المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول العدوان على الغوطة الشرقية



Abu Taqi
22-03-2018, 10:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة سياسية

الحرب على الغوطة الشرقية: الحقيقة والأهداف
أثارت الحملة العسكرية اللئيمة على الغوطة الشرقية تحت قيادة روسيا ردود أفعالٍ دولية "معارضة" وحراكًا دبلوماسيًّا ظاهريًّا لوقفها، تصدرته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتمخض عن هذا الحراك الدولي استصدار القرار الأممي رقم (2401)، والقاضي بوقف الأعمال العسكرية لمدة شهر وإدخال المساعدات الإنسانية. ولكن الروس والنظام الذي يحتمي بهم لم يلتزما بالهدنة.
إن الحراك الدبلوماسي من دول أوروبا وأميركا في أروقة الأمم المتحدة ليس سوى حراكًا شكليًّا من أجل "إبراء الذمة" وذرًا للرماد في عيون الرأي العام الدولي بأنهم يفعلون شيئًا من أجل إيقاف الحرب الروسية على الغوطة الشرقية وإنقاذ المدنيين. ولكن الحقيقة أن ما يجري في الغوطة يأتي في إطار سياسة "الحرب على الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة بالتفاهم مع روسيا وبقية الدول الأوروبية الفاعلة والتي تستهدف في الحقيقة التمهيد لتقسيم سوريا.
ومما يشيرعلى أن أميركا وأوروبا متآمرون مع روسيا في الحرب على الغوطة الشرقية هو ما نقلته وكالة آكي الإيطالية يوم 9/3/2018 عن مصدر عسكري في فصائل المعارضة السورية بالجنوب من أن الولايات المتحدة، وعبر الأردن، "حذرت من انتقال المقاتلين من جنوب سورية إلى جنوب العاصمة دمشق أو مشاركة أي فصيل في معارك الغوطة". وأشار المصدر لوكالة (آكي) إلى أن فصائل المعارضة اشترطت تدخل أميركا لوقف قصف المدنيين ومنع تهجير سكان الغوطة من بلداتهم نحو الجنوب أو أي رقعة جغرافية سورية أخرى مقابل التزامهم بعدم المشاركة في المعارك.
إن الموقف الأميركي في منع فصائل المعارضة الجنوبية من نصرة أهل الغوطة الشرقية بفتح جبهة عسكرية ضد النظام الأسدي ليؤكد أن ما يسمى بـ"مناطق خفض التصعيد" سواء في الغوطة وحتى في إدلب هي مجرد تكتيكات عسكرية وجدت من أجل الاستفراد بمناطق المعارضة والتخلص منها واحدة بعد الأخرى وفق خطة محكمة بين روسيا وأميركا حصريا رغم كل الخلافات الظاهرة بينهما في عدد من الملفات داخل سوريا أو خارجها.
ومما يؤكد على صحة هذا الفهم أن ما يقوم به النظام الأسدي اليوم في الغوطة الشرقية قد نجح في القيام به سابقًا في البادية السورية وأجزاء من دير الزور وإدلب. وإذا ما نجح النظام بمعونة ظاهرة من روسيا وأخرى خفية من أميركا في تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة في الغوطة الشرقية فإنه من المحتمل أن يتجه بعد ذلك لاستكمال سيطرته على بقية المناطق المهمة الأخرى في القلمون الشرقي وريف حمص الشمالي.
وإن مما يؤكد كذلك أن ما يجري من حصار وتجويع وقتل وتهجير في الغوطة الشرقية هو مؤامرة دولية نسج خيوطها كل من أميركا بالتفاهم مع روسيا، هو تبدل الذريعة التي جيء بها للهجوم على الغوطة. فقد ادعت روسيا والنظام أن هجومهما على الغوطة هو من أجل إخراج عناصر "إرهابية" تتبع هيئة تحرير الشام، وعندما أعلنت فصائل الغوطة مرارًا عن استعدادها لإخراج هذه العناصر كانت روسيا تعطل التفاوض حول هذا الخروج.
ويبقى السؤال الآن هو: ما هي الأهداف العسكرية والسياسية التي يُراد تحقيقها من وراء الحملة العسكرية الظالمة والقاتلة على الغوطة الشرقية؟ في الواقع يمكن أن نرصد عددًا من الأهداف نذكر منها بخاصة ما يلي:
أولًا: تأمين العاصمة دمشق
تعتبر الحملة الروسية على الغوطة الشرقية ومحاولة السيطرة عليها في صميم عملية تأمين حزام العاصمة التي أطلقها النظام الأسدي منذ العام 2013 بما في ذلك إبعاد المعارضة عن مطار دمشق الدولي الذي وصلت إليه قذائفها وتأمين قواعده العسكرية وفروعه الأمنية. وبنجاح النظام في تأمين العاصمة دمشق يكون قد أمَّن "سلة غذاء دمشق"؛ أي الغوطة ويكون قد أمَّن ما يعرف بـ"سوريا المفيدة"؛ أي الدولة العلوية.

ثانيا: كسر شوكة المعارضة
والظاهر أن من أهداف الحملة العسكرية على الغوطة هو كسر شوكة المعارضة واقتلاعها من هذه المنطقة تحت ذريعة إخراج عناصر من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا) منها. وبما أن فيلق الرحمن وجيش الإسلام من المشاركين في مفاوضات جنيف وأستانة اتخذت روسيا من الوجود المحدود لجبهة النصرة حجة لحرق الغوطة الشرقية وتدمير كل البنية التحتية التي تتحصن فيها الفصائل العسكرية، وهو ما يجعلها تخفض من شروطها ويضعف موقفها التفاوضي.

ثالثًا: التغيير الديمغرافي للسكان
إن الحرب الدائرة على الغوطة الشرقية هي عملية إبادة تمهد لتغيير ديموغرافي عبر تدمير الأحياء والأبنية السكنية وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين بالطائرات الروسية والأسدية وما ذلك التهجير القسري للمدنيين سوى مقدمة نحو تغيير التركيبة السكانية، وإعادة توطين الموالين للنظام ولإيران. وإن ما وقع لحي السيدة زينب والأحياء والقرى المحيطة به من الغوطة الغربية إلى القلمون الغربي حيث قيادة حزب الله لخير دليل على هذه الأجندة.

رابعا: التمهيد للفدرالية
لم يعد خافيًّا أن أميركا تسعى إلى إقامة نظام فدرالي في سوريا على شاكلة ما كتبته في الدستور العراقي. ومن أجل تمرير هذا المشروع بدعم روسي فإنه يجب عليها أولًا: إجبار المعارضة السورية على خفض سقفها التفاوضي من خلال زيادة الكلفة الإنسانية بين المدنيين الذي يمثلون الحاضنة الشعبية لكل الفصائل المقاتلة للنظام، وثانيًّا: القيام بعمليات تغيير ديمغرافي تكون بمثابة "حدود" عازلة وفاصلة بين الكنتونات التي يجري العمل على إنشائها حاليًا عبر خرائط الدم. فالحرب على الغوطة الشرقية تأتي ضمن تركيز منطقة النفوذ الأسدي-الإيراني الذي سوف يكون تحت الحماية الروسية صاحبة القرار على "الدولة العلوية".
وإذا نجحت قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي والقوات البرية التابعة لإيران في السيطرة على الغوطة الشرقية فإن مناطق النفوذ تكون قد بدأت في التشكل، وهي مناطق تمهيدية لتأسيس الفدرالية. وحسب ما يجري من أعمال عسكرية على الأرض وما كشف من مخططات فإن مناطق النفوذ التي يمكن رؤيتها سوف تكون كما يلي:
1- الشمال الغربي لسوريا (منطقة درع الفرات وإدلب وأجزاء من ريف حلب) سوف يكون محكومًا بتفاهمات بين تركيا وروسيا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وفي العموم فإن هذه المنطقة سوف تكون تحت النفوذ التركي.
2- الجنوب السوري سوف يكون محكومًا بتفاهمات بين الأردن وأميركا في درعا والسويداء، أما القنيطرة والجولان فلا بد من إشراك "اسرائيل" في تفاهمات حول هذه المنطقة بحيث يتم ضمان أمن الكيان الصهيوني وهذه المنطقة في مجموعها سوف تكون خاضعة للنفوذ الأميركي.
3- الشمال الغربي لسوريا ومعه الرقة وأجزاء من دير الزور، حيث يوجد النفط والثروة الزراعية لسوريا فإنها أصبحت تحت النفوذ الأميركي وعملائه من قوات سوريا الديمقراطية والوحدات الكردية وهي ما ستشكل الإقليم الكردي وتعتبر هذه المنطقة هي منطقة نفوذ أميركي.
4- منطقة الساحل ودمشق ويلحق بها ما يستطيع النظام أن يضمه من مناطق في البادية ودير الزور والغوطة. ويبدو إلى حد الآن أن روسيا وهي صاحبة النفوذ في هذه المنطقة تسعى جاهدة إلى ضم الغوطة الشرقية إلى مناطق النظام وإنهاء الوجود العسكري لفصائل المعارضة من جميع المناطق المحيطة بالعاصمة من أجل تركيز مشروع الدولة العلوية في الساحل والوسط.
إن إنهاء الجيوب الجغرافية بين مناطق النفوذ عبر تسويات سياسية أو هدن عسكرية أو إبادة جماعية، هي مرحلة مهمة ولازمة قبل الذهاب إلى منصات المفاوضات السياسية (جنيف، استانة، سوتشي). فهذه المفاوضات سوف لن تكون سوى مجرد تحصيل حاصل وتزكية سياسية لما هو موجود على الأرض فعليًّا وإن تم التظاهر للإبقاء على الدولة السورية التي سيمهد لتثبيت تقسيمها دستور فدرالي جديد يجري وضع اللمسات الأخيرة عليه خارج سوريا.
وأخيرًا فإن الإبقاء على الوجود الإيراني وتوابعه في سوريا للمرحلة اللاحقة من الممكن استغلاله ليؤدي دورًا حال تعنت كيان يهود في استجابته لما يطرح من حل أميركي ينهي قضية فلسطين.
وفي الختام فإنه من المستهجن على أي مسلم على وجه الأرض أن لا يدرك أن صعيد ما يجري في سوريا وباقي بلاد المسلمين هو معركة الكفر مع الإسلام، وأن أمم الكفر تتكالب على الأمة الإسلامية، ويظهر ذلك من تواطئها على قتل المسلمين وتدمير حواضر بلادهم، وأن الأمة لا خلاص لها بعد استيقانها لصعيد المعركة بين الكفر والإسلام، إلا أن تأخذ زمام أمرها بيدها، وما لم تفعل ذلك فستبقى بلادها مستباحة للكفار يعيثون فيها فسادًا، وأن ما يجري في الغوطة من وحشية وجرائم وحقد دفين ولؤم بالغ في التعامل مع أبناء أمة الإسلام لن يكون نهاية ما سيذيقه الكفار لأمتنا فهم كما قال الله تعالى (لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة)، إلا إذا حررت الأمة نفسها من نفوذ الكفار واستعادت سلطانها، وأصبحت تغزوا ولا تغزى.

5/رجب/1439هـ
22/3/2018م