Abu Taqi
18-01-2018, 12:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
سياسة رفع الأسعار
هي سياسة ممنهجة للتستر على الفاسدين وإبقاء الناس يلهثون وراء رغيف الخبز
إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن، ليست ناتجة عن قلة الموارد والإمكانيات، ولا ناتجة عن قلة الضرائب التي تفرض على السلع والخدمات بل وعلى الرؤوس أيضًا، ولا هي ناتجة عن عدد السكان، ولا عن موجات اللجوء، فكل هذه العوامل عوامل إيجابية في التنمية ورفع الانتاج، وتجديد الكفاءات، والتوسع في المشاريع، والبحث عن الأسواق، ورفع المستوى الاقتصادي للفرد، ومعالجة المشكلة الاقتصادية معالجة تقضي على الفقر، لا على الفقراء. ولكن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الأردن، هي أزمة حكم، وينتج عن أزمة الحكم هذه أزمات أخرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية وما يعانيه الناس في الأردن من تضييق وإرهاق، إلى الدرجة التي جعلت كثيرًا من التجار والأغنياء يفقدون أموالهم التي بها يتاجرون، ويفقدون أموالهم التي يدخرون، وجعلت الفقراء لا يملكون قوت يومهم، أو الحد الأدنى من متطلبات عيشهم. وجعل الثروة تتركز في أيدي فئة قليلة من الجشعين المحتكرين، أو أصحاب الامتيازات المرتبطين بالشركات الأجنبية العابرة للقارات، والتي للدول الغربية وبخاصة أميركا النصيب الأعظم من أسهمها ورأسمالها.
أما أن الأزمة الحقيقية هي أزمة حكم، فإن الغرب الكافر بعد أن هدم دولة الخلافة الإسلامية، كرّس التجزئة بين بلاد المسلمين، ووضع على كل جزء منها حاكمًا وجعل لها حدودًا؛ لمنع وحدة بلاد المسلمين. ولم يقف كيده عند ذلك، بل سعى بشكل دائم إلى افتعال الاضطرابات والحروب بين هذه الأجزاء؛ لزيادة إضعافها، واستحالة وحدتها. ثم إنه عمد بعد ذلك إلى جعل الاتكال عليه في الغذاء والدواء والكساء، فقضى على المحاصيل الاستراتيجية، وجعل البلاد التي تصدرها تضطر لاستيرادها، وخلق لها من المشكلات الداخلية، ما يجعلها تدخل في نفق الأزمات الاقتصادية، حتى ينشغل كل بلد بمشاكله الداخلية، ويحال بينه وبين التفكير بالانعتاق أو الوحدة، كما كان الحال قبل هدم الخلافة. ثم إنه استعان بهؤلاء الأجراء الذين يسمون حكامًا، ليكرسوا عقيدة فصل الدين عن الحياة، بتطبيق النظام الرأسمالي، فأوردوا البلاد موارد الهلاك، وبارتباطهم بالدول الطامعة في بلادنا، كانوا حراسًا أمينين على مصالحهم، وأهمها الحيلولة دون عودة دولة الخلافة، والانعتاق من ربقة التبعية لهذه الدول الطامعة. فقاموا بجرِّ البلاد إلى الفقر والتخلف، ثم لجأوا إلى المؤسسات التي أوجدتها هذه الدول الطامعة لإنقاذ البلاد من تدهور الحال الاقتصادي والعجز في الميزانية وتراكم المديونية، فيعم الخراب في البلاد، وحتى هذه اللحظة ندفع ثمن هذه الأخطاء والكوارث التي جرَّها هؤلاء السياسيون على العباد والبلاد.
وهذا ما يحصل وسيبقى يحصل في الأردن، فالنظام يمارس أقذر لعبة منذ عقود، فهو يمارس سلطة مطلقة في إدارة شؤون البلاد، وديوانه ومخابراته تمول بأموال الشعب من دون ميزانية ولا رقيب أو حسيب. وعلاوة على ذلك فهو يأتي بالحكومة تلو الحكومة واعدًا الشعب بانفراجة، فإذا حكوماته تزيد الشعب تكبيلًا، والبلاد مصائب وكوارث، ثم يذهب بها حاملة معها تبعات قراراتها، ويبقى رأس النظام مصونًا من أي تبعة، فلا تعدو حكوماته مماسح زفر، محملة بالتبعات، وينشغل العامة بوضع اللائمة على هذه الحكومات وعلى رؤسائها، بينما يبرئون النظام من أية مسؤولية!
إن مشكلة الأردن الاقتصادية _كما أسلفنا_ ليست كما يدعي النظام في الظروف المحيطة، ولا في موجات اللجوء، ولا قلة المساعدات، وإنما هي متعلقة بصلب النظام نفسه، فالنظام الذي يتبنى النظام الرأسمالي نظامًا للحياة، ويحمي اللصوص والفاسدين، ويحاكم المحاسبين والمنتقدين ويزج بهم في السجون والمعتقلات، ويسكت عنه الشعب، بل ويتملقه المنافقون والمطبلون، لمن الطبيعي أن يدخل البلاد في أزمة تلو أخرى، وأن يكتوي الناس بنار هذه الأزمات التي لا تنتهي، رغم أنهم يدفعون كل الضرائب، من جمارك ودخل ومبيعات ورسم طوابع ومحاكم .. الخ، ويدفعون أيضًا الضرائب الإضافية التي لا بند قانونيًّا لها، حتى أنهم يشترون السلع والخدمات بأعلى الأثمان حتى على مثيلاتها في دول الجوار، فماذا بقي على الناس أن يفعلوه، حتى يرضى عنهم الحكام وأسيادهم ومؤسساتهم، حتى يتركوا لهم رغيفًا لفقيرهم، أو حبة دواء لمريضهم؟!
إنه تحت ذريعة الظروف المحيطة، وموجات اللجوء، وقلة المساعدات، يسكتون عن هدر ثروات الأمة وسرقتها من قبل متنفذين في مؤسسات الدولة، وتحت نفس الذريعة يجري تحميل أهل البلد وزر العجز في الميزانية، فوق الأحمال العظيمة التي يحملونها، وتحت نفس الذريعة يجري تجفيف البنك المركزي من أرصدته من الذهب والعملات الصعبة، وتحت نفس الذريعة أيضًا يجري الاستعانة بصندوق النقد والبنك الدوليين، الذي يضع أشق وأشد الوصفات لتطبق بقوة الجندي وصرامة القانون على عامة الناس، الذين يدفعون ثمن الفساد والمفسدين.
ولا عجب أن تقوم الحكومة الأردنية برفع الضرائب على السلع والخدمات لترتفع الأسعار بشكل جنوني، وفوق طاقة الناس، في دولة أقل ما تتصف به سوء الرعاية وانعدام المسؤولية، فالناس يعانون من الجوع من جراء الغلاء الفاحش في أجور مساكنهم وفي أقواتهم وضروريات حياتهم، والسواد الأعظم من الأجراء تجب لهم الزكاة، ثم تأتي الدولة لتنفذ توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين كحل لعجز الميزانية، فضلًا عن المديونية التي بلغت أرقامًا خيالية، لبلد صغير كالأردن. نقول لا عجب؛ لأن مهمة الدولة إرهاب الناس ومحاربتهم في أقواتهم لإبقائهم في فقر دائم حتى يصبح الواحد ويمسي والرغيف أكبر همه يحجب تفكيره عما سواه، فليست القضية قضية تقصير وتهاون وإنما هي سياسة متعمدة يخطَّط لها.
إن الرؤية الاقتصادية الفاشلة التي انطلق منها النظام لمعالجة التردي الاقتصادي ارتكزت على معالجة "الموازنة العامة للدولة" استجابة لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، ولم توجه العناية للتنمية، وبدل أن يحافظ على ملكيات الأمة والدولة التي ترفد الخزينة وتحرر النظام من التبعية، قام النظام بارتكاب مجزرة بمقدرات البلد وموارده الاقتصادية عن سبق اصرار وترصد بعناوين مختلفة ومن أبرزها الخصخصة، حيث بيعت حصص الحكومة في شركة الإسمنت وشركة مناجم الفوسفات وشركة البوتاس بمبلغ "284" مليون دينار، فيما تجاوز عائد تلك الشركات بعد بيعها "667" مليون دينار خلال سنة واحدة فقط. كما بيعت شركة الكهرباء لشركة "دبي كابيتال" بمبلغ "52" مليون دينار فيما تقدر ممتلكات هذه الشركة بمليار دينار. ولم تقف المذبحة على هذه الشركات الأربع الكبرى، بل وتم خصخصة ("شركة الاتصالات الأردنية" و "سلطة المياه" و"فندق الأردن" و"حمامات ماعين" وحصص الحكومة من الأسهم في كل من "بنك الإسكان"، و"بنك القاهرة عمان", و"بنك الصادرات والتمويل", و"بنك الإنماء الصناعي", و"مصنع رب البندورة" في الأغوار، و"الألبان الأردنية", و"البتراء للنقل", و"الأجواخ الأردنية", و"الدباغة الأردنية", و"الخزف الأردنية", و"العربية الدولية للفنادق", و"الأردنية لتجهيز الدواجن", و"مصانع الورق والكرتون", و"المؤسسة الصحفية الأردنية" بالإضافة إلى ميناء العقبة وشواطئ المدينة) وقد تم ذلك جهارًا في أبشع عملية نهب وتفريط وتآمر، وفي إطار أجندة تهدف إلى رهن مستقبل الأردن وتبرير التحالفات الخيانية مع أعدائه.
إن رعاية شؤون كل فرد من أفراد الرعية واجب من واجبات الدولة، وكفايته حق من حقوقه عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته".
وكفاية الفرد إنما تكون بإشباع حاجاته الأساسية، والحاجات الأساسية للإنسان هي المأكل والملبس والمسكن، وعدَّ عدم إشباع تلك الحاجات لكل فرد بعينه نزولاً به عن مستوى الإنسانية، وقد بيّن الإسلام تلك الحاجات الأساسية، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال: {وارزقوهم فيها واكسوهم} وقال: {أسكنوهن من حيث سكنتم}.
وقد عالج الإسلام مشكلة الفقر بأن أوجب إشباع الحاجات الأساسية هذه إشباعاً حقيقياً لكل فرد بعينه، والإشباع يجب أن يكون إشباعاً حقيقياً وكلياً لكل فرد بعينه بالمعروف، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال: {ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة: {خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} ومعنى بالمعروف هنا ما عرف من نفقة مثله من مأكل وملبس ومسكن لدى الناس، أي ليس مجرد الكفاية وإنما الكفاية بالمعروف.
وكما أوجب الإسلام على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه، أوجب كذلك إشباع الحاجات الأساسية للرعية، وهي الأمن والتطبيب والتعليم، فتحفظ الدولة أمن الجميع وتؤمن التطبيب والتعليم للجميع، لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف، وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها.
وبإشباع الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن لكل فرد بعينه إشباعاً كاملاً وحقيقياً بالمعروف، لا فرق بين محمد وجورج ولا بين فاطمة وجورجيت، وتمكين كل فرد من إشباع حاجاته الكمالية بتسهيل التسابق للحصول عليها، وبإشباع الحاجات الأساسية للأمّة من أمن وتطبيب وتعليم، فقط، يقضي على الفقر قضاء حقيقياً ويسار بالمجتمع نحو الرفاهية الحقة.
هذه هي الرعاية الصحيحة، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسّدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: ٍ"والله لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولاً عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة". فأين منها سياسة الدولة الاقتصادية، وأين منها دجل الدولة وتضليلها؟ فالدولة تفرض على الناس لا العمل للإنفاق على أنفسهم ومن يعولون، بل أوجبت عليهم النفقة على فساد المفسدين من الذين جعل لهم القانون ولاية عامة على أموال الناس فخانوها، وسرقوها، وأكلوها، ورموا بحملها على الفقراء الضعفاء الذي لا يكادون يجدون ما ينفقون على أنفسهم ومن يعولون. وقد سار في ركاب النظام من انتخبتموهم ليمثلوكم في مجلس النواب، فإذا بهم يسهلون للنظام ما يقوم به من جور وعسف وظلم. وطريقة تهريب النصاب في جلسة مناقشة رفع الأسعار التي قام بها النواب تجعلهم شركاء في جريمة إفقار الناس، وإفلاس التجار؛ ليحافظوا على رواتبهم وتقاعدهم وامتيازاتهم على حساب الفقراء والمعوزين، والذين لا يملكون ما يمكنهم من العيش بكفاف. ولذلك هم شركاء في هذه الجريمة، فعلينا محاسبتهم على هذه المواقف المخزية والمتخاذلة. وعلى كل مسلم غيور على دينه، ومستقبل أولاده، أن يعمل على تغيير هذا الواقع الذي يرزح تحته، وإيجاد نظام الإسلام الذي يقيم العدل بين الناس، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فلمثل هذا فليعمل العاملون.
29/ربيع الآخر/1439هـ حزب التحرير
16/1/2018م ولاية الأردن
سياسة رفع الأسعار
هي سياسة ممنهجة للتستر على الفاسدين وإبقاء الناس يلهثون وراء رغيف الخبز
إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن، ليست ناتجة عن قلة الموارد والإمكانيات، ولا ناتجة عن قلة الضرائب التي تفرض على السلع والخدمات بل وعلى الرؤوس أيضًا، ولا هي ناتجة عن عدد السكان، ولا عن موجات اللجوء، فكل هذه العوامل عوامل إيجابية في التنمية ورفع الانتاج، وتجديد الكفاءات، والتوسع في المشاريع، والبحث عن الأسواق، ورفع المستوى الاقتصادي للفرد، ومعالجة المشكلة الاقتصادية معالجة تقضي على الفقر، لا على الفقراء. ولكن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الأردن، هي أزمة حكم، وينتج عن أزمة الحكم هذه أزمات أخرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية وما يعانيه الناس في الأردن من تضييق وإرهاق، إلى الدرجة التي جعلت كثيرًا من التجار والأغنياء يفقدون أموالهم التي بها يتاجرون، ويفقدون أموالهم التي يدخرون، وجعلت الفقراء لا يملكون قوت يومهم، أو الحد الأدنى من متطلبات عيشهم. وجعل الثروة تتركز في أيدي فئة قليلة من الجشعين المحتكرين، أو أصحاب الامتيازات المرتبطين بالشركات الأجنبية العابرة للقارات، والتي للدول الغربية وبخاصة أميركا النصيب الأعظم من أسهمها ورأسمالها.
أما أن الأزمة الحقيقية هي أزمة حكم، فإن الغرب الكافر بعد أن هدم دولة الخلافة الإسلامية، كرّس التجزئة بين بلاد المسلمين، ووضع على كل جزء منها حاكمًا وجعل لها حدودًا؛ لمنع وحدة بلاد المسلمين. ولم يقف كيده عند ذلك، بل سعى بشكل دائم إلى افتعال الاضطرابات والحروب بين هذه الأجزاء؛ لزيادة إضعافها، واستحالة وحدتها. ثم إنه عمد بعد ذلك إلى جعل الاتكال عليه في الغذاء والدواء والكساء، فقضى على المحاصيل الاستراتيجية، وجعل البلاد التي تصدرها تضطر لاستيرادها، وخلق لها من المشكلات الداخلية، ما يجعلها تدخل في نفق الأزمات الاقتصادية، حتى ينشغل كل بلد بمشاكله الداخلية، ويحال بينه وبين التفكير بالانعتاق أو الوحدة، كما كان الحال قبل هدم الخلافة. ثم إنه استعان بهؤلاء الأجراء الذين يسمون حكامًا، ليكرسوا عقيدة فصل الدين عن الحياة، بتطبيق النظام الرأسمالي، فأوردوا البلاد موارد الهلاك، وبارتباطهم بالدول الطامعة في بلادنا، كانوا حراسًا أمينين على مصالحهم، وأهمها الحيلولة دون عودة دولة الخلافة، والانعتاق من ربقة التبعية لهذه الدول الطامعة. فقاموا بجرِّ البلاد إلى الفقر والتخلف، ثم لجأوا إلى المؤسسات التي أوجدتها هذه الدول الطامعة لإنقاذ البلاد من تدهور الحال الاقتصادي والعجز في الميزانية وتراكم المديونية، فيعم الخراب في البلاد، وحتى هذه اللحظة ندفع ثمن هذه الأخطاء والكوارث التي جرَّها هؤلاء السياسيون على العباد والبلاد.
وهذا ما يحصل وسيبقى يحصل في الأردن، فالنظام يمارس أقذر لعبة منذ عقود، فهو يمارس سلطة مطلقة في إدارة شؤون البلاد، وديوانه ومخابراته تمول بأموال الشعب من دون ميزانية ولا رقيب أو حسيب. وعلاوة على ذلك فهو يأتي بالحكومة تلو الحكومة واعدًا الشعب بانفراجة، فإذا حكوماته تزيد الشعب تكبيلًا، والبلاد مصائب وكوارث، ثم يذهب بها حاملة معها تبعات قراراتها، ويبقى رأس النظام مصونًا من أي تبعة، فلا تعدو حكوماته مماسح زفر، محملة بالتبعات، وينشغل العامة بوضع اللائمة على هذه الحكومات وعلى رؤسائها، بينما يبرئون النظام من أية مسؤولية!
إن مشكلة الأردن الاقتصادية _كما أسلفنا_ ليست كما يدعي النظام في الظروف المحيطة، ولا في موجات اللجوء، ولا قلة المساعدات، وإنما هي متعلقة بصلب النظام نفسه، فالنظام الذي يتبنى النظام الرأسمالي نظامًا للحياة، ويحمي اللصوص والفاسدين، ويحاكم المحاسبين والمنتقدين ويزج بهم في السجون والمعتقلات، ويسكت عنه الشعب، بل ويتملقه المنافقون والمطبلون، لمن الطبيعي أن يدخل البلاد في أزمة تلو أخرى، وأن يكتوي الناس بنار هذه الأزمات التي لا تنتهي، رغم أنهم يدفعون كل الضرائب، من جمارك ودخل ومبيعات ورسم طوابع ومحاكم .. الخ، ويدفعون أيضًا الضرائب الإضافية التي لا بند قانونيًّا لها، حتى أنهم يشترون السلع والخدمات بأعلى الأثمان حتى على مثيلاتها في دول الجوار، فماذا بقي على الناس أن يفعلوه، حتى يرضى عنهم الحكام وأسيادهم ومؤسساتهم، حتى يتركوا لهم رغيفًا لفقيرهم، أو حبة دواء لمريضهم؟!
إنه تحت ذريعة الظروف المحيطة، وموجات اللجوء، وقلة المساعدات، يسكتون عن هدر ثروات الأمة وسرقتها من قبل متنفذين في مؤسسات الدولة، وتحت نفس الذريعة يجري تحميل أهل البلد وزر العجز في الميزانية، فوق الأحمال العظيمة التي يحملونها، وتحت نفس الذريعة يجري تجفيف البنك المركزي من أرصدته من الذهب والعملات الصعبة، وتحت نفس الذريعة أيضًا يجري الاستعانة بصندوق النقد والبنك الدوليين، الذي يضع أشق وأشد الوصفات لتطبق بقوة الجندي وصرامة القانون على عامة الناس، الذين يدفعون ثمن الفساد والمفسدين.
ولا عجب أن تقوم الحكومة الأردنية برفع الضرائب على السلع والخدمات لترتفع الأسعار بشكل جنوني، وفوق طاقة الناس، في دولة أقل ما تتصف به سوء الرعاية وانعدام المسؤولية، فالناس يعانون من الجوع من جراء الغلاء الفاحش في أجور مساكنهم وفي أقواتهم وضروريات حياتهم، والسواد الأعظم من الأجراء تجب لهم الزكاة، ثم تأتي الدولة لتنفذ توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين كحل لعجز الميزانية، فضلًا عن المديونية التي بلغت أرقامًا خيالية، لبلد صغير كالأردن. نقول لا عجب؛ لأن مهمة الدولة إرهاب الناس ومحاربتهم في أقواتهم لإبقائهم في فقر دائم حتى يصبح الواحد ويمسي والرغيف أكبر همه يحجب تفكيره عما سواه، فليست القضية قضية تقصير وتهاون وإنما هي سياسة متعمدة يخطَّط لها.
إن الرؤية الاقتصادية الفاشلة التي انطلق منها النظام لمعالجة التردي الاقتصادي ارتكزت على معالجة "الموازنة العامة للدولة" استجابة لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، ولم توجه العناية للتنمية، وبدل أن يحافظ على ملكيات الأمة والدولة التي ترفد الخزينة وتحرر النظام من التبعية، قام النظام بارتكاب مجزرة بمقدرات البلد وموارده الاقتصادية عن سبق اصرار وترصد بعناوين مختلفة ومن أبرزها الخصخصة، حيث بيعت حصص الحكومة في شركة الإسمنت وشركة مناجم الفوسفات وشركة البوتاس بمبلغ "284" مليون دينار، فيما تجاوز عائد تلك الشركات بعد بيعها "667" مليون دينار خلال سنة واحدة فقط. كما بيعت شركة الكهرباء لشركة "دبي كابيتال" بمبلغ "52" مليون دينار فيما تقدر ممتلكات هذه الشركة بمليار دينار. ولم تقف المذبحة على هذه الشركات الأربع الكبرى، بل وتم خصخصة ("شركة الاتصالات الأردنية" و "سلطة المياه" و"فندق الأردن" و"حمامات ماعين" وحصص الحكومة من الأسهم في كل من "بنك الإسكان"، و"بنك القاهرة عمان", و"بنك الصادرات والتمويل", و"بنك الإنماء الصناعي", و"مصنع رب البندورة" في الأغوار، و"الألبان الأردنية", و"البتراء للنقل", و"الأجواخ الأردنية", و"الدباغة الأردنية", و"الخزف الأردنية", و"العربية الدولية للفنادق", و"الأردنية لتجهيز الدواجن", و"مصانع الورق والكرتون", و"المؤسسة الصحفية الأردنية" بالإضافة إلى ميناء العقبة وشواطئ المدينة) وقد تم ذلك جهارًا في أبشع عملية نهب وتفريط وتآمر، وفي إطار أجندة تهدف إلى رهن مستقبل الأردن وتبرير التحالفات الخيانية مع أعدائه.
إن رعاية شؤون كل فرد من أفراد الرعية واجب من واجبات الدولة، وكفايته حق من حقوقه عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته".
وكفاية الفرد إنما تكون بإشباع حاجاته الأساسية، والحاجات الأساسية للإنسان هي المأكل والملبس والمسكن، وعدَّ عدم إشباع تلك الحاجات لكل فرد بعينه نزولاً به عن مستوى الإنسانية، وقد بيّن الإسلام تلك الحاجات الأساسية، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال: {وارزقوهم فيها واكسوهم} وقال: {أسكنوهن من حيث سكنتم}.
وقد عالج الإسلام مشكلة الفقر بأن أوجب إشباع الحاجات الأساسية هذه إشباعاً حقيقياً لكل فرد بعينه، والإشباع يجب أن يكون إشباعاً حقيقياً وكلياً لكل فرد بعينه بالمعروف، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال: {ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهند بنت عتبة: {خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} ومعنى بالمعروف هنا ما عرف من نفقة مثله من مأكل وملبس ومسكن لدى الناس، أي ليس مجرد الكفاية وإنما الكفاية بالمعروف.
وكما أوجب الإسلام على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه، أوجب كذلك إشباع الحاجات الأساسية للرعية، وهي الأمن والتطبيب والتعليم، فتحفظ الدولة أمن الجميع وتؤمن التطبيب والتعليم للجميع، لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف، وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها.
وبإشباع الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن لكل فرد بعينه إشباعاً كاملاً وحقيقياً بالمعروف، لا فرق بين محمد وجورج ولا بين فاطمة وجورجيت، وتمكين كل فرد من إشباع حاجاته الكمالية بتسهيل التسابق للحصول عليها، وبإشباع الحاجات الأساسية للأمّة من أمن وتطبيب وتعليم، فقط، يقضي على الفقر قضاء حقيقياً ويسار بالمجتمع نحو الرفاهية الحقة.
هذه هي الرعاية الصحيحة، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسّدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: ٍ"والله لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولاً عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة". فأين منها سياسة الدولة الاقتصادية، وأين منها دجل الدولة وتضليلها؟ فالدولة تفرض على الناس لا العمل للإنفاق على أنفسهم ومن يعولون، بل أوجبت عليهم النفقة على فساد المفسدين من الذين جعل لهم القانون ولاية عامة على أموال الناس فخانوها، وسرقوها، وأكلوها، ورموا بحملها على الفقراء الضعفاء الذي لا يكادون يجدون ما ينفقون على أنفسهم ومن يعولون. وقد سار في ركاب النظام من انتخبتموهم ليمثلوكم في مجلس النواب، فإذا بهم يسهلون للنظام ما يقوم به من جور وعسف وظلم. وطريقة تهريب النصاب في جلسة مناقشة رفع الأسعار التي قام بها النواب تجعلهم شركاء في جريمة إفقار الناس، وإفلاس التجار؛ ليحافظوا على رواتبهم وتقاعدهم وامتيازاتهم على حساب الفقراء والمعوزين، والذين لا يملكون ما يمكنهم من العيش بكفاف. ولذلك هم شركاء في هذه الجريمة، فعلينا محاسبتهم على هذه المواقف المخزية والمتخاذلة. وعلى كل مسلم غيور على دينه، ومستقبل أولاده، أن يعمل على تغيير هذا الواقع الذي يرزح تحته، وإيجاد نظام الإسلام الذي يقيم العدل بين الناس، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فلمثل هذا فليعمل العاملون.
29/ربيع الآخر/1439هـ حزب التحرير
16/1/2018م ولاية الأردن