Abu Taqi
14-01-2018, 01:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
احتجاجات تونس على قانون المالية
تعيش تونس على وقع احتجاجات شعبية متقطعة بسبب قانون المالية لسنة 2018. وقد صاحبت هذه التحركات موجة منظمة من السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة بالإضافة إلى حرق عدد من مقرات الشرطة والبلدية في بعض المدن. وبسبب الشعارات المرفوعة في عدد من هذه الاحتجاجات وما صاحبها من أعمال تخريب توجهت أصابع الاتهام إلى الجبهة الشعبية التي يمثل التيار الشيوعي عمودها الفقري.
وقد جاءت هذه الاتهامات على لسان أهم مكونين للحكومة التونسية، ونعني بذلك حركة النهضة وحزب نداء تونس. فقد نددت النهضة في بيان لها بتاريخ 4/1/2018، بــ "الدعوات المتكررة الصادرة من بعض الأطراف السياسية"، التي تدعو المواطنين، إلى "القيام بتحركات احتجاجية لفرض تعليق العمل بقانون المالية الجديد، وإدخال البلاد في حالة من الفوضى".
أما رئيس الحكومة يوسف الشاهد فقد اتهم في تصريح إعلامي عشية يوم 10/1/2018 الجبهة الشعبية وشبكات الفساد بالتحريض على أعمال العنف والتخريب التي طالت عددًا من المؤسسات الخاصة والعامة.
وقد اعتبر كل من نداء تونس وحركة النهضة أن ما تقوم به الجبهة الشعبية عملًا "غير مسؤول"، فهي رغم أنها صادقت على قانون المالية تحت قبة مجلس نواب الشعب، لكنها خرجت إلى الشارع لتدعو إلى التحرك الشعبي ضد مخرجات قانون المالية، وبخاصة ما يتعلق بالزيادة في الأسعار.
ولا يبدو أن أتباع الجبهة الشعبية وأنصار حملة "فاش نستناو" (ماذا ننتظر) سوف يتوقفون عن التظاهر، بالرغم من أن ذلك لن يؤدي في الغالب إلى تراجع الحكومة عن قانون المالية. فالوضع المالي للحكومة التونسية لا يسمح لها إلا بالسير في هكذا قانون للمالية بعد أن رهنت نفسها لتعليمات صندوق النقد الدولي.
وبالمقابل فإن الجبهة الشعبية سوف تنتهز هذه التحركات من أجل رفع رصيد أصواتها في الانتخابات البلدية القادمة في أيار/مايو 2018. وهذا هو أهم الأسباب التي جعلت حركة النهضة وحزب نداء تونس يصرحون بشكل علني بأن الجبهة الشعبية هي التي تقف وراء عمليات النهب والتكسير والحرق التي صاحبت الاحتجاجات الشعبية.
إن السياسة الاقتصادية والمالية التي تسير فيها تونس لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والبؤس بين عموم الناس. فهذه السياسة هي جزء من النظام الرأسمالي العالمي الذي تتحكم فيه الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في أميركا. وهذه الأخيرة تستعمل خطة إغراق البلاد في الديون والقروض الكبيرة من أجل إيصالها إلى مرحلة العجز عن سداد أصل القرض والفوائد.
وعندما تصل الحكومة إلى هذه المرحلة من العجز تتقدم أميركا وحلفاؤها باعتبارهم يمثلون الدائن، ومن ثم تفرض شروطها التي تتحكم من خلالها في مصيرالبلاد وثرواتها وسيادتها. ومن هذه الشروط، السيطرة على موارد البلاد المعدنية والباطنية أو إقامة قواعد عسكرية أو السير في خطط سياسية وعسكرية تخدم مصالحهم.
ومع إدراكنا لذلك فإن الحكومة التونسية، لو كانت صادقة في حمايتها للمال العام ، لوضعت يدها على الثروات الكبيرة التي تزخر بها تونس من النفط والملح والفوسفات التي تتحكم بها الشركات الدولية، وبخاصة الفرنسية والبريطانية والأميركية، دون أن تضخ أية موارد حقيقية إلى خزينة الدولة.
على أنه يتوجب على من يتصدى لرعاية الناس بدل الإثقال عليهم برفع الأسعار في ظل تدنٍ كبيرٍ لمستوى الدخل الفردي أن يقوم بمحاربة الفساد المالي بشكل جدي وشامل في الإدارة والمصالح العمومية وليس فقط من أجل مصلحة آنية مثل ما هو حاصل في البلاد حيث التظاهر في محاربة الفساد من أجل تلميع صورة حكومة الشاهد وتصفية حسابات قديمة بين كمال لطيف وشفيق جراية.
وكذلك يتوجب على من يتصدى لرعاية شؤون الناس بدل رفع الأسعار عليهم أن يحارب الاحتكار والمضاربة في المواد الأساسية الذي تقوم به فئات محسوبة على العائلات الثرية النافذة في البلاد.
وخلاصة القول أن الاقتصاد الرأسمالي العفن المعمول به في البلاد، والذي فوق أنه يطبق على الغالبية التي لا تؤمن به وبمخرجاته، فإن من يطبقونه هم طغمة فاسدة لا هم لهم إلا تضخيم ثرواتهم دون أن يبالوا بشقاء الناس، ولا نقصد هنا بالطغمة الحاكمة حركة النهضة وحزب نداء تونس فحسب، فهؤلاء مجرد واجهة لتلك العائلات الثرية التي تملك النفوذ الاقتصادي والسياسي داخل شؤون الحكم، والتي تمثل امتدادًا للنخب الأميركية والأوروبية في أفكارها ومشاعرها ومصالحها ومشاريعها.
إن خلاص الناس من الشقاء في كافة مجالات الحياة ومنها الجانب الاقتصادي، لن يتأتى إلا بالعمل الجاد لإيصال نظام الإسلام العادل إلى الحكم، والذي ينتج عن تطبيقه عمليًّا إشباع حاجات الناس إشباعًا حقيقيًّا حتى أنه كان يُبحث في عهد عمر بن عبد العزيز عن الفقير المحتاج فلا يجدونه ليأخذ نصيبه من مال الزكاة، وحيث يمنع ذلك النظامُ تداول المال بين فئة من الناس ويحرِم منه آخرين {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
26/ربيع الآخر/1439هـ
13/1/2018
متابعة سياسية
احتجاجات تونس على قانون المالية
تعيش تونس على وقع احتجاجات شعبية متقطعة بسبب قانون المالية لسنة 2018. وقد صاحبت هذه التحركات موجة منظمة من السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة بالإضافة إلى حرق عدد من مقرات الشرطة والبلدية في بعض المدن. وبسبب الشعارات المرفوعة في عدد من هذه الاحتجاجات وما صاحبها من أعمال تخريب توجهت أصابع الاتهام إلى الجبهة الشعبية التي يمثل التيار الشيوعي عمودها الفقري.
وقد جاءت هذه الاتهامات على لسان أهم مكونين للحكومة التونسية، ونعني بذلك حركة النهضة وحزب نداء تونس. فقد نددت النهضة في بيان لها بتاريخ 4/1/2018، بــ "الدعوات المتكررة الصادرة من بعض الأطراف السياسية"، التي تدعو المواطنين، إلى "القيام بتحركات احتجاجية لفرض تعليق العمل بقانون المالية الجديد، وإدخال البلاد في حالة من الفوضى".
أما رئيس الحكومة يوسف الشاهد فقد اتهم في تصريح إعلامي عشية يوم 10/1/2018 الجبهة الشعبية وشبكات الفساد بالتحريض على أعمال العنف والتخريب التي طالت عددًا من المؤسسات الخاصة والعامة.
وقد اعتبر كل من نداء تونس وحركة النهضة أن ما تقوم به الجبهة الشعبية عملًا "غير مسؤول"، فهي رغم أنها صادقت على قانون المالية تحت قبة مجلس نواب الشعب، لكنها خرجت إلى الشارع لتدعو إلى التحرك الشعبي ضد مخرجات قانون المالية، وبخاصة ما يتعلق بالزيادة في الأسعار.
ولا يبدو أن أتباع الجبهة الشعبية وأنصار حملة "فاش نستناو" (ماذا ننتظر) سوف يتوقفون عن التظاهر، بالرغم من أن ذلك لن يؤدي في الغالب إلى تراجع الحكومة عن قانون المالية. فالوضع المالي للحكومة التونسية لا يسمح لها إلا بالسير في هكذا قانون للمالية بعد أن رهنت نفسها لتعليمات صندوق النقد الدولي.
وبالمقابل فإن الجبهة الشعبية سوف تنتهز هذه التحركات من أجل رفع رصيد أصواتها في الانتخابات البلدية القادمة في أيار/مايو 2018. وهذا هو أهم الأسباب التي جعلت حركة النهضة وحزب نداء تونس يصرحون بشكل علني بأن الجبهة الشعبية هي التي تقف وراء عمليات النهب والتكسير والحرق التي صاحبت الاحتجاجات الشعبية.
إن السياسة الاقتصادية والمالية التي تسير فيها تونس لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والبؤس بين عموم الناس. فهذه السياسة هي جزء من النظام الرأسمالي العالمي الذي تتحكم فيه الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في أميركا. وهذه الأخيرة تستعمل خطة إغراق البلاد في الديون والقروض الكبيرة من أجل إيصالها إلى مرحلة العجز عن سداد أصل القرض والفوائد.
وعندما تصل الحكومة إلى هذه المرحلة من العجز تتقدم أميركا وحلفاؤها باعتبارهم يمثلون الدائن، ومن ثم تفرض شروطها التي تتحكم من خلالها في مصيرالبلاد وثرواتها وسيادتها. ومن هذه الشروط، السيطرة على موارد البلاد المعدنية والباطنية أو إقامة قواعد عسكرية أو السير في خطط سياسية وعسكرية تخدم مصالحهم.
ومع إدراكنا لذلك فإن الحكومة التونسية، لو كانت صادقة في حمايتها للمال العام ، لوضعت يدها على الثروات الكبيرة التي تزخر بها تونس من النفط والملح والفوسفات التي تتحكم بها الشركات الدولية، وبخاصة الفرنسية والبريطانية والأميركية، دون أن تضخ أية موارد حقيقية إلى خزينة الدولة.
على أنه يتوجب على من يتصدى لرعاية الناس بدل الإثقال عليهم برفع الأسعار في ظل تدنٍ كبيرٍ لمستوى الدخل الفردي أن يقوم بمحاربة الفساد المالي بشكل جدي وشامل في الإدارة والمصالح العمومية وليس فقط من أجل مصلحة آنية مثل ما هو حاصل في البلاد حيث التظاهر في محاربة الفساد من أجل تلميع صورة حكومة الشاهد وتصفية حسابات قديمة بين كمال لطيف وشفيق جراية.
وكذلك يتوجب على من يتصدى لرعاية شؤون الناس بدل رفع الأسعار عليهم أن يحارب الاحتكار والمضاربة في المواد الأساسية الذي تقوم به فئات محسوبة على العائلات الثرية النافذة في البلاد.
وخلاصة القول أن الاقتصاد الرأسمالي العفن المعمول به في البلاد، والذي فوق أنه يطبق على الغالبية التي لا تؤمن به وبمخرجاته، فإن من يطبقونه هم طغمة فاسدة لا هم لهم إلا تضخيم ثرواتهم دون أن يبالوا بشقاء الناس، ولا نقصد هنا بالطغمة الحاكمة حركة النهضة وحزب نداء تونس فحسب، فهؤلاء مجرد واجهة لتلك العائلات الثرية التي تملك النفوذ الاقتصادي والسياسي داخل شؤون الحكم، والتي تمثل امتدادًا للنخب الأميركية والأوروبية في أفكارها ومشاعرها ومصالحها ومشاريعها.
إن خلاص الناس من الشقاء في كافة مجالات الحياة ومنها الجانب الاقتصادي، لن يتأتى إلا بالعمل الجاد لإيصال نظام الإسلام العادل إلى الحكم، والذي ينتج عن تطبيقه عمليًّا إشباع حاجات الناس إشباعًا حقيقيًّا حتى أنه كان يُبحث في عهد عمر بن عبد العزيز عن الفقير المحتاج فلا يجدونه ليأخذ نصيبه من مال الزكاة، وحيث يمنع ذلك النظامُ تداول المال بين فئة من الناس ويحرِم منه آخرين {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
26/ربيع الآخر/1439هـ
13/1/2018