Abu Taqi
17-11-2019, 11:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
مناقشة حول وضع تركيا وأردوغان من ناحية دولية
السؤال: إنه من متطلبات صحة فهم الأحداث السياسية الجارية إدراك واقع الدول من كونها مؤثرة في الموقف الدولي أو تدور في فلك الدولة المؤثرة أو تابعة لها أو مستقلة. وقد تتالى في النشرات الأخيرة التي أصدرها الحزب استعمال توصيف أن الحالة التي عليها تركيا هي عملها على الاستقلال بقرارها السياسي داخليًا وخارجيًا عن الهيمنة الأميركية. فما هي الوقائع الدالة على هذا التغير وبخاصة وأن الأحداث يمكن فهمها أنها تمرد لعميل لتضارب المصالح أو أنها افتعال لأدوار معينة تنفذها تركيا ضمن خطة أميركية لتضليل الرأي العام الداخلي والدولي؟ وهل يمكن إصدار نشرة لتوضيح رأي الحزب بشكل واضح وحاسم فيما يتعلق بوضعية تركيا؟
الجواب: التحليل السياسي هو بحث في الوقائع والأحداث الجارية وتشخيصها بتجرد تام من العواطف والميول والمعتقدات، ولا يوجد تلازم بين الموقف السياسي الداخلي أو الخارجي للدولة لناحية استقلالها من عدمه, وبين هويتها العقدية. فليس بالضرورة إذا استقل أردوغان مثلًا أنه قد استقام للدين.
أما الموقف منه فمعياره استقامته للدين, وحسن أدائه السياسي، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة، فهو لا يزال يتبنى معتقدًا علمانيًا خطيرًا مفاده "التدين للأفراد لا للنظام والدولة"، وهو ما صرح به في لقاءات متلفزة، وهكذا معتقد لا علاقة له بالإسلام.
أما بخصوص أدائه السياسي وتحالفاته الخارجية والداخلية فلا يزال يحكمها معايير نفعية ضيقة ولإلقاء الضوء حول واقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, فإنه لا بد من إدراك ما يلي:
أولًا: لا شك أن موضوع أردوغان هو موضوع إشكالي، وذلك بسبب معارضته لبعض السياسات الأميركية كرفضه للكيان الكردي ودعمه لبعضها الآخر كمشاركته في مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه جورج بوش الإبن على مجموعة الدول الصناعية الثماني سنة 2004م.
ورغم أن خدمة الحكام للدول الكبرى يضغط على الفهم لجهة ارتباط الحكام بالخارج ويضعهم في خانة العمالة للدول الكبرى, لكن الحكم بتبعية الحكام على هذا النحو يندرج في إطار القياس الشمولي والتعميم والمنطق مما يُفسد الرأي. ولذلك لا بد من الرجوع إلى المفاهيم السياسية الضابطة للفهم؛ لتفسير الأحداث والوقائع والتصريحات السياسية وربطها بالمعلومات الصحيحة المتعلقة بها؛ لأن جمع الأخبار المؤيدة أو المعارضة دون تمحيصها ومطابقتها بما يجري في الواقع هو تحكم فاسد وتوظيف بعيد عن الموضوعية في تلقي الأخبار والمعلومات.
لا بد أن نعرف ابتداءً أن العمالة والتبعية ليست عقدًا أبديًّا لا يُخرج العميل عن تبعيته، أو يمنع من تحوله أو استقلاله، وإنما هو عقد نفعي إذا استوجب ما يفضه فإنه ينفض.
والحاكم العميل هو المتواطئ مع طرف خارجي في مشاريع وأجندات الطرف الخارجي، فهو (فاقد) الإرادة في السياسة الخارجية و(مقيد) الإرادة في السياسة الداخلية.
أما الحاكم المستقل فهو من يملك الإرادة في السياسة الخارجية والداخلية بصرف النظر إن كان يملك القدرة على الفعل أم فاقدًا لها، بشرط أن تكون القيود المانعة من الفعل موضوعية _لارتهان فعلها بالقدرة_ لا تآمرية؛ لأن استقلال الحاكم يرتبط (بالإرادة) لا (بالقدرة) على الفعل.
ثانيًا: الفرق بين الدولة التابعة والدولة التي تسير في فلك دولة كبرى يكمن في نوعية علاقة الحكام مع الدولة الكبرى. فالدولة التابعة هي الدولة التي يقودها عميل لدولة كبرى، فينفذ ما يطلب منه في السياسة الخارجية دون اعتراض. أما في السياسة الداخلية فيملك التصرف الإداري بما لا يؤثر على مصالح الدولة الكبرى. وفي الدول التابعة يكون الوسط السياسي برمته عميلًا في الأغلب الأعم، ولكن العبرة هي بصانع القرار في الدولة والمُسير لشؤونها الداخلية والخارجية فيما إن كان عميلًا أم مجرد رجل من رجال الدولة الأجنبية.
والعملاء أنواع؛ فمنهم الخاضع خضوعًا قهريًّا يرتهن بقاؤه وخلعه بيد أسياده بسبب تورطه في قضايا تهدد حياته أو سمعته، وهذا النوع لا يملك سوى التنفيذ ولو تعرض لمخاطر فنائه، وهو ما يُعلم من سلوكه الذي يغلب عليه المغامرة واللامبالاة بشعبه كالسيسي ومحمد بن سلمان وابن زايد، وهؤلاء يسهل استبدال غيرهم بهم ولا يرد التمرد في ذهنهم.
ومنهم الخاضع بموجب اتفاق يصل فيه إلى الحكم دون أن يكون متورطًا بقضايا "أخلاقية وغيرها" ولا يكون مرتهنًا لأسياده بسببها، وهؤلاء يمكنهم الاستقلال أو التحول عن عمالتهم لدولة أخرى في حال استهدافهم من قبل أسيادهم عند امتلاكهم القدرة على تهديد مصالح الدول الكبرى والاستغناء عنها، كحالة تركيا، وإيران لو تحلى قادتها بالعقائدية والشجاعة.
ولا نعني بالقدرة هنا امتلاكهم قوة عسكرية مكافئة لقوة الدول الكبرى بل نقصد امتلاكهم قاعدة شعبية تحميهم, وخلو دولتهم من نفوذ أجنبي قادر على تحطيم صمودهم في وجه الدول الكبرى.
أما الدولة التي تسير في فلك دولة كبرى فهي التي تستقل بشؤونها الداخلية تمامًا، ومن ذلك أنها تملك اختيار من يحكمها، وتملك القرار بنوع نظامها وتقدمها العلمي والتجاري، وقد تنافس الدول الكبرى في غير الحقل السياسي، فيما تخضع لدولة أعظم منها في سياستها الخارجية كخضوع الدول الأوروبية "غير التابعة" للولايات المتحدة، وهي تسير في فلكها عن قناعة أو رهبة بأن في ذلك تحقيقًا لأمنها القومي ولو تعارض مع مصالحها الآنية، وذلك انسجامًا مع حجمها وتأثيرها ونفوذها، ولا تسير عن تآمر وخيانة كالدول التابعة التي تنفذ التعليمات تلبية لمصالح الدولة الكبرى ولو على حساب مصالحها وأمنها المجتمعي والقومي.
وهذا بخلاف الدول التي تؤمّن مصالح دولة كبرى في شأن معين لا في كل شأن؛ لأن التنفيذ في شأن معين يعني أن الحاكم من رجال الدولة الأجنبية الكبرى وليس من عملائها أو الذين يدورون في فلكها، وهؤلاء يمكن أن يتصادموا مع الدول الكبرى ويمكن أن يتعاطوا مع أكثر من دولة كبرى في قضايا مختلفة في سياستهم الخارجية.
ثالثًا: يرتبط وصف الدول بالحالة التي عليها الحاكم, ويتبدل الوصف بتبدل حالته، فقد يستقل وقد يتحول وقد يصبح رجلًا من رجال دولة أجنبية بعد أن كان عميلًا أو حتى مستقلًا.
ما يهمنا من توصيف حالة الدول وحكامها هو معرفة مسار الأحداث وتفسير التناقضات التي ازدحم بها المشهد السياسي في الشرق الأوسط بشكل لم يكن معهودًا من قبل, وهو استهداف أميركا لعملائها والحالة التي آلوا إليها؛ لكي نرسم الخطوط العريضة التي تفسر الوضع القائم عوضًا عن الجنوح إلى المنطق والتعميم الذي لا يوصل إلى فهم صحيح ومنضبط، يأتي ذلك عبر فهم مواقف وأعمال الحكام ودوافعهم ومعرفة الجهة التي يسيرون معها، فإن كانت تتصادم مواقف الحاكم في الملفات المصيرية لبلده مع سياسة الولايات المتحدة فيعني ذلك أن العلاقة ملتبسة ولا يجوز تفسيرها دون الوقوف على حقيقة استهدافه ما إذا كان الأمر يهدد بقاءه في الحكم أم لا؟
متابعة سياسية
مناقشة حول وضع تركيا وأردوغان من ناحية دولية
السؤال: إنه من متطلبات صحة فهم الأحداث السياسية الجارية إدراك واقع الدول من كونها مؤثرة في الموقف الدولي أو تدور في فلك الدولة المؤثرة أو تابعة لها أو مستقلة. وقد تتالى في النشرات الأخيرة التي أصدرها الحزب استعمال توصيف أن الحالة التي عليها تركيا هي عملها على الاستقلال بقرارها السياسي داخليًا وخارجيًا عن الهيمنة الأميركية. فما هي الوقائع الدالة على هذا التغير وبخاصة وأن الأحداث يمكن فهمها أنها تمرد لعميل لتضارب المصالح أو أنها افتعال لأدوار معينة تنفذها تركيا ضمن خطة أميركية لتضليل الرأي العام الداخلي والدولي؟ وهل يمكن إصدار نشرة لتوضيح رأي الحزب بشكل واضح وحاسم فيما يتعلق بوضعية تركيا؟
الجواب: التحليل السياسي هو بحث في الوقائع والأحداث الجارية وتشخيصها بتجرد تام من العواطف والميول والمعتقدات، ولا يوجد تلازم بين الموقف السياسي الداخلي أو الخارجي للدولة لناحية استقلالها من عدمه, وبين هويتها العقدية. فليس بالضرورة إذا استقل أردوغان مثلًا أنه قد استقام للدين.
أما الموقف منه فمعياره استقامته للدين, وحسن أدائه السياسي، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة، فهو لا يزال يتبنى معتقدًا علمانيًا خطيرًا مفاده "التدين للأفراد لا للنظام والدولة"، وهو ما صرح به في لقاءات متلفزة، وهكذا معتقد لا علاقة له بالإسلام.
أما بخصوص أدائه السياسي وتحالفاته الخارجية والداخلية فلا يزال يحكمها معايير نفعية ضيقة ولإلقاء الضوء حول واقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, فإنه لا بد من إدراك ما يلي:
أولًا: لا شك أن موضوع أردوغان هو موضوع إشكالي، وذلك بسبب معارضته لبعض السياسات الأميركية كرفضه للكيان الكردي ودعمه لبعضها الآخر كمشاركته في مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه جورج بوش الإبن على مجموعة الدول الصناعية الثماني سنة 2004م.
ورغم أن خدمة الحكام للدول الكبرى يضغط على الفهم لجهة ارتباط الحكام بالخارج ويضعهم في خانة العمالة للدول الكبرى, لكن الحكم بتبعية الحكام على هذا النحو يندرج في إطار القياس الشمولي والتعميم والمنطق مما يُفسد الرأي. ولذلك لا بد من الرجوع إلى المفاهيم السياسية الضابطة للفهم؛ لتفسير الأحداث والوقائع والتصريحات السياسية وربطها بالمعلومات الصحيحة المتعلقة بها؛ لأن جمع الأخبار المؤيدة أو المعارضة دون تمحيصها ومطابقتها بما يجري في الواقع هو تحكم فاسد وتوظيف بعيد عن الموضوعية في تلقي الأخبار والمعلومات.
لا بد أن نعرف ابتداءً أن العمالة والتبعية ليست عقدًا أبديًّا لا يُخرج العميل عن تبعيته، أو يمنع من تحوله أو استقلاله، وإنما هو عقد نفعي إذا استوجب ما يفضه فإنه ينفض.
والحاكم العميل هو المتواطئ مع طرف خارجي في مشاريع وأجندات الطرف الخارجي، فهو (فاقد) الإرادة في السياسة الخارجية و(مقيد) الإرادة في السياسة الداخلية.
أما الحاكم المستقل فهو من يملك الإرادة في السياسة الخارجية والداخلية بصرف النظر إن كان يملك القدرة على الفعل أم فاقدًا لها، بشرط أن تكون القيود المانعة من الفعل موضوعية _لارتهان فعلها بالقدرة_ لا تآمرية؛ لأن استقلال الحاكم يرتبط (بالإرادة) لا (بالقدرة) على الفعل.
ثانيًا: الفرق بين الدولة التابعة والدولة التي تسير في فلك دولة كبرى يكمن في نوعية علاقة الحكام مع الدولة الكبرى. فالدولة التابعة هي الدولة التي يقودها عميل لدولة كبرى، فينفذ ما يطلب منه في السياسة الخارجية دون اعتراض. أما في السياسة الداخلية فيملك التصرف الإداري بما لا يؤثر على مصالح الدولة الكبرى. وفي الدول التابعة يكون الوسط السياسي برمته عميلًا في الأغلب الأعم، ولكن العبرة هي بصانع القرار في الدولة والمُسير لشؤونها الداخلية والخارجية فيما إن كان عميلًا أم مجرد رجل من رجال الدولة الأجنبية.
والعملاء أنواع؛ فمنهم الخاضع خضوعًا قهريًّا يرتهن بقاؤه وخلعه بيد أسياده بسبب تورطه في قضايا تهدد حياته أو سمعته، وهذا النوع لا يملك سوى التنفيذ ولو تعرض لمخاطر فنائه، وهو ما يُعلم من سلوكه الذي يغلب عليه المغامرة واللامبالاة بشعبه كالسيسي ومحمد بن سلمان وابن زايد، وهؤلاء يسهل استبدال غيرهم بهم ولا يرد التمرد في ذهنهم.
ومنهم الخاضع بموجب اتفاق يصل فيه إلى الحكم دون أن يكون متورطًا بقضايا "أخلاقية وغيرها" ولا يكون مرتهنًا لأسياده بسببها، وهؤلاء يمكنهم الاستقلال أو التحول عن عمالتهم لدولة أخرى في حال استهدافهم من قبل أسيادهم عند امتلاكهم القدرة على تهديد مصالح الدول الكبرى والاستغناء عنها، كحالة تركيا، وإيران لو تحلى قادتها بالعقائدية والشجاعة.
ولا نعني بالقدرة هنا امتلاكهم قوة عسكرية مكافئة لقوة الدول الكبرى بل نقصد امتلاكهم قاعدة شعبية تحميهم, وخلو دولتهم من نفوذ أجنبي قادر على تحطيم صمودهم في وجه الدول الكبرى.
أما الدولة التي تسير في فلك دولة كبرى فهي التي تستقل بشؤونها الداخلية تمامًا، ومن ذلك أنها تملك اختيار من يحكمها، وتملك القرار بنوع نظامها وتقدمها العلمي والتجاري، وقد تنافس الدول الكبرى في غير الحقل السياسي، فيما تخضع لدولة أعظم منها في سياستها الخارجية كخضوع الدول الأوروبية "غير التابعة" للولايات المتحدة، وهي تسير في فلكها عن قناعة أو رهبة بأن في ذلك تحقيقًا لأمنها القومي ولو تعارض مع مصالحها الآنية، وذلك انسجامًا مع حجمها وتأثيرها ونفوذها، ولا تسير عن تآمر وخيانة كالدول التابعة التي تنفذ التعليمات تلبية لمصالح الدولة الكبرى ولو على حساب مصالحها وأمنها المجتمعي والقومي.
وهذا بخلاف الدول التي تؤمّن مصالح دولة كبرى في شأن معين لا في كل شأن؛ لأن التنفيذ في شأن معين يعني أن الحاكم من رجال الدولة الأجنبية الكبرى وليس من عملائها أو الذين يدورون في فلكها، وهؤلاء يمكن أن يتصادموا مع الدول الكبرى ويمكن أن يتعاطوا مع أكثر من دولة كبرى في قضايا مختلفة في سياستهم الخارجية.
ثالثًا: يرتبط وصف الدول بالحالة التي عليها الحاكم, ويتبدل الوصف بتبدل حالته، فقد يستقل وقد يتحول وقد يصبح رجلًا من رجال دولة أجنبية بعد أن كان عميلًا أو حتى مستقلًا.
ما يهمنا من توصيف حالة الدول وحكامها هو معرفة مسار الأحداث وتفسير التناقضات التي ازدحم بها المشهد السياسي في الشرق الأوسط بشكل لم يكن معهودًا من قبل, وهو استهداف أميركا لعملائها والحالة التي آلوا إليها؛ لكي نرسم الخطوط العريضة التي تفسر الوضع القائم عوضًا عن الجنوح إلى المنطق والتعميم الذي لا يوصل إلى فهم صحيح ومنضبط، يأتي ذلك عبر فهم مواقف وأعمال الحكام ودوافعهم ومعرفة الجهة التي يسيرون معها، فإن كانت تتصادم مواقف الحاكم في الملفات المصيرية لبلده مع سياسة الولايات المتحدة فيعني ذلك أن العلاقة ملتبسة ولا يجوز تفسيرها دون الوقوف على حقيقة استهدافه ما إذا كان الأمر يهدد بقاءه في الحكم أم لا؟