
أولًا: الغرض من اجتماع القاهرة بين السيسي وحفتر وعقيلة صالح
إن التشديد من قبل أميركا وأوروبا وروسيا على وقف إطلاق النار، وتفعيل الحل السياسي، يعني عدم السماح بتمدد القتال إلى الشرق الليبي؛ ولذلك كان الهدف من اتفاق القاهرة بين العملاء عبد الفتاح السيسي وحفتر وعقيلة صالح عندما أعلن السيسي أنه "لا يسمح لأي طرف بالحسم العسكري ويقصد حكومة الوفاق" هو إرسال رسالة إلى أهل ليبيا في المناطق الغربية أن لا تتجاوز عملية "عاصفة السلام" التي تقودها حكومة الوفاق مدينة سرت، ولهذا شنت طائرات مجهولة غارة على مواقع لقوات الوفاق حول مدينة سرت عقب اجتماع القاهرة وإصدار البيان، وبالتالي جعلت أميركا من مصر صمام أمان، وخط دفاع، عن الشرق الليبي لإجبار قوات طرابلس ومصراتة على التوقف عند سرت.
والتوقف عند سرت يعني أن تبقى مناطق النفط بيد الشرق كورقة ضغط لإخضاع الغرب الليبي للحل السياسي المقرر في "مؤتمر برلين" عبر الضغط الاقتصادي بتواطؤ من السراج الذي يحرص في زياراته لتركيا على اللقاء بسفير الولايات المتحدة الأميركية لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد والذي شدد بدوره على تنفيذ توصيات مؤتمر برلين وسبل تحقيقها.
ومن المتوقع أن تكثر المناورات السياسية من قبل القوى المسيطرة على الشرق، ومن قبل السراج والولايات المتحدة، من أجل الالتفاف على النتائج العسكرية التي حققتها حكومة الوفاق، مما سيجمد الوضع فترة من الزمن لتدجين أهل المنطقة الغربية، وتدعيم تماسك الجبهة الشرقية، التي يُخشى تفكك قاعدتها الشعبية بفعل الخسائر البشرية، وتقييم النتائج فيما إذا كان لا بد من إقصاء حفتر، واللجوء إلى تغيير الوجوه، أم سيخضع أهل الغرب لبقائه ضمن حكومة جديدة.
ويبدو أن السقف العالي لمطالب اتفاق القاهرة مقصودٌ، حتى يتم رفضه، ثم التوافق على ما هو مشترك في توصيات مؤتمر برلين. وأما تمسك القوى السياسية في حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي بتنحية حفتر فتهدف إلى كسب االتعاطف والتأييد الشعبي لحكومة الوفاق، ولا يستبعد أن يتم إقصاء حفتر لكسر الجمود بعد التيئيس والتدجين لتمكين الحكومة من تنفيذ توصيات مؤتمر برلين برعاية دولية، قد تتطلب نشر قوات أممية، ظاهر أمرها الفصل بين المتحاربين وحقن الدماء، وباطنها تثبيت الوقائع على الأرض، وأهمها إبقاء مناطق النفط خارج سيطرة الوفاق وتكبيل الفصائل المقاتلة.
وفي هذا السياق تحاول روسيا الاحتفاظ بموقع لها في الشرق الليبي كرادع لقوات الوفاق المتفوقة بفعل الدعم التركي، وحصر دورها في هذا الجانب الذي تدرك بأنه يحظى بترحيب أميركا التي تستثمر بدورها نقاط الخلاف بين تركيا وروسيا في استقطاب أردوغان ومحاولة جلبه لحظيرة الطاعة.
ثانيًّا: استئناف الاحتجاجات في لبنان
نزل يوم السبت 6 حزيران/يونيو مئات المتظاهرين اللبنانيين إلى شوارع العاصمة المؤدية إلى البرلمان تحديدًا، في إشارة ترمز إلى سخط المحتجين على كافة القوى السياسية، احتجـاجًا على تردي الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقـب قرار اتخذته حـكومة سعد الحريري بفرض ضـريبة على تطبيق (واتساب) وهو الأمر الذي أشعل غضب الشعب في لبنان بكل أطيافه لتقوم على إثره قوى 14 أذار (سعد الحريري، سمير جعجع والرئيس السابق أمين الجميّل) بتحشيد الشارع حول شعارات تعيد مركزة الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية الطائفية؛ بهدف إضعاف نفوذ حزب الله وحلفائه في لبنان، وذلك تلبية لمتطلبات المرحلة التي شرعت فيها الولايات المتحدة بتضييق الخناق على النظام السوري والعراقي، وتقليم أظافر إيران وتحجيمها بموازاة الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ صفقة القرن نحو ضم القدس إلى الكيان الغاصب وفرض سيادته على الجولان ونقل علاقة الأنظمة العربية من التطبيع مع كيان يهود إلى التحالف معه.
وبعد أن نجحت أميركا في تغيير الحكومة العراقية المكبلة بقيود الفصائل الموالية لإيران تحت وطأة قصف فصائل الحشد الشعبي في سوريا والعراق، واغتيال قاسم سليماني، وبعد نجاحها في تصديع القاعدة الصلبة للنظام السوري ودفع روسيا للضغط عليه بخصوص متطلبات الانتقال السياسي، ومنها كف يد النظام عن عرقلة عمل اللجنة الدستورية بعد نجاحها في ذلك، لم يعُد من قبيل الصدفة أن يستأنف الحراك اللبناني نشاطه بموازاة ذلك كله، وبموازاة الشواهد المتضافرة على اقتراب التغيير في سوريا، وذلك لارتباط التغيير في سوريا ولبنان والعراق، والضغط على إيران بملف صفقة القرن، والانتخابات الأميركية التي انطلقت مبكرًا بعد أن جعل ترمب الصفقة التي تثير شهية اليمين الإنجيلي في أميركا، وتستدعي تأييدهم في الانتخابات، من لوازم فوزه بالرئاسة.
حيث من المفترض أن يُضاف إلى ما تم تحقيقه في تصفية قضية فلسطين، ضم غور الأردن؛ أي 30% من أراضي الضفة الغربية أو ما يعادل 50% من مساحة المنطقة (ج)، وهو ما صرح به نتنياهو في وقت سابق من الشهر الماضي، بالإضافة إلى تهيئة الظروف للحل الإقليمي الشامل، بإعادة هيكلة الأنظمة السياسية في كل من سوريا ولبنان، ووضعهما في المسار الاستسلامي بمعية الأردن التي تشتغل أميركا على هيكلتها لمعالجة ملف اللاجئين.
ولهذا ومع انطلاق أول موجة من الاحتجاجات اللبنانية بعد حظر كورونا، طالب المحتجون بإسقاط الحكومة التي ما تزال مكبلة بسطوة حزب الله وحركة أمل والجنرال عون، كما طالبوا بإجراء انتـخابات نيابية مبكرة، وتطبيق القرار الدولي 1559 الذي ينص على نزع "السـلاح غير الشـرعي في لبنان"، وهو مطلب يقف وراءه سياسيون لا محتجين، وهو الأمر الذي جعل ردة فعل حزب الله من خلال أنصاره تبدأ من قمة هرم التصعيد والتهديد؛ أي بالتلويح بحرب طائفية عبر تطاول أنصار حزب الله على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبخاصة أن حزب الله قد أدرك بأن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على الورقة الطائفية التي استنفدت أغراضها، وباتت تعمل على طيها، وتفعيل الهوية الوطنية في لبنان وسوريا والعراق، والتي تعطل المفاعيل الطائفية لإيران وفصائلها في التجييش الشعبي.
ولذلك ليس من المتوقع تصاعد النبرة الطائفية في الإعلام الموجه من قبل عملاء أميركا، إلا في إطار ضرب الطائفية لصالح الوطنية، وفي إطار عزل حزب الله وشيطنته ومحاصرته، وإرغامه على التنازل لقوى 14 آذار تحت الضغط الاقتصادي الذي يحرك الشارع ضده. وسيجد الحزب في التنازل دافعًا لتخلصه من تبعات العملية السلمية وصفقة القرن؛ ليتركها تلطخ صفحة التيار "السني", ويبقي على وصفه ضمن تيار المقاومة, وتكون أميركا في المحصلة قد حققت ما تريد من جر لبنان إلى صفقة القرن والتي بموجبها سيفقد سلاح حزب الله مفعوله.
15/شوال/1441هـ من إصدارات حزب التحرير
8/6/2020م
متابعة سياسية
حول إعلان السيسي واحتجاجات لبنان
أولًا: الغرض من اجتماع القاهرة بين السيسي وحفتر وعقيلة صالح
إن التشديد من قبل أميركا وأوروبا وروسيا على وقف إطلاق النار، وتفعيل الحل السياسي، يعني عدم السماح بتمدد القتال إلى الشرق الليبي؛ ولذلك كان الهدف من اتفاق القاهرة بين العملاء عبد الفتاح السيسي وحفتر وعقيلة صالح عندما أعلن السيسي أنه "لا يسمح لأي طرف بالحسم العسكري ويقصد حكومة الوفاق" هو إرسال رسالة إلى أهل ليبيا في المناطق الغربية أن لا تتجاوز عملية "عاصفة السلام" التي تقودها حكومة الوفاق مدينة سرت، ولهذا شنت طائرات مجهولة غارة على مواقع لقوات الوفاق حول مدينة سرت عقب اجتماع القاهرة وإصدار البيان، وبالتالي جعلت أميركا من مصر صمام أمان، وخط دفاع، عن الشرق الليبي لإجبار قوات طرابلس ومصراتة على التوقف عند سرت.
والتوقف عند سرت يعني أن تبقى مناطق النفط بيد الشرق كورقة ضغط لإخضاع الغرب الليبي للحل السياسي المقرر في "مؤتمر برلين" عبر الضغط الاقتصادي بتواطؤ من السراج الذي يحرص في زياراته لتركيا على اللقاء بسفير الولايات المتحدة الأميركية لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد والذي شدد بدوره على تنفيذ توصيات مؤتمر برلين وسبل تحقيقها.
ومن المتوقع أن تكثر المناورات السياسية من قبل القوى المسيطرة على الشرق، ومن قبل السراج والولايات المتحدة، من أجل الالتفاف على النتائج العسكرية التي حققتها حكومة الوفاق، مما سيجمد الوضع فترة من الزمن لتدجين أهل المنطقة الغربية، وتدعيم تماسك الجبهة الشرقية، التي يُخشى تفكك قاعدتها الشعبية بفعل الخسائر البشرية، وتقييم النتائج فيما إذا كان لا بد من إقصاء حفتر، واللجوء إلى تغيير الوجوه، أم سيخضع أهل الغرب لبقائه ضمن حكومة جديدة.
ويبدو أن السقف العالي لمطالب اتفاق القاهرة مقصودٌ، حتى يتم رفضه، ثم التوافق على ما هو مشترك في توصيات مؤتمر برلين. وأما تمسك القوى السياسية في حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي بتنحية حفتر فتهدف إلى كسب االتعاطف والتأييد الشعبي لحكومة الوفاق، ولا يستبعد أن يتم إقصاء حفتر لكسر الجمود بعد التيئيس والتدجين لتمكين الحكومة من تنفيذ توصيات مؤتمر برلين برعاية دولية، قد تتطلب نشر قوات أممية، ظاهر أمرها الفصل بين المتحاربين وحقن الدماء، وباطنها تثبيت الوقائع على الأرض، وأهمها إبقاء مناطق النفط خارج سيطرة الوفاق وتكبيل الفصائل المقاتلة.
وفي هذا السياق تحاول روسيا الاحتفاظ بموقع لها في الشرق الليبي كرادع لقوات الوفاق المتفوقة بفعل الدعم التركي، وحصر دورها في هذا الجانب الذي تدرك بأنه يحظى بترحيب أميركا التي تستثمر بدورها نقاط الخلاف بين تركيا وروسيا في استقطاب أردوغان ومحاولة جلبه لحظيرة الطاعة.
ثانيًّا: استئناف الاحتجاجات في لبنان
نزل يوم السبت 6 حزيران/يونيو مئات المتظاهرين اللبنانيين إلى شوارع العاصمة المؤدية إلى البرلمان تحديدًا، في إشارة ترمز إلى سخط المحتجين على كافة القوى السياسية، احتجـاجًا على تردي الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقـب قرار اتخذته حـكومة سعد الحريري بفرض ضـريبة على تطبيق (واتساب) وهو الأمر الذي أشعل غضب الشعب في لبنان بكل أطيافه لتقوم على إثره قوى 14 أذار (سعد الحريري، سمير جعجع والرئيس السابق أمين الجميّل) بتحشيد الشارع حول شعارات تعيد مركزة الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية الطائفية؛ بهدف إضعاف نفوذ حزب الله وحلفائه في لبنان، وذلك تلبية لمتطلبات المرحلة التي شرعت فيها الولايات المتحدة بتضييق الخناق على النظام السوري والعراقي، وتقليم أظافر إيران وتحجيمها بموازاة الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ صفقة القرن نحو ضم القدس إلى الكيان الغاصب وفرض سيادته على الجولان ونقل علاقة الأنظمة العربية من التطبيع مع كيان يهود إلى التحالف معه.
وبعد أن نجحت أميركا في تغيير الحكومة العراقية المكبلة بقيود الفصائل الموالية لإيران تحت وطأة قصف فصائل الحشد الشعبي في سوريا والعراق، واغتيال قاسم سليماني، وبعد نجاحها في تصديع القاعدة الصلبة للنظام السوري ودفع روسيا للضغط عليه بخصوص متطلبات الانتقال السياسي، ومنها كف يد النظام عن عرقلة عمل اللجنة الدستورية بعد نجاحها في ذلك، لم يعُد من قبيل الصدفة أن يستأنف الحراك اللبناني نشاطه بموازاة ذلك كله، وبموازاة الشواهد المتضافرة على اقتراب التغيير في سوريا، وذلك لارتباط التغيير في سوريا ولبنان والعراق، والضغط على إيران بملف صفقة القرن، والانتخابات الأميركية التي انطلقت مبكرًا بعد أن جعل ترمب الصفقة التي تثير شهية اليمين الإنجيلي في أميركا، وتستدعي تأييدهم في الانتخابات، من لوازم فوزه بالرئاسة.
حيث من المفترض أن يُضاف إلى ما تم تحقيقه في تصفية قضية فلسطين، ضم غور الأردن؛ أي 30% من أراضي الضفة الغربية أو ما يعادل 50% من مساحة المنطقة (ج)، وهو ما صرح به نتنياهو في وقت سابق من الشهر الماضي، بالإضافة إلى تهيئة الظروف للحل الإقليمي الشامل، بإعادة هيكلة الأنظمة السياسية في كل من سوريا ولبنان، ووضعهما في المسار الاستسلامي بمعية الأردن التي تشتغل أميركا على هيكلتها لمعالجة ملف اللاجئين.
ولهذا ومع انطلاق أول موجة من الاحتجاجات اللبنانية بعد حظر كورونا، طالب المحتجون بإسقاط الحكومة التي ما تزال مكبلة بسطوة حزب الله وحركة أمل والجنرال عون، كما طالبوا بإجراء انتـخابات نيابية مبكرة، وتطبيق القرار الدولي 1559 الذي ينص على نزع "السـلاح غير الشـرعي في لبنان"، وهو مطلب يقف وراءه سياسيون لا محتجين، وهو الأمر الذي جعل ردة فعل حزب الله من خلال أنصاره تبدأ من قمة هرم التصعيد والتهديد؛ أي بالتلويح بحرب طائفية عبر تطاول أنصار حزب الله على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبخاصة أن حزب الله قد أدرك بأن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على الورقة الطائفية التي استنفدت أغراضها، وباتت تعمل على طيها، وتفعيل الهوية الوطنية في لبنان وسوريا والعراق، والتي تعطل المفاعيل الطائفية لإيران وفصائلها في التجييش الشعبي.
ولذلك ليس من المتوقع تصاعد النبرة الطائفية في الإعلام الموجه من قبل عملاء أميركا، إلا في إطار ضرب الطائفية لصالح الوطنية، وفي إطار عزل حزب الله وشيطنته ومحاصرته، وإرغامه على التنازل لقوى 14 آذار تحت الضغط الاقتصادي الذي يحرك الشارع ضده. وسيجد الحزب في التنازل دافعًا لتخلصه من تبعات العملية السلمية وصفقة القرن؛ ليتركها تلطخ صفحة التيار "السني", ويبقي على وصفه ضمن تيار المقاومة, وتكون أميركا في المحصلة قد حققت ما تريد من جر لبنان إلى صفقة القرن والتي بموجبها سيفقد سلاح حزب الله مفعوله.
15/شوال/1441هـ من إصدارات حزب التحرير
8/6/2020م