المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول حقيقة الأزمة السعودية الكندية



Abu Taqi
13-08-2018, 08:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
حقيقة الأزمة السعودية - الكندية

لا تزال الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا تتفاعل على الساحة الدولية منذ أن أقدمت السعودية وبشكل مفاجئ، مساء الأحد 5/8/2018، على تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية مع كندا على خلفية مطالبة السفير الكندي بالإفراج عن عدد من "النشطاء السياسيين" ذوي التوجه العلماني بالمملكة.
ولم يكتف حكام السعودية بتجميد العلاقات الاقتصادية بل قاموا بطرد السفير الكندي واستدعاء السفير السعودي، وإيقاف الرحلات الجوية من وإلى كندا، وأخيرًا قاموا بتوجيه أمر إلى حوالي 15 ألف مبتعث سعودي بالعودة إلى البلاد من أجل تحويلهم إلى جامعات أخرى في دول غربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي دفع السعودية إلى هذا التحرك ضد كندا والحال أن دولًا غربية كثيرة على رأسها أميركا قامت بتوجيه انتقادات قوية ضد ملف "حقوق الإنسان" واعتقال الناشطين في السعودية سواء في تقاريرها السنوية أو في مناسبات أخرى، ومع ذلك لم تقم المملكة بهكذا رد يتنافى في حقيقته مع واقع الذل والعمالة التي استمرأها آل سعود في علاقاتهم بالدول الغربية؟!
إن الأزمة الدبلوماسية الحالية بين السعودية وكندا لا علاقة لها بكرامة حكام السعودية التي أهدرها محمد بن سلمان تحت أقدام إيفانكا بنت ترامب، ولاعلاقة لها أيضًا برفضهم تدخل الدول الغربية في شؤون المملكة الداخلية، وأخيرًا لا علاقة لهذه الأزمة بمفهوم "سيادة الدولة" عند هؤلاء الحكام العملاء والخونة.
إن ردة الفعل السعودية على كندا إنما هي أزمة مفتعلة قام بها حكام آل سعود خدمة للمصالح الأميركية في أميركا الشمالية وفي الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي بشكل عام. وتفصيل ذلك كما يلي:

أولًا: إسقاط حكومة ترودو
منذ وصول دونالد ترامب إلى الحكم والعلاقات الأميركية الكندية دخلت في حالة من الخلاف الذي بدأ يتوسع شيئًا فشيئًا. فقد أعلن ترامب أنه يسعى لإلغاء اتفاقية التجارة الحرة الأميركية (نافتا) لأنها "مجحفة" بحق الاقتصاد الأميركي، ثم قام بفرض ضرائب على الأخشاب ومنتجات الألبان الكندية في صورة واضحة لإعاقة اتفاقية التجارة الحرة.
وأمام هذه الإجراءات قام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو(Justin Trudeau) برفع شكوى ضد أميركا لدى منظمة التجارة العالمية بعد فشل المحادثات الرسمية بين كندا وأميركا والمكسيك، ورغم أن اتفاقية نافتا نجحت في زيادة حركة التجارة بين هذه البلدان بمقدار ثلاثة أضعاف إلا أن إدارة ترامب تصر على إلغائها.
ولم يكتف ترامب بما سبق بل قام بفرض رسوم جمركية على الفولاذ والألمنيوم الكنديين بحجة حماية الأمن القومي الأميركي. ومن باب المعاملة بالمثل قامت حكومة رئيس الوزراء ترودو بفرض رسوم على عدة منتجات أميركية من بينها الفولاذ والألمنيوم وعصير البرتقال والسفن الشراعية والمحركات.
في ذلك الوقت صرحت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند في مؤتمر صحفي مع مسؤولين من قطاع الصناعات المعدنية يوم 29/6/2018 أن لائحة المنتجات الأميركية المستهدفة وضعت لتقديم رد "مكافئ ...... وفي إطار تعامل بالمثل" في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية، مؤكدة أن "كندا لن تقوم بتصعيد الوضع" لكنها "لن تتراجع".
لقد جاءت الأزمة الدبلوماسية المفتعلة من قبل السعودية ضد كندا لضرب شعبية الحكومة الكندية الحالية وإفقادها المصداقية بين ناخبيها عبر تهديد تجارتها الدولية مع السعودية التي تقدر ب نحو 4 مليار دولار سنويًّا. وبالإضافة إلى ذلك فإن إعلان السعودية تجميدها صفقة السلاح الضخمة مع كندا، والتي عقدتها في العام 2014 مع حكومة المحافظين وتقدر بنحو 15 مليار دولار، هو بمنزلة ضربة موجعة سوف تؤثر على توجه الناخب الكندي في اختيار من يحكم كندا في السنوات القادمة؛ لأنها قد تؤثر على سوق العمل الكندي.
وبما أن آخر استطلاعات الرأي تشير إلى فوز الليبراليين بانتخابات 2019، مع أن الفارق في نوايا التصويت لا يتجاوز 5 نقاط، فإن أميركا يبدو أنها تسعى للإطاحة بحكومة ترودو الليبرالية في الانتخابات القادمة وتمكين المحافظين من العودة إلى الحكم من جديد لما بين هذا الحزب وإدراة ترامب من توافق في عدد من الملفات الإقليمية والدولية.

ثانيًا: ترويج صفقة القرن
من الأهمية بمكان بالنسبة لإدارة ترامب أن تجد صفقة القرن انتشارًا عالميًا وبخاصة بين الدول الكبرى بما من شأنه أن يدفع بقية الدول إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" بعد الإعلان الأميركي بذلك في 6/12/2017 وما تبعه من نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وفي هذا السياق يبدو أن أميركا تعول كثيرًا على وصول حكومة يمينية محافظة إلى حكم كندا، في انتخابات 2019، تتماشى والرؤية الأميركية الجديدة لحل قضية فلسطين.
إن رغبة إدارة ترامب في وصول اليمين الكندي إلى الحكم والتخلص من الحزب الليبرالي الحاكم حاليًا سوف يساعد أميركا في تركيز أحد بنود صفقة القرن المتعلقة باعتبار القدس عاصمة موحدة لـ"إسرائيل". وحسب ما صدر من تصريحات عن حزب المحافظين الكندي المعارض برئاسة أندرو شير ( Andrew Scheer) فإن وصول هذا الحزب للحكم في كندا سوف يصب في مصلحة السياسات الأميركية بالشرق الأوسط.
فقد أعلن حزب المحافظين المعارض في رسالة نشرها على موقعه الإليكتروني يوم 26/2/2018 أنه سوف يعترف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" في حال فوزه في الانتخابات عام 2019. وأفادت الرسالة أن "المحافظين الكنديين يدركون بشكل واضح أن "إسرائيل" مثلها مثل أي دولة أخرى ذات سيادة لها الحق في اختيار مكان عاصمتها". وأضافت الرسالة "سيعترف المحافظون بقيادة أندرو شير بأن القدس هي عاصمة "إسرائيل" عندما نشكل الحكومة عام 2019".
ومما يؤكد أن أميركا تعمل على وصول حزب المحافظين للحكم في كندا في الانتخابات القادمة هو رد فعل الخارجية الأميركية الذي كان فاترًا وغير متحمس لدعم موقف كندا. فقد أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، يوم 7/8/2018، أننا"نجري حوارًا منتظمًا مع الحكومة السعودية بشأن حقوق الإنسان ومسائل أخرى أيضًا، كما طرحنا هذه المسألة المتعلقة بكندا بشكل محدد مع الحكومة السعودية"، مضيفة: "ينبغي أن يتوصل الطرفان إلى حل دبلوماسي لهذه المشكلة ولا يسعنا القيام بذلك بالنيابة عنهما".

ثالثًا: إغلاق ملف الهجرة
تمثل كندا نموذجًا في سياسة الهجرة المفتوحة بالمقارنة مع أميركا أو دول أوروبا باستثناء ألمانيا. وتعتبر هذه السياسة هي مصدر إزعاج كبير لإدارة ترامب الذي افتتح عهده بتوقيع قرارات تتعلق بمنع دخول المسلمين إلى أميركا بشكل جعل عددًا من الدول الغربية منها كندا تصف تلك القرارات بأنها عنصرية تكرس كره الأجانب وبخاصة المسلمين منهم.
وبالمقارنة مع الموقف الأميركي في إغلاق باب الهجرة أعلنت كندا في تشرين ثاني/نوفمبر 2017 أنها سوف تستقبل ما يزيد عن مليون مهاجر خلال السنوات الثلاث المقبلة. وذكر وقتها وزير الهجرة الكندي أحمد حسين أن "المهاجرين سيساهمون من خلال مؤهلاتهم في دعم الاقتصاد والابتكار، كما سيساعدون في حفاظ بلدنا على المراكز الأولى في الاقتصاد العالمي".
وبما أن حزب الليبراليين الكندي يتبع سياسة الهجرة المفتوحة ويساند وجود الأقليات فهذا الأمر يظهر أميركا في ظل إدارة ترامب بأنها دولة بوليسية تنافي "الميثاق العالمي لحقوق الإنسان" وتمارس التمييز والعنصرية ضد المسلمين رغم امتلاء الدستور الأميركي بعبارات "الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان".
وبناءً على ما تقدم فإنه سوف يكون من مصلحة إدارة ترامب أن يتم وصول حزب المحافظين الكندي إلى الحكم في الانتخابات القادمة عام 2019 لأنه يحمل بين أعضائه شخصيات يمينية، مثل كيلي ليتش، المعجبة بآراء ترامب في موضوع الهجرة. وإنه لو استطاع حزب المحافظين الكندي الوصول إلى الحكم ثانية فإنه قد يقوم بإدخال تعديلات على قوانين الهجرة والجنسية ويقوم أيضًا بإيقاف خطة استقبال مليون مهاجر التي تبناها رئيس الوزراء الليبرالي جاستن ترودو.
وأخيرًا يمكن القول، أن الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا قد أظهرت مقدار ما وصل إليه حكام آل سعود من العمالة لأميركا والخيانة للمسلمين والولاء للكفار، من أجل الحفاظ على عرشهم الذي أسسته لهم بريطانيا مثلما أسست "إسرائيل" نفسها. إن مقدار خسة آل سعود لم تقف عند حد تبديد أموال المسلمين في مشاريع ترامب الاقتصادية بل أيضًا تعدت نحو الاستهتار بمصالح المسلمين وبيع كرامتهم في السعودية وفلسطين وبقية أنحاء العالم.
1/ذي الحجة/1439هـ
12/8/2018م