Abu Taqi
03-01-2020, 09:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
حول اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني
في متابعتنا السابقة الصادرة في 1/1/2020م والمعنونة (الغارات الأميركية على مواقع الحشد الشعبي في العراق وسوريا وتداعياتها) توقعنا (تقويض قدرات الحشد الشعبي الذي يدعم سلطة بعض أبرز الأحزاب الشيعية). كما فهمنا من المعطيات السياسية أن الإجراءات التي تقتضيها مصالح الولايات المتحدة تقتضي معالجة جذرية ليس لقوات الحشد وحسب، بل إنها ستطال من يقف وراءها ونعني إيران (لا بد من معالجة جذرية فاعلة لواقع قوات الحشد الشعبي ومن يقف وراءها), ولم يطل الوقت حتى أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" اليوم الجمعة 3/1/2020، أن "الرئيس دونالد ترامب، هو من أصدر تعليمات تنفيذ عملية قتـل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من خلال غــارة جوية بالعراق". وقال البيان إن "الجيش الأميركي، وبتعليمات من الرئيس قتـل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المدرج من قبل واشنطن على قوائم الإرهـاب؛ ليخطو الجيش بذلك خطوة لحماية موظفي الولايات المتحدة"، وأردف البنتاغون في بيانه: "الجنرال قاسم سليماني وافق على الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في العراق هذا الأسبوع".
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر قد قال الخميس أنه يتوقع أن تقوم الفصائل الموالية لإيران في العراق بشن هجمات جديدة على القوات الأميركية، و"سنجعلهم يندمون عليها". وقال: "إننا نشهد استفزازات منذ أشهر"، مضيفًا أنه إذا علمت واشنطن بهجمات جديدة قيد التحضير "فسنتخذ إجراءات وقائية لحماية القوات الأميركية ولحماية أرواح أميركية".
وعقب الهجوم على مقرات الحشد الشعبي العراقي حرّض بعض المسؤولين الإيرانيين الحشد الشعبي علانية على ضرب القوات الأميركية في العراق، انتقامًا للهجوم الأميركي العنيف ضد قواعد الحشد في سوريا والعراق، واصفًا الولايات المتحدة بالضعف والعجز، مما يؤكد ما نوهنا اليه في متابعتنا السابقة أن هجوم الحشد الشعبي على القاعدة العسكرية في كركوك وقتل جندي أميركي كان مدبرًا بغرض تقويض الاحتجاجات، وافشال مساعي أميركا لإعادة تشكيل النظام العراقي، وإخراج إيران التي تتصرف بالعراق على أنها ملكية لها لا لأميركا من دائرة القرار في الحكومة العراقية، فضلًا عن إفشال سعي أميركا للجمها عن التجاوز واستغلال الفراغ السياسي في كيان يهود، ولا سيما وأن قضية اغتيال سليماني قد طُرحت من قبل رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في الإعلام الإسرائيلي منتصف شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث ذكر أن قائد فيلق القدس لم يخطئ بعد، بما يضعه في النادي المرموق لقائمة التصفيات المحتملة للموساد: "إنه يعلم جيدًا أن الإزالة المحتملة (الاغتيال) ليس شيئًا مستحيلًا".
وقاسم سليماني هو المسؤول الإيراني المباشر عن الملف الأمني والعسكري في الإقليم، وإن استهدافه من قبل الولايات المتحدة يحمل بعدًا استراتيجيًّا لما يمثله الرجل وهو تأكيد أميركي على التزامها حيال مشروعها للحل الإقليمي، بالإضافة إلى توجيهها رسالة قوية ليس لإضعاف الحشد الشعبي وأذرع إيران في المنطقة فحسب، بل ورسالة ردع لإيران بشأن انزلاقها المريب مع روسيا والصين في المناورات الأخيرة في المحيط الهندي.
ورغم أن قرارًا كبيرًا كقتل سليماني قد يتجاوز سياسة "حافة الهاوية" إلى الهاوية ذاتها، غير أنه لم يصاحبه تعبئة عسكرية أميركية بمستوى حرب إقليمية، كما لا يتوقع أن تتجرأ إيران على التمادي في إعاقة المشروع الأميركي في المنطقة حتى لو قامت برد شكلي لحفظ ماء الوجه.
واذا كان قتل القيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس سيرعب قادة الحشد الذين يتدخلون في السياسة وتشكيل الحكومة، فإن مقتل سليماني سيضعف نفوذ التيار المحافظ داخل إيران لحساب القوى الإصلاحية التي تآكلت شعبيتها تحت وطأة التردي الاقتصادي الناجم عن العقوبات الأميركية، وهو الأمر الذي قد يوفر لها مبررًا للحد من سياسة المواجهة مع أميركا والعودة إلى حدود وظيفتها، إذ ستسعى إلى الاحتفاظ بدورها كفزاعة في حدود ما يحقق مصالحها ومصالح الولايات المتحدة على حساب دول الجوار؛ لأنها تدرك أن حضورها في المشهد الإقليمي يعتمد على موافقة الولايات المتحدة نظرًا لعدم قبولها قوميًّا ومذهبيًّا، بخلاف تركيا التي تحظى بتأييد شعبي على مستوى العالم الإسلامي.
لا شك أن العملية لا تخلو من التجاذبات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وقد تضفي مزيدًا من الشعبية لترمب الذي حرص على أن يُمهر الهجوم باسمه شخصيًّا، في حين تصدى قادة من الحزب الديموقراطي لمحاولة الجمهوريين من جني ثمار العملية لتعزيز شعبيتهم. ففي تصريح له قال المرشح الرئاسي المحتمل جو بايدن: "لقد ألقى الرئيس ترمب بعود ديناميت على البارود"، وأضاف: "لن يبكي أحد على سليماني، لكن قتله سيزيد احتمال استهداف أميركيين". وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي: "سليماني كان عدوًا للولايات المتحدة، هذا ليس سؤالًا، السؤال هنا كما تشير التقارير، هل اغتالت أميركا للتو، دون أي إذن من الكونغرس، ثاني أقوى شخص في إيران، مما سيؤدى عن علم إلى اندلاع حرب إقليمية ضخمة محتملة؟". فيما قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي، كيفن مكارثي: "قاسم سليماني كان إرهابيًا، وكان مسؤولًا عن مقتل مئات الجنود الأميركيين وآلاف المدنيين السوريين الأبرياء. لقد نقل الأسلحة إلى العراق، واعتاد على مهاجمة جنودنا.. لن ندع الهجمات التي تقتل الأميركيين تمر دون عقاب".
كما علق عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الجمهوري مايكل والتز قائلًا إن: "قتل سليماني ردٌ طال انتظاره وهو الاستجابة المناسبة. سليماني هو القائد الفعلي للقوات الخاصة والمخابرات في إيران ويقدم تقارير مباشرة إلى آية الله ومسؤول عن مقتل مئات الجنود الأميركيين وآلاف الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة".
ورغم أن العملية برمتها لا تتعدى الفعل ورد الفعل في حدود محسوبة وقابلة للتحكم، إلا أن قابلية تفجر الوضع وتصعيده يتوقف على إذعان التيار الإيراني المحافظ للإرادة الأميركية في الشأن العراقي، والتخلي عن الطموحات التي تتجاوز الدور الوظيفي الإيراني، وتعيق أجندة أميركا في العراق وسوريا ولبنان وهو ما سيحصل على الأرجح.
ومرة أخرى تثبت أميركا أن لا أمان لها، وأن مصالحها هي فوق كل اعتبار، وصدق الله الذي قال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
8/جمادى الأولى/1441هـ
3/1/2020م
متابعة سياسية
حول اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني
في متابعتنا السابقة الصادرة في 1/1/2020م والمعنونة (الغارات الأميركية على مواقع الحشد الشعبي في العراق وسوريا وتداعياتها) توقعنا (تقويض قدرات الحشد الشعبي الذي يدعم سلطة بعض أبرز الأحزاب الشيعية). كما فهمنا من المعطيات السياسية أن الإجراءات التي تقتضيها مصالح الولايات المتحدة تقتضي معالجة جذرية ليس لقوات الحشد وحسب، بل إنها ستطال من يقف وراءها ونعني إيران (لا بد من معالجة جذرية فاعلة لواقع قوات الحشد الشعبي ومن يقف وراءها), ولم يطل الوقت حتى أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" اليوم الجمعة 3/1/2020، أن "الرئيس دونالد ترامب، هو من أصدر تعليمات تنفيذ عملية قتـل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من خلال غــارة جوية بالعراق". وقال البيان إن "الجيش الأميركي، وبتعليمات من الرئيس قتـل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المدرج من قبل واشنطن على قوائم الإرهـاب؛ ليخطو الجيش بذلك خطوة لحماية موظفي الولايات المتحدة"، وأردف البنتاغون في بيانه: "الجنرال قاسم سليماني وافق على الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في العراق هذا الأسبوع".
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر قد قال الخميس أنه يتوقع أن تقوم الفصائل الموالية لإيران في العراق بشن هجمات جديدة على القوات الأميركية، و"سنجعلهم يندمون عليها". وقال: "إننا نشهد استفزازات منذ أشهر"، مضيفًا أنه إذا علمت واشنطن بهجمات جديدة قيد التحضير "فسنتخذ إجراءات وقائية لحماية القوات الأميركية ولحماية أرواح أميركية".
وعقب الهجوم على مقرات الحشد الشعبي العراقي حرّض بعض المسؤولين الإيرانيين الحشد الشعبي علانية على ضرب القوات الأميركية في العراق، انتقامًا للهجوم الأميركي العنيف ضد قواعد الحشد في سوريا والعراق، واصفًا الولايات المتحدة بالضعف والعجز، مما يؤكد ما نوهنا اليه في متابعتنا السابقة أن هجوم الحشد الشعبي على القاعدة العسكرية في كركوك وقتل جندي أميركي كان مدبرًا بغرض تقويض الاحتجاجات، وافشال مساعي أميركا لإعادة تشكيل النظام العراقي، وإخراج إيران التي تتصرف بالعراق على أنها ملكية لها لا لأميركا من دائرة القرار في الحكومة العراقية، فضلًا عن إفشال سعي أميركا للجمها عن التجاوز واستغلال الفراغ السياسي في كيان يهود، ولا سيما وأن قضية اغتيال سليماني قد طُرحت من قبل رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في الإعلام الإسرائيلي منتصف شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث ذكر أن قائد فيلق القدس لم يخطئ بعد، بما يضعه في النادي المرموق لقائمة التصفيات المحتملة للموساد: "إنه يعلم جيدًا أن الإزالة المحتملة (الاغتيال) ليس شيئًا مستحيلًا".
وقاسم سليماني هو المسؤول الإيراني المباشر عن الملف الأمني والعسكري في الإقليم، وإن استهدافه من قبل الولايات المتحدة يحمل بعدًا استراتيجيًّا لما يمثله الرجل وهو تأكيد أميركي على التزامها حيال مشروعها للحل الإقليمي، بالإضافة إلى توجيهها رسالة قوية ليس لإضعاف الحشد الشعبي وأذرع إيران في المنطقة فحسب، بل ورسالة ردع لإيران بشأن انزلاقها المريب مع روسيا والصين في المناورات الأخيرة في المحيط الهندي.
ورغم أن قرارًا كبيرًا كقتل سليماني قد يتجاوز سياسة "حافة الهاوية" إلى الهاوية ذاتها، غير أنه لم يصاحبه تعبئة عسكرية أميركية بمستوى حرب إقليمية، كما لا يتوقع أن تتجرأ إيران على التمادي في إعاقة المشروع الأميركي في المنطقة حتى لو قامت برد شكلي لحفظ ماء الوجه.
واذا كان قتل القيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس سيرعب قادة الحشد الذين يتدخلون في السياسة وتشكيل الحكومة، فإن مقتل سليماني سيضعف نفوذ التيار المحافظ داخل إيران لحساب القوى الإصلاحية التي تآكلت شعبيتها تحت وطأة التردي الاقتصادي الناجم عن العقوبات الأميركية، وهو الأمر الذي قد يوفر لها مبررًا للحد من سياسة المواجهة مع أميركا والعودة إلى حدود وظيفتها، إذ ستسعى إلى الاحتفاظ بدورها كفزاعة في حدود ما يحقق مصالحها ومصالح الولايات المتحدة على حساب دول الجوار؛ لأنها تدرك أن حضورها في المشهد الإقليمي يعتمد على موافقة الولايات المتحدة نظرًا لعدم قبولها قوميًّا ومذهبيًّا، بخلاف تركيا التي تحظى بتأييد شعبي على مستوى العالم الإسلامي.
لا شك أن العملية لا تخلو من التجاذبات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وقد تضفي مزيدًا من الشعبية لترمب الذي حرص على أن يُمهر الهجوم باسمه شخصيًّا، في حين تصدى قادة من الحزب الديموقراطي لمحاولة الجمهوريين من جني ثمار العملية لتعزيز شعبيتهم. ففي تصريح له قال المرشح الرئاسي المحتمل جو بايدن: "لقد ألقى الرئيس ترمب بعود ديناميت على البارود"، وأضاف: "لن يبكي أحد على سليماني، لكن قتله سيزيد احتمال استهداف أميركيين". وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي: "سليماني كان عدوًا للولايات المتحدة، هذا ليس سؤالًا، السؤال هنا كما تشير التقارير، هل اغتالت أميركا للتو، دون أي إذن من الكونغرس، ثاني أقوى شخص في إيران، مما سيؤدى عن علم إلى اندلاع حرب إقليمية ضخمة محتملة؟". فيما قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي، كيفن مكارثي: "قاسم سليماني كان إرهابيًا، وكان مسؤولًا عن مقتل مئات الجنود الأميركيين وآلاف المدنيين السوريين الأبرياء. لقد نقل الأسلحة إلى العراق، واعتاد على مهاجمة جنودنا.. لن ندع الهجمات التي تقتل الأميركيين تمر دون عقاب".
كما علق عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الجمهوري مايكل والتز قائلًا إن: "قتل سليماني ردٌ طال انتظاره وهو الاستجابة المناسبة. سليماني هو القائد الفعلي للقوات الخاصة والمخابرات في إيران ويقدم تقارير مباشرة إلى آية الله ومسؤول عن مقتل مئات الجنود الأميركيين وآلاف الأشخاص في جميع أنحاء المنطقة".
ورغم أن العملية برمتها لا تتعدى الفعل ورد الفعل في حدود محسوبة وقابلة للتحكم، إلا أن قابلية تفجر الوضع وتصعيده يتوقف على إذعان التيار الإيراني المحافظ للإرادة الأميركية في الشأن العراقي، والتخلي عن الطموحات التي تتجاوز الدور الوظيفي الإيراني، وتعيق أجندة أميركا في العراق وسوريا ولبنان وهو ما سيحصل على الأرجح.
ومرة أخرى تثبت أميركا أن لا أمان لها، وأن مصالحها هي فوق كل اعتبار، وصدق الله الذي قال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
8/جمادى الأولى/1441هـ
3/1/2020م