Abu Taqi
07-04-2019, 08:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
استقالة بوتفليقة: انقلاب الأركان على الرئاسة والمخابرات
دخلت الجزائر منذ يوم 2/4/2019 م في منعطف سياسي هام بعد إعلان مؤسسة الرئاسة في بيان لها منسوب لعبد العزيز بوتفليقة يقول فيه "يشرفني أن أنهي رسميًا إلى علمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسًا للجمهورية". إن هذا البيان ما كان ليصدر لولا التحذير المباشر الذي وجهته قيادة الأركان في الجيش إلى الرئاسة بوجوب تفعيل المادة 102 فورًا من الدستور.
فقد ورد في بيان أركان الجيش الذي صدر قبل أقل من ساعتين من بيان الرئاسة: "فنحن نرى أنه لا مجال للمزيد من تضييع الوقت وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102، ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية. وعليه فقرارنا واضح ولا رجعة فيه، إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة".
ومنذ أن أصدر قائد الأركان أحمد قايد صالح يوم 26/3/2019 م بيانًا طالبًا فيه تفعيل المادة 102 من الدستور المتعلقة بالشغور تحرك جناح الرئاسة الذي يتحكم فيه السعيد بوتفليقة وبالتنسيق مع جناح المخابرات ممثلًا في محمد مدين الذي يطلق عليه لقب الجنرال توفيق، المدير السابق للمخابرات العسكرية قبل أن يتم تفكيكها، من أجل الالتفاف على أوامر قيادة الأركان.
فبتاريخ 30/3/2019 م أصدرت قيادة الأركان بيانًا ذكرت فيه "إنه بتاريخ 30 /3/ 2019م، تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
ورغم أن بيان قيادة الأركان لم يذكر أسماء "العصابة" كما وصفهم هو نفسه، لكن قناة الشروق المقربة من الجيش ذكرت أن هذا الاجتماع كان يضم السعيد بوتفليقة ومحمد مدين (رئيس المخابرات السابق) وعثمان طرطاق، رئيس المخابرات الحالي، بحضور عناصر من المخابرات الفرنسية. وذكر بيان الجيش أن هذه "الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب".
وما زاد من الأمر خطورة بالنسبة لأحمد قايد صالح هو اللقاء الذي وقع في نفس اليوم بين محمد مدين (الجنرال توفيق) وبين الرئيس السابق الأمين زروال في مقر إقامته بالعاصمة. وأمام اشتداد صراع أجنحة السلطة الذي خرج للعلن وخوفًا من أن يُستعمل مطية في يد جناحي السعيد وتوفيق، قام زروال بإصدار بيان يوم 2/4/2019 يشرح فيه لقاءه بالجنرال توفيق، ذكر فيه أنه: "بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة، أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس بطلب منه الفريق المتقاعد محمد مدين الذي حمل لي اقتراح لرئاسة هيئة مكلفة بتسيير المرحلة الانتقالية. وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة، مستشار لدى الرئاسة".
أما الجنرال توفيق فأمام رفض الأمين زروال السير معه في مخططه وبسبب الاتهام الخطير الذي وجهه له قايد صالح عبر قناة الشروق فإنه اضطر أن يصدر بيانًا يوم 1/4/2019 يدافع فيه عن نفسه وبخاصة تهمة التآمر مع المخابرات الفرنسية. وقال الجنرال توفيق في تصريح مكتوب: "إن الاتهام الموجه لشخصي والمتعلق بمقابلتي لرجال مخابرات أجانب، قصد إثارة مواضيع مرتبطة مباشرة مع السيادة الوطنية ما هو إلا محاولة متعمدة لإيذائي والمساس بشخصيتي المعروفة، داخل البلاد وخارجها، بطابع التصدي لكل التدخلات الخارجية سواء كانت سياسية، ثقافية أو اقتصادية". وتابع يقول: "فلا يمكنني أبدًا، تحت أي ظرف من الظروف التخلي عن مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية مهما كانت خطورة المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد، إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها في جميع تصرفاتي".
وكأن كل هذه التحركات لجناحي السلطة (الرئاسة والمخابرات) لم تحفز قيادة أركان الجيش للتحرك حتى قام السعيد بوتفليقة باسم الرئاسة يوم 31/3/2019م بتغيير وزاري جديد أبقى فيه على نورالدين بدوي في رئاسة الوزراء وتخلص من أكثر الوزراء كرهًا من قبل عموم الناس في الجزائر. ولم يكتف السعيد بذلك بل أصدر يوم 1/4/2019 بيانًا ذكر فيه أن عبد العزيز بوتفليقة سوف يستقيل من منصبه قبل يوم 28/4/2019م موعد انتهاء عهدته رسميًا، وتحدث البيان عن"فترة انتقالية" بمجرد استقالته. ولم يكتف البيان بذلك بل أخبر أن "قرارات هامة" سوف تصدر في وقت لاحق وذلك من أجل ضمان "استمرارية سير الدولة".
وهنا تحديدًا فهم قايد صالح أن "العصابة"، ويقصد بها السعيد بوتفليقة مدعومًا من الجنرال توفيق، تناور من أجل الإطاحة به عبر قرار عزله من منصب قيادة الأركان ومنصب نائب وزير الدفاع. ومما زاد في شكوك القايد صالح أن جناحي السلطة (المخابرات والرئاسة) روجوا في وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك اليوم أخبارًا تتحدث عن إقالة قايد صالح وتعويضه بالجنرال سعيد باي بعد أن فشلوا في استمالة الأمين زروال إلى خطتهم وجعله حصان طروادة؛ أي رئيسًا انتقاليًّا يعبرون منه إلى بر الأمان أمام ضغط الجيش والمتظاهرين معًا.
وهنا تحركت قيادة الأركان بسرعة وقامت بتطويق الإذاعة والتلفزيون وحتى منزل السعيد بوتفليقة لبعض الوقت من أجل إيصال رسالة مفادها أن أي قرار بعزله سوف يدفع قيادة الأركان نحو اعتقال كل عائلة بوتفليقة. وكانت قيادة الأركان قد قامت قبل ذلك بأيام باعتقال عدد من رجال الأعمال المحسوبين على الرئاسة وبخاصة منهم علي حداد والأخوة كونيناف (رضا وطارق وعبد القادر) والأخوة طحكوت (محي الدين وناصر وبلال). وهي إشارة واضحة إلى السعيد بأنه إذا لم يعلن عن شغور منصب الرئيس فإن قايد صالح لن يتردد في اعتقاله وكل أفراد عائلته، وبخاصة بعد أن رفض السعيد الالتزام باتفاق عقده مع قايد صالح الذي طلب منه إعلان استقالة أخيه مقابل الخروج الآمن له ولعائلته بالإضافة إلى الخروج المشرف لأخيه عبد العزيز.
لقد كان يوم 2/4/2019م يومًا هامًا في التاريخ الحديث للجزائر؛ لأنه حُسم فيه إلى حد كبير صراع أجنحة السلطة في الدولة الجزائرية علنيًا، وإن ظهر في قالب دستوري. فاستقالة بوتفليقة ليست ضربًا فقط لجناح الرئاسة بعد انضمام رئيس الحرس الجمهوري بنعلي بن علي إلى الاجتماع الكبير الذي عقده قايد صالح في مقر قيادة الأركان مع قادة أركان الجيش وقادة النواحي العسكرية الست بالإضافة إلى قادة الدرك والقوات البرية والجوية والبحرية، بل هو أيضًا إضعاف لجناح المخابرات ممثلًا في الجنرال توفيق الذي يمثل الدولة العميقة التابعة لنفوذ فرنسا.
ورغم أن رجال أعمال مثل يسعد ربراب (المحسوب على الجنرال توفيق والمدعوم من فرنسا) قد نزلوا إلى الشارع متظاهرين وداعمين للحراك الشعبي فلا يعني ذلك بحال أنهم قد توافقوا مع جناح قيادة الأركان. بل كل ما في الأمر أنهم يريدون ركوب موجة التظاهرات على أمل توجيه سفينتها نحو شاطئ فرنسا حيث يكون الجنرال توفيق أو تابعه الجنرال علي غديري أو حتى علي بن فليس في انتظارها ليكون رئيسًا لها خلفًا لبوتفليقة.
أما بالنسبة لتداعيات الأحداث فإن الإجراءات الدستورية تقول بأن يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح منصب الرئيس لمرحلة انتقالية حتى تجري الانتخابات العامة. ولكن يبدو أن هذا غير ممكن في ظل رفض شعبي واسع لابن صالح ولحكومة نورالدين بدوي التي عينها السعيد بوتفليقة. ولذلك لم يبق أمام السعيد سوى أن يقوم بتعويض عبدالقادر بن صالح ونورالدين بدوي بل وحتى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز بشخصيات مقبولة شعبيًا ويكون ذلك بالتوافق مع قايد صالح.
وفي حال مماطلة السعيد أو فشله في العثور على شخصيات مقبولة فإن الحل الآخر هو أن يقوم قايد صالح مباشرة بتفعيل المادتين 7 (الشعب مصدر كل سلطة) و8 (السلطة التأسيسية ملك الشعب) معتمدًا في ذلك على المادة 28 التي تعطي الحق للجيش في تمثيل الطاقة الدفاعية للأمة من أجل الحفاظ على الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية.
وإذا ما تم السير في الحل الثاني فإن الإجراء العملي هو أن يتم التوافق إما على شخصية مقبولة جماهيريًا ومن قبل أحزاب المعارضة أو يتم انشاء مجلس رئاسي. وفي الحالتين يكون الجيش هو الضامن لهذا الانتقال المرحلي نحو رئيس منتخب شعبيًا بعد إيجاد قانون انتخاب جديد ولجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات. ومع ذلك فإن موضوع إعادة كتابة الدستور تظل موضع جدل بين مطالب بتنقيحه فقط من قبل لجنة دستورية قبل الانتخابات وبين مطالب بتكوين جمعية تأسيسية تكتب دستورًا جديدًا ليكون قاعدة انطلاق نحو انتخابات رئاسية وتشريعية.
متابعة سياسية
استقالة بوتفليقة: انقلاب الأركان على الرئاسة والمخابرات
دخلت الجزائر منذ يوم 2/4/2019 م في منعطف سياسي هام بعد إعلان مؤسسة الرئاسة في بيان لها منسوب لعبد العزيز بوتفليقة يقول فيه "يشرفني أن أنهي رسميًا إلى علمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسًا للجمهورية". إن هذا البيان ما كان ليصدر لولا التحذير المباشر الذي وجهته قيادة الأركان في الجيش إلى الرئاسة بوجوب تفعيل المادة 102 فورًا من الدستور.
فقد ورد في بيان أركان الجيش الذي صدر قبل أقل من ساعتين من بيان الرئاسة: "فنحن نرى أنه لا مجال للمزيد من تضييع الوقت وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102، ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية. وعليه فقرارنا واضح ولا رجعة فيه، إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة".
ومنذ أن أصدر قائد الأركان أحمد قايد صالح يوم 26/3/2019 م بيانًا طالبًا فيه تفعيل المادة 102 من الدستور المتعلقة بالشغور تحرك جناح الرئاسة الذي يتحكم فيه السعيد بوتفليقة وبالتنسيق مع جناح المخابرات ممثلًا في محمد مدين الذي يطلق عليه لقب الجنرال توفيق، المدير السابق للمخابرات العسكرية قبل أن يتم تفكيكها، من أجل الالتفاف على أوامر قيادة الأركان.
فبتاريخ 30/3/2019 م أصدرت قيادة الأركان بيانًا ذكرت فيه "إنه بتاريخ 30 /3/ 2019م، تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
ورغم أن بيان قيادة الأركان لم يذكر أسماء "العصابة" كما وصفهم هو نفسه، لكن قناة الشروق المقربة من الجيش ذكرت أن هذا الاجتماع كان يضم السعيد بوتفليقة ومحمد مدين (رئيس المخابرات السابق) وعثمان طرطاق، رئيس المخابرات الحالي، بحضور عناصر من المخابرات الفرنسية. وذكر بيان الجيش أن هذه "الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب".
وما زاد من الأمر خطورة بالنسبة لأحمد قايد صالح هو اللقاء الذي وقع في نفس اليوم بين محمد مدين (الجنرال توفيق) وبين الرئيس السابق الأمين زروال في مقر إقامته بالعاصمة. وأمام اشتداد صراع أجنحة السلطة الذي خرج للعلن وخوفًا من أن يُستعمل مطية في يد جناحي السعيد وتوفيق، قام زروال بإصدار بيان يوم 2/4/2019 يشرح فيه لقاءه بالجنرال توفيق، ذكر فيه أنه: "بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة، أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس بطلب منه الفريق المتقاعد محمد مدين الذي حمل لي اقتراح لرئاسة هيئة مكلفة بتسيير المرحلة الانتقالية. وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة، مستشار لدى الرئاسة".
أما الجنرال توفيق فأمام رفض الأمين زروال السير معه في مخططه وبسبب الاتهام الخطير الذي وجهه له قايد صالح عبر قناة الشروق فإنه اضطر أن يصدر بيانًا يوم 1/4/2019 يدافع فيه عن نفسه وبخاصة تهمة التآمر مع المخابرات الفرنسية. وقال الجنرال توفيق في تصريح مكتوب: "إن الاتهام الموجه لشخصي والمتعلق بمقابلتي لرجال مخابرات أجانب، قصد إثارة مواضيع مرتبطة مباشرة مع السيادة الوطنية ما هو إلا محاولة متعمدة لإيذائي والمساس بشخصيتي المعروفة، داخل البلاد وخارجها، بطابع التصدي لكل التدخلات الخارجية سواء كانت سياسية، ثقافية أو اقتصادية". وتابع يقول: "فلا يمكنني أبدًا، تحت أي ظرف من الظروف التخلي عن مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية مهما كانت خطورة المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد، إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها في جميع تصرفاتي".
وكأن كل هذه التحركات لجناحي السلطة (الرئاسة والمخابرات) لم تحفز قيادة أركان الجيش للتحرك حتى قام السعيد بوتفليقة باسم الرئاسة يوم 31/3/2019م بتغيير وزاري جديد أبقى فيه على نورالدين بدوي في رئاسة الوزراء وتخلص من أكثر الوزراء كرهًا من قبل عموم الناس في الجزائر. ولم يكتف السعيد بذلك بل أصدر يوم 1/4/2019 بيانًا ذكر فيه أن عبد العزيز بوتفليقة سوف يستقيل من منصبه قبل يوم 28/4/2019م موعد انتهاء عهدته رسميًا، وتحدث البيان عن"فترة انتقالية" بمجرد استقالته. ولم يكتف البيان بذلك بل أخبر أن "قرارات هامة" سوف تصدر في وقت لاحق وذلك من أجل ضمان "استمرارية سير الدولة".
وهنا تحديدًا فهم قايد صالح أن "العصابة"، ويقصد بها السعيد بوتفليقة مدعومًا من الجنرال توفيق، تناور من أجل الإطاحة به عبر قرار عزله من منصب قيادة الأركان ومنصب نائب وزير الدفاع. ومما زاد في شكوك القايد صالح أن جناحي السلطة (المخابرات والرئاسة) روجوا في وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك اليوم أخبارًا تتحدث عن إقالة قايد صالح وتعويضه بالجنرال سعيد باي بعد أن فشلوا في استمالة الأمين زروال إلى خطتهم وجعله حصان طروادة؛ أي رئيسًا انتقاليًّا يعبرون منه إلى بر الأمان أمام ضغط الجيش والمتظاهرين معًا.
وهنا تحركت قيادة الأركان بسرعة وقامت بتطويق الإذاعة والتلفزيون وحتى منزل السعيد بوتفليقة لبعض الوقت من أجل إيصال رسالة مفادها أن أي قرار بعزله سوف يدفع قيادة الأركان نحو اعتقال كل عائلة بوتفليقة. وكانت قيادة الأركان قد قامت قبل ذلك بأيام باعتقال عدد من رجال الأعمال المحسوبين على الرئاسة وبخاصة منهم علي حداد والأخوة كونيناف (رضا وطارق وعبد القادر) والأخوة طحكوت (محي الدين وناصر وبلال). وهي إشارة واضحة إلى السعيد بأنه إذا لم يعلن عن شغور منصب الرئيس فإن قايد صالح لن يتردد في اعتقاله وكل أفراد عائلته، وبخاصة بعد أن رفض السعيد الالتزام باتفاق عقده مع قايد صالح الذي طلب منه إعلان استقالة أخيه مقابل الخروج الآمن له ولعائلته بالإضافة إلى الخروج المشرف لأخيه عبد العزيز.
لقد كان يوم 2/4/2019م يومًا هامًا في التاريخ الحديث للجزائر؛ لأنه حُسم فيه إلى حد كبير صراع أجنحة السلطة في الدولة الجزائرية علنيًا، وإن ظهر في قالب دستوري. فاستقالة بوتفليقة ليست ضربًا فقط لجناح الرئاسة بعد انضمام رئيس الحرس الجمهوري بنعلي بن علي إلى الاجتماع الكبير الذي عقده قايد صالح في مقر قيادة الأركان مع قادة أركان الجيش وقادة النواحي العسكرية الست بالإضافة إلى قادة الدرك والقوات البرية والجوية والبحرية، بل هو أيضًا إضعاف لجناح المخابرات ممثلًا في الجنرال توفيق الذي يمثل الدولة العميقة التابعة لنفوذ فرنسا.
ورغم أن رجال أعمال مثل يسعد ربراب (المحسوب على الجنرال توفيق والمدعوم من فرنسا) قد نزلوا إلى الشارع متظاهرين وداعمين للحراك الشعبي فلا يعني ذلك بحال أنهم قد توافقوا مع جناح قيادة الأركان. بل كل ما في الأمر أنهم يريدون ركوب موجة التظاهرات على أمل توجيه سفينتها نحو شاطئ فرنسا حيث يكون الجنرال توفيق أو تابعه الجنرال علي غديري أو حتى علي بن فليس في انتظارها ليكون رئيسًا لها خلفًا لبوتفليقة.
أما بالنسبة لتداعيات الأحداث فإن الإجراءات الدستورية تقول بأن يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح منصب الرئيس لمرحلة انتقالية حتى تجري الانتخابات العامة. ولكن يبدو أن هذا غير ممكن في ظل رفض شعبي واسع لابن صالح ولحكومة نورالدين بدوي التي عينها السعيد بوتفليقة. ولذلك لم يبق أمام السعيد سوى أن يقوم بتعويض عبدالقادر بن صالح ونورالدين بدوي بل وحتى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز بشخصيات مقبولة شعبيًا ويكون ذلك بالتوافق مع قايد صالح.
وفي حال مماطلة السعيد أو فشله في العثور على شخصيات مقبولة فإن الحل الآخر هو أن يقوم قايد صالح مباشرة بتفعيل المادتين 7 (الشعب مصدر كل سلطة) و8 (السلطة التأسيسية ملك الشعب) معتمدًا في ذلك على المادة 28 التي تعطي الحق للجيش في تمثيل الطاقة الدفاعية للأمة من أجل الحفاظ على الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية.
وإذا ما تم السير في الحل الثاني فإن الإجراء العملي هو أن يتم التوافق إما على شخصية مقبولة جماهيريًا ومن قبل أحزاب المعارضة أو يتم انشاء مجلس رئاسي. وفي الحالتين يكون الجيش هو الضامن لهذا الانتقال المرحلي نحو رئيس منتخب شعبيًا بعد إيجاد قانون انتخاب جديد ولجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات. ومع ذلك فإن موضوع إعادة كتابة الدستور تظل موضع جدل بين مطالب بتنقيحه فقط من قبل لجنة دستورية قبل الانتخابات وبين مطالب بتكوين جمعية تأسيسية تكتب دستورًا جديدًا ليكون قاعدة انطلاق نحو انتخابات رئاسية وتشريعية.