المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قمة سوتشي .. مرحلة جديدة في سوريا



Abu Taqi
25-11-2017, 03:24 PM
سم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية

قمة سوتشي.. مرحلة جديدة في سوريا

قبل انعقاد قمة سوتشي بيوم استقبل فلادمير بوتين دون سابق إعلان بشار الأسد. وقد مثلت هذه الزيارة بمثابة رسالة أميركية روسية إلى تركيا وفصائل المعارضة السورية أن "الحل السياسي" في سوريا يتضمن بقاء نظام الأسد ومن ثم فإن الأسد هو جزء من الحل.
وهذا لا يمنع إمكانية إدخال تعديلات طفيفة لكنها لن تمس جوهر بقاء الأسد في الحكم، وذلك مثل تطعيم حكم الأسد بما يسمى "معارضة حضن الوطن"، وإجراء تعديلات على الدستور ترسخ الفدرالية. ومما يؤكد ذلك هو المكالمة التي قام بها بوتين مع دونالد ترامب بعد انتهاء لقائه مع بشار الأسد واطلاعه على محتويات اللقاء.
وقد سبق لقاء بوتين مع بشار بيوم استقالة رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب مع عشرة أعضاء من الهيئة. وقد فُسرت استقالة هؤلاء الأعضاء بما تتعرض له الهيئة من ضغط كبير حتى تخفض من مطالبها في المفاوضات القادمة وبخاصة ما يتعلق ببقاء بشار الأسد في الحكم خلال المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سوريا.
والدليل على ذلك أن هذه الاستقالة وجدت استحسانًا كبيرًا من قبل الخارجية الروسية كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال يوم 21/11/2017 إن "تراجع شخصيات المعارضة ذات الفكر المتشدّد عن لعب الدور الرئيسي سيجعل من الممكن توحيد هذه المعارضة غير المتجانسة، في الداخل والخارج، حول برنامج معقول وواقعي وبناء بشكل أكبر. سندعم جهود السعودية في هذا الصدد".
وبالإضافة إلى التواصل بين روسيا وأميركا بعد لقاء بشار مع بوتين أوكلت الولايات المتحدة إلى السعودية مهمة رعاية مؤتمر للمعارضة عرف باسم مؤتمر الرياض الذي بات يضم شخصيات ومنصات متعددة (موسكو والقاهرة) لا ترى مانعًا في بقاء الأسد.
وهذا يعني أن مطالب الثورة التي تتمسك بها المعارضة مثل رحيل الأسد مع محاكمته لم تعد ذات أولوية بالنسبة لأميركا التي تريد من مؤتمر الرياض إنتاج هيئة عليا للمفاوضات موسعة ومدجنة وقادرة على تقديم تنازلات في الجولة الجديدة من مؤتمر جنيف القادم، وقد أعلن اليوم الجمعة أن مؤتمر الرياض قد توصل إلى تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر جنيف القادم يضم خمسين شخصية تمثل أطراف المعارضة المختلفة، ورغم ذكرهم أن سقف مطالب المعارضة بتشكيلها الجديد هو خروج الأسد من السلطة إلا أن قبولهم مشاركة معارضة موسكو التي أعلنوا عن تحفظها على سقف المفاوضات يشير إلى تقديم ما تتوافق عليه المعارضة على ما تختلف عليه، وأن هناك صيغًا لإخراج مسألة وجود الأسد في السلطة.
وبالنظر إلى نتائج مؤتمر سوتشي (22/11/2017) فإن توافق روسيا وإيران حول بعض القضايا مثل بقاء الأسد في الحكم لا يعني أنهما متفقان في كل شيء. فروسيا وإيران يختلفان حول المسألة الكردية في سوريا، وهي المسألة التي تتفق فيها إيران مع تركيا. ومن هنا يأتي إصرار تركيا على عدم حضور وحدات حماية الشعب الكردي في المفاوضات الجارية. فكل من تركيا وإيران تعتبران حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال خطرًا استراتيجيًّا عليهما.
ومن هنا يأتي إصرار تركيا العلني ظاهرًا على رحيل الأسد رغم أن هذا يتناقض ورغبة إيران وروسيا، لكن الراجح أن هذا الإصرار التركي هو مجرد ورقة بيدها للضغط على روسيا ومن ورائها أميركا من أجل استبعاد أكراد وحدات حماية الشعب من أية عملية تفاوضية تخص مستقبل سوريا، وفوق ذلك فإن تركيا تريد فرض وجودها العسكري في الشمال السوري بشكل دائم من أجل إفشال مشروع إقامة فدرالية كردية على حدودها الجنوبية تصر أميركا على انجازها بقوة المال والسلاح والضغط السياسي.
ومما يؤكد هذا الفهم أن أردوغان لم يتعرض في كلمته بعد مؤتمر سوتشي إلى مصير الأسد بل ركز فقط على وحدة سوريا واستبعاد "العناصر الإرهابية" من "التسوية السياسية". وهذا يدل على أن تركيا لا مانع عندها من بقاء الأسد إذا كان ذلك يحقق لها البقاء العسكري في شمال سوريا ويمكنها من إفشال مشروع "روج آفا" كما أفشلت هي وإيران مشروع كردستان العراق.
وهكذا، جاءت قمة سوتشي لتؤكد على ضرورة العمل لإيجاد "تسوية سياسية" في سوريا من خلال دعم خطة "مناطق خفض التوتر" بمقتضى منصة أستانة. كما جاءت القمة لتؤكد على ضرورة العمل لعقد مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي الذي سيمثل الأحزاب والطوائف العرقية من أجل إيجاد نظام سياسي وصياغة دستور جديد وانتخابات برعاية الأمم المتحدة في إطار عملية جنيف.
لقد دشنت قمة سوتشي في روسيا ملامح مرحلة جديدة في سوريا بعد انتهاء دور تنظيم "داعش" ونجاح ما يسمى بمناطق "خفض التوتر" كخطة أمنية لإيقاف الحرب الدائرة في سوريا، رغم أن أوضاع سوريا ستبقى مرشحة للتفجر في أي ظرف قادم سواء على صعيد المسألة الكردية باعتبارها موضعًا للخلاف الإقليمي والدولي. أو نتيجة لأطماع العلويين، أو لما خلفته سنوات الحرب الأهلية الطويلة من أحقاد وتخوفات.
إن الأمة الإسلامية ما لم تعِ وتعمل من أجل إيجاد كيان مخلص، يعمل على جمع قواها وتوحيدها تحت راية الإسلام لن يكتب لها الخلاص من تلاعب أمم الكفر بمصيرها وتوريثها مزيدًا من القتل والدمار ونهب المقدرات، فضلًا عن تعطيلها عن القيام بعملها الأساسي وهو حمل رسالة الإسلام إلى العالم كافة لإخراجة من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.

7/ربيع الأول/1439هـ
24/11/2017م