عبد الواحد جعفر
06-12-2019, 10:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
رد على بحث د. ياسين الورزادي المتعلق بحزب التحرير
بقلم: أبو أسيد
السادة الكرام إدارة المركز الديمقراطي العربي
تحية طيبة، وبعد:
أرجو أن أضع بين أيديكم هذه الملاحظات على بحث د. ياسين الورزادي المتعلق بحزب التحرير والذي يبدو فيه الباحث والمحكمون مفتقرين إلى الوعي على فكر الحزب.
أولًا: زعم الباحث في مقدمة البحث أن مسألة الخلافة عند حزب التحرير هي مسألة "اعتقادية وأصل من أصول الإسلام"، ولم يُشر إلى أي مصدر من كتب الحزب أو نشراته يؤكد زعمه. وهذا لم يقل به حزب التحرير إذ أن الحزب يفرّق في ثقافته بين العقائد والأحكام الشرعية، والخلافة عنده هي حكم شرعي من الأحكام وليست من العقائد ولا من أصول الإسلام! بل إن حزب التحرير يأخذ على الشيعة اعتبارهم الإمامة مسألة عقدية وهو ما بسطه في كتاب الخلافة.
ثانيًّا: في الفقرة التي تحدث فيها الباحثُ عن تعريف الحزب لنفسه "مرحلة التأسيس" ص 49 من المجلة، قال إن الحزب "اختزل الإسلام في بعده السياسي"، وهذا افتراء على الحزب؛ لأن الفقرات التي استدل بها من كتب الحزب تتحدث عن عمل الحزب وليس عن الإسلام، فهي تُعرِّف الحزب بأنه حزب سياسي بمعنى أنه ليس حزبًا تعليميًّا ولا مدرسة ولا مذهبًا.
أما نظرة الحزب إلى الإسلام فتجدها في كتبه؛ فهو يعرف الإسلام بأنه عقيدة سياسية روحية تُعنى بشؤون الدنيا والآخرة، وأن الإسلام ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبخالقه وبغيره من الناس بالعقائد والأخلاق والمعاملات.
ثالثًا: يقول الباحث "ص 53 من المجلة" أن الحزب يعتمد "مبدأ النصرة من أي جهة كانت للوصول إلى السلطة وتحقيق حلمه". وهذا القول إما أنه مغرض أو ينم عن جهل بثقافة الحزب وأفكاره؛ لأن الحزب لديه فهم للنصرة وضوابط لها وممن تُطلب ولماذا ومتى تطلب؟ وقد أوضحها الحزب في كتبه ونشراته المتبناة. وكان يجدر بالباحث أن يشير إلى مرجع من كتب الحزب يؤكد زعمه بأن النصرة تطلب من أي جهة كانت؟!.
رابعًا: يقول في نفس الصفحة "53 من المجلة" بأن الحزب يرى بأن طريقة إقامة الدولة هي "طريقة وحيدة لا يجوز التنكب عن السير على هداها"، وهذا ليس صحيحًا، إذ أن الحزب يقول بأن هذه الطريقة هي اجتهاده، ويقول بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب. وكون الطريقة هي مسألة اجتهادية فهي ليست قطعية وليست وحيدة بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة له فهي طريقته التي تبناها للوصول إلى غايته، هذا ما يتبناه الحزب فمن أين أتى الباحث بهذا الافتراء؟!
الملاحظ أن مصادر الباحث ليست كلها من كتب الحزب ومنشوراته، وإنما منقولة عمن كتب عن الحزب، فكان الأجدر به أن يعتمد مصادر الحزب؛ لأنها متوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يحتاج الرجوع إليها إلى عناء.
خامسًا: كما قلت سابقًا يبدو أن الباحث يجهل مفاهيم حزب التحرير وطريقته، فقال في البحث "ص 56" أن النبهاني لم يكن واضحًا في كتاباته، وكان يحتاج في نقطة الارتكاز "القطر الذي تقام فيه الدولة" إلى عمل من نوع آخر، "ومن المحتمل أنه كان يسعى إلى عمل انقلاب عسكري"!! وأحال الباحث هذا الرأي إلى كتاب لا علاقة له بحزب التحرير؟!.
أما الحزب فقد كان واضحًا في كتبه، حيث قال بأن الحزب يتسلم الحكم عن طريق الأمة، أما أسلوب تسلم الحكم فيتقرر في حينه فقط، فقد يكون عن طريق مظاهرات عارمة أو ثورة أو عصيان مدني أو غير ذلك من الأساليب المشروعة، ومن تلك الأساليب أن يقوم مجموعة من الضباط بتسليم الحكم للحزب، وقد ذكر الحزب في نشراته أنه قد عُرض عليه الحكم من قبل ضباط في الجيوش العربية في مقتبل سيره، لكنه رفض لأن فكرة الخلافة لم تكن قد نضجت في الأمة. على أن الحزب يعتبر الجيوش العربية هم قوى الأمة ويجب أن ينحازوا إلى أمتهم ويسقطوا الحكام ويردُّوا السلطان للأمة لتنيب عنها من تشاء ليحكمها بشريعة الله سواء أكان الخليفة من رجال الحزب أو من غيره.
سادسًا: مفهوم حزب التحرير للنصرة بغرض تسلم الحكم يتلخص بكلمة واحدة وهي "البيعة"، فالآية الكريمة التي وصفت الأنصار الذين "آووا ونصروا" فضلاً عن الأحاديث الصحيحة تؤكد فهم الحزب بأن السلطان للأمة تبايع من تشاء ليحكمها، وأهل النصرة بمفهوم الحزب هم الجماعة التي تملك القوة وتملك التمثيل لغيرها في المجتمع، وما لم تتوفر هذه الصفات في أهل النصرة فإن الخلافة لا تنعقد ببيعتهم وفق رأي الحزب، أما نقطة الارتكاز فهي القطر الذي يحصل فيه التجاوب مع الحزب وفكرته ويملك مقومات الدولة التي تملك أمانها والقابلة للبقاء.
سابعًا: في نقده لفكرة "الخلافة في تصور حزب التحرير" ص (57) يقول: "إن اعتبار الحزب نظام الخلافة بعينه فرضًا واجبًا على المسلمين، يعني أن تنتقل هذه الخلافة من دائرة الفقه إلى دائرة العقيدة، ومن مجال الظنيات إلى مجال القطعيات"، وهذا أيضًا يعبر عن جهل الباحث في الإسلام فقهه وأصوله وأحكامه وعقائده؛ وذلك أن الفرض هو حكم شرعي وليس عقيدة، والفرق بين الحكم الشرعي والعقيدة أن ما طلب فيه العمل يعتبر من الأحكام المتعلقة بأفعال العباد كالواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح، وأن ما طلب فيه التصديق الجازم هو من العقائد كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وأما قوله بأن الحزب نقل الخلافة من مجال الظنيات إلى القطعيات فإن الحكم الشرعي قد يستند إلى دليل قطعي وقد يستند إلى دليل ظني. وإعمال الدليل الظني والدليل القطعي في الأحكام الشرعية لا خلاف عليه بين المسلمين، وإنما الخلاف هو ما إذا كان خبر الآحاد يفيد العلم "اليقين" أم يفيد "العمل"، بالإضافة إلى خلاف العلماء في إعمال الظن في العقائد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العبرة في مدلول الخلافة وليس في التسمية، فلا فرق بين الخلافة والإمامة والإمارة العظمى والرئاسة من حيث المدلول، أما الجمهورية والامبراطورية والمملكة والمشيخة فإن مدلولها يختلف عن مدلول الخلافة ولا تُقرها الأحكام الناظمة للدولة والحياة السياسية في الإسلام.
ثامنًا: يقول في (ص 58): "فالقرآن الكريم لم ينص على أن أمة الإسلام يجب أن يتطابق معها نظام سياسي معين، ولا على ضرورة أن يكون هناك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من يخلفه لا على مستوى ما هو ديني محض ولا على مستوى ما هو سياسي وعسكري بل ترك المسألة للمسلمين...ولعل خير دليل على كون الخلافة مسألة اجتهادية، هو أنها ظلت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم موضعاً للنزاع، تفرق المسلمون بسببها إلى فرق سياسية". فيتضح من كلام الباحث حصر الشريعة الإسلامية بالقرآن وحده، ويهمل السنة النبوية وهذا بخلاف ما هو مقطوع به عند المسلمين من كون السنة النبوية مصدرًا من مصادر التشريع. يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" رواه مسلم، وقال: "وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" رواه مسلم. وهذه الأحاديث وغيرها تنقض ما قاله الباحث بأن الإسلام لم ينص على استمرار الخلافة. أما القرآن فقد طلب من المسلمين طلبًا جازمًا أن يحتكموا إلى الإسلام {إن الحكم إلا لله} { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ} النساء /105، والسنة النبوية هي بيان للقرآن، قال تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} طه/114. جاء في تفسير الطبري: "يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا محمد بالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأه عليهم، من قبل أن يوحى إليك بيان معانيه" وعن مجاهد، قال: "لا تتله على أحد حتى نبينه لك". وهذا دليل على أن القرآن يحتاج إلى بيان، وأن بيانه وحي من الله بلسان نبيه، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {ثم إن علينا بيانه}. عن ابن عباس {ثم إن علينا بيانه} حلاله وحرامه وتفصيل أحكامه، وتبيانه بلسانك. وإقامة الرسول صلى الله عليه وسلم دولة في المدينة بالبيعة على الحكم وتعيينه لأبي بكر وعمر وزراء له وتعيين الولاة والقضاة مسألة لا يختلف عليها مسلمان عاقلان. يقول الطاهر بن عاشور في رده على فرية علي عبد الرازق: "لم يقل أحد من علماء الإسلام أن الخليفة يستمد قوته من الله، وإنما أطبقت كلمتهم على أن الخلافة لا تنعقد إلا بأحد أمرين: إما البيعة من أهل الحل والعقد من الأمة، وإما بالعهد ممن بايعته الأمة لمن يراه صالحًا، ولا يخفى أن كلا الطريقين راجع للأمةً؛ لأن وكيل الوكيل وكيل فإذا بويع وجب له ما جعله الله من الحقوق التي هي القوة المُبيَّنة في شرع الله تعالى لأن الله حدد قوة الخليفة وجعلها لخدمة مصلحة الأمة، وجعل اختيار ولي أمرها بيد الأمة، ولم يقل أحد أنه يستمد من الله تعالى بوحي ولا باتصال روحاني ولا بعصمة. ولا خلاف أن حكم الخليفة حكم الوكيل" (محمد الطاهر بن عاشور، نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم، ص 4). وأما الدليل الذي استند إليه الباحث لنفي شرعية الخلافة من كونها سببًا لتفرق المسلمين، فإن نزاع المسلمين كان حول السلطة وليس حول وجوب الخلافة ووجوب تنصيب خليفة، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على وجوب نصب خليفة للنبي حينما أخروا دفنه صلى الله عليه وسلم 3 أيام لكي ينتخبوا خليفة له. وأما قول الباحث بأن الخلافة "ليست موقفًا إلهيًا" بل "مسألة اجتهادية" و"مسألة رأي لا مسألة شرع" وأن الاجتهاد هو: "إعمال للعقل في المشكلات والقضايا التي تطرحها الحياة العامة للمسلمين" فإنه يعكس جهلًا بالدين، بل هو اتهام للدين بأنه ليس "تبيانا لكل شيء". صحيح أن الدين لم يعرض حلولًا تفصيلية في الكتاب والسنة لكنه قعّد قواعد وأصّل أصولًا تبنى عليها الأحكام بالاجتهاد والتفريع، والاجتهاد ليس رأيًا منفصلًا عن أصول الدين كما يتوهم الباحث الذي خلع عليه تعريفًا من خياله ولم يوثقه بسند علمي، بل هو عملية نظر في الواقع وفي النصوص الشرعية لاستنباط الأحكام المتعلقة بالحياة وأفعال العباد. والأحكام الشرعية التي بينتها السنة النبوية لمعالجة نظام الحكم في شكله وجوهره لا تتغير بتغير الزمان والمكان كما يتوهم الباحث؛ لأنها وحي من الله تمامًا كأحكام العبادات والمعاملات.
رد على بحث د. ياسين الورزادي المتعلق بحزب التحرير
بقلم: أبو أسيد
السادة الكرام إدارة المركز الديمقراطي العربي
تحية طيبة، وبعد:
أرجو أن أضع بين أيديكم هذه الملاحظات على بحث د. ياسين الورزادي المتعلق بحزب التحرير والذي يبدو فيه الباحث والمحكمون مفتقرين إلى الوعي على فكر الحزب.
أولًا: زعم الباحث في مقدمة البحث أن مسألة الخلافة عند حزب التحرير هي مسألة "اعتقادية وأصل من أصول الإسلام"، ولم يُشر إلى أي مصدر من كتب الحزب أو نشراته يؤكد زعمه. وهذا لم يقل به حزب التحرير إذ أن الحزب يفرّق في ثقافته بين العقائد والأحكام الشرعية، والخلافة عنده هي حكم شرعي من الأحكام وليست من العقائد ولا من أصول الإسلام! بل إن حزب التحرير يأخذ على الشيعة اعتبارهم الإمامة مسألة عقدية وهو ما بسطه في كتاب الخلافة.
ثانيًّا: في الفقرة التي تحدث فيها الباحثُ عن تعريف الحزب لنفسه "مرحلة التأسيس" ص 49 من المجلة، قال إن الحزب "اختزل الإسلام في بعده السياسي"، وهذا افتراء على الحزب؛ لأن الفقرات التي استدل بها من كتب الحزب تتحدث عن عمل الحزب وليس عن الإسلام، فهي تُعرِّف الحزب بأنه حزب سياسي بمعنى أنه ليس حزبًا تعليميًّا ولا مدرسة ولا مذهبًا.
أما نظرة الحزب إلى الإسلام فتجدها في كتبه؛ فهو يعرف الإسلام بأنه عقيدة سياسية روحية تُعنى بشؤون الدنيا والآخرة، وأن الإسلام ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبخالقه وبغيره من الناس بالعقائد والأخلاق والمعاملات.
ثالثًا: يقول الباحث "ص 53 من المجلة" أن الحزب يعتمد "مبدأ النصرة من أي جهة كانت للوصول إلى السلطة وتحقيق حلمه". وهذا القول إما أنه مغرض أو ينم عن جهل بثقافة الحزب وأفكاره؛ لأن الحزب لديه فهم للنصرة وضوابط لها وممن تُطلب ولماذا ومتى تطلب؟ وقد أوضحها الحزب في كتبه ونشراته المتبناة. وكان يجدر بالباحث أن يشير إلى مرجع من كتب الحزب يؤكد زعمه بأن النصرة تطلب من أي جهة كانت؟!.
رابعًا: يقول في نفس الصفحة "53 من المجلة" بأن الحزب يرى بأن طريقة إقامة الدولة هي "طريقة وحيدة لا يجوز التنكب عن السير على هداها"، وهذا ليس صحيحًا، إذ أن الحزب يقول بأن هذه الطريقة هي اجتهاده، ويقول بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب. وكون الطريقة هي مسألة اجتهادية فهي ليست قطعية وليست وحيدة بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة له فهي طريقته التي تبناها للوصول إلى غايته، هذا ما يتبناه الحزب فمن أين أتى الباحث بهذا الافتراء؟!
الملاحظ أن مصادر الباحث ليست كلها من كتب الحزب ومنشوراته، وإنما منقولة عمن كتب عن الحزب، فكان الأجدر به أن يعتمد مصادر الحزب؛ لأنها متوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يحتاج الرجوع إليها إلى عناء.
خامسًا: كما قلت سابقًا يبدو أن الباحث يجهل مفاهيم حزب التحرير وطريقته، فقال في البحث "ص 56" أن النبهاني لم يكن واضحًا في كتاباته، وكان يحتاج في نقطة الارتكاز "القطر الذي تقام فيه الدولة" إلى عمل من نوع آخر، "ومن المحتمل أنه كان يسعى إلى عمل انقلاب عسكري"!! وأحال الباحث هذا الرأي إلى كتاب لا علاقة له بحزب التحرير؟!.
أما الحزب فقد كان واضحًا في كتبه، حيث قال بأن الحزب يتسلم الحكم عن طريق الأمة، أما أسلوب تسلم الحكم فيتقرر في حينه فقط، فقد يكون عن طريق مظاهرات عارمة أو ثورة أو عصيان مدني أو غير ذلك من الأساليب المشروعة، ومن تلك الأساليب أن يقوم مجموعة من الضباط بتسليم الحكم للحزب، وقد ذكر الحزب في نشراته أنه قد عُرض عليه الحكم من قبل ضباط في الجيوش العربية في مقتبل سيره، لكنه رفض لأن فكرة الخلافة لم تكن قد نضجت في الأمة. على أن الحزب يعتبر الجيوش العربية هم قوى الأمة ويجب أن ينحازوا إلى أمتهم ويسقطوا الحكام ويردُّوا السلطان للأمة لتنيب عنها من تشاء ليحكمها بشريعة الله سواء أكان الخليفة من رجال الحزب أو من غيره.
سادسًا: مفهوم حزب التحرير للنصرة بغرض تسلم الحكم يتلخص بكلمة واحدة وهي "البيعة"، فالآية الكريمة التي وصفت الأنصار الذين "آووا ونصروا" فضلاً عن الأحاديث الصحيحة تؤكد فهم الحزب بأن السلطان للأمة تبايع من تشاء ليحكمها، وأهل النصرة بمفهوم الحزب هم الجماعة التي تملك القوة وتملك التمثيل لغيرها في المجتمع، وما لم تتوفر هذه الصفات في أهل النصرة فإن الخلافة لا تنعقد ببيعتهم وفق رأي الحزب، أما نقطة الارتكاز فهي القطر الذي يحصل فيه التجاوب مع الحزب وفكرته ويملك مقومات الدولة التي تملك أمانها والقابلة للبقاء.
سابعًا: في نقده لفكرة "الخلافة في تصور حزب التحرير" ص (57) يقول: "إن اعتبار الحزب نظام الخلافة بعينه فرضًا واجبًا على المسلمين، يعني أن تنتقل هذه الخلافة من دائرة الفقه إلى دائرة العقيدة، ومن مجال الظنيات إلى مجال القطعيات"، وهذا أيضًا يعبر عن جهل الباحث في الإسلام فقهه وأصوله وأحكامه وعقائده؛ وذلك أن الفرض هو حكم شرعي وليس عقيدة، والفرق بين الحكم الشرعي والعقيدة أن ما طلب فيه العمل يعتبر من الأحكام المتعلقة بأفعال العباد كالواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح، وأن ما طلب فيه التصديق الجازم هو من العقائد كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وأما قوله بأن الحزب نقل الخلافة من مجال الظنيات إلى القطعيات فإن الحكم الشرعي قد يستند إلى دليل قطعي وقد يستند إلى دليل ظني. وإعمال الدليل الظني والدليل القطعي في الأحكام الشرعية لا خلاف عليه بين المسلمين، وإنما الخلاف هو ما إذا كان خبر الآحاد يفيد العلم "اليقين" أم يفيد "العمل"، بالإضافة إلى خلاف العلماء في إعمال الظن في العقائد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العبرة في مدلول الخلافة وليس في التسمية، فلا فرق بين الخلافة والإمامة والإمارة العظمى والرئاسة من حيث المدلول، أما الجمهورية والامبراطورية والمملكة والمشيخة فإن مدلولها يختلف عن مدلول الخلافة ولا تُقرها الأحكام الناظمة للدولة والحياة السياسية في الإسلام.
ثامنًا: يقول في (ص 58): "فالقرآن الكريم لم ينص على أن أمة الإسلام يجب أن يتطابق معها نظام سياسي معين، ولا على ضرورة أن يكون هناك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من يخلفه لا على مستوى ما هو ديني محض ولا على مستوى ما هو سياسي وعسكري بل ترك المسألة للمسلمين...ولعل خير دليل على كون الخلافة مسألة اجتهادية، هو أنها ظلت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم موضعاً للنزاع، تفرق المسلمون بسببها إلى فرق سياسية". فيتضح من كلام الباحث حصر الشريعة الإسلامية بالقرآن وحده، ويهمل السنة النبوية وهذا بخلاف ما هو مقطوع به عند المسلمين من كون السنة النبوية مصدرًا من مصادر التشريع. يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" رواه مسلم، وقال: "وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" رواه مسلم. وهذه الأحاديث وغيرها تنقض ما قاله الباحث بأن الإسلام لم ينص على استمرار الخلافة. أما القرآن فقد طلب من المسلمين طلبًا جازمًا أن يحتكموا إلى الإسلام {إن الحكم إلا لله} { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ} النساء /105، والسنة النبوية هي بيان للقرآن، قال تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} طه/114. جاء في تفسير الطبري: "يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا محمد بالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأه عليهم، من قبل أن يوحى إليك بيان معانيه" وعن مجاهد، قال: "لا تتله على أحد حتى نبينه لك". وهذا دليل على أن القرآن يحتاج إلى بيان، وأن بيانه وحي من الله بلسان نبيه، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {ثم إن علينا بيانه}. عن ابن عباس {ثم إن علينا بيانه} حلاله وحرامه وتفصيل أحكامه، وتبيانه بلسانك. وإقامة الرسول صلى الله عليه وسلم دولة في المدينة بالبيعة على الحكم وتعيينه لأبي بكر وعمر وزراء له وتعيين الولاة والقضاة مسألة لا يختلف عليها مسلمان عاقلان. يقول الطاهر بن عاشور في رده على فرية علي عبد الرازق: "لم يقل أحد من علماء الإسلام أن الخليفة يستمد قوته من الله، وإنما أطبقت كلمتهم على أن الخلافة لا تنعقد إلا بأحد أمرين: إما البيعة من أهل الحل والعقد من الأمة، وإما بالعهد ممن بايعته الأمة لمن يراه صالحًا، ولا يخفى أن كلا الطريقين راجع للأمةً؛ لأن وكيل الوكيل وكيل فإذا بويع وجب له ما جعله الله من الحقوق التي هي القوة المُبيَّنة في شرع الله تعالى لأن الله حدد قوة الخليفة وجعلها لخدمة مصلحة الأمة، وجعل اختيار ولي أمرها بيد الأمة، ولم يقل أحد أنه يستمد من الله تعالى بوحي ولا باتصال روحاني ولا بعصمة. ولا خلاف أن حكم الخليفة حكم الوكيل" (محمد الطاهر بن عاشور، نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم، ص 4). وأما الدليل الذي استند إليه الباحث لنفي شرعية الخلافة من كونها سببًا لتفرق المسلمين، فإن نزاع المسلمين كان حول السلطة وليس حول وجوب الخلافة ووجوب تنصيب خليفة، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على وجوب نصب خليفة للنبي حينما أخروا دفنه صلى الله عليه وسلم 3 أيام لكي ينتخبوا خليفة له. وأما قول الباحث بأن الخلافة "ليست موقفًا إلهيًا" بل "مسألة اجتهادية" و"مسألة رأي لا مسألة شرع" وأن الاجتهاد هو: "إعمال للعقل في المشكلات والقضايا التي تطرحها الحياة العامة للمسلمين" فإنه يعكس جهلًا بالدين، بل هو اتهام للدين بأنه ليس "تبيانا لكل شيء". صحيح أن الدين لم يعرض حلولًا تفصيلية في الكتاب والسنة لكنه قعّد قواعد وأصّل أصولًا تبنى عليها الأحكام بالاجتهاد والتفريع، والاجتهاد ليس رأيًا منفصلًا عن أصول الدين كما يتوهم الباحث الذي خلع عليه تعريفًا من خياله ولم يوثقه بسند علمي، بل هو عملية نظر في الواقع وفي النصوص الشرعية لاستنباط الأحكام المتعلقة بالحياة وأفعال العباد. والأحكام الشرعية التي بينتها السنة النبوية لمعالجة نظام الحكم في شكله وجوهره لا تتغير بتغير الزمان والمكان كما يتوهم الباحث؛ لأنها وحي من الله تمامًا كأحكام العبادات والمعاملات.