المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية مظاهرات السودان حقيقتها ومآلاتها



Abu Taqi
01-01-2019, 10:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
مظاهرات السودان: حقيقتها ومآلاتها

ليست هذه المرة الأولى التي يخرج فيها الناس في السودان إلى الشوارع منذ أن بدأت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية تتأزم في أيلول/سبتمبر 2013. وكان من أكثر أسباب تلك المظاهرات هو شح النقد الأجنبي وانهيار قيمة الجنيه السوداني، بالإضافة إلى شح الوقود والخبز ورفع الدعم الحكومي عنهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ما يحدث في السودان هو مجرد احتجاجات مطلبية أم هو انتفاضة ضد النظام تدخل في سياق "ثورات الربيع العربي" التي قد تؤدي إلى رحيل البشير وإسقاط حكمه؟
إن ما يميز المظاهرات الحالية في السودان والتي انطلقت يوم 19/12/2018 أنها تجاوزت سابقاتها في درجة العنف من قبل النظام وفي درجة الغضب من جانب المتظاهرين. فقد ارتفع عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا بيد قوات الأمن وقوات الدعم السريع، فيما أقدم المتظاهرون على حرق مقرات الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) ومكاتب جمع الأموال والجباية في الولايات، وهي المكاتب التي تعرف بـ"ديوان الزكاة".
وتتميز هذه المظاهرات أيضًا بأنها عمت أغلب ولايات السودان ولم تقف عند حدود العاصمة أو المدن الكبرى. فقد شملت 14 ولاية من 18 ولاية في البلاد، بعد أن انطلقت شرارتها من مدينة عطبرة حيث توجد فيها شريحة عمالية كبيرة. ومن أجل إبطاء وتيرة هذه المظاهرات قام النظام بإغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس وفرض حظر التجوال بالإضافة إلى قطع خدمات الإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي.
وأمام حجم هذه المظاهرات كمًّا وكيفًا والشعارات التي رُفعت فيها اتهم مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبدالله قوش في اجتماع له بعدد من رؤساء التحرير والصحفيين يوم 21/12/2018 "إسرائيل" بتجنيد عناصر من حركة "عبد الواحد نور" لإثارة الفوضى في السودان. وقال قوش للصحفيين: "رصدنا 280 عنصرًا من الحركة.. وجند الموساد قسمًا منهم". وأضاف قوش أن "حركة عبد الواحد نور، هي حركه معارضة من دارفور، وعناصر الحركة هم من قاموا بأعمال الشغب التي شابت المظاهرات".
ومع أن المظاهرات توسعت في أغلب الولايات لكن حركتها كانت بطيئة وغاب عنها عنصر المباغتة، وهو ما مكن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من التصدي لها في وقتها. وقد ظهر ذلك في محاولة المتظاهرين يوم 25/12/2018 التوجه إلى القصر الرئاسي لتقديم مذكرة تطالب بتنحي البشير عن الحكم، ولكن قوات الأمن وقوات الدعم السريع تصدت لهم وفرقتهم بقوة الحديد والنار.
ورغم بطء حركة الاحتجاجات فإن ذلك لم يمنعها من رفع شعار "إسقاط النظام" عوضًا عن التنديد فقط بالغلاء وشح الوقود والنقد والخبز. ولكن عمومًا يمكن القول أن مظاهرات السودان لا ترقى إلى أن تكون شبيهة في حجمها وقوتها وربما في نتائجها بـ "ثورات الربيع العربي" وذلك للأسباب التالية:

أولًا: أحزاب المعارضة
إن أحزاب المعارضة سواء كانت بمفردها مثل حركة الإخوان أو تلك الموجودة ضمن تحالف "الإجماع الوطني" أو "نداء السودان" ليست على قلب رجل واحد في مطالبها السياسية والاقتصادية وإن اتحدت أحيانًا في الشعارات، مثل المطالبة بإصلاحات سياسية دون الاتفاق على مضمونها ولا كيفية وآليات تنفيذها.
فهذه الأحزاب منقسمة في موقفها من منصة "الحوار الوطني" التي أوجدها نظام عمر البشير ظاهريًا كآلية للتواصل بين الأحزاب موالاة ومعارضة، ولكن في حقيقتها هي أحد أساليب النظام في تدجين أحزاب المعارضة وحصر سقف مطالبها السياسية وطريقة عملها بين الناس.
أما مواقف الأحزاب من المظاهرات فإنها قد تباينت بين الدعم المباشر للحراك الشعبي مثل الحزب الشيوعي وبين الدعم غير المباشر بشكل يفهم منه أنه تخاذل وتواطؤ مع النظام، وهذا كان موقف حزب الأمة القومي. فقد أعلن الصادق المهدي بعد عودته سريعًا من منفاه الاختياري أن حزبه يريد "نظامًا جديدًا" وأنه سيقدم مذكرة للرئاسة السودانية "إما أن تحظى بالموافقة أو يقود رفضها نحو السير في طريق الانتفاضة الشعبية".
وبناءً على هذا الموقف المائع لرئيس حزب الأمة وهو أيضًا رئيس تحالف "نداء السودان" فإن المهدي يواجه اتهامات من قبل الناس بأنه يسعى إلى إبرام تسوية مع النظام من أجل إبقاء حقيقة الأوضاع على حالها ليكون له فيها نصيب من غنائم بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
ورغم أن بعض أحزاب المعارضة الأخرى ومنها الحزب الشيوعي وحزب البعث قد أعلنت دعمها لمطلب "إسقاط النظام" داعية إلى الإضراب العام والعصيان المدني إلا أنها مستعدة للتفاوض مع النظام والوصول معه إلى اتفاق يجنب البلاد مزالق الحرب الأهلية والتمزق العرقي.
ومن أجل تحسين أوراق تفاوضها أعلنت سبعة من تنظيمات المعارضة يوم السبت 29/12/2018 تكوينها لمنسقية الانتفاضة السودانية "بهدف دعوة وقيادة الجماهير، من أجل تصعيد واستمرار الحراك الجماهيري وتنويعه وتنظيمه عبر الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات النهارية والليلية في العاصمة والأقاليم، بالسبل السلمية كافة".
وبحسب البيان، فإن منسقية الانتفاضة السودانية، تشكلت من "تحالف قوى الإجماع الوطني"، و"قوى نداء السودان"، و"تيار الوسط للتغيير"، و"تجمع المهنيين السودانيين"، و"تيار الانتفاضة"، و"التجمع الاتحادي المعارض"، و"الحزب الجمهوري". وقالت هذه الأطراف في البيان أن مشاركتها تأتي من أجل ترسيخ دولة القانون والعدالة والحرية والسلام عبر بديل ديمقراطي متفق عليه.
إن اجتماع هذا العدد الكبير من تنظيمات المعارضة من أجل الضغط على النظام ليؤكد أن أغلب تنظيمات المعارضة قد أصابها الانشقاق والتشظي، وفوق ذلك فإن قياداتها التاريخية انتهت صلاحيتها وأصبحت بعيدة عن نبض الشارع الذي لا يرى فيها بديلًا جيدًا للنظام.
فحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي انقسم إلى سبعة أحزاب، والحزب الاتحادي الديمقراطي، بقيادة أحمد الميرغني، انقسم إلى أربعة أحزاب، والبعثيون إلى ثلاثة أحزاب. أما الحركة الإسلامية فهي منقسمة إلى ثلاث حركات رئيسية، حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي، وهو مشارك في الحكومة وحركة الإخوان التي انحسر دورها السياسي كثيرًا.
والمحصلة أن انقسام أحزاب المعارضة في واقعها وفي مواقفها ومطالبها من وراء هذا الحراك الشعبي له تأثير كبير على زخم المظاهرات واستمرارها وتوسيعها وتحقيق غاياتها. فعندما يهتف بعض المتظاهرين ضد حركة الإخوان أو نجد أن الصادق المهدي يقر بأن هناك ضغطًا يقع عليه من شباب حزبه بضرورة الانخراط الكامل في الحراك الشعبي ضد النظام من أجل إسقاطه، ندرك أن نظام البشير ما زال في مأمن من أية تهديدات جدية من جهة أحزاب المعارضة.

ثانيًا: موقف الجيش
إن عدم نزول الجيش إلى الشوارع للتصدي للمتظاهرين أمارة دالة على أن الوضع الأمني ما يزال تحت السيطرة. ولعل هذا الأمر هو الذي جعل عمر البشير يصرح يوم 30/12/2018 أن "عمل الشرطة ليس قتل المتظاهرين، ولكن في بعض الأحيان قد يكون ذلك رادعًا وسببًا في حفظ الأمن"، مضيفًا أن "السودان سيخرج من كل الأزمات رغم أنف كل من يحاول تركيعه".
أما بالنسبة للجيش فقد أصدر يوم الأحد 23/12/2018، بيانًا أكد فيه "التفافه حول قيادته وحرصه على مكتسبات الشعب"، وشدد الجيش في البيان، حرصه على "مكتسبات الشعب وأمن وسلامة المواطن في دمه وعرضه وماله"، مضيفًا أنه "يعمل ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة" تشمل القوات المسلحة، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
لقد اكتفى النظام السوداني إلى حد الآن باستعمال قوات الأمن والشرطة وقوات الدعم السريع في التصدي للمتظاهرين دون اللجوء إلى إنزال الجيش للشوارع. وتعتبر قوات الدعم السريع من أكثر القوات التي بات النظام يعتمد عليها في تثبيت حكمه والتصدي لمعارضيه. فهذه القوات التي كانت تعرف سابقًا بقوات الجنجويد أنشأها نظام البشير من قبائل شتى أثناء صراعه مع حركات المعارضة المسلحة في دارفور، ثم حولها إلى قوات نظامية داخل مؤسسات الجيش في وقت لاحق.
وتنبع ثقة البشير في الجيش من كونه قد تخلص من خصومه داخل حزبه من الذين لا يريدونه أن يترشح لانتخابات 2020. فتحت شعار "مكافحة الفساد والقطط السمان" قام البشير في آذار/مارس 2018 بإقالة 74 كادرًا من كوادر حزب المؤتمر الوطني في قطاعات الجيش والاقتصاد والسياسة.
ومن أهم تلك التغييرات هو إقالة عدد من الضباط على التقاعد أهمهم رئيس الأركان ونائبه وكذلك إقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات محمد عطا فضل المولى وتعويضه بصلاح عبدالله قوش. وقد أراد البشير من وراء هذه التغييرات والإقالات هو التمهيد لتغيير في الدستور يسمح له بالبقاء في الحكم فترة أخرى عبر إقصاء التيار المعارض له في هذا المسار.
أما عودة صلاح عبدالله قوش إلى منصبه، وهو الذي سبق وأن سجنه البشير مدة 8 أشهر عام 2012 بعد اتهامه بالتآمر على النظام، فتؤكد عودة العلاقات الوثيقة التي عملها هذا الرجل مع المخابرات الأميركية ومع إسرائيل، وفوق ذلك فإن قوش من أكبر الداعمين لبقاء البشير في الحكم.

Abu Taqi
01-01-2019, 10:23 PM
ثانيًا: موقف الجيش
إن عدم نزول الجيش إلى الشوارع للتصدي للمتظاهرين أمارة دالة على أن الوضع الأمني ما يزال تحت السيطرة. ولعل هذا الأمر هو الذي جعل عمر البشير يصرح يوم 30/12/2018 أن "عمل الشرطة ليس قتل المتظاهرين، ولكن في بعض الأحيان قد يكون ذلك رادعًا وسببًا في حفظ الأمن"، مضيفًا أن "السودان سيخرج من كل الأزمات رغم أنف كل من يحاول تركيعه".
أما بالنسبة للجيش فقد أصدر يوم الأحد 23/12/2018، بيانًا أكد فيه "التفافه حول قيادته وحرصه على مكتسبات الشعب"، وشدد الجيش في البيان، حرصه على "مكتسبات الشعب وأمن وسلامة المواطن في دمه وعرضه وماله"، مضيفًا أنه "يعمل ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة" تشمل القوات المسلحة، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
لقد اكتفى النظام السوداني إلى حد الآن باستعمال قوات الأمن والشرطة وقوات الدعم السريع في التصدي للمتظاهرين دون اللجوء إلى إنزال الجيش للشوارع. وتعتبر قوات الدعم السريع من أكثر القوات التي بات النظام يعتمد عليها في تثبيت حكمه والتصدي لمعارضيه. فهذه القوات التي كانت تعرف سابقًا بقوات الجنجويد أنشأها نظام البشير من قبائل شتى أثناء صراعه مع حركات المعارضة المسلحة في دارفور، ثم حولها إلى قوات نظامية داخل مؤسسات الجيش في وقت لاحق.
وتنبع ثقة البشير في الجيش من كونه قد تخلص من خصومه داخل حزبه من الذين لا يريدونه أن يترشح لانتخابات 2020. فتحت شعار "مكافحة الفساد والقطط السمان" قام البشير في آذار/مارس 2018 بإقالة 74 كادرًا من كوادر حزب المؤتمر الوطني في قطاعات الجيش والاقتصاد والسياسة.
ومن أهم تلك التغييرات هو إقالة عدد من الضباط على التقاعد أهمهم رئيس الأركان ونائبه وكذلك إقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات محمد عطا فضل المولى وتعويضه بصلاح عبدالله قوش. وقد أراد البشير من وراء هذه التغييرات والإقالات هو التمهيد لتغيير في الدستور يسمح له بالبقاء في الحكم فترة أخرى عبر إقصاء التيار المعارض له في هذا المسار.
أما عودة صلاح عبدالله قوش إلى منصبه، وهو الذي سبق وأن سجنه البشير مدة 8 أشهر عام 2012 بعد اتهامه بالتآمر على النظام، فتؤكد عودة العلاقات الوثيقة التي عملها هذا الرجل مع المخابرات الأميركية ومع إسرائيل، وفوق ذلك فإن قوش من أكبر الداعمين لبقاء البشير في الحكم.

ثالثًا: الدعم الخارجي
فيما كانت حركات الاحتجاج الشعبي التي خرجت في موجات "الربيع العربي" تلقى احتضانًا دوليًا من قبل أميركا وأوروبا، يلاحظ أن مظاهرات السودان منذ بداية انطلاقها لم تجد لها أي دعم دولي سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي. وهذا يعني أن نظام البشير لمّا يُرفع عنه الغطاء الدولي، وما زال يحظى بقبول أميركي في دوره الداخلي والإقليمي. ومما يؤكد هذا الأمر ما يلي:
أولًا: قيام أميركا برفع جزء من العقوبات الاقتصادية على السودان في تشرين أول/أكتوبر 2017 وما سبق ذلك من تمهيد عبر زيارات مشتركة وحديث عن عودة التطبيع في العلاقات بين السودان وأميركا. وقد ظهر ذلك في الزيارة التي قام بها مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابق محمد عطا فضل المولى إلى أميركا في شهر آذار/مارس 2017 بدعوة من رئيس المخابرات الأميركية حينها مايك بومبيو.
ثم كانت الزيارة التي قام بها نائب رئيس القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) ألكسندر لاسكاريس في آب/أغسطس 2017، حيث التقى برئيس هيئة الأركان السوداني. وفي هذه الزيارة قام نائب قائد الأفريكوم بدعوة السودان إلى المشاركة كمراقب في مناورات "النجم الساطع" بمصر في تشرين أول/أكتوبر 2017.
ثانيًا: الزيارة التي قام بها عمر البشير يوم 16/12/2018 إلى سوريا حيث التقى بالسفاح بشار الأسد. وقد قام البشير بهذه الزيارة على متن طائرة شحن روسية (تو 154) تحمل العلم الروسي وتابعة لوزارة الدفاع الروسية. وتأتي هذه الزيارة دليلًا إضافيًا على أن علاقات البشير بأميركا ما تزال على عهدها في العمالة لها وخدمة مصالحها.
لقد جاءت هذه الزيارة في أول غاياتها من أجل إعادة تأهيل نظام بشار الأسد في المنطقة كخطوة ضرورية قبل دمج هذا النظام ضمن الجامعة العربية وفك العزلة عنه عربيًا وإقليميًا ودوليًا. وبكل وقاحة ودون أي خجل صرح عمر البشير أثناء زيارته إلى دمشق قائلًا: "سوريا دولة مواجهة، وإضعافها إضعاف للقضايا العربية". وإن ما قامت به دولة الإمارات من إعادة فتح سفارتها في دمشق ليصب في هذا الاتجاه أيضًا.
كما أن زيارة عمر البشير إلى دمشق جاءت من أجل خدمة مصالح روسيا التي هي عراب النظام العلوي في بلاد الشام بالنيابة عن أميركا. فقد جاءت زيارة البشير إلى دمشق بعد مباحثات قام بها وزير النفط السوداني أزهري عبدالقادر عبدالله في موسكو يوم 10/12/2018 بخصوص إنشاء مصفاة مشتركة لتكرير النفط بين البلدين في بورسودان بطاقة 200 ألف برميل يوميًا. وكان البشير قد بحث أيضًا أثناء زيارته قبل ذلك إلى موسكو جدوى إطلاق محطة كهروذرية عائمة في السودان من قبل شركة روسية.
ثالثًا: في أثناء زخم الاحتجاجات في السودان قام وفد مصري يوم الخميس 27/12/2018 بزيارة إلى الخرطوم بحجة بحث العلاقات المشتركة بين البلدين. والحق أن زيارة الوفد المصري هي من أجل دعم البشير والإطمئنان على أن زخم المظاهرات لن يصل إلى مصر التي يبدو فيها الوضع وكأنه قد استتب لعبدالفتاح السيسي.
وكان حاضرًا في هذه الزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري ومدير المخابرات العامة عباس كامل اللذان عقدا لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد ومدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح عبدالله قوش.
رابعًا: إن زيارة البشير إلى دمشق وقبل ذلك زيارته إلى موسكو والرياض والدوحة لتؤكد أن المذكرة التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية بالنيابة عن أميركا ضده عام 2009 ليست سوى ورقة سياسية وسيفًا مسلطًا على رقبة البشير للسير تحت الحذاء الأميركي رغبًا ورهبًا.
ورغم أن البشير ما يزال يسير وفق المخططات الأميركية فإن ذلك لم يمنعه من توثيق علاقاته مع تركيا لأسباب اقتصادية وعسكرية وبخاصة بعد أن تحرش به نظام عبدالفتاح السيسي في حلايب وشلاتين وتحرش به نظام أسياس أفورقي في أريتريا عبر الشرق السوداني في كانون ثاني/يناير 2018.
ويبدو أن ذلك كله كان مجرد قرصة أذن أميركية للبشير بعدم السماح لتركيا بإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن والاكتفاء فقط بتأهيل الجزيرة التاريخية لأغراض اقتصادية وسياحية متعلقة بالحج. ومع ذلك فإننا لم نجد انتقادًا أميركيًا أو دوليًا صارخًا للنظام في الأزمة الراهنة، على عكس ما كان عليه الحال في أزمة دارفور.

حقيقة الأزمات
إن ما يعانيه السودان من أزمات اقتصادية متكررة ليست فقط بسبب تفريطه عام 2011 بجنوب السودان ما جعله يفقد 75% من ثروات البلاد النفطية التي كانت تساهم بنسبة 80% من ميزانية الدولة، بل أيضًا وهذا هو الأهم بسبب ارتهانه إلى نظام الوصاية الدولية برعاية أميركا وربطه لمقدرات البلاد ونهضتها الاقتصادية بخدمة مشاريع أميركا في البلاد العربية (المشاركة في حرب تقسيم اليمن وتأهيل نظام بشار الأسد) وفي منطقة البحيرات (دعم استقرار جنوب السودان عبر الوساطة بين سلفاكير ميارديت ورياك مشار في آب/أغسطس 2018)، وكل ذلك من أجل البقاء في كرسي الحكم.
إن السودان يزخر بموارد معدنية (نفط وذهب) وبموارد زراعية وحيوانية كفيلة بأن تلبي حاجاته وحاجات البلاد العربية كلها لو توفرت له قيادة مخلصة لدينها واعية بمصالح أمتها وعندها إرادة في توفير الآليات العلمية والعملية الكفيلة بتحفيز طاقات الناس في إنتاج الثروة التي تلبي حاجات الأمة الأساسية والكمالية.
إن مثل النظام السوداني كمثل العير يقتلها الظمأ وهي تحمل الماء فوق ظهرها. ولذلك فإن حديث عمر البشير عن وجود مؤامرات دولية على السودان وأنه يعيش تحت الحصار من أجل تبرير ما يمر به الناس من ضنك العيش، وإن استشهاده بآيات قرآنية تتعلق بالصبر على البلاء هو مجرد تكريس رخيص ومتعمد لأوضاع الظلم والجوع والفقر التي حرم الله وجودها بين الناس.
إن قول البشير أن "الحرب تشن على السودان لتمسكه بدينه وعزته التي لا يبيعها بالقمح والدولار"، هو قول زور تكذبه الوقائع الجارية والماضية في خنوعه للكافر العلماني. إن سير عمر البشير وراء أميركا واسترضاءها لن ينفعه ذلك عندما تحين ساعة الخلاص منه كما فُعل بسلفه ابراهيم عبود عام 1964 وجعفر نميري عام 1985.
لقد كان أولى بعمر البشير (والطغمة الحاكمة معه) أن يتعظ بما حصل لحكام السودان من قبله أو بما حصل لحكام البلاد العربية الذين ليسوا منه ببعيد من أمثال زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح. ولكن أنى للبشير وأمثاله أن يتعظوا بذلك، والله تعالى يقول في حقهم "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار".

وبناءً على ما تقدم، فإنه من المستبعد أن يتنحى البشير من تلقاء نفسه جراء هذه المظاهرات أو أن يقع عليه انقلاب من داخل الجيش أو بتحريك خارجي من القوى الدولية. ثم إن التسوية السياسية الممكنة بين البشير وأحزاب المعارضة التقليدية (حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي) واتخاذ الحكومة لإجراءات مستعجلة كفيلتان بتخفيض نسق الاحتجاجات وانحسار رقعتها وبخاصة في ظل تخوف الرأي العام من تحول السودان إلى حرب أهلية شبيهة بسوريا أو ليبيا وما قد يجره ذلك من تفتت السودان ودخوله في صراعات لا يمكن السيطرة عليها داخليًا وقد تمتد نارها إلى دول الجوار.
والراجح أن يقوم النظام في السودان بإبقاء الدعم الحكومي للخبز والوقود مع توفير السيولة النقدية وخفض الأسعار، وذلك من أجل تبريد جزء كبير من المتظاهرين وصرفهم عن الخروج للشوارع. أما بالنسبة لأحزاب المعارضة فمن الممكن أن يصل النظام معها إلى توافقات تضمن لها مشاركة أوسع في الحكم مقابل موافقتها على تعديل الدستور والتمديد للبشير في رئاسة الدولة.

25/ربيع الثاني/1440هـ
1/1/2019م