ابو العبد
26-07-2009, 06:57 AM
تركيا في شباك المصالح الأميركية
يوماً بعد يوم تتبدّد الأوهام الورديّة التي أشاعها انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ويتبيّن للقاصي والداني أنّ الرئيس الأميركي سواء أكان أبيضاً أم أسوداً، ديمقراطياً أم جمهورياً، يبقى ملتزماً بمصالح جماعات المال الحرام والأعمال الشائنة، فليس ثمّة مبادئ سياسية أميركية (أخلاقية) ثابتة أو شبه ثابتة تقيّد مصالح هؤلاء، بل مصالحهم هي التي ترسم وتشكّل وتعدّل السياسات الخارجية الأميركية المصلحيّة المتحرّكة! إنّ المواقف الثابتة في السياسة الخارجية الأميركية تقتصر على ضمان الهيمنة السياسية والعسكرية والجغرافية العالمية، وبالتالي الاقتصادية، وبخاصة النفطية!
نعود إلى الرئيس أوباما لنراه في أوّل انطلاقته (في نيسان/ إبريل 2009) يحضر قمّة حلف الأطلسي وقمّة الاتحاد الأوروبي، ثمّ يسرع إلى تركيا لترميم ما خرّبه سلفه جورج بوش في هذا البلد الحليف الذي اضطر لمنع عبور القوات الأميركية إلى العراق في العام 2003! وقد أشارت زيارة أوباما لأنقرة إلى الموقع الهام الذي تحتلّه تركيا في شبكة المصالح الأميركية الخارجية، وإلى مزاياها ليس كزبون تجاري فقط، بل كعضو قديم في الأطلسي وكمساهمة في إمداده بالجنود، حيث لمثل هذه المساهمة أهميتها الكبرى في الحرب على الجبهة الأفغانية/الباكستانية تحديداً وفي غيرها عموماً، إضافة إلى أهمّية موقع تركيا والقواعد العسكرية فيها، في ما يتعلّق بوضع الاحتلال الأميركي للعراق بحالته الراهنة وبتطوّراته المستقبليّة!
من جهة أخرى فإنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل حوالي عشرين عاماً وبروز نزعتها في التفرّد، تعمل على تجاوز مجلس الأمن الدولي والتخلّص من حقّ النقض الذي يمارسه الأعضاء الدائمون ضدّ توجّهاتها، ولذلك فإنّ واشنطن تسعى لتحويل حلف شمال الأطلسي إلى منظمة دولية بقيادتها، وتركيا ضرورية لتحقيق مثل هذا الهدف، ومن الواضح أنّ أوباما يواصل هذه المساعي، وعلى هذا الأساس رأيناه يسرع لزيارة تركيا ويؤكّد كأسلافه تأييده انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي!
إنّ خروج تركيا من شباك حلف شمال الأطلسي والمصالح الأميركية الأنانية الشرّيرة ليس بالأمر السهل قطعاً، بسبب وضعها المتجذّر لصالح واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ففي العام 1950 أرسلت الحكومة التركية 4500 جندياً لدعم الأميركيين في حربهم ضدّ كوريا، وذلك لقاء تأييد واشنطن لانضمامها إلى حلف الأطلسي، وبالفعل جرى قبول تركيا في الحلف كعضو أساسي في العام 1952، وتقدّمت عمليات تسليحها بخطوات سريعة، وحينئذ صرّح الرئيس الأميركي السيّئ الصيت هاري ترومان بما يلي: " إنّه لأمر بارز حقّاً أن تبدي تركيّا موافقتها على تخصيص نسبة كبيرة جدّاً من نفقاتها الإجمالية لأغراض الدفاع، بالرغم من حاجتها الملحّة إلى الإصلاحات الاجتماعية والتقدّم الاقتصادي"! لقد كان ترومان، المؤسّس الحقيقي للكيان الإسرائيلي، مغتبطاً باستعداد الحكومة التركية لزجّ جنودها في ميادين القتال نيابة عن جنوده، ولصرف أموال شعبها على شراء أسلحته!
وكان المشرّعون الأميركيون قد اكتشفوا حينئذ التكلفة الزهيدة للجنود الأجانب قياساً بتكاليف جنودهم، ففي اجتماع عقدته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بتاريخ 24/3/1952، سأل رئيس اللجنة هنري كابوت لودج: "أليس صحيحاً أنّنا بإنفاقنا ستّة مليارات دولار على تجهيز الجنود الأجانب في أوروبا نحصل على العدد نفسه من الجنود الأميركيين الذين ننفق عليهم أكثر من خمسين ملياراً؟"! فوافق الجنرال ألفرد جنتر على استنتاج السناتور، وراح يشرح مؤيّداً وموضّحاً: "أنت تعلم أنّنا كنّا في تركيا منذ أسبوعين، وقد وجدنا ما يبعث الرضا في النفوس إلى حدّ كبير، وتأثّرنا لمعدن الأتراك وصفاتهم كجنود محاربين، ولكن أتدري ما الذي يحصل عليه هؤلاء الناس؟ إنّهم يحصلون على 21 سنتاً في الشهر للجندي .. هذا هو راتبه"! فعلّق عضو اللجنة بريان ماكماهون باحتقار وسخرية: "لقد رفعوا رواتبهم"!
واصل الجنرال جنتر عرضه شارحاً أنّ الجندي الفرنسي يتقاضى ثمانية سنتات في اليوم (التركي 21 سنتاً في الشهر!) والهولندي يتقاضى عشرين سنتاً في اليوم، أي ما يزيد قليلاً على ستة دولارات في الشهر (يتقاضى الأميركي حوالي خمسين دولار!) قال جنتر كأنّما مشفقاً: "ولكنّ هذا يلقي عبئاً ثقيلاً رهيباً على العائلات التركية التي تمدّ أبناءها الجنود بالنقود، وإذا تأمّلنا في الأرقام المجرّدة، حيث نسبة من الإنتاج القومي التركي بأكمله تنفق على شؤون الدفاع، فإننا نجدها لا تتضمّن على الإطلاق المبالغ التي ترسلها العائلات التركية لأبنائها الجنود"! وإذا بعضو اللجنة السناتور تشارلز توبي يعلّق بلؤم تلمودي وحقارة صهيونية: "إنّهم بحاجة إلى طاقاتهم الزائدة من أجل حريمهم .. أليس كذلك؟"!
لقد وقعت تركيا في الشرك الأميركي/ الصهيوني الذي يحتاج إلى خدماتها ويحتقرها في الوقت نفسه، وهي منذ فترة (منذ عهد أربكان) تحاول أقلّه تحسين وضعها داخل هذا الشرك، بمساواتها بالآخرين من الأطلسيين، هذا إن لم تستطع الخروج تماماً! وكانت حكومة الرئيس آيزنهاور قد عزمت على تجنّب الزجّ بالجنود الأميركيين في الحروب على نطاق واسع، واتجهت إلى إنشاء جيوش آسيوية تحارب بعضها وشعوبها نيابة عن واشنطن، العاكفة على تطوير أسلحتها النووية والفراغية والفضائية التي لا تحتاج إلى اشتباكات طويلة الأمد على الأرض! لقد نجح إرساء هذا الاتجاه بعد حرب فيتنام، والذي شذّ عنه بوش الابن، وهاهي العمليات العسكرية الباكستانية النظامية الضخمة ضدّ الشعب الباكستاني والأفغاني تنطلق في عهد أوباما مصحّحة انحراف عهد بوش، وبناءً على ذلك نفهم أنّ الهدف من وراء زيارة أوباما المذكورة لأنقرة كان الاحتفاظ بتركيا في الشباك الأميركية، كي تحارب إلى جانب الأميركيين أو نيابة عنهم لمصلحتهم!
ولكن، إذا كانت واشنطن ثابتة على مواقفها الدولية الظالمة منذ حوالي ستين عاماً، فهل لا تزال تركيا ثابتة في خدمتها لهذه المواقف؟
يوماً بعد يوم تتبدّد الأوهام الورديّة التي أشاعها انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، ويتبيّن للقاصي والداني أنّ الرئيس الأميركي سواء أكان أبيضاً أم أسوداً، ديمقراطياً أم جمهورياً، يبقى ملتزماً بمصالح جماعات المال الحرام والأعمال الشائنة، فليس ثمّة مبادئ سياسية أميركية (أخلاقية) ثابتة أو شبه ثابتة تقيّد مصالح هؤلاء، بل مصالحهم هي التي ترسم وتشكّل وتعدّل السياسات الخارجية الأميركية المصلحيّة المتحرّكة! إنّ المواقف الثابتة في السياسة الخارجية الأميركية تقتصر على ضمان الهيمنة السياسية والعسكرية والجغرافية العالمية، وبالتالي الاقتصادية، وبخاصة النفطية!
نعود إلى الرئيس أوباما لنراه في أوّل انطلاقته (في نيسان/ إبريل 2009) يحضر قمّة حلف الأطلسي وقمّة الاتحاد الأوروبي، ثمّ يسرع إلى تركيا لترميم ما خرّبه سلفه جورج بوش في هذا البلد الحليف الذي اضطر لمنع عبور القوات الأميركية إلى العراق في العام 2003! وقد أشارت زيارة أوباما لأنقرة إلى الموقع الهام الذي تحتلّه تركيا في شبكة المصالح الأميركية الخارجية، وإلى مزاياها ليس كزبون تجاري فقط، بل كعضو قديم في الأطلسي وكمساهمة في إمداده بالجنود، حيث لمثل هذه المساهمة أهميتها الكبرى في الحرب على الجبهة الأفغانية/الباكستانية تحديداً وفي غيرها عموماً، إضافة إلى أهمّية موقع تركيا والقواعد العسكرية فيها، في ما يتعلّق بوضع الاحتلال الأميركي للعراق بحالته الراهنة وبتطوّراته المستقبليّة!
من جهة أخرى فإنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل حوالي عشرين عاماً وبروز نزعتها في التفرّد، تعمل على تجاوز مجلس الأمن الدولي والتخلّص من حقّ النقض الذي يمارسه الأعضاء الدائمون ضدّ توجّهاتها، ولذلك فإنّ واشنطن تسعى لتحويل حلف شمال الأطلسي إلى منظمة دولية بقيادتها، وتركيا ضرورية لتحقيق مثل هذا الهدف، ومن الواضح أنّ أوباما يواصل هذه المساعي، وعلى هذا الأساس رأيناه يسرع لزيارة تركيا ويؤكّد كأسلافه تأييده انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي!
إنّ خروج تركيا من شباك حلف شمال الأطلسي والمصالح الأميركية الأنانية الشرّيرة ليس بالأمر السهل قطعاً، بسبب وضعها المتجذّر لصالح واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ففي العام 1950 أرسلت الحكومة التركية 4500 جندياً لدعم الأميركيين في حربهم ضدّ كوريا، وذلك لقاء تأييد واشنطن لانضمامها إلى حلف الأطلسي، وبالفعل جرى قبول تركيا في الحلف كعضو أساسي في العام 1952، وتقدّمت عمليات تسليحها بخطوات سريعة، وحينئذ صرّح الرئيس الأميركي السيّئ الصيت هاري ترومان بما يلي: " إنّه لأمر بارز حقّاً أن تبدي تركيّا موافقتها على تخصيص نسبة كبيرة جدّاً من نفقاتها الإجمالية لأغراض الدفاع، بالرغم من حاجتها الملحّة إلى الإصلاحات الاجتماعية والتقدّم الاقتصادي"! لقد كان ترومان، المؤسّس الحقيقي للكيان الإسرائيلي، مغتبطاً باستعداد الحكومة التركية لزجّ جنودها في ميادين القتال نيابة عن جنوده، ولصرف أموال شعبها على شراء أسلحته!
وكان المشرّعون الأميركيون قد اكتشفوا حينئذ التكلفة الزهيدة للجنود الأجانب قياساً بتكاليف جنودهم، ففي اجتماع عقدته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بتاريخ 24/3/1952، سأل رئيس اللجنة هنري كابوت لودج: "أليس صحيحاً أنّنا بإنفاقنا ستّة مليارات دولار على تجهيز الجنود الأجانب في أوروبا نحصل على العدد نفسه من الجنود الأميركيين الذين ننفق عليهم أكثر من خمسين ملياراً؟"! فوافق الجنرال ألفرد جنتر على استنتاج السناتور، وراح يشرح مؤيّداً وموضّحاً: "أنت تعلم أنّنا كنّا في تركيا منذ أسبوعين، وقد وجدنا ما يبعث الرضا في النفوس إلى حدّ كبير، وتأثّرنا لمعدن الأتراك وصفاتهم كجنود محاربين، ولكن أتدري ما الذي يحصل عليه هؤلاء الناس؟ إنّهم يحصلون على 21 سنتاً في الشهر للجندي .. هذا هو راتبه"! فعلّق عضو اللجنة بريان ماكماهون باحتقار وسخرية: "لقد رفعوا رواتبهم"!
واصل الجنرال جنتر عرضه شارحاً أنّ الجندي الفرنسي يتقاضى ثمانية سنتات في اليوم (التركي 21 سنتاً في الشهر!) والهولندي يتقاضى عشرين سنتاً في اليوم، أي ما يزيد قليلاً على ستة دولارات في الشهر (يتقاضى الأميركي حوالي خمسين دولار!) قال جنتر كأنّما مشفقاً: "ولكنّ هذا يلقي عبئاً ثقيلاً رهيباً على العائلات التركية التي تمدّ أبناءها الجنود بالنقود، وإذا تأمّلنا في الأرقام المجرّدة، حيث نسبة من الإنتاج القومي التركي بأكمله تنفق على شؤون الدفاع، فإننا نجدها لا تتضمّن على الإطلاق المبالغ التي ترسلها العائلات التركية لأبنائها الجنود"! وإذا بعضو اللجنة السناتور تشارلز توبي يعلّق بلؤم تلمودي وحقارة صهيونية: "إنّهم بحاجة إلى طاقاتهم الزائدة من أجل حريمهم .. أليس كذلك؟"!
لقد وقعت تركيا في الشرك الأميركي/ الصهيوني الذي يحتاج إلى خدماتها ويحتقرها في الوقت نفسه، وهي منذ فترة (منذ عهد أربكان) تحاول أقلّه تحسين وضعها داخل هذا الشرك، بمساواتها بالآخرين من الأطلسيين، هذا إن لم تستطع الخروج تماماً! وكانت حكومة الرئيس آيزنهاور قد عزمت على تجنّب الزجّ بالجنود الأميركيين في الحروب على نطاق واسع، واتجهت إلى إنشاء جيوش آسيوية تحارب بعضها وشعوبها نيابة عن واشنطن، العاكفة على تطوير أسلحتها النووية والفراغية والفضائية التي لا تحتاج إلى اشتباكات طويلة الأمد على الأرض! لقد نجح إرساء هذا الاتجاه بعد حرب فيتنام، والذي شذّ عنه بوش الابن، وهاهي العمليات العسكرية الباكستانية النظامية الضخمة ضدّ الشعب الباكستاني والأفغاني تنطلق في عهد أوباما مصحّحة انحراف عهد بوش، وبناءً على ذلك نفهم أنّ الهدف من وراء زيارة أوباما المذكورة لأنقرة كان الاحتفاظ بتركيا في الشباك الأميركية، كي تحارب إلى جانب الأميركيين أو نيابة عنهم لمصلحتهم!
ولكن، إذا كانت واشنطن ثابتة على مواقفها الدولية الظالمة منذ حوالي ستين عاماً، فهل لا تزال تركيا ثابتة في خدمتها لهذه المواقف؟