المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول ترمب واحتمالات الحرب التجارية



Abu Taqi
13-03-2018, 10:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ترمب واحتمالات الحرب التجارية

وقع الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يوم 8 آذار/مارس 2018 على قرار يفرض رسومًا جمركية على كل من أوروبا والصين واليابان، بلغت 25% على واردات الفولاذ (الصلب) و10% على واردات الألمنيوم. وقد استثنى ترمب من هذا القرار كلًا من المكسيك وكندا بسبب تفاهمات اتفاقية التجارة الحرة بين دول قارة أميركا الشمالية "نافتا".
وخلال حفل التوقيع على القرار، برر ترمب ذلك بقوله أن "القرارات التي اتخذناها اليوم، ليست خيارًا، بل هي ضرورة ملحة من أجل أمن أمتنا"، معتبرًا أن "السياسات والقيادات السيئة" لأسلافه في البيت الأبيض هي السبب في وجدو "سياسات تجارية خاطئة" مع العديد من دول العالم ومن بينها الاتحاد الأوروبي والصين.
من الواضح أن هذا القرار الجديد لترمب قد جاء في ظاهره وكأنه تنفيذ لأحد وعوده الانتخابية باتخاذ إجراءات حمائية للتجارة الأميركية. فالولايات المتحدة تعاني عجزًا تجاريًّا قدره 800 مليار دولار لعام 2017. وهذا ما جعل ترمب يصرح يوم إصدار قراره أن"الممارسات التجارية الأجنبية خربت صناعة الصلب والألمنيوم الأميركية".
ورغم أن كندا تأتي على قائمة الدول المصدرة لأميركا في عام 2017 لمادة الصلب 15.6% (5.2 مليار دولار) والألمنيوم بنسبة 40% (7 مليار دولار) إلا أن ترمب قد وجه غضبه بخاصة على الصين وأوروبا. ومع ذلك فالصين تأتي في المرتبة 11 من حيث تصدير الصلب لأميركا بنسبة 2.7% (900 مليون دولار)، وهي في المرتبة الثانية بعد كندا من حيث نسبة تصدير الألمنيوم لأميركا 9.7% (1.7 مليار دولار).
أما أوروبا فهي تأتي في ذيل قائمة المصدرين للصلب والألمنيوم إلى أميركا باستثناء ألمانيا التي تعتبر نسبتها قليلة بالمقارنة مع كندا مثلًا. فنسبة الواردات الأميركية من ألمانيا في الصلب تقدر بـ 4.6% (1.5 مليار)، أما نسبة الألمنيوم فهي تقدر بـ 2.3% (392 مليون دولار). أما عموم الاتحاد الأوروبي فقد صدر ما قيمته 5.3 مليار يورو من الفولاذ و1.1 مليار يورو من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة في 2017.
وبالنظر إلى هذه الأرقام والمعطيات يتضح أن غاية ترمب ليس فقط حماية السوق أو اليد العاملة الأميركية أو تعديل الميزان التجاري الأميركي، بل أيضًا هو يسعى لفرض نظام جباية وقانون جزية دولية على أوروبا والصين، وهما من أكبر المنافسين للاقتصاد الأميركي في مجالي الإنتاج والتصدير.
صحيح أن أميركا تمتلك أكبر قوة إنتاجية في العالم تساوي قوة إنتاج الصين وأوروبا مجتمعين ولكن بقاء تفرد أميركا في العالم يتطلب استمرار سيطرتها على القوة الاقتصادية لمنافسيها الدوليين في المدى المنظور. ولذلك ليس غريبًا أن يعتبر ترمب أن هذا القرار هو دفاع عن "الأمن القومي الأميركي" بالرغم من نذر اندلاع "حرب تجارية".
ومن أجل البقاء في التفرد بقيادة العالم يأتي القرار الأميركي الأخير كوسيلة ليحقق الأمور التالية:
أولًا: إجبار الشركات العاملة في مجال الصلب والألمنيوم وكذلك شركات إنتاج السيارات وغيرها من الشركات الأميركية على نقل استثماراتها إلى داخل الولايات المتحدة من أجل دعم الإنتاج المحلي لتلك الصناعات. فهذا الإجراء سوف يزيد من قوة الإنتاج والتصدير في أميركا ويعمل على توفير فرص عمل أكثر للأميركيين. هذا هو السبيل الأفضل لتجنب دفع الرسوم الجديدة كما عبر ترمب عن ذلك.
فقد سبق لدونالد ترمب أن دعا رؤساء أكبر ثلاث شركات لصناعة السيارات في الولايات المتحدة لتصنيع المزيد من المركبات في البلاد. جاء ذلك يوم 25/1/2017 خلال اجتماع عقده ترمب في البيت الأبيض مع ماري بارا المديرة التنفيذية لشركة جنرال موتورز ومارك فيلدز المدير التنفيذي لشركة فورد وسيرجيو ماركيوني المدير التنفيذي لشركة فيات كرايسلر. وقد تعهد ترمب خلال الاجتماع بجعل الاستثمار في الولايات المتحدة أكثر جذبًا من خلال تخفيف القواعد التنظيمية وخفض الضرائب.
ثانيًا: إجبار الصين على تحقيق عدد من المطالب الأميركية أهمها؛ تخفيض العجز في الميزان التجاري مع أميركا عبر زيادة الصادرات الأميركية للصين ورفع الصين لقيمة عملتها (يوان Yuan) التي تعتبرها أميركا منخفضة بنسبة 40% من قيمتها الحقيقية في سوق العملات بسبب تدخل الحكومة الصينية.
فحسب تقرير مكتب الإحصاءات الأميركي لعام 2015 فإن العجز في الميزان التجاري الأميركي مع الصين قد بلغ 365.7 مليار دولار. وهذا الأمر هو الذي جعل ترمب ينتقد الصين مؤخرًا، قائلًا: "طلبنا من الصين وضع خطة تقضي بخفض قدره مليار دولار في العجز التجاري الهائل مع الولايات المتحدة".
ولكن من الواضح أن الضغط الأميركي على الصين ليس فقط ذا بعد اقتصادي؛ أي هو متعلق بالعجز في الميزان التجاري أو بانخفاض قيمة اليوان (الصيني)، بل إن توقيت قرار الرسوم الجمركية قد جاء في وقت أعلن فيه ترمب قبوله بلقاء رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون.
ومن هنا فقرار الرسوم الجمركية يمثل كذلك ضغطًا سياسيًّا على الصين حتى توقف دعمها أو تقف على الحياد في علاقتها مع كوريا الشمالية. ذلك أن استمرار الصين في دعمها لكوريا الشمالية من شأنه أن يضعف موقف ترمب التفاوضي مع كيم جونغ أون، وهذا الأمر قد يدفع بأميركا للدخول في حرب اقتصادية واسعة مع الصين.
وقد أدركت الصين ذلك الضغط الأميركي فكانت ردة فعلها القوية على قرار ترمب، كما ورد ذلك في بيان وزارة التجارة الصينية من أن "سوء استخدام بند الأمن القومي من قبل الولايات المتحدة يشكل هجومًا متعمدًا على النظام التجاري المتعدد الأطراف (...) وسيكون له بالتأكيد تأثير خطير على نظام التجارة العالمي".
ثالثًا: أما بالنسبة لأوروبا فإن الموضوع له علاقة بدفع نفقات حلف شمال الأطلسي التي تطالب بها أميركا منذ تولي دونالد ترمب الحكم. فقد صرح ترمب وقتها أن أميركا قد ترفع حمايتها عن بعض دول حلف شمال الأطلسي إذا لم توفي بدفع مستحقاتها المالية في الحلف.
ومؤخرًا هاجم دونالد ترمب أوروبا واعتبر أنها "استغلت أميركا"، وخص بالذكر ألمانيا وهي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي التي قال عنها بأنها "لاعب سيِّء"، واتهمها بالتصرف بشكل غير منصف فيما يتعلق بمساهمتها في تمويل حلف شمال الأطلسي بمبلغ أقل بكثير من الذي تدفعه الولايات المتحدة.
وهنا قال ترمب "إذا نظرتم إلى حلف شمال الأطلسي، فإن ألمانيا تدفع 1% بينما ندفع نحن 4,2% من إجمالي الناتج المحلي (...) هذا ليس منصفًا"، مضيفًا: "لذا فإننا ننظر إلى التجارة وننظر إلى الجيش، وإلى حد ما فإنهما يسيران جنبًا إلى جنب".
وهذا التصريح هو تكرار لما سبق أن صرَّح به دونالد ترمب، يوم 18/3/2017 في تغريدة له على موقع تويتر غداة اجتماعه في البيت الأبيض مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. فقد غرد ترمب وقتها قائلًا: بأن "ألمانيا تدين بمبالغ طائلة من المال لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وللولايات المتحدة، يجب أن يتم دفعها مقابل الدفاع القوى، باهظ التكاليف الذى يقدم لألمانيا".
وفي انتظار أن يتم تنفيذ هذا القرار بعد 15 يومًا من إصداره فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية كبيرة على عشرات المنتجات الأميركية إذا لم يتراجع ترمب عن قراره. وكان الرد الألماني من أقوى الردود على قرار ترمب بسبب وجود ألمانيا في المرتبة الثانية بعد الصين من ناحية عجز الميزان التجاري الأميركي لصالح ألمانيا بقيمة قدرها 74.2 مليار دولار حسب احصاءات 2015.
فقد صرَّحت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيته تسيبريز بأن الرسوم الجمركية التي أعلنها ترمب ستمثل عبئًا على الشركات الألمانية، قائلة: "لقد أمر برسوم جمركية عقابية لا تتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية وهو بهذا الفعل يزيد أسعار المستهلكين ويجعل عمل شركاتنا الصغيرة والكبيرة أكثر صعوبة". أما وزير التجارة الصيني، تشونغ شان، فقد أعلن يوم 11/3/2018 أن بلاده لا ترغب في خوض حرب تجارية مع الولايات المتحدة، ولكن في حال اندلاعها فإن بكين تستطيع حماية مصالحها بوجه واشنطن.
وبمناسبة قرار ترمب المتعلق بفرض رسوم جمركية على الصين وأوروبا واليابان فإننا نوجه رسالة إلى السذج الغافلين والجهلة المغفلين والخونة المنافقين في البلاد الإسلامية ونقول لهم:
إن ما أقدم عليه دونالد ترمب من وضع رسوم جمركية على الصين وأوروبا واليابان بحجة حماية الأمن القومي الأميركي يؤكد أن مبدأ حرية التجارة الذي قام عليه النظام الرأسمالي لا قيمة له عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على وجود الدولة وبقائها في قيادة الموقف الدولي.
وهذه رسالة واضحة لكل أولئك (المسلمين) الذين يروجون للنظام الليبرالي وللعقيدة الرأسمالية من أتباع العلمانية الكافرة. إن على هؤلاء أن يدركوا أن دول الكفر لا تبالي بما تضعه من أفكار وقوانين وقيم عندما يتعلق الأمر بحماية أمنها القومي أو توسيع نهبها لثروات الشعوب أو تحكمها بمصائر الأمم الأخرى.
فهذا الرئيس الأميركي دونالد ترمب يفرض رسومًا جمركية على أقرب حلفائه في أوروبا، ضاربًا عرض الحائط بكل نظريات آدم سميث في حرية التجارة وبمعاهدة التعاون في حلف شمال الأطلسي. وهذه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تعلن بمناسبة لقائها مع ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) بأن مصالح بريطانيا وصفقاتها التجارية الضخمة أهم من ملف حقوق الإنسان في السعودية وأهم من الحرب والمرض والجوع في اليمن. وهذا الرئيس الروسي فلادمير بوتين يستعرض آخر ما وصلت إليه مصانع السلاح الروسية من صواريخ وغواصات تحمي روسيا (وحلفائها) بغض النظر عن اتفاقية خفض الأسلحة النووية مع أميركا.
إن محاولة إظهار ما أقدم عليه ترمب من قرار الرسوم الجمركية أو غيرها من القرارات مثل قرار القدس أو صفقة القرن أو لقائه المرتقب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون بأنه فعل فردي لا يعبر عن موقف دولة الولايات المتحدة الأميركية هو مجرد نظر سطحي وساذج في فهم كيان الدولة المستقلة سواء في تعريفها أو مفهومها أو عملها أو طبيعة الفئة الحاكمة فيها أو دائرة صنع القرار عندها. إن دونالد ترمب هو التعبير الحقيقي الواضح لسياسة أميركا في العالم من دون خداع سياسي أو تنويم دبلوماسي.
وإنه في الوقت الذي تتسابق فيه دول الكفر على نصرة مصالحها الإستراتيجية وإزهاق أرواح المسلمين وانتهاك أعراضهم ونهب أموالهم وهي معرضة عما رفعته من شعار "حفظ الأمن والسلام الدوليين" لا يزال بيننا عدد كبير من السذج والرجعيين والظلاميين والمضبوعين من أنصار العلمانية الكافرة أو "العلمانية المؤمنة" من الذين يتحدثون عن السلام الدولي والتطبيع مع إسرائيل والحوار بين الثقافات والأديان.
ألا تبت ألسنة وأيادي هؤلاء الشواذ في الفكر والإعلام والسياسة وتبا لأمثالهم من علماء السلطة وفقهاء الشرطة.

24/جمادى الآخرة/1439هـ
12/3/2018م