Abu Taqi
26-12-2019, 10:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
لبنان، الأردن، الاحتجاجات العربية
أولًا: وسط استمرار الحراك توصلت أغلب الكتل النيابية اللبنانية إلى تسمية حسان دياب رئيسًا جديدًا للوزراء، وبحسب ما تداوله الإعلام فقد حصل على 69 صوتًا من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والتكتل الوطني والحزب القومي واللقاء التشاوري، بينما لم يصوت له من تيار الحريري سوى 6 نواب.
وهذا الرئيس الذي يعد مستقلًا وتكنوقراطيا هو وزير سابق ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت.
إن الخط العريض للقضية اللبنانية ينطلق من كون الأجندة الأميركية لما يسمى بدول المواجهة تقوم على تحويل بوصلة العداء نحو إيران، تمهيدًا للحل الإقليمي الذي يطبع كيان يهود في المنطقة، وهو ما يتولى القيام به ابن سلمان وابن زايد فيما يفاخر به نتنياهو ويوظفه في حملته الانتخابية.
والمطلوب هو إزالة تلك العقبات التي تعترض نقل لبنان إلى معسكر العداء لإيران من خلال تحرير الحكومة اللبنانية من هيمنة حزب الله وتجريده من سلاحه الأمر الذي يستوجب إعادة مركزة الهوية الوطنية بدل الهوية الطائفية التي تُكسب أذرع إيران تفوقُا في لبنان. وهو الهدف الذي لم يتمكن الحريري من إحرازه، حيث لم تتمكن حكومة الحريري طيلة ولايتها من طرح "الاستراتيجية الدفاعية" التي يتمترس خلفها حزب الله لحماية سلاحه للنقاش ولم تتمكن من إجبار الحزب على الانسحاب من سوريا.
فبات الدعم الخارجي الذي ينقذ لبنان من الانهيار الاقتصادي مرهونًا بتلبية مطالب الحراك المنسجمة تمامًا مع مطالب الدول المانحة، وهي تشكيل حكومة تكنوقراط تضع حزب الله خارج دائرة القرار، تمهيدًا لسحب سلاحه، وتشديد العقوبات الاقتصادية عليه، ونقل لبنان إلى معسكر المواجهة مع إيران.
كان حزب الله وفريقه يفضلون بقاء الحريري باعتبار أنه يمثل مصالح أميركا، ومن أجل الحفاظ على الصيغة الطائفية التي يتغذى عليها حزب الله وفريقه، عوضًا عن حكومة كفاءات تقوض نفوذه في الحكومة، ومن أجل تقاسم مسؤولية تردي الأوضاع الداخلية مع خصومه، لكنه لم ينجح، ومما زاد الطين بلة هو تحفظ الحريري وحزبه عن تسمية حسان دياب الأمر الذي يسحب الغطاء "السني" عن الحكومة ويُفرد حزب الله وفريقه بمسؤولية التردي وحدهم ويزيد من ضغط الحراك عليهم.
ثانيًّا: لقد بات تواطؤ النظام الأردني في تصفية قضية فلسطين على حساب الكيان الأردني لقاء سلامة الأسرة الملكية وتوريث الحكم أوضح من أي وقت مضى، ففي لقاء مع الوزير السابق عدنان أبو عودة مؤخرًا ذكر بأنه قد أُبلِغ سنة 1991من قبل وزير خارجية أميركا أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية مطلقًا. وهذا الأمر قد بدا واضحًا في سياسة الولايات المتحدة حيال القدس واللاجئين، والضغط على اقتصاد الأردن، وهو سبب تصعيد المعارضة الأردنية المنتفعة من صراع أجهزة الدولة وتربصهم بأخطاء الملك وزوجه ورجاله, والمنتفعة أيضًا من تصفية حسابات رجال الدولة فيما بينهم ونشر غسيلهم القذر الذي يسربونه للمعارضة. وكل ذلك يصب في صالح التغييرات المطلوبة أميركيًّا في الدستور كصلاحيات الملك والقانون الانتخابي والحكومة البرلمانية.
ومن أبرز المؤشرات على ضبط النظام سياسته الداخلية بمقتضى الحل الإقليمي هو إعادة هيكلة الجيش، وتقليصه وتخفيض فاعليته في التعاطي مع التهديدات الخارجية وإضعافه؛ لتوفير مبرر للحكومات البرلمانية في المستقبل ذات الولاية على الجيش للتخاذل عن واجبها نحو فلسطين، فيما تجري تقويةُ مديرية الأمن ودمجها مع قوات الدرك وتعيين اللواء حسين الحواتمة على رأسها تمهيدًا لمرحلة قمعية تتطلب عقلية "دركية" لإدارة الأمن وتغيير عقيدته الأمنية لضمان صياغة النظام وانتقال السلطة، ومن أجل التعاطي مع أي تمرد شعبي على مخرجات الحل الإقليمي ولجمه، وبخاصة إذا شرعت الحكومة الإسرائيلية بضم غور الأردن والذي في حال حدوثه يلغي خيار الكونفدرالية ويجعل الوطن البديل خيارًا وحيدًا. ويجري ذلك كله وسط تحويل اهتمام الناس إلى الجانب الاقتصادي والفساد الإداري على حساب القضايا السياسية الجوهرية التي ستكون ثمنًا باهظًا لمطالب الشعب المعيشية.
ومن حانب آخر نشرت ميدل إيست آي أن وزير الخارجية الإسرائيلي "إسرائيل كاتز" قد سعى في بداية شهر تشرين أول/أكتوبر للحصول على اتفاقيات "عدم اعتداء" مع دول الخليج العربية كمقدمة لاتفاقيات سلام محتملة في المستقبل. وكتب كاتز على تويتر: "لقد قمت مؤخرًا بتشجيع مبادرة سياسية لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج العربي ، بدعم من الولايات المتحدة". وأنه قد "ناقش المبادرة مع وزراء الخارجية العرب الذين لم يكشف عن هويتهم والمبعوث السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، جيسون غرينبلات، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر". وهو ما يدل على موافقة الدول العربية على كافة الإجراءات التي اتخذت لتصفية القضية منذ تولي ترمب الحكم في أميركا، وأن تظاهر الزعماء العرب برفض ما سمي بصفقة القرن هو للاستهلاك الإعلامي.
ثالثًا: لا يعتبر حراك المعارضة الأردنية حراكًا شعبيًّا وإن كان يعبر عن بعض مطالبه في التخلص من الفساد والظلم, وذلك أنه يجعل من العنصرية قيمة تعلو على قيمة المساواة التي توجبها ديموقراطيتهم التي ينادون بها, فهو لا يمثل إرادة الجمهور لأن بعضًا من أبرز ما يطالب به يتناقض أولًا وقبل كل شيء مع الإسلام الذي يدين به غالبية أهل الأردن, فخطاب المعارضة يتزود وقوده ويستمد شرعيته من العلمانية؛ لأن الدين يحرم التمييز بين إخوة الإسلام على أساس عرقي, ويرفض الملكية الدستورية, وكافة أشكال الحكم المنبثقة عن مخلفات الفكر السياسي الحداثي. وإن إعلانهم رفض "الدولة الدينية" في خطاباتهم ليس هو رفضًا للدولة الدينية الثيوقراطية وإنما هو رفض لإقامة الحكم على أساس الإسلام وهذا تحدٍ صريحٍ لله ولإرادة أهل الأردن المسلمين ومغازلة للقوى الدولية الكافرة وتطمينًا لكيان يهود.
رابعًا: الجديد في التحايل على الاحتجاجات في البلاد العربية ليس تنصيب حكام دمى لا يُحسبون على توجه معين فحسب، بل في الحفاظ على أوتاد النظام المتمثلة بالدولة العميقة، وعلى الأحزاب السياسية بعيدًا عن المسؤولية المباشرة والنقد من أجل القيام بدور صمام الأمان في احتواء حركة الجماهير وتأطيرها أو بدور قطعة الإسفنج التي تمتص غضب الشعب وتفرغه بمطالب شكلية، كتغيير دمية بأخرى من أرصدة العملاء أو ممن يقبل بدور الدمية في يد العملاء. وهذا ملاحظ في السودان وتونس والجزائر، ومطالب الحراك الشعبي في العراق ولبنان، وما يجري التمهيد له بقانون القيصر الموجه ضد النظام السوري، والذي من شأنه أن يفرز الولاءات، ويحدد مواصفات قادة سوريا، ويحصر اختيارهم بيد الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.
29/ربيع الآخر/1441هـ
26/12/2019م
متابعة سياسية
لبنان، الأردن، الاحتجاجات العربية
أولًا: وسط استمرار الحراك توصلت أغلب الكتل النيابية اللبنانية إلى تسمية حسان دياب رئيسًا جديدًا للوزراء، وبحسب ما تداوله الإعلام فقد حصل على 69 صوتًا من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة والتكتل الوطني والحزب القومي واللقاء التشاوري، بينما لم يصوت له من تيار الحريري سوى 6 نواب.
وهذا الرئيس الذي يعد مستقلًا وتكنوقراطيا هو وزير سابق ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت.
إن الخط العريض للقضية اللبنانية ينطلق من كون الأجندة الأميركية لما يسمى بدول المواجهة تقوم على تحويل بوصلة العداء نحو إيران، تمهيدًا للحل الإقليمي الذي يطبع كيان يهود في المنطقة، وهو ما يتولى القيام به ابن سلمان وابن زايد فيما يفاخر به نتنياهو ويوظفه في حملته الانتخابية.
والمطلوب هو إزالة تلك العقبات التي تعترض نقل لبنان إلى معسكر العداء لإيران من خلال تحرير الحكومة اللبنانية من هيمنة حزب الله وتجريده من سلاحه الأمر الذي يستوجب إعادة مركزة الهوية الوطنية بدل الهوية الطائفية التي تُكسب أذرع إيران تفوقُا في لبنان. وهو الهدف الذي لم يتمكن الحريري من إحرازه، حيث لم تتمكن حكومة الحريري طيلة ولايتها من طرح "الاستراتيجية الدفاعية" التي يتمترس خلفها حزب الله لحماية سلاحه للنقاش ولم تتمكن من إجبار الحزب على الانسحاب من سوريا.
فبات الدعم الخارجي الذي ينقذ لبنان من الانهيار الاقتصادي مرهونًا بتلبية مطالب الحراك المنسجمة تمامًا مع مطالب الدول المانحة، وهي تشكيل حكومة تكنوقراط تضع حزب الله خارج دائرة القرار، تمهيدًا لسحب سلاحه، وتشديد العقوبات الاقتصادية عليه، ونقل لبنان إلى معسكر المواجهة مع إيران.
كان حزب الله وفريقه يفضلون بقاء الحريري باعتبار أنه يمثل مصالح أميركا، ومن أجل الحفاظ على الصيغة الطائفية التي يتغذى عليها حزب الله وفريقه، عوضًا عن حكومة كفاءات تقوض نفوذه في الحكومة، ومن أجل تقاسم مسؤولية تردي الأوضاع الداخلية مع خصومه، لكنه لم ينجح، ومما زاد الطين بلة هو تحفظ الحريري وحزبه عن تسمية حسان دياب الأمر الذي يسحب الغطاء "السني" عن الحكومة ويُفرد حزب الله وفريقه بمسؤولية التردي وحدهم ويزيد من ضغط الحراك عليهم.
ثانيًّا: لقد بات تواطؤ النظام الأردني في تصفية قضية فلسطين على حساب الكيان الأردني لقاء سلامة الأسرة الملكية وتوريث الحكم أوضح من أي وقت مضى، ففي لقاء مع الوزير السابق عدنان أبو عودة مؤخرًا ذكر بأنه قد أُبلِغ سنة 1991من قبل وزير خارجية أميركا أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية مطلقًا. وهذا الأمر قد بدا واضحًا في سياسة الولايات المتحدة حيال القدس واللاجئين، والضغط على اقتصاد الأردن، وهو سبب تصعيد المعارضة الأردنية المنتفعة من صراع أجهزة الدولة وتربصهم بأخطاء الملك وزوجه ورجاله, والمنتفعة أيضًا من تصفية حسابات رجال الدولة فيما بينهم ونشر غسيلهم القذر الذي يسربونه للمعارضة. وكل ذلك يصب في صالح التغييرات المطلوبة أميركيًّا في الدستور كصلاحيات الملك والقانون الانتخابي والحكومة البرلمانية.
ومن أبرز المؤشرات على ضبط النظام سياسته الداخلية بمقتضى الحل الإقليمي هو إعادة هيكلة الجيش، وتقليصه وتخفيض فاعليته في التعاطي مع التهديدات الخارجية وإضعافه؛ لتوفير مبرر للحكومات البرلمانية في المستقبل ذات الولاية على الجيش للتخاذل عن واجبها نحو فلسطين، فيما تجري تقويةُ مديرية الأمن ودمجها مع قوات الدرك وتعيين اللواء حسين الحواتمة على رأسها تمهيدًا لمرحلة قمعية تتطلب عقلية "دركية" لإدارة الأمن وتغيير عقيدته الأمنية لضمان صياغة النظام وانتقال السلطة، ومن أجل التعاطي مع أي تمرد شعبي على مخرجات الحل الإقليمي ولجمه، وبخاصة إذا شرعت الحكومة الإسرائيلية بضم غور الأردن والذي في حال حدوثه يلغي خيار الكونفدرالية ويجعل الوطن البديل خيارًا وحيدًا. ويجري ذلك كله وسط تحويل اهتمام الناس إلى الجانب الاقتصادي والفساد الإداري على حساب القضايا السياسية الجوهرية التي ستكون ثمنًا باهظًا لمطالب الشعب المعيشية.
ومن حانب آخر نشرت ميدل إيست آي أن وزير الخارجية الإسرائيلي "إسرائيل كاتز" قد سعى في بداية شهر تشرين أول/أكتوبر للحصول على اتفاقيات "عدم اعتداء" مع دول الخليج العربية كمقدمة لاتفاقيات سلام محتملة في المستقبل. وكتب كاتز على تويتر: "لقد قمت مؤخرًا بتشجيع مبادرة سياسية لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج العربي ، بدعم من الولايات المتحدة". وأنه قد "ناقش المبادرة مع وزراء الخارجية العرب الذين لم يكشف عن هويتهم والمبعوث السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، جيسون غرينبلات، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر". وهو ما يدل على موافقة الدول العربية على كافة الإجراءات التي اتخذت لتصفية القضية منذ تولي ترمب الحكم في أميركا، وأن تظاهر الزعماء العرب برفض ما سمي بصفقة القرن هو للاستهلاك الإعلامي.
ثالثًا: لا يعتبر حراك المعارضة الأردنية حراكًا شعبيًّا وإن كان يعبر عن بعض مطالبه في التخلص من الفساد والظلم, وذلك أنه يجعل من العنصرية قيمة تعلو على قيمة المساواة التي توجبها ديموقراطيتهم التي ينادون بها, فهو لا يمثل إرادة الجمهور لأن بعضًا من أبرز ما يطالب به يتناقض أولًا وقبل كل شيء مع الإسلام الذي يدين به غالبية أهل الأردن, فخطاب المعارضة يتزود وقوده ويستمد شرعيته من العلمانية؛ لأن الدين يحرم التمييز بين إخوة الإسلام على أساس عرقي, ويرفض الملكية الدستورية, وكافة أشكال الحكم المنبثقة عن مخلفات الفكر السياسي الحداثي. وإن إعلانهم رفض "الدولة الدينية" في خطاباتهم ليس هو رفضًا للدولة الدينية الثيوقراطية وإنما هو رفض لإقامة الحكم على أساس الإسلام وهذا تحدٍ صريحٍ لله ولإرادة أهل الأردن المسلمين ومغازلة للقوى الدولية الكافرة وتطمينًا لكيان يهود.
رابعًا: الجديد في التحايل على الاحتجاجات في البلاد العربية ليس تنصيب حكام دمى لا يُحسبون على توجه معين فحسب، بل في الحفاظ على أوتاد النظام المتمثلة بالدولة العميقة، وعلى الأحزاب السياسية بعيدًا عن المسؤولية المباشرة والنقد من أجل القيام بدور صمام الأمان في احتواء حركة الجماهير وتأطيرها أو بدور قطعة الإسفنج التي تمتص غضب الشعب وتفرغه بمطالب شكلية، كتغيير دمية بأخرى من أرصدة العملاء أو ممن يقبل بدور الدمية في يد العملاء. وهذا ملاحظ في السودان وتونس والجزائر، ومطالب الحراك الشعبي في العراق ولبنان، وما يجري التمهيد له بقانون القيصر الموجه ضد النظام السوري، والذي من شأنه أن يفرز الولاءات، ويحدد مواصفات قادة سوريا، ويحصر اختيارهم بيد الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.
29/ربيع الآخر/1441هـ
26/12/2019م