Abu Taqi
20-08-2018, 01:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
إيضاحات حول إدراك واقع الدول
بناءً على ما سبق من المتابعات السياسية والنقاشات التي دارت حول واقع بعض الدول وعلاقاتها الدولية منها والإقليمية، كان لا بد من توضيح بعض ما يلزم من يتابع الأحداث السياسية بغية فهمها والحكم عليها حكمًا أقرب للصواب، وبخاصة للسياسي المسلم الذي يدرك مدى أهمية فهم الوقائع والأحداث السياسية لتعلقها بقضايا الأمة ومصيرها.
أولًا: دينامية المفاهيم السياسية
إن السياسة لا تفهم بقراءة النوايا والتصريحات بمعزل عن الأعمال الدالة عليها إذا وجدت طبعًا. فالسياسة في جوهرها هي أعمال وليست أقوالًا أو بيانات وتصريحات. هذه هي القاعدة الذهبية في فهم السياسة. والأعمال السياسية تفهم من التسلسل الزمني للأحداث الجارية التي تسبق الحدث ولو بشهور وأسابيع وليس فقط بأيام وساعات. ومن هنا تأتي أهمية المتابعة للخبر حتى يتبين لنا حقيقة الأعمال السياسية وخط سيرها؛ لأن ذلك هو الفاصل في قبول التصريحات السياسية بعد مطابقتها للأعمال والمخططات أو ردها بسبب كونها تصريحات تضليلية أو استهلاكية.
أما المفاهيم السياسية التي تحدد لنا كيفية فهم الأحداث الجارية فإنها أيضًا جديرة بالمراجعة من حين لآخر، وبخاصة تلك المفاهيم المتعلقة بالخطط والأساليب؛ لأنها عُرضة للتعديل والتبديل والإزالة، وبخاصة عندما تعترض تلك الخطط والأساليب معوقات في التنفيذ. وفوق ذلك، وهذا ما يغيب عن كثير منا، فإن المفاهيم السياسية وإن كانت هي الأداة التي نفهم ونربط بها الأحداث السياسية ولكنها ليست هي الأساس الذي ننطلق منه في فهم مجريات الأحداث بعد تتبعها في مواقعها وأشخاصها وأهدافها وتسلسلها الزمني.
وبمعنى آخر، لا يجوز لنا أن ننطلق في فهم الأحداث الجارية من زاوية المفاهيم السياسية التي كثيرًا ما يتم إسقاطها على الحدث بغض النظر عن توافقها مع الحدث نفسه. فهذا الفعل يشبه كثيرًا عملية إسقاط الأفكار المسبقة عند الحكم على الأشياء، فمثلًا كون الحاكم الفلاني جاء به الأميركان للحكم وبات يدين لأميركا بالتبعية لا يصح بعد تكرار مواقفه التي تخالف السياسة الاميركية بكل وضوح، وتسير بعيدًا عنها، أن نحاكم مواقفه بعد استبعاد التضليل والمناورة السياسية من دون تمحيص وتدقيق، ونستمر بوصفها بخدمة سياسة أميركا؛ لأن من شأن ذلك حرف الرأي أو الحكم بعيدًا عن الحقيقة أو الصواب. ومن ثم فإنه يحول التحليل السياسي إلى ما يشبه التمنيات أكثر من كونه وصفًا دقيقًا لحقيقة ما يجري وراء الأحداث من مخططات دولية أو إقليمية أو محلية.
إن المفهوم السياسي هو عبارة عن معنى مشترك بين مجموعة متكررة من الأحداث تتسم بالثبات والاستقرار، ومن خلال الاستقراء لتلك الأحداث نقوم باستنباط فكرة جامعة نطلق عليها صفة "المفهوم" بسبب وجود ما يصدقها في الوقائع الجارية. وإنه ما دامت الوقائع الجارية تصدق ذلك المفهوم فإننا نُبقي على استعماله، أما إذا سار ذلك المفهوم السياسي في طريق الاضمحلال أو التبدل بسبب عدم توافقه مع الوقائع الجارية فإنه لا يجوز لنا بعد ذلك أن نتمسك به؛ لأنه لم يعد له مصداقية في الوقائع الجارية.
وإنه من الخطر بمكان على الفهم السياسي أن يتم التغاضي عن الأحداث والوقائع السياسية الناطقة بغير ما عندنا من أفهام سياسية في سبيل التمسك بذلك "المفهوم" في الذهن، والذي بات في حقيقته مجرد فكرة قد تكون صحيحة في حكمها على الوقائع الماضية لكنها لم تعد تعبر حاليًّا عن حقيقة الأحداث الجارية التي صارت في أغلبها تسبق أفهام الرجال.
ثانيًا: عدم تطبيق الإسلام والتبعية للأجنبي
إن هناك صعوبة عند كثير من الناس في فهم أو تقبل انعتاق أحد حكام بلاد المسلمين من التبعية لدولة كبرى أو سعيه للانعتاق من التبعية لها، وقيامه بتحديد علاقة بلاده بالدول الكبرى وغيرها من الدول على أساس المصلحة وليس على أساس التبعية.
أما السبب في عدم تقبل هذا المفهوم الجديد فهو أولًا: من النادر أن يقوم حاكم في بلاد المسلمين بالتفكير بالانعتاق من التبعية، وثانيًا: الخلط بين أمرين لا علاقة بينهما في الواقع وهما التبعية أو الاستقلال من جهة وتطبيق الإسلام أو عدم تطبيقه من جهة أخرى. فقد ترسخ في "عقلنا السياسي" أن استقلال المسلمين وتحرر إرادتهم السياسية لا يكون إلا على أساس الإسلام، وهذا الأمر صحيح من حيث أنه يجب أن يكون استقلال المسلمين على أساس الإسلام. ولكن ذلك لا ينفي أن يستقل بعض زعماء المسلمين وتتحرر إرادتهم السياسية وقراراتهم الداخلية والخارجية من التبعية للكفار على غير أساس الإسلام.
إن كون أي دولة في العالم الإسلامي ومن باب أولى أي دولة أخرى في العالم، دولة علمانية، لا يعني بالضرروة أنه يجب أن تكون دولة تابعة لإحدى الدول الكبرى. وإن كون حاكم ما في بلاد المسلمين لا يطبق الإسلام أو لا يهب لنجدة المسلمين لا يعني بالضرورة أنه ما زال عميلًا.
إنه لا يمكن الحكم على عمالة أي حاكم في العالم الإسلامي أو تبعيته لدولة كبرى بمقدار التزامه أو تطبيقه للإسلام على نفسه وفي الدولة والمجتمع أو بمقدار إعلان تمسكه بالعلمانية. إن متلازمتي تطبيق الإسلام والاستقلال أو عدم تطبيق الإسلام والعمالة للأجنبي هما متلازمتان لا يوجد عليهما دليل في الواقع، فلا يستلزم وجود أحدهما وجود الآخر كما لا يستلزم انتفاء إحداهما انتفاء الآخرى. فقد يطبق حاكم الإسلام ويكون عميلًا وقد لا يطبق الإسلام ويكون مستقلًا غير تابع لأحد.
ثالثًا: الفرق بين الدولة المستقلة والتابعة
من الأهمية بمكان في هذا السياق هو أن نعرف الفرق بين الدولة المستقلة والدولة التي تدور في الفلك والدولة التابعة،. فالخطأ في صعيد البحث والخلط بين المفاهيم والتعريفات عاقبته وخيمة على التحليل السياسي والعمل السياسي بين الناس.
إن الدولة المستقلة هي الدولة التي تتصرف في سياستها الخارجية والداخلية كما تشاء حسب مصلحتها التي تحددها لنفسها. أما الدولة التي تدور في الفلك فهي الدولة التي تكون مرتبطة في عموم سياستها الخارجية مع دولة أخرى ارتباط مصلحة لا ارتباط تبعية. وأما الدولة التابعة فهي التي تسير في سياستها الداخلية والخارجية على مقتضى مصالح دولة أخرى تكون تابعة لها وأداة بيدها.
وبناءً على ما تقدم فإن المقياس الذي يجعلنا نحكم على دولة بالعمالة والتبعية للأجنبي هو أمور كثيرة نذكر منها بخاصة:
أولًا: أن تكون حماية البلد وما فيه من شعب بيد الأجنبي؛ أي أن يكون أمان الحاكم والشعب والبلاد بيد دولة كبرى يتبع لها ذلك الحاكم.
ثانيًّا: أن تكون سياسة الدولة الداخلية تقررها الدولة التي يتبع لها ذلك الحاكم، وهذا ينطبق أيضًا على السياستين الاقتصادية والثقافية.
ثالثًا: أن تكون السياسة الخارجية للدولة التابعة خاضعة وسائرة في خطط الدولة التي تخضع لها بالعمالة ولو كان في هذه التبعية خطر على وجود الدولة التابعة نفسها أو أمنها القومي.
7/ذي الحجة/1439هـ
19/8/2018م
متابعة سياسية
إيضاحات حول إدراك واقع الدول
بناءً على ما سبق من المتابعات السياسية والنقاشات التي دارت حول واقع بعض الدول وعلاقاتها الدولية منها والإقليمية، كان لا بد من توضيح بعض ما يلزم من يتابع الأحداث السياسية بغية فهمها والحكم عليها حكمًا أقرب للصواب، وبخاصة للسياسي المسلم الذي يدرك مدى أهمية فهم الوقائع والأحداث السياسية لتعلقها بقضايا الأمة ومصيرها.
أولًا: دينامية المفاهيم السياسية
إن السياسة لا تفهم بقراءة النوايا والتصريحات بمعزل عن الأعمال الدالة عليها إذا وجدت طبعًا. فالسياسة في جوهرها هي أعمال وليست أقوالًا أو بيانات وتصريحات. هذه هي القاعدة الذهبية في فهم السياسة. والأعمال السياسية تفهم من التسلسل الزمني للأحداث الجارية التي تسبق الحدث ولو بشهور وأسابيع وليس فقط بأيام وساعات. ومن هنا تأتي أهمية المتابعة للخبر حتى يتبين لنا حقيقة الأعمال السياسية وخط سيرها؛ لأن ذلك هو الفاصل في قبول التصريحات السياسية بعد مطابقتها للأعمال والمخططات أو ردها بسبب كونها تصريحات تضليلية أو استهلاكية.
أما المفاهيم السياسية التي تحدد لنا كيفية فهم الأحداث الجارية فإنها أيضًا جديرة بالمراجعة من حين لآخر، وبخاصة تلك المفاهيم المتعلقة بالخطط والأساليب؛ لأنها عُرضة للتعديل والتبديل والإزالة، وبخاصة عندما تعترض تلك الخطط والأساليب معوقات في التنفيذ. وفوق ذلك، وهذا ما يغيب عن كثير منا، فإن المفاهيم السياسية وإن كانت هي الأداة التي نفهم ونربط بها الأحداث السياسية ولكنها ليست هي الأساس الذي ننطلق منه في فهم مجريات الأحداث بعد تتبعها في مواقعها وأشخاصها وأهدافها وتسلسلها الزمني.
وبمعنى آخر، لا يجوز لنا أن ننطلق في فهم الأحداث الجارية من زاوية المفاهيم السياسية التي كثيرًا ما يتم إسقاطها على الحدث بغض النظر عن توافقها مع الحدث نفسه. فهذا الفعل يشبه كثيرًا عملية إسقاط الأفكار المسبقة عند الحكم على الأشياء، فمثلًا كون الحاكم الفلاني جاء به الأميركان للحكم وبات يدين لأميركا بالتبعية لا يصح بعد تكرار مواقفه التي تخالف السياسة الاميركية بكل وضوح، وتسير بعيدًا عنها، أن نحاكم مواقفه بعد استبعاد التضليل والمناورة السياسية من دون تمحيص وتدقيق، ونستمر بوصفها بخدمة سياسة أميركا؛ لأن من شأن ذلك حرف الرأي أو الحكم بعيدًا عن الحقيقة أو الصواب. ومن ثم فإنه يحول التحليل السياسي إلى ما يشبه التمنيات أكثر من كونه وصفًا دقيقًا لحقيقة ما يجري وراء الأحداث من مخططات دولية أو إقليمية أو محلية.
إن المفهوم السياسي هو عبارة عن معنى مشترك بين مجموعة متكررة من الأحداث تتسم بالثبات والاستقرار، ومن خلال الاستقراء لتلك الأحداث نقوم باستنباط فكرة جامعة نطلق عليها صفة "المفهوم" بسبب وجود ما يصدقها في الوقائع الجارية. وإنه ما دامت الوقائع الجارية تصدق ذلك المفهوم فإننا نُبقي على استعماله، أما إذا سار ذلك المفهوم السياسي في طريق الاضمحلال أو التبدل بسبب عدم توافقه مع الوقائع الجارية فإنه لا يجوز لنا بعد ذلك أن نتمسك به؛ لأنه لم يعد له مصداقية في الوقائع الجارية.
وإنه من الخطر بمكان على الفهم السياسي أن يتم التغاضي عن الأحداث والوقائع السياسية الناطقة بغير ما عندنا من أفهام سياسية في سبيل التمسك بذلك "المفهوم" في الذهن، والذي بات في حقيقته مجرد فكرة قد تكون صحيحة في حكمها على الوقائع الماضية لكنها لم تعد تعبر حاليًّا عن حقيقة الأحداث الجارية التي صارت في أغلبها تسبق أفهام الرجال.
ثانيًا: عدم تطبيق الإسلام والتبعية للأجنبي
إن هناك صعوبة عند كثير من الناس في فهم أو تقبل انعتاق أحد حكام بلاد المسلمين من التبعية لدولة كبرى أو سعيه للانعتاق من التبعية لها، وقيامه بتحديد علاقة بلاده بالدول الكبرى وغيرها من الدول على أساس المصلحة وليس على أساس التبعية.
أما السبب في عدم تقبل هذا المفهوم الجديد فهو أولًا: من النادر أن يقوم حاكم في بلاد المسلمين بالتفكير بالانعتاق من التبعية، وثانيًا: الخلط بين أمرين لا علاقة بينهما في الواقع وهما التبعية أو الاستقلال من جهة وتطبيق الإسلام أو عدم تطبيقه من جهة أخرى. فقد ترسخ في "عقلنا السياسي" أن استقلال المسلمين وتحرر إرادتهم السياسية لا يكون إلا على أساس الإسلام، وهذا الأمر صحيح من حيث أنه يجب أن يكون استقلال المسلمين على أساس الإسلام. ولكن ذلك لا ينفي أن يستقل بعض زعماء المسلمين وتتحرر إرادتهم السياسية وقراراتهم الداخلية والخارجية من التبعية للكفار على غير أساس الإسلام.
إن كون أي دولة في العالم الإسلامي ومن باب أولى أي دولة أخرى في العالم، دولة علمانية، لا يعني بالضرروة أنه يجب أن تكون دولة تابعة لإحدى الدول الكبرى. وإن كون حاكم ما في بلاد المسلمين لا يطبق الإسلام أو لا يهب لنجدة المسلمين لا يعني بالضرورة أنه ما زال عميلًا.
إنه لا يمكن الحكم على عمالة أي حاكم في العالم الإسلامي أو تبعيته لدولة كبرى بمقدار التزامه أو تطبيقه للإسلام على نفسه وفي الدولة والمجتمع أو بمقدار إعلان تمسكه بالعلمانية. إن متلازمتي تطبيق الإسلام والاستقلال أو عدم تطبيق الإسلام والعمالة للأجنبي هما متلازمتان لا يوجد عليهما دليل في الواقع، فلا يستلزم وجود أحدهما وجود الآخر كما لا يستلزم انتفاء إحداهما انتفاء الآخرى. فقد يطبق حاكم الإسلام ويكون عميلًا وقد لا يطبق الإسلام ويكون مستقلًا غير تابع لأحد.
ثالثًا: الفرق بين الدولة المستقلة والتابعة
من الأهمية بمكان في هذا السياق هو أن نعرف الفرق بين الدولة المستقلة والدولة التي تدور في الفلك والدولة التابعة،. فالخطأ في صعيد البحث والخلط بين المفاهيم والتعريفات عاقبته وخيمة على التحليل السياسي والعمل السياسي بين الناس.
إن الدولة المستقلة هي الدولة التي تتصرف في سياستها الخارجية والداخلية كما تشاء حسب مصلحتها التي تحددها لنفسها. أما الدولة التي تدور في الفلك فهي الدولة التي تكون مرتبطة في عموم سياستها الخارجية مع دولة أخرى ارتباط مصلحة لا ارتباط تبعية. وأما الدولة التابعة فهي التي تسير في سياستها الداخلية والخارجية على مقتضى مصالح دولة أخرى تكون تابعة لها وأداة بيدها.
وبناءً على ما تقدم فإن المقياس الذي يجعلنا نحكم على دولة بالعمالة والتبعية للأجنبي هو أمور كثيرة نذكر منها بخاصة:
أولًا: أن تكون حماية البلد وما فيه من شعب بيد الأجنبي؛ أي أن يكون أمان الحاكم والشعب والبلاد بيد دولة كبرى يتبع لها ذلك الحاكم.
ثانيًّا: أن تكون سياسة الدولة الداخلية تقررها الدولة التي يتبع لها ذلك الحاكم، وهذا ينطبق أيضًا على السياستين الاقتصادية والثقافية.
ثالثًا: أن تكون السياسة الخارجية للدولة التابعة خاضعة وسائرة في خطط الدولة التي تخضع لها بالعمالة ولو كان في هذه التبعية خطر على وجود الدولة التابعة نفسها أو أمنها القومي.
7/ذي الحجة/1439هـ
19/8/2018م