Abu Taqi
18-12-2019, 11:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
حول
التفرد الأميركي، تركيا، بريطانيا، الدولة العميقة
1- لا تزال الولايات المتحدة متفردة في الموقف الدولي منذ سنة 1990، لكنها تواجه صعوبات واقعية ومستجدات في الإدارة والتنفيذ، كما أن التفرد في الموقف الدولي لا يعني أن الدول تتسابق لتنفيذ قرارات الدولة الأولى، لكنه يعني أنها المرجع الأول وصاحبة الكلمة المؤثرة في الشؤون الدولية.
والولايات المتحدة تواجه تحديات حضارية وقيمية وتهديد بالغ الخطورة يكمن في أمة الإسلام، ولذلك تتخذ من تلك التحديات ركيزة أساسية في إدارة العلاقات الدولية وتوجهها لمحاربة الإسلام بذريعة الإرهاب، وتستغلها في تنفيذ سياساتها دون اعتراض من الدول الكبرى؛ لأنها تتقاسم معهم نفس القيم. ومن هذه الناحية ليس لديها مشكلة مبدئية مع الدول التقليدية الكبرى، وتلتقي سياساتها معهم ويتعاونون عليها، لكنها تواجه تحديات اقتصادية من الصين وأوروبا. إلا إنه لا توجد حربٌ تجارية بين الصين أو أوروبا مع أميركا بقدر ما هي رغبة أوروبية وصينية في ضمان أمنهم المجتمعي والاقتصادي وتعزيز تميزهما السياسي.
ولهذا السبب تسمح الولايات المتحدة في بعض الأحيان ولأسباب مختلفة للدول الكبرى بلعب دور في مناطق نفوذها أو تدعوهم إلى لعب دور محدد كدعوتها لروسيا للعب دور في سوريا, ودعوتها لفرنسا إلى لعب دور في ليبيا, وبريطانيا إلى لعب دور في السودان، وذلك إما لإسقاط الحاكم ومنع النظام من الانهيار وسقوطه بيد الشعب، وإما لمنع الحكام من الاستناد إلى شعوبهم في مواجهة ضغوطها، وإما من أجل توريط الدول الكبرى وإثارة الخلافات والتنافس فيما بينهم كما هو الحال في أفريقيا وأوكرانيا ودول البلطيق.
ومن ذلك أيضًا استفزاز الولايات المتحدة للصين بشأن مطالب المعارضة الديمقراطية الموالية لها في هونغ كونغ؛ لتبرير مزيد من العقوبات على الصين، ولجر أوروبا لمعاقبتها، وتثبيت العقوبات على روسيا، وإضفاء صفة دولية على العقوبات الأميركية الأحادية، ولإدامة التوتر بين الدول الكبرى، وإبقاء حاجتهم إليها مستمرة. وفيما إذا حاولت الدول الكبرى التملص من الضغوطات والفخاخ الأميركية واجهوا صداعًا في داخل بلدانهم، كتعميق الخلافات بين القوى السياسية البريطانية، والمشاكل الداخلية في فرنسا لقاء موقفها من العلاقة مع روسيا، وموقفها من حلف الناتو.
أما بشأن الأنظمة التابعة فإن مركز التنبه لديها هو استمرار دورها الوظيفي المنوط بها، ولذلك تحرص على امتلاك أوراق اعتماد لتقديمها إلى الراعي الدولي وهو ما قد يلجئها إلى تجاوز الخطوط المسموح بها كتجاوز إيران لحدود وظيفتها مما يستلزم ردعها وتحجيمها.
وأخيرًا لا بد لنا هنا من وقفة لندرك ان أميركا ليست كيانًا موحدًا كما تدعي وترغب للعالم أن يراها. فهي تواجه حاليًا صراعًا بين تكتل القوى السياسية المالية والدينية من جهة (كتكتل عائلة ميرسير وكوخ مع ترامب) وقوى رؤوس الأموال (مثل جورج سورس، بيل جيتس، وأبل) والتي سئمت تباطؤ واشنطن في ترويض دول مثل الهند والسعودية لفتح أسواقها وإزالة معوقات حرية التجارة، ولذلك تطفو خلافاتهم على السطح بشأن تعامل البيت الأبيض مع السعودية ويبرز التناقض بين ما تفرضه من ليبرالية على المسلمين للهيمنة الفكرية والاقتصادية عليهم، وبين عزوفها عن الليبرالية في الداخل وجنوحها إلى الشعبوية والأفكار اليمينية وتشجيع الأوروبيين عليها لتبرير تطرفها السياسي.
2_ صحيح أن أردوغان استقل عن التبعية لأميركا لكنه لا يكاد يُبادر بأعمال تستفز الولايات المتحدة إلا من قبيل الدفاع، ولإدراكه قواعد اللعبة السياسية وحجمه السياسي ينخرط في الأعمال التي تحقق مصالحه، حتى وإن كان يلاحظ انسجامها مع التوجه الأميركي كموقفه الداعم لحلف الناتو، ولجمه لماكرون بشأن جدوى بقاء الحلف، وكذلك سيره مع ماليزيا وباكستان وقطر وأندونيسيا لتشكيل ثقل إسلامي خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي، والذي يتقاطع مع مصالح الإدارة الأميركية في تجريد السعودية تمامًا من صفتها كراع للعالم الإسلامي ويساعد على ضبطها وفق مقتضيات انفتاحها وتحولها، كما من شأنه أن ينقل زمام المبادرة من المسلمين العرب، وإضعاف مركزيتهم في الأمة الإسلامية لما لهم من مكانة في نفوس المسلمين الأعاجم، وكذلك إضعاف مركزية اللغة العربية في فهم الإسلام وأثر ذلك كله على مسيرة النهوض بالعالم الإسلامي، ومنع نهوض الأمة الأسلامية واحتواء تركيا وتحركات أردوغان هي مصلحة من مصالح الغرب التي يسعى للحفاظ عليها.
وفي هذا السياق أيضا تُفسر اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وليبيا والتي تُسعر الخلاف بين مصر وتركيا وتقزم مكانة مصر في المنطقة.
3_ لا يمكن فهم سلوك بريطانيا في المنطقة قبل مراجعة المعلومات المتعلقة بتبعية أنظمة المنطقة، والتي أصبحت خدمًا لأميركا بشكل واضح في "الربيع العربي" وبخاصة دول الخليج، كما لا بد من فهم "العلاقة الخاصة" بين أميركا وبريطانيا منذ زمن بعيد وما أنتجته تلك العلاقة من اختراق للوسط السياسي البريطاني بحيث أصبحت أجهزة المخابرات البريطانية تعمل جنبًا إلى جنب وكتفاً بكتف مع المخابرات الأميركية فيما أطلق عليه منظمة غلاديو في أوروبا وكذلك في سوريا منذ بداية الثورة. وإلى جانب ذلك لا بد من الوقوف على حجم بريطانيا الفعلي الذي عبر عنه بعض ساستها حرفيًّا بقولهم أن: "بريطانيا أصبحت تابعة للولايات المتحدة" بسبب تنازلها عن قرار استخدام أسلحتها البالستية إلا بموافقة أميركا، فضلًا عن حقبة مارغريت تاتشر التي كشفت الوثائق عن استجدائها للرئيس الأميركي رونالد ريغان في أزمة الفوكلاند، وحقبة توني بلير التي ذيلت بريطانيا بأميركا، وجعلت الصحافة البريطانية تصف توني بلير بكلب جورج بوش.
وعلاوة على ذلك فإن تحكم أميركا في الأمن الأوروبي عبر حلف الناتو والقواعد العسكرية والتحكم في الاقتصاد البريطاني بخاصة عبر استثمارها بأكثر من 500 مليار دولار وتوفير ملايين الوظائف للبريطانيين وامتلاكها أسهم في أهم الشركات النفطية البريطانية والفرنسية بالإضافة إلى تدخل أميركا جهارًا بالحياة السياسية البريطانية كتأييد ترامب لبوريس جونسون كزعيم ممكن لبريطانيا وكذلك التأثير الأميركي في الانتخابات البريطانية الأخيرة والتي فاز فيها المحافظون فقد تم تسريب ملفات تشيطن زعيم حزب العمال كوربين لصالح جونسون. وهذا يفهم من خلال موقف صحيفة التايمز من كوربين وهي التي ضمت في إدارتها الرئيس السابق لجهاز المخابرات السرية mi6 ، السير جون سكارليت الداعم الرئيس لتوني بلير المتواطئ مع أميركا في الحرب على العراق، كلُّ ذلك يجعل سيادة بريطانيا واستقلال أوروبا ضربًا من الخيال.
ولا بد أيضًا من ملاحظة عدم وجود مشروع بريطاني مستقل عن المشاريع الأميركية في المنطقة، أو وجود كلمة لبريطانيا في القضايا الدولية إلا من قبيل التشاور وإبداء الرأي، أو وجود عمل لها إلا في إطار التنفيذ والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة، كتولي توني بلير عقب استقالته من رئاسة الحكومة منصب المبعوث الدولي للجنة الرباعية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط.
ولا بد كذلك من ملاحظة تطابق السياسة البريطانية الأميركية في أوروبا نفسها، كمشروع حلف الناتو الذي دعمت مارغريت تاتشر بقاءه رغم زوال مبرر وجوده ورغم استغلاله أميركيًّا واتخاذه أداة للهيمنة على أوروبا، حيث بررت تاتشر ضرورة استمرار الحلف بقولها للأوروبيين سنة 1990: "لا يمكنك إلغاء وثيقة التأمين على منزلك فقط بسبب تراجع أعداد عمليات السطو في شارعك خلال الشهور الإثني عشر الأخيرة"، وكذلك موقف بريطانيا من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي الذي حظي بالتأييد الشديد للرئيس الأميركي ترمب.
4_ الدولة العميقة هو مصطلح سياسي يرمز إلى الجهة التي تتحكم أو تؤثر بالقرارات، ووجودها حقيقي وهي وضع طبيعي في كل أنظمة العالم حتى في الدولة الإسلامية رغم اختلاف نوعها وأهدافها وآليات عملها. فالدولة العميقة هي الأحزاب السياسية والدوائر الأمنية والتكتلات المالية وما شابهها، كأصحاب المصالح التجارية والصناعية والعسكرية، وبالطبع لها نفوذ في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والإعلامية والبرلمانية. والملاحظ أن الحكام يستغلون مفهوم الدولة العميقة لتوجيه الغضب على عدو هلامي لا تستطيع الشعوب وضع الإصبع عليه كي تنابذه ولذلك تطيش سهامهم. أما قوى المعارضة فتستغل مفهوم الدولة العميقة لتبرير فشلها أو تواطئها، وتتخذ من الدولة العميقة حائط مبكى لتبرير ضعفها وتخاذلها وتسويغ اندماجها في النظام وتوافقها مع خصوم قواعدها الشعبية. ولذلك كان كشف الشخصيات السياسية وفضحها بالكفاح السياسي هو المنهج العقائدي الفعال في تقويض الأنظمة والأوساط السياسية ومزاحمتهم وإسقاطهم واقتلاع الدولة العميقة ومحاولة أخذ قيادة الأمة والسير بها نحو غايتها.
17/ربيع الآخر/1441هـ
14/12/2019م
متابعة سياسية
حول
التفرد الأميركي، تركيا، بريطانيا، الدولة العميقة
1- لا تزال الولايات المتحدة متفردة في الموقف الدولي منذ سنة 1990، لكنها تواجه صعوبات واقعية ومستجدات في الإدارة والتنفيذ، كما أن التفرد في الموقف الدولي لا يعني أن الدول تتسابق لتنفيذ قرارات الدولة الأولى، لكنه يعني أنها المرجع الأول وصاحبة الكلمة المؤثرة في الشؤون الدولية.
والولايات المتحدة تواجه تحديات حضارية وقيمية وتهديد بالغ الخطورة يكمن في أمة الإسلام، ولذلك تتخذ من تلك التحديات ركيزة أساسية في إدارة العلاقات الدولية وتوجهها لمحاربة الإسلام بذريعة الإرهاب، وتستغلها في تنفيذ سياساتها دون اعتراض من الدول الكبرى؛ لأنها تتقاسم معهم نفس القيم. ومن هذه الناحية ليس لديها مشكلة مبدئية مع الدول التقليدية الكبرى، وتلتقي سياساتها معهم ويتعاونون عليها، لكنها تواجه تحديات اقتصادية من الصين وأوروبا. إلا إنه لا توجد حربٌ تجارية بين الصين أو أوروبا مع أميركا بقدر ما هي رغبة أوروبية وصينية في ضمان أمنهم المجتمعي والاقتصادي وتعزيز تميزهما السياسي.
ولهذا السبب تسمح الولايات المتحدة في بعض الأحيان ولأسباب مختلفة للدول الكبرى بلعب دور في مناطق نفوذها أو تدعوهم إلى لعب دور محدد كدعوتها لروسيا للعب دور في سوريا, ودعوتها لفرنسا إلى لعب دور في ليبيا, وبريطانيا إلى لعب دور في السودان، وذلك إما لإسقاط الحاكم ومنع النظام من الانهيار وسقوطه بيد الشعب، وإما لمنع الحكام من الاستناد إلى شعوبهم في مواجهة ضغوطها، وإما من أجل توريط الدول الكبرى وإثارة الخلافات والتنافس فيما بينهم كما هو الحال في أفريقيا وأوكرانيا ودول البلطيق.
ومن ذلك أيضًا استفزاز الولايات المتحدة للصين بشأن مطالب المعارضة الديمقراطية الموالية لها في هونغ كونغ؛ لتبرير مزيد من العقوبات على الصين، ولجر أوروبا لمعاقبتها، وتثبيت العقوبات على روسيا، وإضفاء صفة دولية على العقوبات الأميركية الأحادية، ولإدامة التوتر بين الدول الكبرى، وإبقاء حاجتهم إليها مستمرة. وفيما إذا حاولت الدول الكبرى التملص من الضغوطات والفخاخ الأميركية واجهوا صداعًا في داخل بلدانهم، كتعميق الخلافات بين القوى السياسية البريطانية، والمشاكل الداخلية في فرنسا لقاء موقفها من العلاقة مع روسيا، وموقفها من حلف الناتو.
أما بشأن الأنظمة التابعة فإن مركز التنبه لديها هو استمرار دورها الوظيفي المنوط بها، ولذلك تحرص على امتلاك أوراق اعتماد لتقديمها إلى الراعي الدولي وهو ما قد يلجئها إلى تجاوز الخطوط المسموح بها كتجاوز إيران لحدود وظيفتها مما يستلزم ردعها وتحجيمها.
وأخيرًا لا بد لنا هنا من وقفة لندرك ان أميركا ليست كيانًا موحدًا كما تدعي وترغب للعالم أن يراها. فهي تواجه حاليًا صراعًا بين تكتل القوى السياسية المالية والدينية من جهة (كتكتل عائلة ميرسير وكوخ مع ترامب) وقوى رؤوس الأموال (مثل جورج سورس، بيل جيتس، وأبل) والتي سئمت تباطؤ واشنطن في ترويض دول مثل الهند والسعودية لفتح أسواقها وإزالة معوقات حرية التجارة، ولذلك تطفو خلافاتهم على السطح بشأن تعامل البيت الأبيض مع السعودية ويبرز التناقض بين ما تفرضه من ليبرالية على المسلمين للهيمنة الفكرية والاقتصادية عليهم، وبين عزوفها عن الليبرالية في الداخل وجنوحها إلى الشعبوية والأفكار اليمينية وتشجيع الأوروبيين عليها لتبرير تطرفها السياسي.
2_ صحيح أن أردوغان استقل عن التبعية لأميركا لكنه لا يكاد يُبادر بأعمال تستفز الولايات المتحدة إلا من قبيل الدفاع، ولإدراكه قواعد اللعبة السياسية وحجمه السياسي ينخرط في الأعمال التي تحقق مصالحه، حتى وإن كان يلاحظ انسجامها مع التوجه الأميركي كموقفه الداعم لحلف الناتو، ولجمه لماكرون بشأن جدوى بقاء الحلف، وكذلك سيره مع ماليزيا وباكستان وقطر وأندونيسيا لتشكيل ثقل إسلامي خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي، والذي يتقاطع مع مصالح الإدارة الأميركية في تجريد السعودية تمامًا من صفتها كراع للعالم الإسلامي ويساعد على ضبطها وفق مقتضيات انفتاحها وتحولها، كما من شأنه أن ينقل زمام المبادرة من المسلمين العرب، وإضعاف مركزيتهم في الأمة الإسلامية لما لهم من مكانة في نفوس المسلمين الأعاجم، وكذلك إضعاف مركزية اللغة العربية في فهم الإسلام وأثر ذلك كله على مسيرة النهوض بالعالم الإسلامي، ومنع نهوض الأمة الأسلامية واحتواء تركيا وتحركات أردوغان هي مصلحة من مصالح الغرب التي يسعى للحفاظ عليها.
وفي هذا السياق أيضا تُفسر اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وليبيا والتي تُسعر الخلاف بين مصر وتركيا وتقزم مكانة مصر في المنطقة.
3_ لا يمكن فهم سلوك بريطانيا في المنطقة قبل مراجعة المعلومات المتعلقة بتبعية أنظمة المنطقة، والتي أصبحت خدمًا لأميركا بشكل واضح في "الربيع العربي" وبخاصة دول الخليج، كما لا بد من فهم "العلاقة الخاصة" بين أميركا وبريطانيا منذ زمن بعيد وما أنتجته تلك العلاقة من اختراق للوسط السياسي البريطاني بحيث أصبحت أجهزة المخابرات البريطانية تعمل جنبًا إلى جنب وكتفاً بكتف مع المخابرات الأميركية فيما أطلق عليه منظمة غلاديو في أوروبا وكذلك في سوريا منذ بداية الثورة. وإلى جانب ذلك لا بد من الوقوف على حجم بريطانيا الفعلي الذي عبر عنه بعض ساستها حرفيًّا بقولهم أن: "بريطانيا أصبحت تابعة للولايات المتحدة" بسبب تنازلها عن قرار استخدام أسلحتها البالستية إلا بموافقة أميركا، فضلًا عن حقبة مارغريت تاتشر التي كشفت الوثائق عن استجدائها للرئيس الأميركي رونالد ريغان في أزمة الفوكلاند، وحقبة توني بلير التي ذيلت بريطانيا بأميركا، وجعلت الصحافة البريطانية تصف توني بلير بكلب جورج بوش.
وعلاوة على ذلك فإن تحكم أميركا في الأمن الأوروبي عبر حلف الناتو والقواعد العسكرية والتحكم في الاقتصاد البريطاني بخاصة عبر استثمارها بأكثر من 500 مليار دولار وتوفير ملايين الوظائف للبريطانيين وامتلاكها أسهم في أهم الشركات النفطية البريطانية والفرنسية بالإضافة إلى تدخل أميركا جهارًا بالحياة السياسية البريطانية كتأييد ترامب لبوريس جونسون كزعيم ممكن لبريطانيا وكذلك التأثير الأميركي في الانتخابات البريطانية الأخيرة والتي فاز فيها المحافظون فقد تم تسريب ملفات تشيطن زعيم حزب العمال كوربين لصالح جونسون. وهذا يفهم من خلال موقف صحيفة التايمز من كوربين وهي التي ضمت في إدارتها الرئيس السابق لجهاز المخابرات السرية mi6 ، السير جون سكارليت الداعم الرئيس لتوني بلير المتواطئ مع أميركا في الحرب على العراق، كلُّ ذلك يجعل سيادة بريطانيا واستقلال أوروبا ضربًا من الخيال.
ولا بد أيضًا من ملاحظة عدم وجود مشروع بريطاني مستقل عن المشاريع الأميركية في المنطقة، أو وجود كلمة لبريطانيا في القضايا الدولية إلا من قبيل التشاور وإبداء الرأي، أو وجود عمل لها إلا في إطار التنفيذ والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة، كتولي توني بلير عقب استقالته من رئاسة الحكومة منصب المبعوث الدولي للجنة الرباعية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط.
ولا بد كذلك من ملاحظة تطابق السياسة البريطانية الأميركية في أوروبا نفسها، كمشروع حلف الناتو الذي دعمت مارغريت تاتشر بقاءه رغم زوال مبرر وجوده ورغم استغلاله أميركيًّا واتخاذه أداة للهيمنة على أوروبا، حيث بررت تاتشر ضرورة استمرار الحلف بقولها للأوروبيين سنة 1990: "لا يمكنك إلغاء وثيقة التأمين على منزلك فقط بسبب تراجع أعداد عمليات السطو في شارعك خلال الشهور الإثني عشر الأخيرة"، وكذلك موقف بريطانيا من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي الذي حظي بالتأييد الشديد للرئيس الأميركي ترمب.
4_ الدولة العميقة هو مصطلح سياسي يرمز إلى الجهة التي تتحكم أو تؤثر بالقرارات، ووجودها حقيقي وهي وضع طبيعي في كل أنظمة العالم حتى في الدولة الإسلامية رغم اختلاف نوعها وأهدافها وآليات عملها. فالدولة العميقة هي الأحزاب السياسية والدوائر الأمنية والتكتلات المالية وما شابهها، كأصحاب المصالح التجارية والصناعية والعسكرية، وبالطبع لها نفوذ في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والإعلامية والبرلمانية. والملاحظ أن الحكام يستغلون مفهوم الدولة العميقة لتوجيه الغضب على عدو هلامي لا تستطيع الشعوب وضع الإصبع عليه كي تنابذه ولذلك تطيش سهامهم. أما قوى المعارضة فتستغل مفهوم الدولة العميقة لتبرير فشلها أو تواطئها، وتتخذ من الدولة العميقة حائط مبكى لتبرير ضعفها وتخاذلها وتسويغ اندماجها في النظام وتوافقها مع خصوم قواعدها الشعبية. ولذلك كان كشف الشخصيات السياسية وفضحها بالكفاح السياسي هو المنهج العقائدي الفعال في تقويض الأنظمة والأوساط السياسية ومزاحمتهم وإسقاطهم واقتلاع الدولة العميقة ومحاولة أخذ قيادة الأمة والسير بها نحو غايتها.
17/ربيع الآخر/1441هـ
14/12/2019م