المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول ملامح صفقة القرن



Abu Taqi
23-07-2018, 12:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ملامح صفقة القرن
تتنزل "صفقة القرن" باعتبارها خطة شاملة في إطار الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي يجري العمل على تمريرها منذ وصول دونالد ترامب إلى الحكم. وهي خطة تعتمد على أسلوبين هما عنصر المفاجأة وفرض الأمر الواقع. وهذه الخطة لا تتعلق فقط بفلسطين بل تشمل كل البلدان المحاذية في وجودها للكيان الغاصب "إسرائيل". وبهذا المعنى فإن "صفقة القرن" تشمل غزة والضفة الغربية والقدس وتشمل الأردن وسوريا ومصر، والتطبيع مع سائر الدول العربية.
ومن تتبع تحركات وتصريحات مستشار وصهر الرئيس جاريد كوشنر يتضح أن التركيز يجري على حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن صيغة أو حزمة إقليمية تشمل سوريا والأردن ومصر وتهدف إلى إرساء ما يسمى بـ"السلام الإقليمي". ومما يؤكد ذلك هي الضغوطات الكبيرة التي تمارسها كل من السعودية والإمارات على الأردن والسلطة الفلسطينية من أجل القبول بحيثيات "صفقة القرن" التي يبشر بها ترامب باعتبارها الحل الجذري لصراع مستمر منذ عقود.
وبناءً على ما تقدم، فإنه من تتبع ملامح ومؤشرات "صفقة القرن" فيما يتعلق بفلسطين والأردن وسوريا ومصر يتبين ما يلي:
أولًا: فلسطين
تشمل صفقة القرن بالنسبة لـ"فلسطين" اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وهو ما حصل عمليًا عبر نقل السفارة الأميركية إليها. ولسوف يساعد هذا القرار الأميركي أن تتخذ إسرائيل إجراءات عملية مثل ضم المستعمرات اليهودية الكبرى القريبة لتصبح جزءًا من بلدية القدس الكبرى بما من شأنه أن يغير جذريًا الوضع الديمغرافي لمدينة القدس.
أما أين ستكون عاصمة الكيان الفلسطيني الموعود فإن التسريبات تتحدث عن تهيئة بلدة أبو ديس التي تقع خارج حدود القدس ويفصلها عنها الجدار الإسرائيلي منذ أكثر من 10 سنوات. وتخضع أغلب أراضي بلدة أبو ديس للسيطرة الإسرائيلية وهي مطوقة بالجدار وبالمستوطنات الإسرائيلية أهمها مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها 40 ألف يهودي. ومن أجل تمكين الفلسطينيين الساكنين في هذه "العاصمة الفلسطينية" من الصلاة في القدس تم وضع خطة إنشاء ممر أرضي ضيق من أبو ديس إلى المسجد الأقصى.
أما بالنسبة لحق العودة فمن الواضح أن أميركا قد أسقطت في "صفقة القرن" عودة اللاجئين، ويظهر ذلك عمليًا في إيقاف أميركا لمعوناتها المالية لمنظمة غوث اللاجئين (أونروا) وهي تدفع نحو منح اللاجئين حق الاستقرار في البلد الموجودين فيه أو إعادة التوطين في بلد آخر. أما من سيدفع تكاليف هذه العملية فهي الممالك الخليجية وعلى رأسها السعودية، ومما يشير بقوة إلى إنهاء حق العودة تصويت الكنيست " الإسرائيلي" مؤخرًا على قومية الدولة اليهودية.
وإلى حد الآن من الصعب أن نعرف إن كان قرار أميركا بنقل سفارتها إلى مدينة القدس هو خطوة أميركية نحو التدويل سواءٌ للقدس أو للأماكن المقدسة فيها، أم أن هذا القرار هو تحوير في الموقف الأميركي التاريخي في وضع القدس؟! ومن ثم باتت أميركا تعترف رسميًّا بأن مدينة القدس بأماكنها المقدسة هي عاصمة لـ"إسرائيل"، وبهذا الإجراء يتم غلق ملف تدويل القدس نهائيًا.
صحيح أن هناك ردود فعل دولية غاضبة على قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس لأنه مخالفة للقرار الدولي (478) سنة 1980، والذي يمنع إقامة هيئات دبلوماسية في القدس، ولكن ذلك لا يجب أن يعول عليه في تصور أن أميركا ما تزال متمسكة بتدويل القدس. فالرفض القادم من أوروبا ومن دولة الفاتيكان ومن بعض قادة المسلمين لقرار ترامب لا يرقى إلى مستوى تغيير الوقائع التي فرضتها أميركا و"إسرائيل" على الأرض المباركة.
أما الأساليب التي تقوم بها أميركا لفرض خطة "صفقة القرن" في شقها المتعلق بالفلسطينيين، فيمكن أن نلاحظ ثلاثة أمور:
أولًا: هناك سعي أميركي إسرائيلي للتخلص من محمود عباس وتجاوز الحرس القديم من أجل تسويق هذه الخطة. من ذلك المقال الذي نشرته صحيفة "هآرتس" قبل فترة للمبعوث الأميركي لعملية التسوية في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، بعنوان: "الفلسطينيون يستحقون أفضل بكثير من صائب عريقات".
وبعد صدور هذا المقال اتهم صائب عريقات في مقابلة، أميركا بمحاولة تغيير القيادة الفلسطينية والمفاوضين، وقال "إن الفلسطينيين عقدوا 35 لقاء مع مسؤولي ترامب قبل قرار القدس، لكنهم الآن لا يرون سببًا للتفاعل ثانية".
ثانيًا: تسليط الضوء على جلب الفلسطينيين للمفاوضات من أجل التركيز فقط على المبادرات الاقتصادية والإنسانية للضفة الغربية وقطاع غزة. وقد عبر عن هذا المعنى صائب عريقات بقوله: "ليست هناك خطة.. لكن كوشنير وغرينبلات يريدان فرض حل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، وشرعنة المستوطنات، وتغيير الصراع من صراع سياسي إلى صراع إنساني".
إن ما يهم أميركا في "صفقة القرن" ليس هو جوهر الصراع على الأرض كما كانت تتبنى الإدارات الأميركية السابقة ولا حتى البناء على اتفاقية أوسلو (1993). إن ما تركز عليه هذه الصفقة هو طي صفحة الصراع الطويل بمشاريع واستثمارات اقتصادية تكون مقدمة لإرساء سلام أميركي بين "إسرائيل" وجيرانها.
ثالثًا: أما الأسلوب الثالث الذي تسير فيه أميركا لفرض "صفقة القرن" فهو العمل على الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا السياق يسعى صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر والمبعوث الأميركي لعملية التسوية في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات إلى الحصول على مليار دولار من دول الخليج لـ"مساعدة" غزة.
ولذلك لم يكن صدفة أنه في اليوم الذي وقعت فيه الحادثة المفبركة لاغتيال رامي الحمد الله في 13/3/2018 في معبر بيت حانون أن تكون أميركا تشرف على عقد "مؤتمر إنقاذ غزة" في واشنطن، مع أن الجميع يعلم أن معاناة قطاع غزة هي بسبب الحصار الطويل الذي تفرضه "إسرائيل" على سكان القطاع بحجة "محاربة الإرهاب"، وكذلك بسبب الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة الفلسطينة تحت ذريعة "إعادة غزة إلى حضن الشرعية".
أما موقف السلطة الفلسطينية من هذه التحركات فقد عبرت عنه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي بالقول: "بالطبع نريد أن تنتهي المعاناة في غزة.. لكن ما يحاولون فعله هو فصل غزة عن فلسطين، والتعامل مع مخاوف إسرائيل الأمنية، بدلًا من البحث عن حل سياسي". ثم أضافت عشراوي: "يبدو أن الإدارة الأميركية تتبع استراتيجية الحل الاقتصادي عبر غزة، في الوقت الذي تجعل فيه العالم العربي يدفع الثمن".

ثانيًا: الأردن
إن أميركا تدرك أن خطتها الموجودة في "صفقة القرن" لا يمكن أن تمر دون موافقة الفلسطينيين على موضوع القدس الذي يمثل أم القضايا في الصراع. ومن هنا تأتي أهمية إخضاع الأردن للحل الأميركي في القبول بالقدس عاصمة لليهود والقبول بقرية أبو ديس عاصمة للكيان الفلسطيني الموعود.
وحيث أن الأردن هو المسؤول بمقتضى القرارات الدولية عن رعاية الأماكن المقدسة كان لابد من الضغط على الملك عبدالله بشكل قوي حتى يكون جزءًا من هذه المؤامرة الكبرى على فلسطين. ويبدو أن الملك كان مترددًا في السير مع أميركا في هذا الموضوع رغم الضغط السعودي الإماراتي والوعود االمالية التي بُشر بها.
ومن أجل دفع الملك عبدالله قهرًا _لإدراكه أن ذلك يسقط دوره السياسي في القضية الفلسطينية_ للسير في خطة "صفقة القرن" كانت المظاهرات الأخيرة في الأردن لها علاقة واضحة بهذا الشأن بعد أن قامت الحكومة برفع ضريبة الدخل، ثم كان التدخل الخليجي لدعم الأردن ماليًا كرشوة للسير في طريق "الصفقة الكبرى". وقد فهم ذلك من الزيارة التي قام بها الملك عبدالله إلى أميركا مباشرة بعد انتهاء القمة الخليجية المتعلقة بالأردن.، والزيارة التي قام بها كوشنر يوم 18/ 6 / 2018م .
ويبدو ان ما تريده أميركا من العرش الهاشمي في الأردن هو أن يبدأ برفع يده عن الأماكن المقدسة وأن يكون مستعدًا لتوطين الفلسطينيين كحل نهائي لقضية اللاجئين الذين يقدر عددهم بحوالي مليون في الأردن، وفوق ذلك فهي تريد منه على ما يبدو إقناع محمود عباس وجماعته بالرجوع للمفاوضات والقبول بالحل النهائي أو "صفقة القرن" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
على ان هناك تسريبات تشير الى ضم الضفة الغربية للأردن، مع إعطاء الفلسطينيين فيه من لاجئين وممن يحملون الجنسية الأردنية حق المواطنة من الدرجة الأولى، فتفتح أمامهم أبواب الجيش والقوى الأمنية وكافة المناصب السياسية وغيرها باعتبار (الأردن الكبير) هو وطن للأردنيين والفلسطينيين.

ثالثًا: سوريا
عندما يصرح بنيامين نتنياهو مؤخرًا بأنه لا يمانع في أن يسيطر بشار الأسد على كل أجزاء سوريا بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو، فهذا يعني أن روسيا قد أصبحت جزءًا من "صفقة القرن" فيما يتعلق منها بالشق السوري. ومحتوى هذا الجزء مبني على التفاهم الأميركي الروسي فيما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري.
فالمطلوب أميركيًا وبدعم إسرائيلي أن تكون هناك منطقة عازلة على حدود الجولان تكون منطقة أمان بالنسبة لكيان يهود في فلسطين على مدى 50 كلم إلى الشرق من مرتفعات الجولان بحجة حماية "إسرائيل" من إيران وحزب الله وسائر الفصائل الشيعية. ولكن الأرجح هو حماية "إسرائيل" من أية مقاومة غير منضبطة قد تنشأ في المستقبل وتزعج أمنها. ويظهر أن الأهم من ذلك هو من أجل أن تضع أميركا وإسرائيل أيديهما على ما تم الحديث عنه من اكتشاف آبار نفط يصل سمك طبقتها إلى 350 متر؛ أي عشرات أضعاف عمق طبقات النفط الاعتيادية.
وكل التحركات الإسرائيلية والإيرانية نحو موسكو واللقاء بين دونالد ترامب وفلادمير بوتين (منتصف يوليو الجاري) يتمحور قسم كبير منها حول البحث في الترتيبات الأمنية التي يجري العمل على تنفيذها لمصلحة الروس وأميركا وإسرائيل وإيران. فإذا كانت أميركا و"إسرائيل" قد سيطرتا على الجولان بما فيه من مخزون نفطي محتمل وسيطرت أميركا على شرق سوريا بنفطه ومائه وغذائه، فإن روسيا تريد حصتها من نفط سوريا بينما تتقاسم هي وإيران عقود الإعمار والبناء المرتقب في سوريا والذي يقدر بمليارات الدولارات.
ويبقى أخيرًا إيجاد سيناريو مقبول دوليًا وإقليميًا تكون فيه الأمم المتحدة طرفًا سياسيًا من أجل الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على الجولان وتقنين وجود المنطقة العازلة التي لن توجد إلا من أجل حماية "إسرائيل" وحماية الشركات الأميركية الإسرائيلية التي ستتولى العمل على استخراج - النفط الذي جرى الحديث عن وجوده في مرتفعات الجولان.

رابعًا: مصر
أما فيما يتعلق بالدور المصري فيكشف مخطط "صفقة القرن" عن السعي نحو نقل مسؤولية التحكم بقطاع غزة من "إسرائيل" إلى مصر من أجل فصل غزة عن الضفة الغربية نهائيًّا، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الذي يشارك فيه عبد الفتاح السيسي فإن ما تحدث عنه فريق جاريد كوشنر هو إنشاء "منطقة حرة" في سيناء المصرية، بين حدود غزة ومدينة العريش.
كما سوف تشمل هذه المنطقة الحرة محطة لتحلية مياه البحر، ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية اعتمادًا على الطاقة الشمسية، فضلًا عن خمس مناطق صناعية سيعمل فيها آلاف الفلسطينيين. كما ستضم هذه المنطقة أيضًا مطارًا دوليًا وميناءً، يحل محل الميناء الذي لم تسمح إسرائيل أبدًا ببنائه في غزة. أما الذي سوف يقوم بتمويل هذا المشروع الذي تصل قيمته إلى مليارات الدولارات فهي دول الخليج التي باتت تمثل لأميركا أكثر من البقرة الحلوب الهولاندية.

Abu Taqi
23-07-2018, 12:31 AM
علاقة "صفقة القرن" بمشروع الشرق الأوسط الكبير
إن كون "صفقة القرن" تشمل الدول المحيطة بالغاصب المحتل "إسرائيل" لا يعني أن هذه الخطة سوف تقوم مقام مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلن عنه جورج دبليو بوش في العام 2004. إن صفقة القرن هي جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يضم كل البلاد الإسلامية وليس فقط فلسطين ودول الطوق المحاذية لها.
وإن مصر والسعودية والإمارات التي تمثل أهم الدول التابعة لأميركا والتي تعول عليها في إنجاح "صفقة القرن" هي نفسها الدول التي تقوم بأدوار متقدمة في تركيز الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فهذه الدول الثلاث هي من أكثر الدول التي تروج لمفهوم "السلام الإقليمي"، وهي نفسها الدول التي تقف وراء ما يسمى بـ"الثورات المضادة" وتمويل الإرهاب في القرن الإفريقي.
إن ما يجب لفت الانتباه إليه هو أنه في الوقت الذي تشغل فيه أميركا الناس بالحديث عن "صفقة القرن" والتخمين حول بنودها وحيثياتها، نجدها تعمل بقوة وبشكل حثيث نحو توطين مشروع الشرق الأوسط الكبير.
إن حقائق السياسة والتاريخ القريبة منا أثبتت أن أميركا لم تتخذ من أزمات المنطقة سوى ذرائع من أجل تركيز التفرد بالنفوذ والسيطرة، ومن أجل تعميق التجزئة والتقسيم بين المسلمين، فضلًا عن نهب الثروات والمدخرات بشكل بات يدركه القاصي والداني. إن "صفقة القرن" حقًا هي صفقة الشيطان من أجل إنهاء القضية الفلسطينية في وقت تظن فيه أميركا أنها تمتلك الفرصة التاريخية لتقسيم دول المنطقة على مقتضى مشروع الشرق الأوسط الكبير.
{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}

8/ذي القعدة/1439هـ
21/7/2018م