المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نداء إلى الأمة الخلافة هي البوصلة



Abu Taqi
29-12-2017, 10:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


نداء إلى الأمة الإسلامية
الخلافة الراشدة هي البوصلة

جاء تهديد دونالد ترامب بوقف المساعدات المالية عن الدول التي صوتت لصالح مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره الاعتراف بمدينة القدس "عاصمة لإسرائيل" بمثابة سابقة في العلاقات الدولية فيما يتعلق بقرارات الهيئات الدولية.
وبقدر ما كشف هذا التهديد الأميركي حجم البلطجة التي تمارسها أميركا على دول العالم، فإنه سلط الضوء لعموم الناس على أحد أهم أساليب أميركا في التحكم بقرارات الدول، ونعني بذلك سياسة ابتزاز الدول من خلال ما تسميه بـ"المساعدات".
ورغم أن القرار الذي اتخذه دونالد ترامب يوم 6/12/2017 باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل جاء مخالفًا لما اصطلح عليه بـ"القانون الدولي" الذي صنعته دول الكفر النصرانية منذ مؤتمر وستفاليا (1648م)، لكن القرار جاء في تاريخه موافقًا لمائة عام خلت من وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في 2/11/1917 وما تبعه من دخول الجنرال البريطاني إدموند ألنبي إلى القدس في 11/12/1917.
إن توافق هذه التواريخ يؤكد أن حرب أميركا على الإسلام والمسلمين هي حرب عقائدية مستمرة بالتعاون مع بريطانيا ونيابة عن التحالف الغربي، وهي حرب في جوهرها حول نوع الدين الذي يجب أن يظهر على الدين كله.
ورغم أن أغلب الدول الحاضرة في الجمعية العامة قد صوتت ضد قرار أميركا، إلا أن ما تقوم به هذه الدولة الكبرى المارقة من سياسات عدوانية مكشوفة من أجل اقتلاع الإسلام من صدور المسلمين ما هو إلا تنفيذ لما وصلت إليه الحضارة الغربية من قناعة فكرية وغرور سياسي بأنها قد وصلت بالبشرية إلى "نهاية التاريخ" في أفضل مراحله! وهم يعنون بذلك هيمنة الرأسمالية العلمانية على الدين كله كما يفهم ذلك صراحة من كتابات المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما ومن الغطرسة الدولية لأميركا.
ولكن التاريخ كما نفهمه نحن المسلمون من أحد أهم مصادرنا في المعرفة التي لا تقبل بها نظرية المعرفة للحضارة الغربية الكافرة، ونعني بذلك الوحي الذي نزله على قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعلمنا أن "نهاية التاريخ" لا يمكن أن تكون إلا بهزيمة الكفر الغربي في دينه وأفكاره وفي سياسته وقيمه وفي اقتصاده ونقده وفي مجموع علاقاته الدولية.
لقد أخبرنا الله تعالى أن "نهاية التاريخ" (لا نهاية العالم) لن تكون إلا بانتصار الإسلام والمسلمين، وذلك عندما قال تعالى في محكم تنزيله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}. فالإسلام بعد إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم للدولة الإسلامية في المدينة وانتشاره في مناطق كبيرة من قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا لم يبلغ العالم كله ولم يقض على كل الأديان من الساحة الدولية مع سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924.
وإذا أضفنا إلى ارتباط مدلول هذه الآية بأن نهاية التاريخ سوف تكون بانتصار الإسلام والمسلمين، فإن الله يبشرنا كذلك في كتابه الكريم في آيات عديدة أخرى بأن نصر الله للمسلمين على عدوهم في حرب دولية أمر شرعي لا مفر منه {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}. وهذا يعني أن الخير قادم للمسلمين وللبشرية جمعاء بهيمنة الإسلام على العالم كله وبحكم الخلافة على جميع الناس. هذه هي نهاية التاريخ التي حددها الله للبشرية قبل أن تقوم الساعة.
فالبشرى كل البشرى للناس جميعًا بأن ظلم الحضارة الغربية بقيادة أميركا للعالم سوف يزول عاجلًا أو آجلًا، وما على المسلمين إلا أن يحثوا الخطى في العمل من أجل إزالة ذلك الظلم ويزدادوا يقينًا بوعد الله؛ لأنه {كان وعدًا مفعولًا}. وإن ما تقوم به أميركا اليوم في الأمم المتحدة وعلى مستوى العالم ما هو سوى سير على خطى فرعون مصر الذي قال أولًا: {ما أريكم إلا ما أرى}، ثم قال بعد ذلك عندما وصل إلى مرحلة الاستكبار في الأرض: {أنا ربكم الأعلى}، فما كان مصيره الحتمي إلا أن {أخذه الله نكال الآخرة والأولى}.
ونحمد الله تعالى أن حال المسلمين في العالم اليوم قد دخل في مرحلة التمييز الواضح بين الخبيث والطيب بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. ونحن نسير نحو مقدمة لازمة قبل حدوث المعركة الكبرى بين الإسلام والكفر، ونعني بذك وجود فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه. وما على المسلمين المخلصين لربهم إلا إن يعوا على قضيتهم وهي استئناف حياة الأمة على أساس الإسلام، ويلتحموا بفسطاط الإيمان حتى يوجدوا قاعدة شعبية عريضة من جمهرة المسلمين تكون ركيزة تقوم عليها دولة الخلافة القادمة.
فهذه هي قضية المسلمين الأولى، ونعني بها استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة في بلد أو أكثر من بلاد المسلمين كمقدمة شرعية وسياسية وتاريخية لتحرير بيت المقدس وكل فلسطين من رجس اليهود وغيرهم من صهاينة النصارى والعرب.
إن الصبر على طاعة الله من أجل إقامة الخلافة هو الطريق الصحيح لتحرير القدس وكل بلاد المسلمين من رجس الكفار المستعمرين الذين لم ينجحوا في إعانة يهود بإقامة دولة لهم في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها إلا بعد أن قاموا بإسقاط الخلافة العثمانية وبعد أن نصبوا حراسًا لهم من حكام عرب خونة يحمون إسرائيل قبل وجودها ويمنعون المسلمين من الجهاد لتحرير فلسطين وكل بلاد الإسلام.
هذه هي الحقيقة التاريخية الكبرى المتعلقة بفلسطين والتي يحاول الكافر جهده أن يحجبها عن المسلمين. لقد أثبت التاريخ القديم والحديث أن وجود بيت المقدس وكل فلسطين (محررة أو محتلة) مرتبط بوجود أو غياب دولة إسلامية قوية تحمي بيضة الإسلام والمسلمين. كما أثبت التاريخ أن فتح بيت المقدس وتحريرها كان دائمًا هاجس المسلمين خارجها الذين كانوا يتسابقون بشوق شديد للاستشهاد لفتحها أو إنقاذها.
فعمر بن الخطاب الذي قدم من المدينة هو الذي فتح بيت المقدس عام 15 هـ (636 م)، وصلاح الدين الأيوبي ( الكردي ) القادم من مصر هو الذي حرر القدس وفلسطين من يد الصليبيين عام 583 هـ (1187م). ثم أعاد حاكم مصر السلطان نجم الدين أيوب تحرير القدس مرة ثانية عام 640هـ (1244م) بعد أن رجعت لحكم الصليبيين مرة ثانية مدة 15 عامًا. وسيف الدين قطز القادم من مصر أيضًا هو الذي أوقف الزحف المغولي على فلسطين وبلاد الشام عام 658هـ (1260م).
إن قدر بيت المقدس أن تكون أحد أهم الأدوات التي أوجدها الله كي تساهم في إحياء الأمة ونشر الوعي الصحيح بين المسلمين لما لها من قدسية وبركة وضعهما الله فيها. وإن حقائق تاريخ بيت المقدس تؤكد لنا، مع الوعي السياسي الصحيح، أن قضية المسلمين الأولى هي إقامة الخلافة الراشدة في بلد مسلم ليكون نقطة ارتكاز تنطلق منه الجيوش نحو تحرير بيت المقدس وسائر بلاد المسلمين.
إن حال بيت المقدس لا يختلف عن حال شقيقتيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإنهن جميعًا يرزحن تحت احتلال علماني كافر مقنع تارة (آل سعود) وصريح تارة أخرى (آل صهيون). وإنه ليس من الصدفة في شيء أن بريطانيا التي احتضنت قيام الدولة السعودية الثالثة منذ تأسيس إمارة الرياض (1902م) مرورًا بسلطنة نجد (1921م) وانتهاءً بقيام المملكة السعودية (1932م) هي نفسها التي احتضنت قيام دولة يهود منذ وعد بلفور عام 1917 الذي فتح باب الهجرة اليهودية الكبيرة نحو فلسطين إلى إعلان دولة إسرائيل عام 1948م.
ألم تكن بريطانيا التي تآمرت على إسقاط الخلافة مع جماعة الاتحاد والترقي هي التي دعمت حاكم مكة الشريف حسين في ضرب سكة حديد الحجاز ومهاجمة الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، وهي التي قامت بمحاصرة المدينة المنورة مدة ثلاث سنوات إلى أن سلم القائد العثماني البطل فخر الدين باشا المدينة لـ"أشراف مكة" الخونة. رغم أنه رفض طلب الخليفة تسليم المدينة للحلفاء وفق معاهدة موندروس، قائلاً:
«إن الخليفة يعد الآن أسيرًا في يد الحلفاء لذا فلا توجد له إرادة حرة» ولكنه اضطر الى تسليمها بعد ان استنفد وسعه ومن معه حتى آخر رمق.

أيها المسلمون..
إن عدونا يدفعنا دفعًا نحو نسيان حقيقة أن ما يحول دون تحرير فلسطين هو الدول العلمانية المحيطة بفلسطين والتي أوجدها قبل إيجاده دولة "اسرائيل" حتى يضمن بقاءَ هذا الكيان الصهيوني الغربي. وإن عدونا اليوم يدفعنا لتقديم التضحيات بالأنفس والأموال من أجل كفاح يرسخ الاعتراف بدولة "إسرائيل" ويبعد المسلمين عن تحرير فلسطين وكل بلاد الإسلام.
وما الحرب الطائفية والداخلية بين المسلمين، وما الخلافة التي صنعتها أميركا تحت راية تنظيم داعش، إلا وسائل من أجل إذكاء مزيد من الاقتتال الداخلي وتشويه صورة الإسلام وتمرير مخططات التقسيم والسيطرة التي تدفع أميركا المنطقة نحوها، والأخطر من كل ذلك هو حرف بوصلة المسلمين عن استعادة عزتهم تحت راية التوحيد وفي ظل حكم الخلافة الراشدة.
فأميركا تسعى من خلال اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى أن يلتف الفلسطينيون والعرب والمسلمون حول مطلب إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا هو عين ما خططت له دول الكفر في أميركا وأوروبا! فهم يريدون أن يصبح كيان يهود مقبولًا في المنطقة بعد أن يَمُنُّوا على أهل فلسطين بدويلة هزيلة تزاد إلى باقي الدول الكرتونية التابعة لنفوذهم مقابل التطبيع مع كل تلك الدول فيها، فحاجتهم لبقاء كيان يهود مغروسًا في جسد الأمة الإسلامية يعيق وحدتها ويشغلها عن النهضة على أساس الإسلام يسوقونه هذه المرة على أمتنا بدويلة هزيلة يزيدون فيها تمزيق الأمة، ومنافع مادية بالإيهام بانتعاش اقتصادي كبير.
إن تاريخ المسلمين الحديث مليء بالحقائق التي يجب أن يعي عليها الجيل الحالي حتى لا يعيد أخطاء "الثورة العربية الأولى" التي صنعتها بريطانيا عام 1916، ومن ثم يقع فريسة مخططات الكفار اليوم كما وقع الذين سبقوه من قبل في ذلك. إنه لا يجوز في حق المسلمين اليوم، بعد أن نجحت أميركا في إشعال "الثورة العربية الثانية" عام 2011 تحت مسمى "الربيع العربي"، أن ينخدعوا ويمكنوا لدول الغرب _وإسرائيل هي جزء من الاستعمار الغربي_ في تثبيت سيطرتها على مقدراتنا وثرواتنا وفي هيمنة دينها الرأسمالي (بأفكاره الإلحادية والمسيحية واليهودية) على دين الإسلام.
لقد وعدنا الله بأن نهاية التاريخ تكون بانتصار الإسلام والمسلمين، وما علينا إلا أن نكون جزءًا من هذا الانتصار حتى نفوز بعز الدنيا وجنة الآخرة. أما أولئك الذين تأخروا عن الاصطفاف مع فسطاط الإيمان أو انضموا إلى فسطاط الكفر فلا عزاء لهم في الدنيا ولتحيا جهنم لهم في الآخرة.

قال تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}

6/ربيع الآخر/1439هـ حزب التحرير
25/12/2017م