Abu Taqi
22-01-2018, 05:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الانتخابات المصرية والعملية التركية في عفرين
أولًا: الانتخابات المصرية وترشح سامي عنان
في ختام مؤتمر "حكاية وطن"، مساء الجمعة، 19 يناير/كانون الثاني، انفعل السيسي قائلًا: "اللي هيقرب من الفاسدين من الكرسي ده يحذر مني.. أنا لو أقدر أمنع الفاسد إنه يتولى أمركم كنت منعته.. وأنا عارف الفاسدين، عارفهم كويس".
لقد أُخرِج الشعب من معادلة الحكم وأخليت الساحة السياسية المصرية من المنافسين الذين لهم ظهير جماهيري كالإخوان المسلمين منذ أن مكّن الإخوان خصومهم من البقاء في السلطة في الفترة الانتقالية العسكرية وفترة حكمهم بدل أن يُطهِّروا أجهزة الدولة من وباء العملاء والفاسدين. ثم أخطأ الإخوان ثانية عندما خاضوا السياسة بمعايير النظام الدولي والإرادة الأميركية وقواعد اللعبة "الديموقراطية" التي فتحت الباب للوسط السياسي العلماني الخائن والإعلام المأجور وقادة الجيش العملاء لاعادة تشكيل النظام وصياغته وتحصينه. ومما زاد الطين بلة أن الجماهير هُمشت بعد إسقاط مبارك وحُددت وظيفة الإخوان بالتظاهر في الشارع دون المساس بمراكز الدولة، وهو ما أعطى الفرصة للمجرم عبد الفتاح السيسي وعصابته للفتك بهم وبقواعدهم الشعبية وكأن التضحية وتلقي الرصاص بصدور عارية غاية بذاته.
إن ما يجري اليوم في مصر هو ترسيخ لمفهوم حكم المؤسسة العسكرية التي أضفي عليها شرعية وقداسة لم يسبق لها مثيل حتى في زمن المقبور عبد الناصر. وهو ما يظهر واضحًا بحصر المرشحين للرئاسة في لون واحد، ودفع الناس لطي صفحة ما يسمى بالثورة و"الشرعية" الشعبية. أما بشأن ترشح شفيق وانسحابه وترشح سامي عنان و"التسريبات الأمنية" فلا يعدو عن كونه إلهاءً للشعب في التفاصيل؛ لصرف أنظارهم عن جوهر المشكلة، بالإضافة إلى فحص ولاء الجيش وامتصاص نقمة الشعب والمتذمرين من حكم السيسي من خلال دفع عنان للترشح والسماح له بتحدي السيسي واستقطاب المناوئين له في المؤسسة العسكرية وأجهزة الدولة؛ لقطع الطريق على القوى الطامعة في المنافسة والحكم.
وهذا واضح من لهجة سامي عنان الواثقة التي حذر فيها مؤسسات الدولة من الدعاية للسيسي، وأشار فيها إلى وجود أخطاء. وكما يبدو، هناك ضوء أميركي أخضر لعنان الذي كان قد أظهر ضعفًا وخنوعًا في ترشحه السابق، وهناك تحذير أميركي للسيسي بشأن عنان الذي سبق وأذله السيسي لترشحه في الانتخابات السابقة عندما حُررت له مخالفة من شرطي مرور بُعيد ترشحه للرئاسة. فمن المؤكد أن دخول عنان على خط الانتخابات الرئاسية هو جزء من عملية احتيال على الشعب، ورسالة إلى السيسي وفريقه الإجرامي لتحذيرهم من التردد في ارتكاب خيانات أعظم مما سبق، ولا سيما وأن ترشح عنان جاء قبيل زيارة مايك بنيس نائب الرئيس الأميركي إلى القاهرة لحثه لدعم الرؤية الأميركية وقرار ترمب بشأن القدس، ولهذا قال السيسي: "أنا لو أقدر أمنع الفاسد إنه يتولى أمركم كنت منعته" ما يعني أن ترشح عنان هذه المرة هو إرادة أميركية.
ويبدو أن السبب الفعلي لإقالة رئيس المخابرات العامة المصرية، خالد فوزي، وتكليف عباس كامل، مكانه ليس فقط هو سعي من السيسي إلى تسييد المخابرات الحربية على الشؤون الداخلية بالإضافة إلى الشؤون العسكرية، بل أيضًا، وكما جاء في بعض التقارير، أن خالد فوزي كان من الذين يرفضون مشروع "الوطن البديل" ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن. وإذا صح ذلك فإن السيسي يريد أن يظهر استعداده المطلق لخدمة أسياده الأميركان حتى يبقى في كرسيه بدل أن يأخذه منه عبد آخر من عبيد أميركا وعملائها، هو سامي عنان.
وعليه، فإن حصر الرئاسة بالقوى العسكرية وترشح عنان بشكل جدي واختيارهالدكتور حازم حسني وهشام جنينة المحسوب على حقبة حكم مرسي في حملته الانتخابية مساعدًا له يهدف إلى تشجيع الشعب على الانتخاب ونسخ المرحلة السابقة، وقد يفضي ذلك إلى تحصين السيسي من الناقمين واحتوائهم عبر سامي عنان؛ لتأهيل النظام لما هو مقبل للمنطقة وبخاصة فيما يتعلق بصفقة القرن، ولا يعني بالضرورة أن يكون عنان مرشح أميركا للمرحلة المقبلة؛ إذ من الممكن التمديد للمجرم عبد الفتاح السيسي الذي أظهر مقدارًا غير مسبوق من الإجرام والخيانة وتمكن من قهر إرادة الشعب، والتصدي للإسلام، وتقزيم مصر وتحييدها عن قضايا الأمة، لا سيما وأنه يتلقى الدعم الكامل من الخليج وإسرائيل واليمين المحافظ في الولايات المتحدة.
إن أكثر ما يخشى عليه في هذا الصراع على رئاسة مصر بين عميلي أميركا هو أن يكرر الإخوان خطأهم وينضم شق كبير من زعمائهم ومؤيديهم إلى دعم المرشح سامي عنان بدعوى أن "التغيير والمصالحة" قد يأتيان على يديه، وبخاصة بعد مغازلته للإخوان عبر تعيين هشام جنينة في مركز نائب له. وإن دعم الإخوان لترشح سامي عنان لن يجعل منهم سوى مجرد عصاة لأميركا تستعملها لتأديب عملائها وأداة تستغلها لتضليل الشعب ودفعه نحو المشاركة في انتخابات محسومة سلفًا.
ثانيًا: الهجوم التركي على عفرين يتبعها منبج
ارتفعت حدة التوتر بين أردوغان وأميركا منذ إعلان الأخيرة عزمها على إنشاء جيش كردي قوامه 30 ألف جندي معللة ذلك بمحاربة تنظيم الدولة، وكما هو معلوم فإن الولايات المتحدة تريد إقامة كيان كردي على طول الشريط الحدودي لتركيا، في إطار تمزيق دول المنطقة بما فيها تركيا وتركيز وجودها وقواعدها العسكرية من أجل درء مخاطر الشعوب على مصالحها وبخاصة ما يتعلق بالسيطرة على نفط سوريا في المنطقة الشرقية ومن أجل ضمان قرن أميركي خالص.
ومعلوم أيضًا أن إقامة كيان كردي سوف لن يهدد وحدة الأراضي التركية فحسب بل سوف ينعكس على تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية ويضعف نفوذ حزب أردوغان في الخارطة السياسية الداخلية، فكلا الحزبين التركيين يستمدان بعضًا من شعبيتيهما وبقائهما من منطلقات قومية طورانية معادية لقومية كردية تهدد الدولة والمجتمع التركي. ولهذا قال أردوغان: "من يتساءل ما شأن تركيا بسوريا والعراق؟.. أقول ليست لديهم أي مشاعر قومية أو وطنية؛ لأن دولة تركيا يجب أن تكون متواجدة هناك من أجل بقائها ومستقبلها واستقلالها".
لقد كانت تركيا شريكًا للولايات المتحدة في مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو ما لم يخفه أردوغان نفسه، وكان يأمل بخلع الرئيس السوري وإقامة نظام ذي مسحة إسلامية لما في ذلك من تعزيز لحكمه. لقد وثق بالوعود الأميركية بشأن التخلص من بشار لكنه اكتشف أن كرة اللهب تتجه نحوه، وأن تقسيمًا لسوريا سيطال تركيا نفسها، وأن القضاء على تنظيم الدولة يهدف إلى استبدال وحدات الكردية به، ولذلك دعمت الولايات المتحدة الوحدات الكردية في السيطرة على مناطق تنظيم الدولة وهو ما أكد لأردوغان نوايا أميركا في استهداف الدولة التركية.
لقد زاد انعدام الثقة في توسيع الهوة بين أميركا وأردوغان، ودفع الأخير لمهاجمة الوحدات الكردية المتمركزة في عفرين لإجهاض مخطط أميركا في استنبات كيان كردي من الجيش المزمع تأسيسه على غرار قيام دولة إسرائيل. ومن الواضح أيضًا أن روسيا لا تلعب فقط على تناقض المصالح بين تركيا وأميركا، وهو ما جعلها تسحب قواتها المتواجدة في منطقة العمليات التركية تسهيلًا للمهمة التي من شأنها توسيع الخلاف التركي الأميركي. ولكن روسيا أيضًا تدرك مدى الخطورة الاستراتيجية عليها في حال إقامة كيان كردي في جنوب تركيا ومن ثم تحوله إلى منصة انطلاق لفتح حرب داخلية في تركيا.
فهذا الكيان الكردي الذي تسعى أميركا لإيجاده في سوريا لن يقف خطره عند تركيا بل سوف يتجه نحو إيران ضمن مشروع كردستان الكبرى. وهذا الأمر يعني من الناحية الاستراتيجية أن أميركا خلال سنوات سوف تحكم الخناق على روسيا من جهتي البحر الأسود وبحر قزوين بعد أن فتحت لروسيا جبهة جديدة في أفغانستان عن طريق تنظيم داعش المتمركز حاليًّا في خراسان. إن هذا الفهم الاستراتيجي هو الذي يفسر تصريحات المسؤولين الروس لصالح تركيا ويفسر تفهم روسيا لعملية "غصن الزيتون" ودعمها الخفي لها مع إيران ضمن تفاهمات معينة. ولذلك جاء تصريح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين متناغمًا مع هذا الفهم عندما قال: من أنه "تم التنسيق في عملية عفرين مع روسيا وإيران".
أما الولايات المتحدة فرغم أنها تأمل أن يتورط أردوغان في حرب استنزاف تنقل العمليات إلى الداخل التركي وتنعكس سلبًا على الأمن والاقتصاد التركي وتقوض أركان النظام من الداخل، ورغم أنها صرَّحت بأن "عفرين لا تدخل ضمن نطاق عملياتنا"، ولكن الحقيقة أن أميركا تتخوف بشدة من توسع الحملة العسكرية التركية نحو مدينة منبج ومنطقة شرق الفرات بعد الانتهاء من تحرير عفرين من وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني الذي لا يختلف عن تنظيم داعش في خدمته للمخططات الأميركية.
ومما يؤكد هذا الخوف الأميركي هو إيعاز أميركا لفرنسا بالتحرك على المستوى الأممي ضد عملية عفرين. فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يوم 21/1/2018 أن مجلس الأمن الدولي سيجتمع يوم الاثنين بطلب من بلاده لبحث التطورات في سوريا، بما فيها العملية العسكرية التركية في عفرين؛ لتقييم المخاطر الإنسانية العالية، داعيًّا إلى وقف المعارك والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الجميع. وقد رد وزير الخارجية التركي على ذلك خلال مؤتمر صحفي في بغداد أن قيام فرنسا أو أي دولة أخرى بنقل عملية "غصن الزيتون" ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين إلى الأمم المتحدة يعد بمثابة اصطفاف إلى جانب الإرهابيين وليس إلى جانب دولة حليفة.
4/جمادى الأولى/1439هـ
21/1/2018م
متابعة سياسية
الانتخابات المصرية والعملية التركية في عفرين
أولًا: الانتخابات المصرية وترشح سامي عنان
في ختام مؤتمر "حكاية وطن"، مساء الجمعة، 19 يناير/كانون الثاني، انفعل السيسي قائلًا: "اللي هيقرب من الفاسدين من الكرسي ده يحذر مني.. أنا لو أقدر أمنع الفاسد إنه يتولى أمركم كنت منعته.. وأنا عارف الفاسدين، عارفهم كويس".
لقد أُخرِج الشعب من معادلة الحكم وأخليت الساحة السياسية المصرية من المنافسين الذين لهم ظهير جماهيري كالإخوان المسلمين منذ أن مكّن الإخوان خصومهم من البقاء في السلطة في الفترة الانتقالية العسكرية وفترة حكمهم بدل أن يُطهِّروا أجهزة الدولة من وباء العملاء والفاسدين. ثم أخطأ الإخوان ثانية عندما خاضوا السياسة بمعايير النظام الدولي والإرادة الأميركية وقواعد اللعبة "الديموقراطية" التي فتحت الباب للوسط السياسي العلماني الخائن والإعلام المأجور وقادة الجيش العملاء لاعادة تشكيل النظام وصياغته وتحصينه. ومما زاد الطين بلة أن الجماهير هُمشت بعد إسقاط مبارك وحُددت وظيفة الإخوان بالتظاهر في الشارع دون المساس بمراكز الدولة، وهو ما أعطى الفرصة للمجرم عبد الفتاح السيسي وعصابته للفتك بهم وبقواعدهم الشعبية وكأن التضحية وتلقي الرصاص بصدور عارية غاية بذاته.
إن ما يجري اليوم في مصر هو ترسيخ لمفهوم حكم المؤسسة العسكرية التي أضفي عليها شرعية وقداسة لم يسبق لها مثيل حتى في زمن المقبور عبد الناصر. وهو ما يظهر واضحًا بحصر المرشحين للرئاسة في لون واحد، ودفع الناس لطي صفحة ما يسمى بالثورة و"الشرعية" الشعبية. أما بشأن ترشح شفيق وانسحابه وترشح سامي عنان و"التسريبات الأمنية" فلا يعدو عن كونه إلهاءً للشعب في التفاصيل؛ لصرف أنظارهم عن جوهر المشكلة، بالإضافة إلى فحص ولاء الجيش وامتصاص نقمة الشعب والمتذمرين من حكم السيسي من خلال دفع عنان للترشح والسماح له بتحدي السيسي واستقطاب المناوئين له في المؤسسة العسكرية وأجهزة الدولة؛ لقطع الطريق على القوى الطامعة في المنافسة والحكم.
وهذا واضح من لهجة سامي عنان الواثقة التي حذر فيها مؤسسات الدولة من الدعاية للسيسي، وأشار فيها إلى وجود أخطاء. وكما يبدو، هناك ضوء أميركي أخضر لعنان الذي كان قد أظهر ضعفًا وخنوعًا في ترشحه السابق، وهناك تحذير أميركي للسيسي بشأن عنان الذي سبق وأذله السيسي لترشحه في الانتخابات السابقة عندما حُررت له مخالفة من شرطي مرور بُعيد ترشحه للرئاسة. فمن المؤكد أن دخول عنان على خط الانتخابات الرئاسية هو جزء من عملية احتيال على الشعب، ورسالة إلى السيسي وفريقه الإجرامي لتحذيرهم من التردد في ارتكاب خيانات أعظم مما سبق، ولا سيما وأن ترشح عنان جاء قبيل زيارة مايك بنيس نائب الرئيس الأميركي إلى القاهرة لحثه لدعم الرؤية الأميركية وقرار ترمب بشأن القدس، ولهذا قال السيسي: "أنا لو أقدر أمنع الفاسد إنه يتولى أمركم كنت منعته" ما يعني أن ترشح عنان هذه المرة هو إرادة أميركية.
ويبدو أن السبب الفعلي لإقالة رئيس المخابرات العامة المصرية، خالد فوزي، وتكليف عباس كامل، مكانه ليس فقط هو سعي من السيسي إلى تسييد المخابرات الحربية على الشؤون الداخلية بالإضافة إلى الشؤون العسكرية، بل أيضًا، وكما جاء في بعض التقارير، أن خالد فوزي كان من الذين يرفضون مشروع "الوطن البديل" ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن. وإذا صح ذلك فإن السيسي يريد أن يظهر استعداده المطلق لخدمة أسياده الأميركان حتى يبقى في كرسيه بدل أن يأخذه منه عبد آخر من عبيد أميركا وعملائها، هو سامي عنان.
وعليه، فإن حصر الرئاسة بالقوى العسكرية وترشح عنان بشكل جدي واختيارهالدكتور حازم حسني وهشام جنينة المحسوب على حقبة حكم مرسي في حملته الانتخابية مساعدًا له يهدف إلى تشجيع الشعب على الانتخاب ونسخ المرحلة السابقة، وقد يفضي ذلك إلى تحصين السيسي من الناقمين واحتوائهم عبر سامي عنان؛ لتأهيل النظام لما هو مقبل للمنطقة وبخاصة فيما يتعلق بصفقة القرن، ولا يعني بالضرورة أن يكون عنان مرشح أميركا للمرحلة المقبلة؛ إذ من الممكن التمديد للمجرم عبد الفتاح السيسي الذي أظهر مقدارًا غير مسبوق من الإجرام والخيانة وتمكن من قهر إرادة الشعب، والتصدي للإسلام، وتقزيم مصر وتحييدها عن قضايا الأمة، لا سيما وأنه يتلقى الدعم الكامل من الخليج وإسرائيل واليمين المحافظ في الولايات المتحدة.
إن أكثر ما يخشى عليه في هذا الصراع على رئاسة مصر بين عميلي أميركا هو أن يكرر الإخوان خطأهم وينضم شق كبير من زعمائهم ومؤيديهم إلى دعم المرشح سامي عنان بدعوى أن "التغيير والمصالحة" قد يأتيان على يديه، وبخاصة بعد مغازلته للإخوان عبر تعيين هشام جنينة في مركز نائب له. وإن دعم الإخوان لترشح سامي عنان لن يجعل منهم سوى مجرد عصاة لأميركا تستعملها لتأديب عملائها وأداة تستغلها لتضليل الشعب ودفعه نحو المشاركة في انتخابات محسومة سلفًا.
ثانيًا: الهجوم التركي على عفرين يتبعها منبج
ارتفعت حدة التوتر بين أردوغان وأميركا منذ إعلان الأخيرة عزمها على إنشاء جيش كردي قوامه 30 ألف جندي معللة ذلك بمحاربة تنظيم الدولة، وكما هو معلوم فإن الولايات المتحدة تريد إقامة كيان كردي على طول الشريط الحدودي لتركيا، في إطار تمزيق دول المنطقة بما فيها تركيا وتركيز وجودها وقواعدها العسكرية من أجل درء مخاطر الشعوب على مصالحها وبخاصة ما يتعلق بالسيطرة على نفط سوريا في المنطقة الشرقية ومن أجل ضمان قرن أميركي خالص.
ومعلوم أيضًا أن إقامة كيان كردي سوف لن يهدد وحدة الأراضي التركية فحسب بل سوف ينعكس على تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية ويضعف نفوذ حزب أردوغان في الخارطة السياسية الداخلية، فكلا الحزبين التركيين يستمدان بعضًا من شعبيتيهما وبقائهما من منطلقات قومية طورانية معادية لقومية كردية تهدد الدولة والمجتمع التركي. ولهذا قال أردوغان: "من يتساءل ما شأن تركيا بسوريا والعراق؟.. أقول ليست لديهم أي مشاعر قومية أو وطنية؛ لأن دولة تركيا يجب أن تكون متواجدة هناك من أجل بقائها ومستقبلها واستقلالها".
لقد كانت تركيا شريكًا للولايات المتحدة في مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو ما لم يخفه أردوغان نفسه، وكان يأمل بخلع الرئيس السوري وإقامة نظام ذي مسحة إسلامية لما في ذلك من تعزيز لحكمه. لقد وثق بالوعود الأميركية بشأن التخلص من بشار لكنه اكتشف أن كرة اللهب تتجه نحوه، وأن تقسيمًا لسوريا سيطال تركيا نفسها، وأن القضاء على تنظيم الدولة يهدف إلى استبدال وحدات الكردية به، ولذلك دعمت الولايات المتحدة الوحدات الكردية في السيطرة على مناطق تنظيم الدولة وهو ما أكد لأردوغان نوايا أميركا في استهداف الدولة التركية.
لقد زاد انعدام الثقة في توسيع الهوة بين أميركا وأردوغان، ودفع الأخير لمهاجمة الوحدات الكردية المتمركزة في عفرين لإجهاض مخطط أميركا في استنبات كيان كردي من الجيش المزمع تأسيسه على غرار قيام دولة إسرائيل. ومن الواضح أيضًا أن روسيا لا تلعب فقط على تناقض المصالح بين تركيا وأميركا، وهو ما جعلها تسحب قواتها المتواجدة في منطقة العمليات التركية تسهيلًا للمهمة التي من شأنها توسيع الخلاف التركي الأميركي. ولكن روسيا أيضًا تدرك مدى الخطورة الاستراتيجية عليها في حال إقامة كيان كردي في جنوب تركيا ومن ثم تحوله إلى منصة انطلاق لفتح حرب داخلية في تركيا.
فهذا الكيان الكردي الذي تسعى أميركا لإيجاده في سوريا لن يقف خطره عند تركيا بل سوف يتجه نحو إيران ضمن مشروع كردستان الكبرى. وهذا الأمر يعني من الناحية الاستراتيجية أن أميركا خلال سنوات سوف تحكم الخناق على روسيا من جهتي البحر الأسود وبحر قزوين بعد أن فتحت لروسيا جبهة جديدة في أفغانستان عن طريق تنظيم داعش المتمركز حاليًّا في خراسان. إن هذا الفهم الاستراتيجي هو الذي يفسر تصريحات المسؤولين الروس لصالح تركيا ويفسر تفهم روسيا لعملية "غصن الزيتون" ودعمها الخفي لها مع إيران ضمن تفاهمات معينة. ولذلك جاء تصريح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين متناغمًا مع هذا الفهم عندما قال: من أنه "تم التنسيق في عملية عفرين مع روسيا وإيران".
أما الولايات المتحدة فرغم أنها تأمل أن يتورط أردوغان في حرب استنزاف تنقل العمليات إلى الداخل التركي وتنعكس سلبًا على الأمن والاقتصاد التركي وتقوض أركان النظام من الداخل، ورغم أنها صرَّحت بأن "عفرين لا تدخل ضمن نطاق عملياتنا"، ولكن الحقيقة أن أميركا تتخوف بشدة من توسع الحملة العسكرية التركية نحو مدينة منبج ومنطقة شرق الفرات بعد الانتهاء من تحرير عفرين من وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني الذي لا يختلف عن تنظيم داعش في خدمته للمخططات الأميركية.
ومما يؤكد هذا الخوف الأميركي هو إيعاز أميركا لفرنسا بالتحرك على المستوى الأممي ضد عملية عفرين. فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يوم 21/1/2018 أن مجلس الأمن الدولي سيجتمع يوم الاثنين بطلب من بلاده لبحث التطورات في سوريا، بما فيها العملية العسكرية التركية في عفرين؛ لتقييم المخاطر الإنسانية العالية، داعيًّا إلى وقف المعارك والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الجميع. وقد رد وزير الخارجية التركي على ذلك خلال مؤتمر صحفي في بغداد أن قيام فرنسا أو أي دولة أخرى بنقل عملية "غصن الزيتون" ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين إلى الأمم المتحدة يعد بمثابة اصطفاف إلى جانب الإرهابيين وليس إلى جانب دولة حليفة.
4/جمادى الأولى/1439هـ
21/1/2018م