Abu Taqi
20-10-2018, 04:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
اعتراف النظام السعودي بمقتل جمال خاشقجي
قبل ساعات قليلة اعترف النظام السعودي بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليته في تركيا، وتبع ذلك إعفاء اللواء احمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة، وسعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي السعودي والمقرب من ولي العهد محمد بن سلمان من منصبيهما، كما وأعلن النظام السعودي أن مقتل الصحفي كان نتيجة شجار تم في القنصلية، وأن التحقيقات ما زالت جارية مع ثمانية عشر مشتبه به في القضية.
وكانت ردة فعل الإدارة الأميركية على اعتراف النظام السعودي تثير الانتباه، حيث ذكر الرئيس الأميركي ترمب أن الاعتراف خطوة مهمة وخطيرة وأنه يثق في تحقيقات النظام السعودي، وأنه سيتحدث مع ولي العهد السعودي، وهي تصريحات تحمل في طياتها أن سيناريو تبرئة القيادة السعودية (الملك وولي عهده) بات واضحًا، وأن هناك صفقة قد تمت بين النظام السعودي والإدارة الأميركية مع احتفاظ الإدارة الأميركية بخط الرجعة والقدرة الواسعة للضغط على نظام آل سعود بشأن هذه القضية بما يخدم سياساتها.
وكانت قضية اختفاء الإعلامي جمال خاشقجي قد أثيرت حولها ضجة عالمية لم يسبق لها مثيل في قضايا الخطف والقتل. ورغم أن الرجل لا يعتبر شخصية سياسية معارضة للنظام السعودي لكن التغطية الإعلامية والسياسية الواسعة التي حظي بها توحي بأن اختفاءه كان أمرًا مدبرًا من قبل الإدارة الأميركية يراد منه تحقيق جملة من الأهداف تخدم أجندتها، وذلك بعد أن ثبت أن وكالة الأمن القومي الأميركي (nsa) كانت على علم بما كان يخطط له محمد بن سلمان من عملية اختطاف واستجواب جمال خاشقجي عند ذهابه للقنصلية السعودية من أجل الحصول على بعض الأوراق القانونية لإتمام زواجه من إمرأة تركية. ومع علم وكالة الأمن القومي الأميركي بذلك لكنها لم تحذر جمال من خطر الذهاب للقنصلية السعودية. وهذا هو الفخ الذي نصبته أميركا ليس لجمال خاشقجي فقط بل أيضًا (وهذا هو الأهم) لمحمد بن سلمان نفسه.
وتكمن أهمية جمال خاشقجي في كونه مخزن أسرار _بالنسبة لولي العهد السعودي_ بحكم عمله السابق كمستشار إعلامي لدى المسؤول السابق عن المخابرات السعودية تركي الفيصل وبحكم إدارته لصحيفة الوطن السعودية لسنوات طويلة. وقد ازداد حضورجمال خاشقجي إعلاميًا بعد خروجه من السعودية واستقراره في الولايات المتحدة الأميركية حيث أصبح من كتاب الأعمدة في صحيفة واشنطن بوست. لكن أكثر ما يثير في علاقات خاشقجي حسب بعض المصادر هو اتصالاته مع أكثر خصوم محمد بن سلمان حنقًا عليه، ونعني به الأمير أحمد بن عبد العزيز أحد أكثر المنافسين ممن تبقى من أبناء عبد العزيز للجلوس على عرش المملكة.
وإذا كانت مصلحة محمد بن سلمان في التحقيق مع جمال خاشقجي هي معرفة الأسرار التي يحملها بين جنبيه ومدى عمق علاقاته مع أحمد بن عبد العزيز والوليد بن طلال، فإن مصلحة أميركا وأهدافها في توريط محمد بن سلمان في قضية "مقتل" جمال خاشقجي تعتبر بمنزلة القشة التي قصمت ظهر حكم آل سعود. فلم يكتف محمد بن سلمان بتوريط السعودية في حرب اليمن وحصار قطر واستعداء آل سعود وقادة القبائل ورجال الأعمال بالإضافة حنق نسبة كبيرة من الناس في بلاد الحرمين عليه بسبب تطبيقه لعلمانية متوحشة مفروضة بقوة الحديد والنار، بل أضاف إلى كل ذلك تورطه شخصيًا بجريمة قتل إعلامي في مقر دبلوماسي محكوم باتفاقيات دولية.
ومع تراكم هذه الأخطاء المتكررة من محمد بن سلمان فإن أميركا تكون قد نجحت عمليًا في إضعاف سلطة آل سعود وسحبت منهم كل أسباب السند الداخلي بما يفتح شهية خصوم محمد بن سلمان (وبخاصة داخل العائلة) للصراع على السلطة. وهذه كلها تعتبر وصفة تقسيم السعودية وتفتيت وحدتها وإيجاد حالة من الاحتراب الداخلي قد تنتهي بوجود حكومات متعددة ضعيفة تكون فيها السعودية شبيهة بوضع سوريا أو ليبيا أو اليمن.
إن أميركا وبعد نجاحها في وضع آل سعود تحت قدميها لن تكتفي بإرغام محمد بن سلمان على دفع الجزية مقابل الحماية ولن تكتفي أيضًا بتوفير كل مقدمات الاحتراب والتقسيم داخل السعودية بل إنها تخطط لمصادرة أموال السعودية الموجودة في البنوك الأميركية، ونعني بها تلك الأموال التي اكتسبتها السعودية من بيع النفط لسنوات طويلة وقامت بتحويلها إلى أميركا وهي مبالغ هائلة، ومن غير المستبعد في هذا السياق أن تقوم أميركا أيضًا بمصادرة أسهم الشركات السعودية العاملة أو المسجلة في الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى على رأسها بريطانيا، ومما يؤشر على نية أميركا في مصادرة الأموال والأصول السعودية هو ما صرّح به رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي بوب كوركر الذي قال يوم 11/10/2018: "إذا ثبت أن السعودية قد قتلت خاشقجي فإن ذلك سوف يحدث تغييرًا حادًا في العلاقات الثنائية". وأضاف كوركر: "يجب فرض عقوبات كبيرة على أعلى مستوى"، وكان ترمب قد صرَّح مؤخرًا أنه سيشرك الكونغرس في تقرير ما سيفعله تجاه السعودية أن ثبت تورطها.
ويبدو أن الصفقة التي تمت بين الإدارة الأميركية وملك السعودية وولي عهده مؤخرًا سيكون كبش الفداء فيها من أعفاهم الملك سلمان في مرسومه الأخير من مسؤولياتهم وهم اللواء أحمد عسيري وسعود القحطاني كمسؤولين بارزين، وإبقاء التحقيقات مفتوحة يعني تهديدًا دائمًا لولي العهد وبخاصة مما يجعله على استعداد دائم لأية تنازلات صعبة أو جاهزًا لتلبية أية أوامر قاسية ومحرجة.
ولا يستبعد أن يكون ثمن إبقاء محمد بن سلمان خارج نطاق قضية مقتل الخاشقجي عدا عن الابتزاز المالي الضخم دفعه للتورط في حرب إيران، وبخاصة بعد الحلف الذي تريد الإدارة الأميركية إنشاءه بين دول الخليج ومصر والأردن بذريعة مواجهة إيران التي تخطط الإدارة الأميركية على ما يبدو لإنهاء حكم الملالي فيها وتهيئتها للتقسيم، وبخاصة بعد المشاكل الأخيرة التي طالت قوميات عديدة من عرب وأكراد وبلوش، فإذا أضيف إلى ذلك الوضع المعيشي الصعب وبخاصة بعد إعادة العقوبات الاقتصادية بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وإشغال إيران بحروب داخلية والتهديد بحروب خارجية بذريعة تدخلات إيران في دول الإقليم، فإن احتفاظ إيران بحالة الاستقرار والتماسك الداخلي سيكون مهددًا بقوة.
أما بالنسبة للجانب التركي الذي جرت عملية قتل الصحفي السعودي في بلاده فقد جاءت عملية القتل في تركيا لسببين أولهما: طمأنة محمد بن سلمان كي يقترف جريمته باعتبار أن تركيا تعاني من ضعف اقتصادي وفي حالة خلاف مع الولايات المتحدة ولن تجرؤ على التصادم مع أميركا حامية ابن سلمان كما لن تجرؤ على إغضاب السعودية خشية انتقام السعودية وسحب استثماراتها في ظل الأزمة الاقتصادية التركية، والثاني: إحراج الحكومة التركية وإشغالها بملف جديد ذي أبعاد داخلية ودولية في وقت هي أحوج ما تكون فيه للاعتناء بملفات حساسة مثل إنجاح اتفاق سوتشي الخاص بإدلب والتصدي لنزول الليرة التركية ومواجهة تراجع أميركا في تنفيذ اتفاق منبج وخروج قوات الوحدات الكردية منها.
على أنه يبدو أن إدارة ترمب تطمح من وراء قضية جمال خاشقجي كذلك ضرب العلاقات التركية السعودية لتوقعها بأن تقوم الحكومة التركية بطرد القنصل أو السفير السعودي مما قد يؤدي إلى رد السعودية بالمثل، ومن هنا تنشأ أزمة دبلوماسية بين البلدين تنتهي بقطع العلاقات وما يمكن أن يترتب عليها من خروج الاستثمارات السعودية وخسارة تركيا لتجارتها مع السعودية.
ولكن يبدو ان إدراك الحكومة التركية لحساسية التعامل مع السعودية في موضوع "قتل" جمال خاشقجي هو الذي جعلها لا تقوم بطرد القنصل أو السفير السعودي أو مجمل البعثة الدبلوماسية من تركيا. فمثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وقد ينتج عنه قطع العلاقات الاقتصادية. وهذا عين ما تريده أميركا وتسعى إليه لما له من تبعات سيئة على الاقتصاد التركي.
ولذلك أوكلت الحكومة التركية ملف قضية جمال خاشقجي إلى المدعي العام التركي حتى تبقي محور التحقيق وإجراءاته التنفيذية في مقر القنصلية أو منزل السفير ضمن إطار قانوني بحت يتعلق بكشف ملابسات حادثة القتل بغض النظر عن مكان وقوعها. وبهذا الشكل تكون الحكومة التركية قد حافظت على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع السعودية ولم تمكن إدارة ترمب من امتلاك ورقة ضغط جديدة عليها.
وفي الختام نقول إن مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول مثّل إضافة سيئة لسلسلة الأخطاء والفخاخ التي ما انفك الأمير الغِر محمد بن سلمان يقع فيها. وإن شهوته في الوصول إلى عرش السعودية قد أعمت بصره وبصيرته عن رؤية الهاوية السحيقة التي تسير نحوها البلاد.
إن كرسي العرش الذي وعدت به أميركا محمد بن سلمان قد بات اليوم بعيدًا أكثر من السابق رغم تخلصه من خصومه داخل آل سعود وبخاصة متعب بن عبدالله ومحمد بن نايف وأحمد بن عبد العزيز.
إن مثل سير محمد بن سلمان وراء وعود أميركا وتوريطها له وبخاصة بعد مقتل جمال خاشقجي "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اُكفر. فلما كفر قال إني بريء منك. إني أخاف الله رب العالمين".
11/صفر/1440هـ
20/10/2018م
متابعة سياسية
اعتراف النظام السعودي بمقتل جمال خاشقجي
قبل ساعات قليلة اعترف النظام السعودي بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليته في تركيا، وتبع ذلك إعفاء اللواء احمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة، وسعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي السعودي والمقرب من ولي العهد محمد بن سلمان من منصبيهما، كما وأعلن النظام السعودي أن مقتل الصحفي كان نتيجة شجار تم في القنصلية، وأن التحقيقات ما زالت جارية مع ثمانية عشر مشتبه به في القضية.
وكانت ردة فعل الإدارة الأميركية على اعتراف النظام السعودي تثير الانتباه، حيث ذكر الرئيس الأميركي ترمب أن الاعتراف خطوة مهمة وخطيرة وأنه يثق في تحقيقات النظام السعودي، وأنه سيتحدث مع ولي العهد السعودي، وهي تصريحات تحمل في طياتها أن سيناريو تبرئة القيادة السعودية (الملك وولي عهده) بات واضحًا، وأن هناك صفقة قد تمت بين النظام السعودي والإدارة الأميركية مع احتفاظ الإدارة الأميركية بخط الرجعة والقدرة الواسعة للضغط على نظام آل سعود بشأن هذه القضية بما يخدم سياساتها.
وكانت قضية اختفاء الإعلامي جمال خاشقجي قد أثيرت حولها ضجة عالمية لم يسبق لها مثيل في قضايا الخطف والقتل. ورغم أن الرجل لا يعتبر شخصية سياسية معارضة للنظام السعودي لكن التغطية الإعلامية والسياسية الواسعة التي حظي بها توحي بأن اختفاءه كان أمرًا مدبرًا من قبل الإدارة الأميركية يراد منه تحقيق جملة من الأهداف تخدم أجندتها، وذلك بعد أن ثبت أن وكالة الأمن القومي الأميركي (nsa) كانت على علم بما كان يخطط له محمد بن سلمان من عملية اختطاف واستجواب جمال خاشقجي عند ذهابه للقنصلية السعودية من أجل الحصول على بعض الأوراق القانونية لإتمام زواجه من إمرأة تركية. ومع علم وكالة الأمن القومي الأميركي بذلك لكنها لم تحذر جمال من خطر الذهاب للقنصلية السعودية. وهذا هو الفخ الذي نصبته أميركا ليس لجمال خاشقجي فقط بل أيضًا (وهذا هو الأهم) لمحمد بن سلمان نفسه.
وتكمن أهمية جمال خاشقجي في كونه مخزن أسرار _بالنسبة لولي العهد السعودي_ بحكم عمله السابق كمستشار إعلامي لدى المسؤول السابق عن المخابرات السعودية تركي الفيصل وبحكم إدارته لصحيفة الوطن السعودية لسنوات طويلة. وقد ازداد حضورجمال خاشقجي إعلاميًا بعد خروجه من السعودية واستقراره في الولايات المتحدة الأميركية حيث أصبح من كتاب الأعمدة في صحيفة واشنطن بوست. لكن أكثر ما يثير في علاقات خاشقجي حسب بعض المصادر هو اتصالاته مع أكثر خصوم محمد بن سلمان حنقًا عليه، ونعني به الأمير أحمد بن عبد العزيز أحد أكثر المنافسين ممن تبقى من أبناء عبد العزيز للجلوس على عرش المملكة.
وإذا كانت مصلحة محمد بن سلمان في التحقيق مع جمال خاشقجي هي معرفة الأسرار التي يحملها بين جنبيه ومدى عمق علاقاته مع أحمد بن عبد العزيز والوليد بن طلال، فإن مصلحة أميركا وأهدافها في توريط محمد بن سلمان في قضية "مقتل" جمال خاشقجي تعتبر بمنزلة القشة التي قصمت ظهر حكم آل سعود. فلم يكتف محمد بن سلمان بتوريط السعودية في حرب اليمن وحصار قطر واستعداء آل سعود وقادة القبائل ورجال الأعمال بالإضافة حنق نسبة كبيرة من الناس في بلاد الحرمين عليه بسبب تطبيقه لعلمانية متوحشة مفروضة بقوة الحديد والنار، بل أضاف إلى كل ذلك تورطه شخصيًا بجريمة قتل إعلامي في مقر دبلوماسي محكوم باتفاقيات دولية.
ومع تراكم هذه الأخطاء المتكررة من محمد بن سلمان فإن أميركا تكون قد نجحت عمليًا في إضعاف سلطة آل سعود وسحبت منهم كل أسباب السند الداخلي بما يفتح شهية خصوم محمد بن سلمان (وبخاصة داخل العائلة) للصراع على السلطة. وهذه كلها تعتبر وصفة تقسيم السعودية وتفتيت وحدتها وإيجاد حالة من الاحتراب الداخلي قد تنتهي بوجود حكومات متعددة ضعيفة تكون فيها السعودية شبيهة بوضع سوريا أو ليبيا أو اليمن.
إن أميركا وبعد نجاحها في وضع آل سعود تحت قدميها لن تكتفي بإرغام محمد بن سلمان على دفع الجزية مقابل الحماية ولن تكتفي أيضًا بتوفير كل مقدمات الاحتراب والتقسيم داخل السعودية بل إنها تخطط لمصادرة أموال السعودية الموجودة في البنوك الأميركية، ونعني بها تلك الأموال التي اكتسبتها السعودية من بيع النفط لسنوات طويلة وقامت بتحويلها إلى أميركا وهي مبالغ هائلة، ومن غير المستبعد في هذا السياق أن تقوم أميركا أيضًا بمصادرة أسهم الشركات السعودية العاملة أو المسجلة في الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى على رأسها بريطانيا، ومما يؤشر على نية أميركا في مصادرة الأموال والأصول السعودية هو ما صرّح به رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي بوب كوركر الذي قال يوم 11/10/2018: "إذا ثبت أن السعودية قد قتلت خاشقجي فإن ذلك سوف يحدث تغييرًا حادًا في العلاقات الثنائية". وأضاف كوركر: "يجب فرض عقوبات كبيرة على أعلى مستوى"، وكان ترمب قد صرَّح مؤخرًا أنه سيشرك الكونغرس في تقرير ما سيفعله تجاه السعودية أن ثبت تورطها.
ويبدو أن الصفقة التي تمت بين الإدارة الأميركية وملك السعودية وولي عهده مؤخرًا سيكون كبش الفداء فيها من أعفاهم الملك سلمان في مرسومه الأخير من مسؤولياتهم وهم اللواء أحمد عسيري وسعود القحطاني كمسؤولين بارزين، وإبقاء التحقيقات مفتوحة يعني تهديدًا دائمًا لولي العهد وبخاصة مما يجعله على استعداد دائم لأية تنازلات صعبة أو جاهزًا لتلبية أية أوامر قاسية ومحرجة.
ولا يستبعد أن يكون ثمن إبقاء محمد بن سلمان خارج نطاق قضية مقتل الخاشقجي عدا عن الابتزاز المالي الضخم دفعه للتورط في حرب إيران، وبخاصة بعد الحلف الذي تريد الإدارة الأميركية إنشاءه بين دول الخليج ومصر والأردن بذريعة مواجهة إيران التي تخطط الإدارة الأميركية على ما يبدو لإنهاء حكم الملالي فيها وتهيئتها للتقسيم، وبخاصة بعد المشاكل الأخيرة التي طالت قوميات عديدة من عرب وأكراد وبلوش، فإذا أضيف إلى ذلك الوضع المعيشي الصعب وبخاصة بعد إعادة العقوبات الاقتصادية بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وإشغال إيران بحروب داخلية والتهديد بحروب خارجية بذريعة تدخلات إيران في دول الإقليم، فإن احتفاظ إيران بحالة الاستقرار والتماسك الداخلي سيكون مهددًا بقوة.
أما بالنسبة للجانب التركي الذي جرت عملية قتل الصحفي السعودي في بلاده فقد جاءت عملية القتل في تركيا لسببين أولهما: طمأنة محمد بن سلمان كي يقترف جريمته باعتبار أن تركيا تعاني من ضعف اقتصادي وفي حالة خلاف مع الولايات المتحدة ولن تجرؤ على التصادم مع أميركا حامية ابن سلمان كما لن تجرؤ على إغضاب السعودية خشية انتقام السعودية وسحب استثماراتها في ظل الأزمة الاقتصادية التركية، والثاني: إحراج الحكومة التركية وإشغالها بملف جديد ذي أبعاد داخلية ودولية في وقت هي أحوج ما تكون فيه للاعتناء بملفات حساسة مثل إنجاح اتفاق سوتشي الخاص بإدلب والتصدي لنزول الليرة التركية ومواجهة تراجع أميركا في تنفيذ اتفاق منبج وخروج قوات الوحدات الكردية منها.
على أنه يبدو أن إدارة ترمب تطمح من وراء قضية جمال خاشقجي كذلك ضرب العلاقات التركية السعودية لتوقعها بأن تقوم الحكومة التركية بطرد القنصل أو السفير السعودي مما قد يؤدي إلى رد السعودية بالمثل، ومن هنا تنشأ أزمة دبلوماسية بين البلدين تنتهي بقطع العلاقات وما يمكن أن يترتب عليها من خروج الاستثمارات السعودية وخسارة تركيا لتجارتها مع السعودية.
ولكن يبدو ان إدراك الحكومة التركية لحساسية التعامل مع السعودية في موضوع "قتل" جمال خاشقجي هو الذي جعلها لا تقوم بطرد القنصل أو السفير السعودي أو مجمل البعثة الدبلوماسية من تركيا. فمثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وقد ينتج عنه قطع العلاقات الاقتصادية. وهذا عين ما تريده أميركا وتسعى إليه لما له من تبعات سيئة على الاقتصاد التركي.
ولذلك أوكلت الحكومة التركية ملف قضية جمال خاشقجي إلى المدعي العام التركي حتى تبقي محور التحقيق وإجراءاته التنفيذية في مقر القنصلية أو منزل السفير ضمن إطار قانوني بحت يتعلق بكشف ملابسات حادثة القتل بغض النظر عن مكان وقوعها. وبهذا الشكل تكون الحكومة التركية قد حافظت على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع السعودية ولم تمكن إدارة ترمب من امتلاك ورقة ضغط جديدة عليها.
وفي الختام نقول إن مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول مثّل إضافة سيئة لسلسلة الأخطاء والفخاخ التي ما انفك الأمير الغِر محمد بن سلمان يقع فيها. وإن شهوته في الوصول إلى عرش السعودية قد أعمت بصره وبصيرته عن رؤية الهاوية السحيقة التي تسير نحوها البلاد.
إن كرسي العرش الذي وعدت به أميركا محمد بن سلمان قد بات اليوم بعيدًا أكثر من السابق رغم تخلصه من خصومه داخل آل سعود وبخاصة متعب بن عبدالله ومحمد بن نايف وأحمد بن عبد العزيز.
إن مثل سير محمد بن سلمان وراء وعود أميركا وتوريطها له وبخاصة بعد مقتل جمال خاشقجي "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اُكفر. فلما كفر قال إني بريء منك. إني أخاف الله رب العالمين".
11/صفر/1440هـ
20/10/2018م