المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تداعيات قرار ترمب وقراءة لخطابه



Abu Taqi
15-12-2017, 10:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعات سياسية
تداعيات قرار ترمب وقراءة لخطابه
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم الأربعاء الموافق 6\12\2017 م عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما أعلن عن قراره نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، ملقيًا بذلك الحجارة في المياه الراكدة، واضعًا ملف القضية الفلسطينية _الذي جرى تغييبه في الأعوام الماضية خلال ما أطلق عليه بالربيع العربي_ على الطاولة من جديد.
وكان أول تداعيات قرار ترمب دعوة حماس وتنظيمات فلسطينية أخرى إلى انتفاضة جديدة في الأرض المحتلة، وانفجار المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة بتشجيع واضح من زعماء المنطقة وحكامها، فضلًا عن مظاهرات عفوية أو موجهة في عدد من البلاد الإسلامية والأجنبية.
والذي ينبغي لفت النظر إليه أن الرئيس الأميركي ترمب يمثل إدارة الدولة ولا يتصرف في السياسة الخارجية وبخاصة ما يتعلق منها بالمصالح العليا والقضايا الاستراتيجية والتي تؤثر على مكانة أميركا في العالم وفق مزاجه الشخصي، بل يمثل توجهًا مدروسًا للسياسة الأميركية، ولذلك فإن قراره هذا لا يتعلق بمجرد وعد انتخابي أو قضايا داخلية أخرى مهما بلغت أهميتها.
والسياسة الأميركية ليست مرهونة كذلك برغبات اليهود كما يتوهم بعض الناس، بل تحكمها مصالح رجال المال والشركات الكبرى، التي وإن كان يدين أصحاب بعضها باليهودية لكن مصالحهم مرتبطة بمصالح الولايات المتحدة، فيما تمثل إسرائيل نفسها جزءًا من المصالح الأميركية.
لقد كان واضحًا من خطاب ترمب الذي أعلن فيه القرار، ووضع القضية على الطاولة من جديد، أن هناك خطة أو توجهًا أميركيًا جديدًا يُراد الشروع في تنفيذه: "لقد درست مسار العمل ليحقق أفضل مصلحة للولايات المتحدة الأميركية ومسعى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. هذه خطوة طال انتظارها للإسراع في عملية السلام. وللعمل على تحقيق اتفاق دائم"، "إعلاني اليوم يشهد بداية مقاربة جديدة للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين".
أما اندلاع الانتفاضة وانطلاق المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة ودول عديدة خارجها فهو ابتداءً للضغط على اليمين الإسرائيلي للتجاوب مع الحل الذي سيُطرح، وبخاصة بعد أن حقق ترمب ما يتمناه اليمين من اتخاذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وطمأن اليهود إلى اندفاع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية نحو التطبيع معهم، وزادهم طمأنينة نجاح أميركا والغرب الكافرين في توجيه أنظار أهل المنطقة إلى عداء إيران وتوابعها باعتبارهم العدو الأول لهم وليس "إسرائيل".
ومع اشتداد الانتفاضة التي دعت إليها حماس والتنظيمات، وتنامي الاحتجاجات الإقليمية والدولية على قرار الإدارة الأميركية، وما لم تقم الإدارة الأميركية باتخاذ خطوات تطمئن الفلسطينيين والرأي العام الإقليمي والدولي، فسيتعزز النظر إلى الإدارة الأميركية باعتبارها طرفًا منحازًا وغير نزيه، ولا تصلح أن تكون راعيًا أو شريكًا لطرفي النزاع. وعليه فإن الإدارة الأميركية تكون قد تقصدت التخلي عن دورها السابق لصالح هيئة الأمم والتي ستتولى طرح الحل الذي تريده أميركا، مما يزيد الضغط على "إسرائيل" دوليًا ويضعف ترددها في قبول الحل الدولي من جديد.
أما ملامح الحل الأميركي فقد قال ترمب في خطابه: "ستدعم الولايات المتحدة حل الدولتين إذا اتفق عليه الطرفان"، وقال: "نريد اتفاقًا يمثل صفقة عظيمة للإسرائيليين وصفقة عظيمة للفلسطينيين. لا نتخذ موقفًا في قضايا الوضع النهائي ومن ضمنها الحدود المحددة للسيادة الإسرائيلية في القدس أو قرار الحدود المتنازع عليها. تلك الأسئلة تتولاها الأطراف المعنية"، فهو يترك قضية حدود السيادة الإسرائيلية على القدس للاتفاق مما يشير إلى إمكانية سيادة الفلسطينيين على جزء من القدس، ويعزز ذلك ما صرَّح به تليرسون وزير الخارجية الأميركي في باريس أمس أن ترامب لم يشر في اعترافه "إلى أي وضع نهائي بالنسبة للقدس".
أما الحدود المتنازع عليها التي وردت في خطاب ترامب فهي إشارة واضحة للمستوطنات المقامة في أراضي الضفة الغربية وأن الاتفاق عليها بين الطرفين هو ما يحسم وضعها حيث يتوقع أن يكون الحل بتبادل للأراضي.
ويبدو واضحًا عدم تركيز ترامب في خطابه على قضية اللاجئين التي تردد الحديث عن حلها مبكرًا بعودة جزء بسيط من اللاجئين إلى الأراضي المحتلة، وتوطين الجزء الأكبر في البلاد التي لجأوا إليها مع تعويضات مغرية.
ومن الجدير ملاحظته كذلك أن حديث ترامب بدعم حل الدولتين إذا اتفق عليه الطرفان، لا يشير إلى تمسك الإدارة الأميركية بجعل القدس الموحدة عاصمة لكيان يهود، بل يشير إلى إمكانية تقسيم القدس الى عاصمتين؛ أي أن تكون عاصمة لدولتين؛ إحداهما للفلسطينيين والأخرى ليهود بعد الاتفاق على حدود سيادة إسرائيل على القدس، فضلًا عن إشارته الصريحة الى إبقاء الأماكن المقدسة على وضعها الحالي: "أدعو كل الأطراف للحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة بالقدس ومن ضمنها جبل الهيكل، والمعروف أيضًا بالحرم الشريف".
وأخيرًا فإن أمتنا العظمية بعقيدتها، العزيزة بدينها، الكريمة بتضحياتها، المُهابة بشجاعتها وجرأتها في تحدي الظالمين بصدور عارية، حريٌّ بها أن تدرك أن جوهر الصراع على فلسطين عقدي وليس وطنيًّا ولا قوميًّا، وإن تمسكنا بفلسطين كل فلسطين ينبع من عقيدتنا التي لا يساوم عليها إلا خائن.
وحريٌّ بأمتنا أن تستيقن أن ديننا يأمرنا بتحرير كل شبر من أرض فلسطين التي هي ملك للأمة الإسلامية لا لأهل فلسطين وحدهم.
وعليه فإن قضية فلسطين هي قضية جهاد ووجود لا قضية لاجئين وحدود، وإنه لا طريق لتحريرها إلا بالجهاد الذي لا قبل للأفراد والتنظيمات به، الجهاد الذي تتحرك له الجيوش فتقتحم الحدود وتقتلع يهود الجبناء والذين لم يخلد التاريخ لهم أبطالًا.
الجهاد الذي تأباه أنظمة الخيانة لله وللأمة، أنظمة الخنوع لترامب ولملة الكفر حتى أصبح يهود في ظل حكمهم في صورة الأبطال والجبابرة، مع أن الله ضرب عليهم الذلة والصغار والمسكنة، وبات عبيد ترامب من نذالتهم وهوانهم هم ومن والاهم أشداء على الأمة رحماء وأنذال أمام ملة الكفر وطواغيتهم.
إن أمتنا ما لم تطالب بتحريك الجيوش لتحرير فلسطين أرض الإسلام فمن غير المستغرب حتى أن يقبل جماعة أوسلو الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على ذلك الجزء من أرض الإسلام ولا يفعلون سوى التنازل عن حقوق الأمة في فلسطين، نعم ليس من المستبعد عنهم حتى أن يقبلوا بفرض أمر واقع عليهم يجبرهم على الذهاب إلى "المفاوضات"؛ لمجرد تحويل "السلطة الفلسطينية" الحالية إلى "دولة فلسطينية" دون حدوث أي تغيير جذري على الأوضاع السائدة حاليًّا بما فيها مسألة الحدود وبقاء القدس (والأماكن المقدسة) تحت حكم يهود وعدم تفكيك المستوطنات وبقاء اللاجئين في أماكنهم الموجودين فيها.
فهل ستتقدم الأمة فعلًا لمعالجة قضاياها بنفسها، وتنبذ أن تكون ملحقة بما يفرضه عليها أعداؤها وتوابعهم؟ وهل سيكون ذلك دون أن تعود لحمل رسالة الإسلام الذي سيوحدها ويعيدها أمة عزيزة مجاهدة يرتعد من هيبتها الجبابرة لا أن تتجرأ عليها الهوام والحشرات.

20/ربيع الأول/1439هـ
9/12/2017م