المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطوط عريضة عن السياسة الأميركية وبعض قضايا المنطقة



Abu Taqi
14-01-2018, 02:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


خطوط عريضة عن السياسة الأميركية وبعض قضايا المنطقة
أولًا: من المهم لفهم ما يجري في المنطقة، معرفة أنه يجري بحسب مشروع متكامل "للشرق الأوسط الكبير" وهو مشروع معلن منذ سنة 2004 في قمةg8، وأن هذا المشروع يمر تنفيذه عبر مراحل مليئة بالخداع والتضليل والتوظيف السياسي وتبديل "الخيول"، وأن مراحل التنفيذ تخضع لمعطيات الواقع والمستجدات على الأرض، وأن هناك أهدافًا معلنة وأخرى خفية حتى على الدول الوظيفية وأدوات التنفيذ، وأن كافة دول وأنظمة المنطقة منخرطة في المشروع ومستهدفة منه بنفس الوقت، وأن مركز تنبه الأدوات هو الرضى الأميركي والنجاة من تداعيات المشروع الشرق أوسطي على مستقبلهم؛ ولذلك ينفذون أدوارهم بريبة وحذر شديدين، ويشذون عن الخط غالبًا فيما يهدد مصيرهم، ويتنافسون ويتقاربون ويتباعدون ويقيمون تحالفاتهم في ضوء ما يحقق مصالح أميركا مع فتح قنوات وأبواب "طوارئ"! وهذا بارز في كثرة تقلب الأنظمة والسياسيين والأحزاب والفصائل.
ومما لا بد من معرفته أن الدول التقليدية الكبرى لا تشارك الولايات المتحدة في التخطيط واتخاذ القرار، وإن كانت تشارك في التنفيذ والاقتراح والتحفظ والاعتراض العاجز أو المحدود، وأنها تسلك سلوك المدافع عن مصالحها وليس عن مشاريع تنافسية لها، وتدافع لتجنب عواقب السياسة الأميركية على مجالها الحيوي في نطاقها القاري.

ثانيًا: الرئيس الأميركي ترمب وموقعه في القرار الأميركي
ترشيح الرئيس في الولايات المتحدة لا يتم إلا بعد عناية فائقة وبما يتلاءم وطبيعة المهمة الموكلة له من قبل الدولة العميقة، وهذا بارز في الحديث الذي دار بين "روجر يوجين إيلز" المسؤول التنفيذي السابق لشركة «فوكس نيوز» المحسوب على تيار المحافظين وبين "ستيف بانون"، حيث جاء على لسان إيلز في الكتاب الفاضح (نار وغضب): (هل يستوعب الملياردير اللعوب ترمب حقيقة أجندته الجديدة بوصفه رجلًا يمينيًا في سدة الحكم؟" "تردد بانون قبل إجابته بنعم، مستطردًا أن ترمب يسير وفقًا لبرنامج، مُشيرًا إلى أن أولى مهامهم تتضمن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإلى حشد الدعم الإسرائيلي لسياسات ترمب منذ اليوم الأول؛ إذ أن نتنياهو والملياردير الإسرائيلي شيلدون أديلسون "الذي اشترط على ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لقاء تبرع لحملته الانتخابية ب25 مليون دولار" يدعمون ترمب بشدّة: «نحن نعرف وجهتنا جيدًا»، هكذا رد بانون على روجر إيلز، وعندما شكّك إيلز في احتمالية معرفة ترمب لتلك الخطة، كان رد بانون غمزة يعقبها كلمة واحدة: تقريبًا).
كما أن صناع السياسة في أميركا يعززون الإدارة الأميركية بجيش من المستشارين الذين يضبطون إيقاع البيت الأبيض وبخاصة في السياسة الخارجية. وبالتالي فإن شخصية ترمب وأداءه يعكسان بالضبط ما يريده الجناح المتفوق في الدولة العميقة ورجال المال. وبالطبع فإن الخلاف في وجهات النظر بين صناع القرار في البيت الأبيض والدولة العميقة وقوى الضغط سينعكس على العلاقات الدولية كملفات العلاقة الأميركية الأوروبية والروسية، كما ينعكس على مصائر حكام الدول التابعة كالبلاد العربية والإسلامية، وهو ما حصل بشأن الموقف من الأزمة القطرية السعودية وبعض الأجنحة الحاكمة في السعودية، حيث اعترضت الخارجية الأميركية على البيت الأبيض بشأنها، وكذلك الموقف من الوضع في أفغانستان والمساعدات الأميركية للباكستان والتعاطي مع أردوغان وإيران والملف السوري، إلا إنه لا يُنتظر من الحكام العملاء التمرد أو رفض الابتزاز الأميركي؛ لأنهم يتعاطون مع سياسة الولايات المتحدة لا مع الرئيس بصفته الشخصية ومصالحه الضيقة؛ ولأن الحكام مجرد دُمى يديرهم ضباط مخابرات في السي آي إيه كما كان يُدار عبد الناصر والسادات ومبارك، أو تديرهم السفارات الأميركية المنفذة للسياسات العليا ومصالح الأمن القومي الأميركي في إطار مؤسسي، والتي تعتبر "أي السفارات الأميركية" بمنزلة الدولة العميقة في البلاد العربية.
إن اختيار ترمب صاحب الشخصية الهزلية وتضخيم صورته المتهورة والمختلة للرئاسة هو أمر مدروس بعناية لينسجم مع طبيعة القضايا التي يراد إقرارها فيبررها سلوكه وشخصيته داخليًا ودوليًا ثم البناء عليها سواء تخلصوا منه أم لم يتخلصوا.
فمن تتبع ملف قضية كتاب مايكل وولف "نار وغضب" يترجح أن الأمر كان مدبرًا لاستغلال ترمب في مهمة محددة من قبل الدولة العميقة، منذ تظاهر صاحب الكتاب بالدفاع عن ترمب في وجه الإعلام الأميركي لكسب ثقة الرئيس والسماح له بالتجول في البيت الأبيض بلا قيود؛ لتجهيز المادة التي تتيح عزل الرئيس أو التحكم فيه واستغلاله لتحقيق أجندة القوى المسيطرة على المشهد الراهن في الولايات المتحدة، وبخاصة وأن الجناح المحافظ يعلم بأن ترمب غير مؤهل للعمل السياسي ولا يملك رصيدًا حزبيًا أو شعبيًا له عائد سلبي عليهم، وهو ما جعل الفضائح تتمحور حول شخصية ترمب الذي لا "يقبل المشورة ولا يستمع إليها" وليس حول أجندته. وقد تم التلاعب به، وإشاعة أن ستيف بانون هو من يقود الرئيس، وإلجاؤه للدفاع عن نفسه بإعلانه على تويتر " أنه لن يتَّبِع أي إملاءات من أحد".

ثالثًا: المعلومات التي سربها كتاب (نار وغضب) بشأن قضايا المنطقة
إن التسريبات عادة ما تخرج بتدبير من الجهة صاحبة العلاقة أو من القوى المنافسة، وما دامت التسريبات موجهة للخارج كقضية الاعتراف بالقدس أو انقلاب السعودية "الناعم" أو "إغراق الأردن ومصر بالفوضى" فإنها تُقرأ في سياقها وظروفها وتوقيتها. فقد وضعت التسريبات في سياق شيطنة الرئيس ترمب من أجل التحايل على العالم بشأن تلك السياسات التي لم تلق الترحيب المطلوب دوليًا، ومن أجل إخلاء طرف الولايات المتحدة مما اقترفه الرئيس "شبه المجنون" مع أنه لم يصدر عن الدولة الأميركية ما يستدرك على قراراته.
أما الظروف المحيطة وتوقيتها، فقد جاء الكتاب عقب أهم القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية والتي تكاد تكون محور مهمتها في الشرق الأوسط، وهي قضية القدس والملف الفلسطيني، وترتيب البيت السعودي، وتسخين الملف الإيراني والتركي؛ لتوسيع رقعة الفوضى والتمزيق في الشرق الأوسط. وعندما يكون التسريب يستهدف شعوبًا عاجزة فاقدة للقدرة على الفعل فإنه يرسخ عجزها ويعمق يأسها ويصرفها إلى استجلاب حلولها من الواقع ويباعد بينها وبين الرجوع إلى المبدأ والعقيدة. كما يحمل التسريب رسائل تهديد للشعوب كالتهديد بإغراق مصر والأردن بالفوضى، وتهديد الناس في السعودية ولجم معارضي ابن سلمان وتغوله على السلطة وتحصينه من خصومه في الخارج من خلال وصفه برجل أميركا في السعودية. وفي نفس الوقت يمكن أن يُخفي التسريب خدعة بخلاف الرسالة الموجهة، وهو طمأنة ابن سلمان في الوقت الذي تُعِد بديلًا له، واستبداله عند الضرورة؛ لأن أسلوب إعلان النوايا بهذا الشكل ينطوي على احتمالين؛ فمن جهة تؤكد له بشكل مقنع أنه رجلها وتحصنه في هذه المرحلة ولكنها تضمر له سوءًا، كما فعلت بصدام، وزين العابدين بن علي عندما أقنعوه بالمغادرة، ومن جهة أخرى تفتح الباب لاحتمال استبداله.

Abu Taqi
14-01-2018, 02:15 PM
رابعًا: مسار التصفية للملف "الفلسطيني"
إن قرار الرئيس ترمب بشأن القدس والتسريبات التي أطلقتها صحيفة "نيويورك تايمز" لا تحمل جديدًا على صعيد تصفية القضية سوى التوطئة لفرض الإملاءات في ظل عجز المسلمين ونزفهم وإشغالهم بأنفسهم وتكبيلهم بأنظمة مجرمة تابعة للغرب. ولتمكين العملاء من إعلان موقفهم المتآمر على القدس وفلسطين وحجب أي توجه يخالف هذا المسار.
إن حل الدولتين هو الحل المعلَن والاكثر إجماعًا دوليًّا والذي يتم إظهاره أنه الأكثر واقعية في تحقيق مصالح كافة الأطراف بمن فيهم "إسرائيل"، بصرف النظر عن تصور القادة الصهاينة لمفهوم "حل الدولتين" أو حقيقة "الدولة الفلسطينية القابلة للعيش" في أرض الواقع. رغم أن صيغة "حل الدولتين" ليست إلا شعارًا تضليليًّا لذر الرماد في العيون حتى لو تمخض عنه "دولة فلسطينية" وهمية تسكت عن الرأي العام الإسلامي الغضب.
إذ أن الوقائع على الأرض تفيد بأن ما يجري هو تسليم للقدس كاملة وفق ما أقره عباس في وثيقته المشهورة مع يوسي بيلين سنة 1995، وإعطاء الفلسطينيين حكمًا ذاتيًّا بمسمى دولة فلسطينية. حيث جاء في تلك الوثيقة: (توسيع حـدود المدينة الكبرى لتشمل: (أبو ديس والعيزرية وسـلوان)، وتستطيع السلطة الفلسطينية فيما بعد أن تتخذ من الأحياء الجديدة المستحدثة عاصمـة ومركزاً إدارياً لها يصبح اسمها: (القدس AL-QUDS) بالعربية واللاتينية وليس (Jerusalem)، بينما تسمى بقية أنحاء المدينة القديمة بحدودها البلدية القائمة حاليًّا (أورشـليمJERUSALEM) منعًا لأي التباس، ويعترف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل، وتشكل الأحياء الجديدة المستحدثة من أبو ديـس وسـلوان والعيزريـة وحدة جغرافية وسياسية مستقلة تشكل عاصمة للدولة التي ستعلن عقب انقضاء فترة اختبار النوايا المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، وتجسيدًا للتطلعات الروحية والتاريخية للشعب الفلسطيني). كما نصت وثيقة جنيف التي وقعها ياسر عبد ربه باسم منظمة التحرير الفلسطينية وبقيادة عرفات على نفس المضمون مع إسقاط "حق العودة" للفلسطينيين. وهو ما يفرغ مفهوم تقسيم القدس من مضمونه، ويوفر غطاء للمتآمرين في التنازل عن القدس جميعها واقعيًّا.
ومن هذا المنطلق، فإننا عندما نقول بأن المسار يصب في حل الدولتين فإنما نعني بأن التصفية تجري تحت هذا العنوان الخادع . حيث أن اتفاقية "أوسلو" التي قسمت الأراضي الفلسطينية إلى قطاعات جغرافية (تحمل حروفًا أبجدية هي "أ"، وتمثل 18% من مساحة البلاد، وللسلطة الوطنية الفلسطينية السيطرة الكاملة عليها، و"باء" وتمثل 21% من المساحة وتسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية تعليميًّا وصحيًّا واقتصاديًّا، أما أمنيًّا فالسيطرة لإسرائيل فقط، ومناطق "ج" والتي تمثل 61% فالسيطرة الكاملة فيها لإسرائيل من كل النواحي)، قد صممت لإتاحة التوسع الاستيطاني، ومنع قيام دولة فلسطينية بالمفهوم السياسي للدولة.

خامسًا: استهداف أميركا للدول التابعة لها
إن استهداف أميركا للدول التابعة لها لا يعني بالضرورة خروج الدولة التابعة من التبعية أو انتقالها لتصنف بأنها دولة تدور في الفلك، وإنما تتحول للسير في الفلك أو يسير قادتها مع دولة أجنبية معينة كحالة ظرفية بمقتضى موقف الدولة العظمى من عميلها؛ لأن العميل لا يملك قراره ولكن يملك الدفاع عن نفسه إن لم يكن مرتهنًا بقيود خطيرة في حالة استهدافه؛ لأن نظام الدولة التابعة وأوساطها السياسية مصممة كدولة تابعة لا مستقلة. ولذلك تجد العميل يحاول تعطيل الجزء الذي يستهدف نظامه دون باقي أجزاء المخطط المفروض من الخارج، مع إبقائه القنوات مفتوحة مع مشغليه حتى آخر لحظة، وهذا ما حصل مع صدام حسين برغم تأكيد بريماكوف له بأن أميركا خدعته وتريد التخلص منه.
إن العملاء لا يستطيعون أن ينفذوا كل ما يطلب منهم وبخاصة في القضايا التي يستمدون سلطتهم منها لا سيما المتعلقة بالدين والقومية، وهو ما تدركه أميركا. وحين تسير الولايات المتحدة في هذا الاتجاه فإنما يعني التضحية بعميلها وهو ما يعرفه العملاء ويثير فيهم الهلع. يقول هنري كيسنجر: (وليس هناك زعيم عربي، مهما يكن معتدلاً يمكن أن يأمل البقاء، إذا قبل بمطالب إسرائيل، على أرضية هذا الإذلال، كما أنه لن يبقى رئيس وزراء إسرائيلي في الحكم يومًا واحدًا، إذا تخلى عن الأراضي المحتلّة في سبيل إجراء مفاوضات...) ولهذا يتم هندسة الهزائم والانتصارات الوهمية وتضليل الشعوب لتغطية الحكام أحيانًا، كما حصل في مسرحية "حرب أكتوبر" عندما حدد كيسنجر وظيفة الجيش المصري وقيده، وعندما قال "دعوا إسرائيل تنزف قليلًا" وذلك لفرض عملية السلام على الشعوب.

سادسًا: تبعية إيران لأميركا
إن تبعية إيران لأميركا أمر بارز لا يحتاج إلى بيان، وعندما تستهدفها الولايات المتحدة فلا يعني أن واقعها قد تحول، فإيران دولة قومية مذهبية، وبهذه الصفة ليس لها مشاريع خارجية إلا في إطار مصالحها الحيوية والقومية والمذهبية، وعندما تتجاوز حدود مصالحها فإنما تسير وظيفيًّا وفق أجندة دولية، وعندما ينتهي دورها الإقليمي أو يستجد ما يستوجب تحجيمه، فلا بد من توفير غطاء لنظامها من أجل التراجع والانسحاب، ومن أجل تقليم مخالبها وإعادة ضبطها وفق مقتضيات خطط ومصالح الولايات المتحدة. وبخاصة عندما يصل المشروع إلى مرحلة تتضارب فيها المصالح الضيقة للدولة التابعة مع مصالح الدولة العظمى. وما جرى في إيران مؤخرًا يندرج في إطار ضبطها وفق مقتضيات المرحلة ووفق ما يتطلب النظام الإيراني من إعادة إنتاج.
ولعل الكشف مؤخرًا عن كيفية وصول مرشد الجمهورية علي خامنئي إلى منصبه وتعريته في الداخل يصب في إعادة إنتاج النظام الإيراني دون تجريده من دوره كفزاعة تعمل لحرف بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي المزعوم وتبرر للأنظمة العربية خضوعها لأميركا وتفريطها بالقضايا وقمعها للشعوب وتحالفها مع اليهود.

26/ربيع الآخر/1439هـ
13/1/2018