Abu Taqi
02-01-2020, 07:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الغارات الأميركية على مواقع الحشد الشعبي في العراق وسوريا وتداعياتها
بعد قرابة شهر من تقديم عادل عبد المهدي استقالته يوم 30 تشرين ثاني/نوفمبر 2019 , ونظرًا لاستحقاق تسمية رئيس للوزراء يقوم بتشكيل حكومة تلبي مطالب الجماهير الرافضة لمشاركة الأحزاب السياسية، وبخاصة التي تشارك في قوات الحشد الشعبي، والتي تتهمها الجماهير بالفساد ونهب ثروات العراق وموالاة إيران، وهي المسؤولة في ذات الوقت عن القمع الشديد للتظاهرات، كان لا بد من تذليل بعض العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة.
ومن أبرز تلك العقبات تغول الأحزاب الشيعية على المشهد السياسي العراقي، مما همش من فاعلية المكونات الأخرى وأبرزها السنة، وهو ما يتعارض مع ما تتطلبه السياسة الأميركية في المنطقة حاليًّا، من استبعاد الاعتماد على الورقة الطائفية لإبراز سلطة الشعوب والتي تستدعي بدورها إعادة هيكلة الأنظمة في المنطقة.
ولما كانت قوات الحشد الشعبي التي تشارك فيها معظم الأحزاب الشيعية الفاعلة تمنح تلك الأحزاب قدرة إضافية للاستقواء على سلطة الدولة، فضلًا عن الاستقواء على مكونات الشعب العراقي الأخرى، وفي ذات الوقت تعتبر مخلبًا قويًّا لإيران في العراق؛ لذلك كان لا بد من معالجة جذرية فاعلة لواقع قوات الحشد الشعبي ومن يقف وراءها، واستقوائها على السلطة التنفيذية بخاصة.
ويبدو أن هجوم الحشد الشعبي على قاعدة للقوات الأميركية في كركوك كان مدبرًا مع الإيرانيين لاستفزاز أميركا لرد فعل عسكري يحرف بوصلة الاحتجاجات الشعبية، وبخاصة بعد أن فشلت إيران في المحافظة على ولاء "المكون الشيعي" العراقي وتلافي غضبه عليها، إلا أن عنف الرد الأميركي كان رسالة تحذير أميركية لإيران، ورسالة قوية للحشد الشعبي الذي أعلن عن مقتل 15 جنديًّا من مقاتليه بينهم قيادي في حزب الله العراقي، بالإضافة إلى أنه محاولة لتعميق الغضب الشعبي على إيران وأذرعها في الحشد الشعبي، باعتبار أن النفوذ الإيراني في العراق واستغلال الحشد الشعبي لتحقيق مصالح إيران هو المسؤول عن معاناتهم وقتل أبنائهم، كما أن استهداف أميركا لقيادة قاطع عمليات الجزيرة في محافظة الأنبار هو لتحريض المكون السني وتشجيعهم بالتحرك ضد الوجود الإيراني في العراق. ورسالة التحذير هذه قد جاءت واضحة وصريحة في تركيز التصريحات الأميركية على مسؤولية إيران عن ردود الفعل الأميركية، وهو ما جاء على لسان المبعوث الأميركي المعني بالشؤون الإيرانية، برايان هوك "إن الولايات المتحدة لن تتسامح مع هجمات ضد مواقعها ومواطنيها".
وكانت إيران قد استغلت الرد الأميركي والذي يبدو أنه لم يكن متوقعًا أن يكون بمثل العنف الذي حصل به، حيث دفعت بقادة الحشد الشعبي المرتبطين بها بينهم هادي العامري وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس على رأس الاحتجاجات في المنطقة الخضراء واقتحام السفارة الأميركية ،والذين نجحوا بتحويل هتاف الجماهير من "إيران برا برا" إلى "أميركا برا برا"، وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فإن القوات العراقية، التي تغلق الطريق المؤدية الى السفارة الأميركية "لم تمنع المحتجين من دخول الشارع المؤدي إلى السفارة واقتحامها وإحراق العلم الأميركي والهتاف بشعارات ضد أميركا"، الأمر الذي يدل على تواطؤ أمني وتدبير مسبق لتوظيف الحدث لصالح إيران وأذرعها في العراق, إلا أن التراجع السريع عن الاعتصام المفتوح أمام السفارة الأميركية والذي قررته قيادات الحشد, يرجح أنه يشير إلى بدايات لجم سلطة الحشد بعد استشعاره ثقل الضغوط وضرورة الاستجابة لها.
لقد أثار اقتحام السفارة الأميركية ببغداد انتقادات واسعة تناول بعضها ضعف سلطة الدولة، ومخالفتها للأعراف الدولية في حماية البعثات الدبلوماسية، وتناولت انتقادات أخرى علاقة إيران بالهجوم على السفارة الأميركية, بل واتهم الرئيس الأميركي إيران مهددًا إيَّاها على حد وصفه، وليس محذرًا لإبراز الانعكاسات الخطيرة لتجاوزات قوات الحشد التي يعتبرها ذراعًا لإيران، في الوقت الذي تحدث داعمًا للمتظاهرين المطالبين بالإصلاحات ونبذ الطائفية وإقصاء الأحزاب من المشاركة في الحكومة القادمة، والذين يرون كذلك ضرورة طرد النفوذ الإيراني من العراق لأنه يصادر الإرادة السياسية للبلاد بوقوفه خلف الأحزاب السياسية المسيطرة على السلطة والمتهمة كذلك بالفساد ونهب مقدرات البلاد.
ويعزز من الضغوط لمحاصرة تركيبة النظام الحالي القائم في العراق والعمل على تغييره أن أبرز خيارات المتظاهرين المنادين بالإصلاحات لتشكيل الحكومة القادمة هما الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة "الإرهاب" السابق، والذي أقصته حكومة عادل عبد المهدي أو قائدها الحالي الأسدي، ومن الجدير الإشارة إليه أن قيادة تلك القوات ذكرت مؤخرًا أنها لم تكن مكلفة بحماية البعثات الدبلوماسية، ويشير تصريحها هذا أن ما حصل من مهاجمة السفارة لم يكن ليحصل لو كانت مكلفة بحماية البعثات الدبلوماسية، في رسالة إلى الجمهور أنها قادرة على ضبط الحشد الشعبي لو تولى أحد قادته زمام الأمور وشكل الحكومة الجديدة.
إن تقويض قدرات الحشد الشعبي الذي يدعم سلطة بعض أبرز الأحزاب الشيعية، والذي بات مكروهًا عند قسم وافر من الشعب العراقي لتسلطه وبطشه، وعند قسم وافر من أتباع المذهب الشيعي لمساندته لتلك الأحزاب المتهمة بنهب البلاد ومقدراتها, سيكون البوابة الواسعة لإعادة هيكلة النظام العراقي بما تتطلبه السياسة الخارجية الأميركية تجاه العراق والمنطقة، وسيدرك كل من وثق بأميركا وساعدها في سيطرتها على العراق، أن أميركا لا يعنيها سوى مصالحها, وأنهم أقل واهون من أن تهتم لمصيرهم مهما ضحوا من أجل إرضائها. وأن ما تحرض الناس عليه بواسطة أذنابها وتغلفه بألفاظ ومصطلحات معسولة مثل المناداة بالإصلاحات و"الدولة المدنية" وحتى العداء لإيران، إنما هو خداع تبتغي من ورائه تحقيق أهداف تخدم مصالحها من مثل تحويل العداء نحو إيران بديلًا عن العداء لكيان يهود.
لقد صدق الرئيس الباكستاني الراحل الذي قال بعد فوات الأوان، أن ليس لأميركا صديق، وإن من يتعامل مع أميركا كالذي يتاجر في الفحم لا يناله سوى سواد الوجه واليدين، فهل يراجع من سبق أن باعوا أنفسهم لأميركا ودول الغرب والشرق أنفسهم ويثوبوا إلى رشدهم، وينبذوا كل علاقة ولاء لهم بالكفار الذين لن ينفكوا عن الكيد لدينهم وأمتهم، ولن ينجوا من أذاهم غالبًا مسلم، وقد سبق لشاه إيران أن قال: لقد رمتني أميركا خارج طهران، كما ترمي الفأر الميت.
6/جمادى الأولى/1441هـ
1/1/2020م
متابعة سياسية
الغارات الأميركية على مواقع الحشد الشعبي في العراق وسوريا وتداعياتها
بعد قرابة شهر من تقديم عادل عبد المهدي استقالته يوم 30 تشرين ثاني/نوفمبر 2019 , ونظرًا لاستحقاق تسمية رئيس للوزراء يقوم بتشكيل حكومة تلبي مطالب الجماهير الرافضة لمشاركة الأحزاب السياسية، وبخاصة التي تشارك في قوات الحشد الشعبي، والتي تتهمها الجماهير بالفساد ونهب ثروات العراق وموالاة إيران، وهي المسؤولة في ذات الوقت عن القمع الشديد للتظاهرات، كان لا بد من تذليل بعض العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة.
ومن أبرز تلك العقبات تغول الأحزاب الشيعية على المشهد السياسي العراقي، مما همش من فاعلية المكونات الأخرى وأبرزها السنة، وهو ما يتعارض مع ما تتطلبه السياسة الأميركية في المنطقة حاليًّا، من استبعاد الاعتماد على الورقة الطائفية لإبراز سلطة الشعوب والتي تستدعي بدورها إعادة هيكلة الأنظمة في المنطقة.
ولما كانت قوات الحشد الشعبي التي تشارك فيها معظم الأحزاب الشيعية الفاعلة تمنح تلك الأحزاب قدرة إضافية للاستقواء على سلطة الدولة، فضلًا عن الاستقواء على مكونات الشعب العراقي الأخرى، وفي ذات الوقت تعتبر مخلبًا قويًّا لإيران في العراق؛ لذلك كان لا بد من معالجة جذرية فاعلة لواقع قوات الحشد الشعبي ومن يقف وراءها، واستقوائها على السلطة التنفيذية بخاصة.
ويبدو أن هجوم الحشد الشعبي على قاعدة للقوات الأميركية في كركوك كان مدبرًا مع الإيرانيين لاستفزاز أميركا لرد فعل عسكري يحرف بوصلة الاحتجاجات الشعبية، وبخاصة بعد أن فشلت إيران في المحافظة على ولاء "المكون الشيعي" العراقي وتلافي غضبه عليها، إلا أن عنف الرد الأميركي كان رسالة تحذير أميركية لإيران، ورسالة قوية للحشد الشعبي الذي أعلن عن مقتل 15 جنديًّا من مقاتليه بينهم قيادي في حزب الله العراقي، بالإضافة إلى أنه محاولة لتعميق الغضب الشعبي على إيران وأذرعها في الحشد الشعبي، باعتبار أن النفوذ الإيراني في العراق واستغلال الحشد الشعبي لتحقيق مصالح إيران هو المسؤول عن معاناتهم وقتل أبنائهم، كما أن استهداف أميركا لقيادة قاطع عمليات الجزيرة في محافظة الأنبار هو لتحريض المكون السني وتشجيعهم بالتحرك ضد الوجود الإيراني في العراق. ورسالة التحذير هذه قد جاءت واضحة وصريحة في تركيز التصريحات الأميركية على مسؤولية إيران عن ردود الفعل الأميركية، وهو ما جاء على لسان المبعوث الأميركي المعني بالشؤون الإيرانية، برايان هوك "إن الولايات المتحدة لن تتسامح مع هجمات ضد مواقعها ومواطنيها".
وكانت إيران قد استغلت الرد الأميركي والذي يبدو أنه لم يكن متوقعًا أن يكون بمثل العنف الذي حصل به، حيث دفعت بقادة الحشد الشعبي المرتبطين بها بينهم هادي العامري وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس على رأس الاحتجاجات في المنطقة الخضراء واقتحام السفارة الأميركية ،والذين نجحوا بتحويل هتاف الجماهير من "إيران برا برا" إلى "أميركا برا برا"، وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فإن القوات العراقية، التي تغلق الطريق المؤدية الى السفارة الأميركية "لم تمنع المحتجين من دخول الشارع المؤدي إلى السفارة واقتحامها وإحراق العلم الأميركي والهتاف بشعارات ضد أميركا"، الأمر الذي يدل على تواطؤ أمني وتدبير مسبق لتوظيف الحدث لصالح إيران وأذرعها في العراق, إلا أن التراجع السريع عن الاعتصام المفتوح أمام السفارة الأميركية والذي قررته قيادات الحشد, يرجح أنه يشير إلى بدايات لجم سلطة الحشد بعد استشعاره ثقل الضغوط وضرورة الاستجابة لها.
لقد أثار اقتحام السفارة الأميركية ببغداد انتقادات واسعة تناول بعضها ضعف سلطة الدولة، ومخالفتها للأعراف الدولية في حماية البعثات الدبلوماسية، وتناولت انتقادات أخرى علاقة إيران بالهجوم على السفارة الأميركية, بل واتهم الرئيس الأميركي إيران مهددًا إيَّاها على حد وصفه، وليس محذرًا لإبراز الانعكاسات الخطيرة لتجاوزات قوات الحشد التي يعتبرها ذراعًا لإيران، في الوقت الذي تحدث داعمًا للمتظاهرين المطالبين بالإصلاحات ونبذ الطائفية وإقصاء الأحزاب من المشاركة في الحكومة القادمة، والذين يرون كذلك ضرورة طرد النفوذ الإيراني من العراق لأنه يصادر الإرادة السياسية للبلاد بوقوفه خلف الأحزاب السياسية المسيطرة على السلطة والمتهمة كذلك بالفساد ونهب مقدرات البلاد.
ويعزز من الضغوط لمحاصرة تركيبة النظام الحالي القائم في العراق والعمل على تغييره أن أبرز خيارات المتظاهرين المنادين بالإصلاحات لتشكيل الحكومة القادمة هما الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة "الإرهاب" السابق، والذي أقصته حكومة عادل عبد المهدي أو قائدها الحالي الأسدي، ومن الجدير الإشارة إليه أن قيادة تلك القوات ذكرت مؤخرًا أنها لم تكن مكلفة بحماية البعثات الدبلوماسية، ويشير تصريحها هذا أن ما حصل من مهاجمة السفارة لم يكن ليحصل لو كانت مكلفة بحماية البعثات الدبلوماسية، في رسالة إلى الجمهور أنها قادرة على ضبط الحشد الشعبي لو تولى أحد قادته زمام الأمور وشكل الحكومة الجديدة.
إن تقويض قدرات الحشد الشعبي الذي يدعم سلطة بعض أبرز الأحزاب الشيعية، والذي بات مكروهًا عند قسم وافر من الشعب العراقي لتسلطه وبطشه، وعند قسم وافر من أتباع المذهب الشيعي لمساندته لتلك الأحزاب المتهمة بنهب البلاد ومقدراتها, سيكون البوابة الواسعة لإعادة هيكلة النظام العراقي بما تتطلبه السياسة الخارجية الأميركية تجاه العراق والمنطقة، وسيدرك كل من وثق بأميركا وساعدها في سيطرتها على العراق، أن أميركا لا يعنيها سوى مصالحها, وأنهم أقل واهون من أن تهتم لمصيرهم مهما ضحوا من أجل إرضائها. وأن ما تحرض الناس عليه بواسطة أذنابها وتغلفه بألفاظ ومصطلحات معسولة مثل المناداة بالإصلاحات و"الدولة المدنية" وحتى العداء لإيران، إنما هو خداع تبتغي من ورائه تحقيق أهداف تخدم مصالحها من مثل تحويل العداء نحو إيران بديلًا عن العداء لكيان يهود.
لقد صدق الرئيس الباكستاني الراحل الذي قال بعد فوات الأوان، أن ليس لأميركا صديق، وإن من يتعامل مع أميركا كالذي يتاجر في الفحم لا يناله سوى سواد الوجه واليدين، فهل يراجع من سبق أن باعوا أنفسهم لأميركا ودول الغرب والشرق أنفسهم ويثوبوا إلى رشدهم، وينبذوا كل علاقة ولاء لهم بالكفار الذين لن ينفكوا عن الكيد لدينهم وأمتهم، ولن ينجوا من أذاهم غالبًا مسلم، وقد سبق لشاه إيران أن قال: لقد رمتني أميركا خارج طهران، كما ترمي الفأر الميت.
6/جمادى الأولى/1441هـ
1/1/2020م