المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنفيذ العقوبات وحقيقة الخلاف الأميركي الإيراني



Abu Taqi
31-10-2018, 05:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تنفيذ العقوبات وحقيقة الخلاف الأميركي الإيراني
بعد إلغاء أميركا للاتفاق النووي مع إيران ومع اقتراب تنفيذ عقوبات اقتصادية شديدة في الرابع من الشهر القادم يبدو أن أميركا قررت الدخول في عملية تغيير استراتيجي في وظيفة نظام الملالي الذي قدم لها خدمات كثيرة في احتلال أفغانستان والعراق وتفتيت سوريا واليمن. ولم يكتف النظام الإيراني بذلك بل قدم لأميركا كل المبررات لنهب ثروات منطقة الخليج وتكديس القواعد العسكرية الأميركية فيها.
وكيف لا يقدم حكام طهران كل هذه الخدمات الاستراتيجية لأميركا وهي التي أوصلتهم للحكم على أنقاض عائلة الشاه عبر ما سمي بـ"الثورة الإسلامية" بقيادة الخميني، الذي دخل طهران في حماية المخابرات الأميركية، وعلى متن طائرة فرنسية بموجب اتفاق عقده مع أميركا في العام 1979م.
إن هذه الخدمات الكثيرة التي قدمها حكام إيران لأميركا على مدى أربعة عقود لم تشفع لهم عند الحاكم الجديد للبيت الأبيض؛ دونالد ترمب. فهذا الأخير وبتوجيه من الدولة العميقة (المخابرات والبنتاغون والبنك الفدرالي) قرر أن الوقت قد حان للسير في إدخال الفوضى لإيران، معتمدين في ذلك على عملائهم في داخل إيران وخارجها.
فعملاء أميركا في السعودية والإمارات جاهزون لتمويل مشاريع أميركا داخل إيران عبر دعم أحزاب المعارضة الكردية والعربية وغيرها. وتحت ستار حق الشعوب في تقرير مصيرها تحرك عملاء أميركا من الأحزاب الكردية الستالينية، ومن الأحزاب العربية في الأحواز يرفعون شعار حق الأكراد والعرب في حكم أنفسهم ورفع الظلم الواقع عنهم من قومية الفرس الحاكمة في طهران.
فتحريك ملف القوميات في إيران يسهل استغلاله بوجود مجموعات معارضة ومسلحة عند الأكراد والعرب والبلوش. وفي هذا السياق جاءت عملية قصف الحرس الثوري لبلدات كردية في العراق ثم كانت عملية الهجوم على العرض العسكري في الأحواز وأخيرًا قتل الحرس الإيراني على حدود الباكستان .
فقد ذكرت وكالة فارس الإيرانية للأنباء أن الحرس الثوري الإيراني هو المسؤول عن استهداف مواقع لمسلحين أكراد يوم السبت 8/9/2018 في قضاء كويسنجق بإقليم كردستان العراق، وهو ما أسفر عن مقتل 11 من كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. ونقلت الوكالة بيانًا للحرس الثوري أفاد بأن الحرس الثوري أطلق سبعة صواريخ "دكت مقر اجتماع قادة إحدى الزمر الإرهابية المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في إقليم كردستان العراق". وأضاف بيان الحرس الثوري أنه تم ملاحظة "تزايد شرور الجماعات الإرهابية في الأشهر الأخيرة، المرتبطة بقوى الاستكبار العالمي على الحدود بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكردستان، وانعدام الأمن وارتكاب أعمال التخريب في محافظات أذربيجان الغربية وكرمنشاه..."
وبعد أيام قليلة من قصف مواقع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني شهدت مدينة الأحواز هجومًا مسلحًا استهدف عرضًا عسكريًّا يوم السبت 22/9/2018 أسفر عن سقوط 25 قتيلًا، وإصابة ما لا يقل عن 60 جريحًا ما بين عسكري ومدني. وقال ناطق باسم حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز"، وهي جماعة عربية مناهضة للحكومة الإيرانية، لـ"رويترز"، إن "منظمة المقاومة الوطنية الأحوازية"، التي تضم عددًا من الفصائل المسلحة، هي المسؤولة عن الهجوم على عرض عسكري في مدينة الأحواز بجنوب غرب إيران.
وبعد أسبوع من هذا الهجوم الأخير في الأحواز قتل عدد من عناصر الحرس الثوري الإيراني يوم الجمعة 28/9/2018 في هجوم تعرضوا له بالقرب من الحدود الباكستانية نفذته مجموعة مسلحة يرجح أنها من قومية البلوش التي تطالب بالانفصال ليس فقط عن إيران بل عن الباكستان أيضًا.
ويبدو أن من الأهداف التي تسعى إليها أميركا من وراء هذه الضغوط المتصاعدة ضد النظام الإيراني هي العمل على إضعاف النظام من الداخل عبر الحصار الاقتصادي والعقوبات المترتبة عن خروج أميركا من الاتفاق النووي. وهنا تسعى أميركا إلى إثارة الإيرانيين من أجل الخروج في مظاهرات، وهي تأمل أن يتعاطف معها أصحاب النفوذ في الحكم من المناوئين لحكم خامنئي وفئته الحاكمة. فأميركا باتت تعتبر نظام ولاية الفقيه قد انتهت صلاحيته وأن الوقت قد حان لتحول إيران إلى نظام جمهوري دون وصاية دينية من المراجع الشيعية.
وهذا هو ما صرح به مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في كلمة له أمام مؤتمر مناهض لإيران في نيويورك، حذر فيها "رجال الدين الإيرانيين من أنهم إذا أغضبونا أو حلفاءنا أو شركاءنا، إذا آذيتم مواطنينا فستكون هناك عواقب وخيمة". وأكد بولتون أن "النظام القاتل وداعميه سيواجهون عواقب خطيرة إن لم يغيروا سلوكهم"، مضيفًا: "لتكن رسالتي اليوم واضحة: نحن نراقبكم وسنتعقبكم".
ورغم أن حكومة طهران تحاول إقناع الناس بأن ما تعيشه البلاد من مشاكل اقتصادية سببه العقوبات الأميركية على إيران، إلا أن الشعارات التي يرفعها الناس في الاحتجاجات تلقي باللوم على سياسات النظام الاقتصادية والإقليمية، بل وتحمل قادة النظام مسؤولية ما آلت إليه أحوالهم المعيشية من بؤس وفقر مدقع في الوقت الذي تصرف فيه المليارات على المليشيات التابعة للنظام في سوريا والعراق واليمن.
ومما يزيد الوضع خطورة بالنسبة للنظام الإيراني هو بداية ظهور مشكلة الخلافة السياسية للمرشد علي خامنئي الذي بلغ الثامنة والسبعين من عمره وهو يتعالج من مرض السرطان. وأمام هذا الوضع بدأ _منذ انتفاضة 2017_ التنافسُ على خلافته يتصاعد بين النخب العسكرية والسياسية من أجل الحصول على السلطة في حال شغور منصب المرشد.
اما استثارة القوميات العرقية في إيران ودفعها لفتح جبهات عسكرية داخلية فيبدو أن هدف الإدارة الأميركية منه تشتيت انتباه النظام عن الأوضاع الإقليمية، وصرف توجهاته نحو الحيلولة دون مواصلة القوميات (الكردية والعربية والبلوشية) طموحاتها في الانفصال.
ومن أجل تفعيل عمل القوميات وسعيها للانفصال فرضت أميركا مزيدًا من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية لإيجاد أزمات خانقة لم يسبق أن مرت بها إيران منذ العام 1979. وهذه الأوضاع المالية والاقتصادية أدت إلى اضطرابات اجتماعية وتحركات نقابية استغلتها تلك الحركات القومية لتوحيد صفوفها وتقوية شوكتها السياسية والعسكرية.
ومما يجعل من مسألة التنوع القومي والعرقي والمذهبي مصدر تهديد للأمن القومي الإيراني أن أغلبية هذه القوميات تسكن في المناطق الحدودية حيث تتواصل مع قوميات مشابهة لها في الدول المجاورة. وهذا الأمر يسهل على أميركا والدول الغربية إثارة النعرات القومية في إيران من خارج الحدود. ولذلك لم يجد النظام الإيراني بدًا من إرساء سلطة مركزية قوية مصحوبة بقبضة حديدية لضمان وحدته الجغرافية.
ويظهر أن من أهداف أميركا من ضغطها على إيران توفير كل المبررات لأميركا للبقاء عسكريًا في سوريا بعد انتهاء مسرحية تنظيم داعش التي كتبها السناتور المقبور جون ماكين. وهذا ما أعلن عنه صراحة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل بالقول: "لا أعتقد أننا نسعى إلى الحرب مع إيران، ولا أعتقد أن هذا ما نركز عليه.. لكننا لن نغادر سوريا طالما بقيت هناك قوات إيرانية خارج الحدود الإيرانية.. وهذا يشمل الجماعات والمليشيات المرتبطة بإيران".
وتابع فوتيل قائلًا: "الطريقة الرئيسية التي نتبناها تقوم حاليًا على الضغط الدبلوماسي والاقتصادي.. وأنا أؤيد ذلك، ولا أرى أن ذلك بالضرورة هو الطريق للحرب مع إيران"، وأضاف "لتكن الرسالة واضحة نحن نراقب، وسنلاحقكم". وهذا يؤكد أن الضغط الأميركي على إيران لن يصل إلى مرحلة الحرب كما حصل مع صدام حسين بدليل ذلك التوافق اِلأميركي الإيراني في موضع اختيار رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبدالمهدي.
أما مسألة ربط أميركا موضوع بقائها في سوريا بخروج القوات الإيرانية منها فهو مجرد لعبة تقوم بها أميركا من أجل تبرير بقاء دائم لقواتها وقواعدها العسكرية ومن أجل توفير الحماية لـ"اسرائيل". ويكفي دليلًا على ذلك ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم 5/10/2018 من "أن كافة مخاوف إسرائيل في منطقة مرتفعات الجولان قد تمت إزالتها، وروسيا نفذت ما وعدت به" من نشر شرطتها العسكرية قرب الجولان بعد إخراج فصائل المعارضة، مشيرًا إلى تفاهُم إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الجولان لأكثر من 100 كيلومتر "كما طلب منا الإسرائيليون والأميركيون".
على أنه لا ينبغي أن ننسى أن من أهداف أميركا إجبار إيران على عقد اتفاق جديد بخصوص قدراتها النووية والصاروخية بصرف النظر عن واقع النظام فيها، وهذا الأمر دأب دونالد ترمب على الإصرار عليه و تكراره بوجه إيران والدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي. ففي مؤتمر صحفي عقده في نيويوك قال ترامب: "إيران سوف تلجأ إلي وستطلب أن تعقد اتفاقا جيدا معي سوف يحدث ذلك، هم يعانون كثيرا الآن".
وأشار الرئيس الأميركي: "أنا مع الشعب الإيراني هم لديهم تضخم كبير والعملة لا تساوي شيئا وهناك مظاهرات في الشوارع لا يمكن أن تشتري خبزا، الوضع كارثي". وتابع ترامب بالقول: "في مرحلة ما سيأتون إلي وسيقولون هل ممكن أن نفعل شيئا. ببساطة لا أريد أن يمتلكوا سلاحا نوويا ".
وأخيرًا فإن الضغوط على إيران وخصوصًا العقوبات الأميركية القادمة سيجري استثمارها في استمرار استنزاف ثروات دول الخليج وعلى رأسها السعودية. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن تشكيل تحالف جديد يجمعها بدول عربية من أجل مواجهة "تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية" بالمنطقة. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مساء الجمعة 28/9/2018 أن واشنطن ستشكل تحالفًا مع دول الخليج العربي ومصر والأردن بناءً على اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية، مشيرًا إلى "ضرورة وقف نشاط إيران الخبيث في المنطقة وهزيمة تنظيم الدولة والمجموعات الإرهابية الأخرى".
وبالتزامن مع هذا التحرك أعلن دونالد ترمب يوم 4/10/2018 عن خطته الجديدة في "مواجهة إيران ومحاربة الإرهاب"، مجددًا مطالبته السعودية بدفع مزيد من الأموال لقاء ما يقول إنها "حماية تقدمها الولايات المتحدة الأميركية للمملكة" من التهديدات الإيرانية وغيرها. فأمام تجمع انتخابي لأنصاره في ولاية منيسوتا كشف ترامب يوم 5/10/2018 أنه سأل العاهل السعودي: "هل تمانع في في دفع الأموال لقاء الحماية العسكرية؟ فأجاب بأن "لا أحد طلب مني ذلك"، فرد عليه ترامب: "أنا أطلب منك أيها الملك".
ورغم ادعاء محمد بن سلمان أنه لن يدفع مزيدًا من الأموال لأميركا مقابل الحماية فإن واقع الحال أن السعودية قد وقعت في الفخ الأميركي منذ دخولها في حرب اليمن وازداد هذا الفخ إحكامًا بعد مقتل جمال خاشقجي. فقد أصبحت المملكة مهددة بالإفلاس والاقتراض من الخارج بل ومهددة بالتفكك بعد أن نجحت أميركا في جعل إيران ذلك البعبع المخيف لولي العهد الذي بات يدفع الجزية لحاكم واشنطن بشكل لم يسبق له مثيل من أجل الجلوس على عرش الحكم مكان أبيه الخرف.
وختامًا فإن مسرحية الصراع الأميركي الإيراني توضح لنا أنها أحد أساليب أميركا المتجددة من أجل تحقيق أغراض سياستها الخارجية ومخططاتها العسكرية تحت ذريعة التصدي للتهديدات الإيرانية تارة وتحت ذريعة محاربة تنظيم داعش تارة أخرى. صحيح أن أميركا تمارس ضغوطات قوية على النظام الإيراني حاليًا ولكن الاتفاقات السرية بينهما منذ وصول الخميني للحكم والدور الوظيفي لحكام طهران في خدمة المشاريع الأميركية كانت تثبت دائمًا كذب إيران وزيف كل الشعارات والتصريحات التي تصدر منها ضد "الشيطان الأكبر"، كما يثبت ذلك أن لا أمان لأي نظام يخدم أميركا والدول الاستعمارية أن تعارض وجوده مع مصالحها.
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}
21/صفر الخير/1440هـ
30/10/2018م