المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا بعد الانتخابات التركية



Abu Taqi
26-06-2018, 12:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ماذا بعد الانتخابات التركية

جاءت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا لتؤكد أن ما سعى إليه أردوغان وحزب العدالة والتنمية من تقديم الانتخابات عن موعدها الأصلي في تشرين ثاني/نوفمبر 2019 قد تحقق عمليًّا بفوز أردوغان برئاسة الدولة وحصول حزب العدالة والتنمية مع حليفه حزب الحركة القومية على تفوق نسبي في البرلمان.
لكن رغم فوز رجب طيب أردوغان برئاسة الدولة والحصول على صلاحيات النظام الرئاسي الجديد إلا أن نتائج الانتخابات البرلمانية لم تمكن حزب العدالة والتنمية من تأمين النسبة المطلوبة للأغلبية بمفرده من أجل تمرير بعض القوانين مثل التعديلات الدستورية. ومن هنا يحتاج الحزب إلى تحالفات داخل البرلمان قد تضطره إلى تقديم بعض التنازلات.
ويبدو أن الهجمة الغربية على الليرة التركية واصطفاف الصحافة الغربية؛ الإنكليزية والألمانية منها بخاصة، إلى جانب المعارضة التركية، وازدياد نفور كثير من الأكراد من الإجراءات العسكرية التركية في شمال سوريا والجنوب التركي كان لكل ذلك تأثير سلبي على بعض الناخبين ظهرت نتائجه في عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات المزدوجة.
وعلى ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية فإن حزب العدالة والتنمية ستستمر حاجته الأكيدة لتحالفه مع حزب الحركة القومية حتى يستطيع تمرير بعض القوانين والتعديلات دون مشاكل كبيرة من قبل نواب المعارضة في البرلمان الجديد. ومع ذلك فإن هذا الوضع البرلماني لحزب العدالة والتنمية أمام أحزاب المعارضة وبخاصة حزب الشعب الجمهوري لن يكون له تأثير كبير على الصلاحيات التنفيذية لأردوغان سواء في تشكيل الحكومة أو في إصدار المراسيم أو في تعيين كبار المسؤولين والقضاة.
أما بالنسبة لعلاقات تركيا بأميركا وأوروبا بعد فوز أردوغان برئاسة الدولة فالراجح أن تقوم الدول الغربية بتعديل محدود في سياساتها وعلاقاتها العدائية وذلك حتى تحول نسبيًّا من توجه تركيا نحو استقلال القرار السياسي، أو السير في تعزيز الإحساس الإسلامي الذي يرتعد الغرب من مجرد وجوده، أو تمكنها من فرض المعاملة بالمثل أو تمتين علاقاتها مع روسيا والصين.
ولعل من الأمارات الدالة على هذا التعديل هو اتفاق منبج الذي حصل بين مولود جاويش أوغلو ومايك بومبيو بخصوص خروج قوات الوحدات الكردية وتمكين أهل منبج من إنشاء مجلس محلي لهم. كما يمكن أن تفهم موافقة أميركا على تسليم تركيا طائرات أف 35 بعد توصية الكونغرس للرئيس الأميركي بعدم فعل ذلك على أنها رسالة أميركية إلى أردوغان برغبة أميركا في تحسين العلاقات معها.
ولكن هذا التغيير التكتيكي المتوقع من أميركا وأوروبا في العلاقات مع تركيا لا يعني أن تكف أميركا والدول الغربية عن التآمر على تركيا، ومحاولة إرجاعها إلى نظام الوصاية الأطلسية، أو اغراقها في مشاكل داخلية أو إقليمية (حرب مع دول الجوار مثلًا) تحد من سعيها لتحقيق أهداف تسعى لتحقيقها ضمن ما يعرف بخطة 2023م .
ومع ذلك ورغم عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلوبة في البرلمان إلا أن نجاح أردوغان في الانتخابات في ظل نظام رئاسي أقره الشعب في استفتاء نيسان/أبريل 2017م سوف يزيد من قبضته على الحكم وسوف يمكنه من سرعة إصدار مراسيم تتمتع بقوة القانون ومن اتخاذ قرارت جريئة في السياسات الداخلية والخارجية
ولعل من أهم الملفات الداخلية بمنظور الحزب هو حل مشكلة العلاقة مع البنك المركزي وسياسة رفع الفائدة ومعالجة وضع الليرة التركية وما يتعلق بها من تأرجح نتيجة مضاربات سياسية لا تعكس الوضع الحقيقي للاقتصاد التركي. كما سوف يركز أردوغان على الاستمرار في خططه التنموية وفي محاربة حزب العمال الكردستاني وعلاقاته بأطراف الداخل والخارج.
أما في الإقليم فالمتوقع أن تستثمر تركيا نجاح تخليص منبج من الوحدات الكردية بالأسلوب الدبلوماسي لتزيد من "ضغطها" على أميركا نحو توسيع وتعميم هذه الخطة على بقية الشمال السوري بعمق معين يضمن لها حدودًا آمنة مع سورية. أما فيما يتعلق بالعراق فإن الجيش التركي قد بدأ قبل الانتخابات الأخيرة في عملية عسكرية واسعة من أجل تطهير شمال العراق من النفوذ العسكري لحزب العمال.
ولا يتوقع رغم موافقة أميركا على خطة منبج وعلى تسليم طائرات أف 35 أن تتراجع تركيا عن علاقاتها المتينة مع روسيا، سواء فيما يتعلق بصفقة أس 400 أو بناء المحطة النووية، أو استكمال مشروع السيل التركي للغاز الروسي. والسبب في تمسك تركيا بعلاقاتها مع روسيا هو رغبتها في تأكيد توجهها نحو استقلال قرارها السياسي والعسكري أولًا، واستغلالها للمخاوف الغربية من توجه تركيا بعيدًا عن الحلف الأطلسي.
إن الفوز الذي حققه رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية المتحالف مع الحركة القومية لم يكن مجرد فوز على خصوم محليين فحسب، بل كان فوزًا ذا أبعاد محلية وإقليمية ودولية. وأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية الأخيرة قد فتحت صفحة جديدة في مستقبل تركيا وفي صراعها مع القوى الداخلية والخارجية. وذلك أن هذا الفوز أضعف بقوة تخوف حزب العدالة والتنمية من خسارة شعبيته بعد أن استبق حصول ذلك بإجراء انتخابات مبكرة لتلافي آثار الهجمة الشديدة على الاقتصاد التركي وتأثير الإعلام الخارجي، وتجييش المعارضة ضده حيث كان من شأن استمرار ذلك كله التأثير المؤكد على شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية بل وإمكانية إخفاقه في انتخابات 2019م .
صحيح أن سبيل السير نحو الاستقلال التام للقرار السياسي للدولة التركية أصبح أكثر أمنًا وإن كان ما يزال محفوفًا بالمخاطر. ولكن الطريق الصحيح لتجنب المخاطر فعلًا هو حسم وضع الجبهة الداخلية أولًا بإيجاد الحصانة الكافية، ورص الصفوف لإنهاء إمكانية استغلالها من قبل الغرب الكافر.
وإيجاد الحصانة لدى الأمة وتمتين الجبهة الداخلية لا يتأتى من خلال المهادنة والمسايرة للتيارات العلمانية واليسارية والقومية، والاستمرار في ما يسمى باللعبة الديموقراطية؛ لأن من شأن الاستمرار في ذلك تمكين الأعداء من إمكانية قلب الطاولة وإجهاض كل الجهود المبذولة من المخلصين من أبناء الأمة في تركيا والذين يركنون إلى التغيير بالتدريج.
إن إيجاد الحصانة الحقيقية عند الأمة هو في طرح أفكار الإسلام النقية على أبناء الأمة، وتسخير وسائل الإعلام في دعوة الأمة لنقاش تلك الأفكار الإسلامية الخالصة، وتكثيف نقاشها عبر تلك الوسائل مع شخصيات إسلامية تتحلى بالوعي والقدرة على تقزيم الفكر العلماني ومناقشة رموزه مع طرح مفاهيم الإسلام بقوة وجاذبية وبخاصة بعد نجاح الحزب في الاستحواذ على معظم وسائل الإعلام لدعمه في الانتخابات الأخيرة.
إن هزيمة الفكر العلماني ورموزه، وإخلاء الساحة منه ومن بقايا الفكر اليساري العفن، وتمتين الرابطة على أساس الإسلام بنبذ الرابطة القومية، وإظهار أحكام الإسلام وصلاحيتها للتطبيق، وطرح الدستور الإسلامي بديلًا لدساتير الكفر، كل ذلك كفيل أن يكون الأساس الصادق والمتين للجبهة الداخلية، وإن وضع فترة زمنية لتفاعل الناس مع الفكر الإسلامي النقي سيمكن حكام تركيا لو أخلصوا النية لله أن يعلنوا حكمًا إسلاميًّا في تركيا تلتف الأمة في داخل تركيا وخارجها حوله، والتفاف الأمة حول الحزب الحاكم بمشاعرهم أو بالنجاح الاقتصادي لا يكفي بالتأكيد لاستمرار التأييد، أما حمل الناس لرسالة الإسلام عن قناعة بأفكاره وأحكامه سيجعلهم يلتفون بقوة حول الحكم وحمايته بقناعة ومسؤولية تامتين، وسيؤمن ذلك رفع راية الحق، وتحقيق آمال الأمة بالعزة والكرامة حين تعلوا راية الإسلام الذي تراقب الأمة مدى حقد الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا عليه وعلى أهله حتى لو تمكن الغرب من اغتيال الأشخاص على أهميتهم.
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}

11/شوال/1439هـ
25/6/2018م