المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول أزمة الرئاسة الجزائرية



Abu Taqi
12-03-2019, 10:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
أزمة الرئاسة في الجزائر

يبدو أن ضغط الشارع وتوصيات القوى الدولية قد دفعت الطغمة الحاكمة في الجزائر إلى أن تقوم بمناورة جديدة تمتص بها غضب الناس من ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة. ففي حركة التفافية على مطالب الناس بتغيير النظام قامت طغمة الجزائر بإصدار رسالة منسوبة إلى المحنط بوتفليقة تم فيها الإعلان عن إلغاء ترشحه لعهدة خامسة وتأجيل الانتخابات في انتظار تشكيل ندوة وطنية تقوم بإعداد دستور جديد يعرض على الاستفتاء الشعبي.
وفي هذا الإطار تم إنهاء مهام رئيس الهيئة الوطنية العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال والأعضاء المعينين بذات الهيئة. ويبدو أنه لن تقتصر مهمات الندوة الوطنية المراد تشكيلها على إعداد دستور جديد بل سيكون من مهامها أيضًا "تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي" الذي لن "يترشح" له بوتفليقة.
وفي إطار امتصاص غضب الشارع أيضًا أقدمت الطغمة الحاكمة على إحداث تغييرات شكلية على مستوى الحكومة. فقد تم تسليم رئاسة الحكومة إلى وزير الداخلية نورالدين بدوي بعد استقالة (إقالة) أحمد أويحيى _من رجال الجنرال توفيق الموالي لفرنسا_. وتم استحداث منصب نائب الوزير الأول وسلم لرمطان العمامرة الذي تولى أيضًا منصب وزير الشؤون الخارجية.
ومن أجل استكمال مسرحية التغيير تم الاتيان بعبد العزيز بوتفليقة على وجه السرعة من الخارج حتى يكون حاضرًا بشكل علني عندما يتم الإعلان عن كل هذه التعديلات.
والحقيقة أن الإجراءات الأخيرة قد تمت بعد يوم واحد من لقاء ثلاثي بين السعيد بوتفليقة القائم بأعمال الرئيس, وأحمد قايد صالح رئيس الأركان, والجنرال توفيق المدير السابق لجهاز المخابرات العسكرية _الموالي لفرنسا_. ويبدو أن هذه المراكز الثلاثة للقوة قد وصلت إلى اتفاق جديد في مواجهة المطالب الشعبية ضمنت به ما كانت تتوخاه من إعادة ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة أثارت استفزاز الناس الذين واجهوها باحتجاجات واسعة, حيث أن ترشيح بوتفليقة للعهدة الخامسة إنما كان لعدم وصول مراكز القوى في النظام الجزائري إلى قرار توافقي بخصوص خلافته, ومن أجل كسب مزيد من الوقت ريثما تتفق تلك القوى على إعادة تشكيل النظام وإعطائه (روحًا) جديدة من خلال تعديلات دستورية يسترضون بها الناس, ويضمنون فيما يكسبونه من وقت إمكانية الاتفاق دون أن يؤدي تنافسهم وصراعهم الداخلي إلى فوضى تؤدي إلى فقدان مكتسباتهم وتسيدهم على البلاد وما يعنيه ذلك من تهديد لمصالح أسيادهم.
أما ترحيب فرنسا بعدول بوتفليقة عن العهدة الخامسة كما صرح بذلك وزير الداخلية الفرنسي مضيفًا: "نأمل بانطلاق دينامية جديدة قريبا تلبي تطلعات الشعب الجزائري" إنما يؤكد أن هناك تعاونًا بين فرنسا وأميركا قد تم من أجل حل أزمة الرئاسة عبر التصدي لحركة الناس المطالبة بالتغيير. وظهر ذلك في اتفاق القوى الثلاث قبل يوم واحد من إعلان التعديلات الجديد، كما ظهر ذلك أيضًا في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجديد رمطان العمامرة إلى فرنسا قبل يوم واحد من القرارات الجديدة.
وإذا كان الإتيان بالعمامرة إرضاء لفرنسا فإن بدوي هو صنيعة أميركا وهو دمية في يد السعيد والناصر، إخوة بوتفليقة. وفوق ذلك فقد أخرجت أميركا الأخضر الإبراهيمي من الأرشيف السياسي والذي يتوقع أن يتم تكليفه بإدارة "الندوة الوطنية" المزمع تشكيلها في قادم الأيام.
ثم إن الإبراهيمي كان من الذين حظوا بلقاء بوتفليقة اليوم 11 آذار/مارس بحجة الاطمئنان على صحته. وقد عبر الإبراهيمي بعد هذا اللقاء أن "مرحلة جديدة بناءة ستبدأ في مستقبل قريب ستعالج الكثير من مشاكلنا"، داعيًا إلى "الاستمرار في التعامل مع بعضنا البعض بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل وأن نحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد".
وفي المحصلة نقول إن الطغمة الحاكمة في الجزائر قد أقدمت على انقلاب دستوري على مطالب الناس سواءٌ اعتبرنا هذه التعديلات تمريرًا مقننًا للعهدة الخامسة أو تمديدًا مراوغًا للعهدة الرابعة. ولكن في كل الأحوال أثبتت هذه الطغمة العلمانية الحاكمة مدى خضوعها للكافر المستعمر ومدى حرصها على مصالحه؛ لأنها لا تعدو أن تكون سوى امتداد داخلي لنظام الوصاية الدولية الذي يستميت في إبقاء الأوضاع على حالها ولو اضطر لأن يقوم بتعديلات شكلية تدغدغ مشاعر الناس ولكن دون أن تمس جوهر استعماره.

5/رجب/1440هـ
11/3/2019م