Abu Taqi
25-11-2019, 06:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
دردشة محلية
أولًا: نشطاء المعارضة الأردنية في الخارج
تنشط مجموعة من الشباب الأردنيين تعارض النظام الأردني على أسس وطنية ضيقة، ومن أبرزهم الدكتور حسام العبداللات وعلاء الفزاع والدكتور مصطفى الشمايلة ومحمد صيام ونايف الطورة والنائب السابق سعد البلوي، ويتصف خطابهم بالنقد اللاذع للعائلة الملكية وبخاصة للملكة رانيا ولحاشية النظام وجهاز المخابرات، ويتخذون من الفساد المالي والإداري والتردي الاقتصادي وقمع الحراك مادة أساسية لهجومهم على الملك عبدالله، ويحملون الملكة وأقاربها ومحاسيبها مسؤولية تردي الأوضاع الأردنية في شتى المجالات.
وأبرز ما يمكن ملاحظته في خطابهم هو حجم المعلومات التي يبثونها وطبيعتها السرية، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على تراخي الإسناد الخارجي الأميركي للنظام، وانقسام حاد داخل الكتلة الصلبة في مؤسساته، وتآكل سنده التقليدي العشائري، وتململ وسائل إسناده في الجيش والقوى الأمنية، وهو ما يستدعي سؤالًا جوهريًّا عن سبب تراخي أميركا في إسناد النظام الملكي التابع لها؟ وعمن يقف خلف المعارضة وعن الهدف من إضعاف سلطة الملك وفاعليته في إدارة شؤون الدولة؟!
إن من الواضح أن هؤلاء المعارضين موجهون، ويسيرون في أجندة تتقاطع مع ميولهم ونزعتهم "الوطنية" سواءٌ علموا بذلك أم جهلوا به، بل لقد صرح نايف الطورة والدكتور مصطفى الشمايلة وعلاء الفزاع عبر الأشرطة التي يبثونها بأن لهم اتصالات مع الخارجية الأميركية والمجلس الأوروبي، وطالبوا بربط المساعدات بمستوى التزام الأردن بحقوق الإنسان والشفافية المالية. وهذا النشاط المكثف الذي يقومون به وإن كان فيه كشف للفساد والفاسدين من شأنه أن يُضعف وسائل إسناد النظام ويُميط اللثام عن وجهه ويكشف حقيقته للشعب؛ لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة على النسيج المجتمعي ومستقبل الشعب في الأردن، الخطر الأول أنهم يعيدون تشكيل الخطاب الجماهيري على أساس وطني تفكيكي يحيي النزعة العنصرية ويقود إلى النزاع المجتمعي ويهدد وحدة الصف وأخوة الإسلام، ويضعف أطول خطوط المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، بل ويدعو إلى إخراج أهل الأردن من دائرة الصراع مع الكيان الصهيوني بحجة أن القضية تخص أهل فلسطين وأنها أكبر من أن يتحمل الأردن تبعاتها، وهو ما جاء على لسان النائب السابق سعد البلوي في لقاء مشترك مع المعارض علاء الفزاع. أما الخطر الثاني فهو أن مطالبهم بشأن الملكية الدستورية وتقليص صلاحيات الملك لصالح حكومة ذات ولاية، تلتقي مع أجندة ترمب والليكود في صفقة القرن، التي ستفضي إلى إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين وتغيير النظام الانتخابي وتقاسم السلطة مع من يسمونهم المكون الفلسطيني.
وبالطبع هذا يتعارض مع الأساس "الوطني" الذي تنطلق منه تلك المعارضة، مما يدل على جهلهم بمآلات حراكهم، إذ أن مطالبهم هي ذاتها مطالب المتآمرين مع السفارة الأميركية. وربما لا تدرك المعارضة أن تردي الوضع الاقتصادي الأردني هو عمل مؤسسي ممنهج تواطأ عليه النظام والحكومات المتعاقبة مع صندوق النقد والبنك الدوليين وليس عملًا ارتجاليًا، فقد جرى برمجة الاقتصاد الأردني بالخصخصة وارتفاع الديْن وزيادة الضرائب من قبل صندوق النقد الدولي وأدوات محلية على نحو يُفضي إلى إفلاس خزينة الدولة، ويقطع الإمداد عنها سوى من جيب الفقراء والدعم الخارجي والديون المشروطة، الأمر الذي خلق معادلة جعلت النظام والشعب في تصادم ينتهي إلى تمرير إملاءات خارجية تنطوي على تغييرات جوهرية على نظام الحكم تبدو وكأنها استجابة لمطالب الحراك، وهي في حقيقتها استجابة لصفقة القرن!
ويكشف عن ذلك التغييرات المتتالية في أجهزة الأمن وتفريغها من المنحازين "لأردنة" النظام ومؤسساته، وتسليط الأمنيين الجدد على الحراك لضبطه وفق متطلبات الإملاءات الأميركية، وتسهيل تجنيس اللاجئين الذي تمليه ما أسمته السفارة الأميركية بـ"الصفقة الكبرى"، والتي وصفتها السفارة الأميركية بأنها موضوع مشترك خرج من المناقشات مع ذوي الأصول الفلسطينية والاتصالات مع بعض المسؤولين الحكوميين، كعدنان أبو عودة وطاهر المصري ورجائي الدجاني، وكالأقلام المنتفعة من النظام كعُريب الرنتاوي، وكذلك الوزير الأسبق عادل ارشيد الذي كشفت وثائق ويكليكس قبل 10 سنين تقريبًا عن قوله: "ستحل مسألة اللاجئين عندما يحصل الفلسطينيون في الأردن على العدالة والحقوق السياسية". ويُذكر أيضًا أن الوثائق ذاتها كشفت عن تحريض عريب الرنتاوي بقوله: "لا بد من زيادة الضغوط الخارجية على حكومة الأردن من أجل فرض حقوق متساوية للفلسطينيين بالقوة"، كما كشفت عن قول للوزير الأسبق رجائي الدجاني بأنه كُلف من قبل الملك بتشكيل لجنة مع رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري ومدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي لتجنيس اللاجئين لكن الذهبي أهمل الموضوع. وربما لهذا السبب لم توفر أميركا للذهبي حماية ضد تهم الفساد التي أودت به إلى السجن. من هنا يمكن فهم انتقاد الملك المتكرر لجهاز المخابرات وبخاصة في رسالته التي رافقت إقالة مدير المخابرات السابق في الوقت الذي تترقب فيه المنطقة الإعلان عن صفقة القرن التي نُفذت بعض بنودها في الواقع.
لا شك أن ارتخاء قبضة الملك على السلطة وتعرية رموز النظام بشكل لافت وغير مسبوق في الأردن هو تطور كبير، لكنه لا يؤسس لاسترداد الشعب ولايته وسلطانه كما تتوهم المعارضة؛ لأن التغيير الذي ينادون به لا ينطلق من نظرة الإسلام إلى الحياة والحكم، وإنما هو ردة فعل على سلوك القصر وحجم الفساد. كما ينطلق من حمية وطنية جاهلية لا يمكن أن تبني الدولة التي أمر الله بها. كما أن رهان المعارضة في التغيير على أميركا هو رهان خاسر؛ لأن التغيير الذي تريده أميركا مشروط بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وتوسيع تمثيلهم النيابي ومشاركتهم في كل دوائر السلطة، وهو ما يتعارض مع الأساس الذي تنطلق منه المعارضة. وبالتالي فإن أميركا تخدع هؤلاء المعارضين وتستغلهم في ما يخدم أجندتها بتواطؤ منهم أو بجهل.
إن ما يجب على أهل الأردن في هذه المرحلة الدقيقة هو رصُّ الصفوف ونبذ الفُرقة والتمييز العنصري، ورفض صفقة القرن وما يتمخض عنها من مؤامرة "الوطن البديل"، باعتبارهما مشروع تصفية "القضية الفلسطينية"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأردن بلد كل مسلم دون فرق. وعلى كل مسلم عاقل أن يُلجم من يُميّز بين شرقي وغربي، سواء من يعتبرون الفلسطيني لاجئًا أو من يعتبرون الأردن بديلًا لفلسطين. فهناك من يقول: أن الأردن هو البلد الوحيد الذي استضاف لاجئين لأكثر من 70 سنة، وهذا صحيح! ولكن لا يوجد دولة في العالم يبقى اللاجئ فيها لاجئًا 70 سنة! ولا في جمهوريات الموز التي أصبح اللاجئون فيها حكاماً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم .. " الحديث.
إن الصحابة الكرام رووا أرض الأردن بدمائهم الزكية لتكون كلمة الله هي العليا لا لتكون كلمة سايكس وبيكو هي العليا، وكلمة الله العليا تقول: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء 92. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات: 13. {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَظ°ذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىظ° وَنِعْمَ النَّصِيرُ} الحج: 78
من جهة أخرى فإن هذه المعارضة انقلبت على كل المفاهيم والقيم التي تحملها الأمة وتتطلع لها، ففي شريط له يوم الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر هاجم أحد أبرز وجوه المعارضة الأردنية في الخارج النظامَ الملكيَّ، الذي يتحمل بالفعل مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية في الأردن إلى مستويات غير مسبوقة، لكنه كشف عن الأفكار العفنة للمعارضة حيال النظام الذي يريدونه، حيث قال حرفيًّا بأنه يريد إمارات داخل الأردن وحاكم كإرناط "الصليبي" وأنه لا يريد الدين في الحكم، وإنما يريد دولة وطنية يشكلها أبناء الأردن على أساس الجغرافيا و"التجذر التاريخي"، وهذا بزعمه يُعد تحريرًا للأردن واستردادًا لولاية الشعب على دولته. ولكنهم أبوا إلا تكريس الأوضاع التي أوجدها الاستعمار، إذ يريد حاكمًا كإرناط الذي أقسم صلاح الدين الأيوبي بأن يقطع راسه لقاء قطعه الطريق على الحجاج المسلمين!!. والحال أن هكذا معارضة لا تمثل أهل الأردن الشرفاء ولا يستجيب لهم إلا من كان في قلبه مرض وفي عقله خرف ومن تجرد من قيم الإسلام واستفحل في نفسه نتن الجاهلية، يقول تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.
وفي الختام نقول لأهلنا في الأردن ليس ثمة قيمة تعلو على القيمة الروحية عند من يؤمن بالله واليوم الآخر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فقد أعلنت المعارضة الأردنية في الخارج النفير تحت شعار "وينك" لاستنهاض همم "أهل الحل والعقد" لإنقاذ قطعة من منتجات سايكس وبيكو، وكأن ضياع الأردن وثروته أخطر من ضياع الدين ودولة الإسلام؟! يقول تبارك وتعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت : 69؛ فكل كفاح لا يراد به وجه الله هو كفاح رخيص بعيد عن الاستقامة. فأي نوع من الرجال وأي فكر يحمل هؤلاء لأهل الأردن المسلمين، إن استنفار الشباب من أجل قصعة وثريد لا من أجل قضية الإسلام هو خيانة لله الذي قال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الأنفال : 24 . والأردن ليس بأعز من عودة الإسلام لمعترك الحياة والدولة والمجتمع، وإذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيِ دينًا، فلا تستجيبوا إلى دعوة التثاقل إلى الأرض ووحْل الوطنية الجاهلية، التي غاية همهما قصعة وثريد ومتاع من الدنيا قليل. لا شك أن الباعث على دعوتهم هو الوطنية الجاهلية التي لا تعترف بحرمة دم المسلم وهو ما يعبر عن توجه هذه الفئة المنحرفة عن دينها وهو ما يوجب نبذها والتمسك بمنهج الله ورسوله ورفض كل ما سواه.
دردشة محلية
أولًا: نشطاء المعارضة الأردنية في الخارج
تنشط مجموعة من الشباب الأردنيين تعارض النظام الأردني على أسس وطنية ضيقة، ومن أبرزهم الدكتور حسام العبداللات وعلاء الفزاع والدكتور مصطفى الشمايلة ومحمد صيام ونايف الطورة والنائب السابق سعد البلوي، ويتصف خطابهم بالنقد اللاذع للعائلة الملكية وبخاصة للملكة رانيا ولحاشية النظام وجهاز المخابرات، ويتخذون من الفساد المالي والإداري والتردي الاقتصادي وقمع الحراك مادة أساسية لهجومهم على الملك عبدالله، ويحملون الملكة وأقاربها ومحاسيبها مسؤولية تردي الأوضاع الأردنية في شتى المجالات.
وأبرز ما يمكن ملاحظته في خطابهم هو حجم المعلومات التي يبثونها وطبيعتها السرية، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على تراخي الإسناد الخارجي الأميركي للنظام، وانقسام حاد داخل الكتلة الصلبة في مؤسساته، وتآكل سنده التقليدي العشائري، وتململ وسائل إسناده في الجيش والقوى الأمنية، وهو ما يستدعي سؤالًا جوهريًّا عن سبب تراخي أميركا في إسناد النظام الملكي التابع لها؟ وعمن يقف خلف المعارضة وعن الهدف من إضعاف سلطة الملك وفاعليته في إدارة شؤون الدولة؟!
إن من الواضح أن هؤلاء المعارضين موجهون، ويسيرون في أجندة تتقاطع مع ميولهم ونزعتهم "الوطنية" سواءٌ علموا بذلك أم جهلوا به، بل لقد صرح نايف الطورة والدكتور مصطفى الشمايلة وعلاء الفزاع عبر الأشرطة التي يبثونها بأن لهم اتصالات مع الخارجية الأميركية والمجلس الأوروبي، وطالبوا بربط المساعدات بمستوى التزام الأردن بحقوق الإنسان والشفافية المالية. وهذا النشاط المكثف الذي يقومون به وإن كان فيه كشف للفساد والفاسدين من شأنه أن يُضعف وسائل إسناد النظام ويُميط اللثام عن وجهه ويكشف حقيقته للشعب؛ لكنه ينطوي على مخاطر كبيرة على النسيج المجتمعي ومستقبل الشعب في الأردن، الخطر الأول أنهم يعيدون تشكيل الخطاب الجماهيري على أساس وطني تفكيكي يحيي النزعة العنصرية ويقود إلى النزاع المجتمعي ويهدد وحدة الصف وأخوة الإسلام، ويضعف أطول خطوط المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، بل ويدعو إلى إخراج أهل الأردن من دائرة الصراع مع الكيان الصهيوني بحجة أن القضية تخص أهل فلسطين وأنها أكبر من أن يتحمل الأردن تبعاتها، وهو ما جاء على لسان النائب السابق سعد البلوي في لقاء مشترك مع المعارض علاء الفزاع. أما الخطر الثاني فهو أن مطالبهم بشأن الملكية الدستورية وتقليص صلاحيات الملك لصالح حكومة ذات ولاية، تلتقي مع أجندة ترمب والليكود في صفقة القرن، التي ستفضي إلى إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين وتغيير النظام الانتخابي وتقاسم السلطة مع من يسمونهم المكون الفلسطيني.
وبالطبع هذا يتعارض مع الأساس "الوطني" الذي تنطلق منه تلك المعارضة، مما يدل على جهلهم بمآلات حراكهم، إذ أن مطالبهم هي ذاتها مطالب المتآمرين مع السفارة الأميركية. وربما لا تدرك المعارضة أن تردي الوضع الاقتصادي الأردني هو عمل مؤسسي ممنهج تواطأ عليه النظام والحكومات المتعاقبة مع صندوق النقد والبنك الدوليين وليس عملًا ارتجاليًا، فقد جرى برمجة الاقتصاد الأردني بالخصخصة وارتفاع الديْن وزيادة الضرائب من قبل صندوق النقد الدولي وأدوات محلية على نحو يُفضي إلى إفلاس خزينة الدولة، ويقطع الإمداد عنها سوى من جيب الفقراء والدعم الخارجي والديون المشروطة، الأمر الذي خلق معادلة جعلت النظام والشعب في تصادم ينتهي إلى تمرير إملاءات خارجية تنطوي على تغييرات جوهرية على نظام الحكم تبدو وكأنها استجابة لمطالب الحراك، وهي في حقيقتها استجابة لصفقة القرن!
ويكشف عن ذلك التغييرات المتتالية في أجهزة الأمن وتفريغها من المنحازين "لأردنة" النظام ومؤسساته، وتسليط الأمنيين الجدد على الحراك لضبطه وفق متطلبات الإملاءات الأميركية، وتسهيل تجنيس اللاجئين الذي تمليه ما أسمته السفارة الأميركية بـ"الصفقة الكبرى"، والتي وصفتها السفارة الأميركية بأنها موضوع مشترك خرج من المناقشات مع ذوي الأصول الفلسطينية والاتصالات مع بعض المسؤولين الحكوميين، كعدنان أبو عودة وطاهر المصري ورجائي الدجاني، وكالأقلام المنتفعة من النظام كعُريب الرنتاوي، وكذلك الوزير الأسبق عادل ارشيد الذي كشفت وثائق ويكليكس قبل 10 سنين تقريبًا عن قوله: "ستحل مسألة اللاجئين عندما يحصل الفلسطينيون في الأردن على العدالة والحقوق السياسية". ويُذكر أيضًا أن الوثائق ذاتها كشفت عن تحريض عريب الرنتاوي بقوله: "لا بد من زيادة الضغوط الخارجية على حكومة الأردن من أجل فرض حقوق متساوية للفلسطينيين بالقوة"، كما كشفت عن قول للوزير الأسبق رجائي الدجاني بأنه كُلف من قبل الملك بتشكيل لجنة مع رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري ومدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي لتجنيس اللاجئين لكن الذهبي أهمل الموضوع. وربما لهذا السبب لم توفر أميركا للذهبي حماية ضد تهم الفساد التي أودت به إلى السجن. من هنا يمكن فهم انتقاد الملك المتكرر لجهاز المخابرات وبخاصة في رسالته التي رافقت إقالة مدير المخابرات السابق في الوقت الذي تترقب فيه المنطقة الإعلان عن صفقة القرن التي نُفذت بعض بنودها في الواقع.
لا شك أن ارتخاء قبضة الملك على السلطة وتعرية رموز النظام بشكل لافت وغير مسبوق في الأردن هو تطور كبير، لكنه لا يؤسس لاسترداد الشعب ولايته وسلطانه كما تتوهم المعارضة؛ لأن التغيير الذي ينادون به لا ينطلق من نظرة الإسلام إلى الحياة والحكم، وإنما هو ردة فعل على سلوك القصر وحجم الفساد. كما ينطلق من حمية وطنية جاهلية لا يمكن أن تبني الدولة التي أمر الله بها. كما أن رهان المعارضة في التغيير على أميركا هو رهان خاسر؛ لأن التغيير الذي تريده أميركا مشروط بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وتوسيع تمثيلهم النيابي ومشاركتهم في كل دوائر السلطة، وهو ما يتعارض مع الأساس الذي تنطلق منه المعارضة. وبالتالي فإن أميركا تخدع هؤلاء المعارضين وتستغلهم في ما يخدم أجندتها بتواطؤ منهم أو بجهل.
إن ما يجب على أهل الأردن في هذه المرحلة الدقيقة هو رصُّ الصفوف ونبذ الفُرقة والتمييز العنصري، ورفض صفقة القرن وما يتمخض عنها من مؤامرة "الوطن البديل"، باعتبارهما مشروع تصفية "القضية الفلسطينية"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأردن بلد كل مسلم دون فرق. وعلى كل مسلم عاقل أن يُلجم من يُميّز بين شرقي وغربي، سواء من يعتبرون الفلسطيني لاجئًا أو من يعتبرون الأردن بديلًا لفلسطين. فهناك من يقول: أن الأردن هو البلد الوحيد الذي استضاف لاجئين لأكثر من 70 سنة، وهذا صحيح! ولكن لا يوجد دولة في العالم يبقى اللاجئ فيها لاجئًا 70 سنة! ولا في جمهوريات الموز التي أصبح اللاجئون فيها حكاماً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم .. " الحديث.
إن الصحابة الكرام رووا أرض الأردن بدمائهم الزكية لتكون كلمة الله هي العليا لا لتكون كلمة سايكس وبيكو هي العليا، وكلمة الله العليا تقول: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء 92. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات: 13. {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَظ°ذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىظ° وَنِعْمَ النَّصِيرُ} الحج: 78
من جهة أخرى فإن هذه المعارضة انقلبت على كل المفاهيم والقيم التي تحملها الأمة وتتطلع لها، ففي شريط له يوم الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر هاجم أحد أبرز وجوه المعارضة الأردنية في الخارج النظامَ الملكيَّ، الذي يتحمل بالفعل مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية في الأردن إلى مستويات غير مسبوقة، لكنه كشف عن الأفكار العفنة للمعارضة حيال النظام الذي يريدونه، حيث قال حرفيًّا بأنه يريد إمارات داخل الأردن وحاكم كإرناط "الصليبي" وأنه لا يريد الدين في الحكم، وإنما يريد دولة وطنية يشكلها أبناء الأردن على أساس الجغرافيا و"التجذر التاريخي"، وهذا بزعمه يُعد تحريرًا للأردن واستردادًا لولاية الشعب على دولته. ولكنهم أبوا إلا تكريس الأوضاع التي أوجدها الاستعمار، إذ يريد حاكمًا كإرناط الذي أقسم صلاح الدين الأيوبي بأن يقطع راسه لقاء قطعه الطريق على الحجاج المسلمين!!. والحال أن هكذا معارضة لا تمثل أهل الأردن الشرفاء ولا يستجيب لهم إلا من كان في قلبه مرض وفي عقله خرف ومن تجرد من قيم الإسلام واستفحل في نفسه نتن الجاهلية، يقول تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.
وفي الختام نقول لأهلنا في الأردن ليس ثمة قيمة تعلو على القيمة الروحية عند من يؤمن بالله واليوم الآخر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فقد أعلنت المعارضة الأردنية في الخارج النفير تحت شعار "وينك" لاستنهاض همم "أهل الحل والعقد" لإنقاذ قطعة من منتجات سايكس وبيكو، وكأن ضياع الأردن وثروته أخطر من ضياع الدين ودولة الإسلام؟! يقول تبارك وتعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت : 69؛ فكل كفاح لا يراد به وجه الله هو كفاح رخيص بعيد عن الاستقامة. فأي نوع من الرجال وأي فكر يحمل هؤلاء لأهل الأردن المسلمين، إن استنفار الشباب من أجل قصعة وثريد لا من أجل قضية الإسلام هو خيانة لله الذي قال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الأنفال : 24 . والأردن ليس بأعز من عودة الإسلام لمعترك الحياة والدولة والمجتمع، وإذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيِ دينًا، فلا تستجيبوا إلى دعوة التثاقل إلى الأرض ووحْل الوطنية الجاهلية، التي غاية همهما قصعة وثريد ومتاع من الدنيا قليل. لا شك أن الباعث على دعوتهم هو الوطنية الجاهلية التي لا تعترف بحرمة دم المسلم وهو ما يعبر عن توجه هذه الفئة المنحرفة عن دينها وهو ما يوجب نبذها والتمسك بمنهج الله ورسوله ورفض كل ما سواه.