Abu Taqi
12-11-2017, 07:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعات سياسية
أولًا: أبعاد استقالة الحريري
قبل أسبوع أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من السعودية عن استقالته بشكل فاجأ كثيرين. وقد برر الحريري هذا القرار الذي اتخذه من خارج لبنان بأسباب تتعلق بشخصه وبحزب الله وبإيران. فقد ذكر الحريري في أول أسباب استقالته أن حياته في خطر، قائلًا: "لمستُ ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي".
كما برر الحريري استقالته بأنه يرفض الوصاية الداخلية على لبنان من قبل حزب الله، كما أنه يرفض تدخل الحزب عسكريًّا في سوريا وغيرها من دول المنطقة وما نتج عن ذلك من فقدان لبنان لعلاقاته المميزة مع الدول العربية.
أما السبب الثالث الذي أبداه لاستقالته فقد ركز الحريري هجومه على الوصاية الخارجية التي تقوم بها إيران على لبنان، وما نتج عن ذلك من أن لبنان نفسه بات منطلقًا لتهديد الأمن الإقليمي ".. وأنشأت دولة داخل الدولة"، وختم الحريري رسالته نحو إيران قائلًا بصيغة التهديد أن "أيدي إيران في المنطقة ستقطع".
إن أهم ما يمكن ملاحظته في استقالة سعد الحريري أنها استقالة مشبوهة في مكانها وزمانها ومضمونها وأهدافها.
أما ما يخص مكان إعلان الاستقالة فعلى غير الأعراف البروتوكولية أعلن الحريري استقالته من السعودية وليس من لبنان حيث هو محل حكومته. وفي هذا دلالة كبيرة بأن الحريري ليس سوى بوق لما بشر به وزير الدولة السعودي ثامر السبهان قبل أيام من هذه الاستقالة. فقد ذكر السبهان في تغريدة له على تويتر:"اجتماع مطول ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري واتفاق على كثير من الأمور التي تهم الشعب اللبناني الصالح وبإذن الله القادم أفضل".
وبالنظر إلى المكان الذي أعلن منه سعد الحريري استقالته يمكن القول أن هذه الاستقالة لها علاقة كذلك بترتيب الأوضاع الإقليمية لمصلحة الولايات المتحدة، وليس بالشأن المحلي وحسب، حيث كان الحريري على توافق ظاهري مع خصومه السياسيين من تياري ميشال عون وحسن نصر، وهو ما سهل عملية إقرار الموازنة العامة للدولة.
أما من حيث الزمان فقد جاءت استقالة الحريري بعد اجتماعين مهمين. الاجتماع الأول كان في السعودية حيث التقى مع وزير الدولة ثامر السبهان الذي أنبأ بوقوع أحداث قادمة في لبنان. واللقاء الثاني كان قبل يوم واحد من إعلان استقالته، وقد جمعه في بيروت مع مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي. وفي هذا اللقاء هنأ ولايتي سعد الحريري وحكومته على الانتصارات في مواجهة "الإرهاب"، ولم يكتف ولايتي بذلك بل إنه اعتبر لبنان جزءًا من "محور المقاومة" .
أما من حيث المضمون فقد ظهر سعد الحريري في مضمون خطاب الاستقالة وكأنه يكتشف حزب الله وإيران لأول مرة في حياته مع أنه قد أمضى قرابة عام وهو يترأس حكومة فيها حزب الله وللمرة الثانية. وكان واضحًا من مضمون الخطاب أنه قد كُتب له على عجل وبشكل يتماشى ومضامين الخطابات التي تصدر من السعودية وأميركا فيما يتعلق بالموقف من حزب الله وإيران، وهي خطابات تحمل رسائل الحرب والتهديد.
ويمكن القول أن خطاب الاستقالة هو صياغة سعودية أميركية بامتياز، تتماهى والتوجه الأميركي في محاصرة إيران وتحجيم حزب الله. وهذا الأمر هو الذي جعل حسن نصرالله يصرِّح بأن "ما حدث هو جنون سعودي"، أما رئيس الدولة اللبنانية نفسه، ميشال عون، الذي يعتبر الحليف السياسي الأول لحزب الله فقد كان مرتبكًا في تعليقه على استقالة الحريري وهو يحاول شراء الوقت بقوله أنه "ينتظر عودة الحريري إلى بيروت للاطلاع على ظروف الاستقالة وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه".
أما الأهداف المرجحة التي دفعت أميركا بالسعودية أن تجبر الحريري على تقديم استقالته من الحكومة في هذه الظروف الإقليمية والدولية فهي:
أولًا: جاءت استقالة الحريري من الرياض قبل ساعات قليلة من قيام ولي العهد السعودي بشن حملة واسعة وغير مسبوقة من الاعتقالات والتي طالت أمراء ووزراء ورجال أعمال وشخصيات مهمة في البلاد، أفرج عن بعضهم لاحقًا، مما وفر بعض الأجواء الإقليمية التي تخفض تسليط الأضواء عما يجري من أحداث استثنائية وحساسة في المملكة وعلاقاتها بالترتيبات الجارية من أجل تهيئة الأجواء لنقل العرش إلى محمد بن سلمان.
ثانيًا: في الوقت الذي تسير فيه الأحداث في سوريا نحو نهاياتها، حيث تم رسم معالم الأقاليم التي ستشكل الاتحاد الفدرالي الذي سيؤول إليه شكل الحكم في سوريا، كان لا بد كذلك من إعادة التوازن للقوى العسكرية والتي تميل لصالح النظام في العديد من المناطق، ولذلك فإن خروج حزب الله الداعم للنظام من الأراضي السورية بات مطلوبًا وبخاصة وأن مفاوضات جنيف تقتضي خروج المليشيات الأجنبية، وقد جاءت استقالة الحريري والمبررات التي ساقها والتي كان وضع حزب الله وما يشكله من حرج للدولة اللبنانية في الخارج، وتغوله على الدولة في الداخل من أبرز أسبابها لتضع حزب الله في زاوية حرجه تلجئه للخروج من سوريا واليمن، والكف عن بقائه أداة لإيران، أو أن يجري تحجيمه ولو بالقوة ليصبح حزبًا سياسيًا داخل حدود الدولة اللبنانية، واستعمال القوة ضد حزب الله بذريعة تصنيفه منظمة إرهابية هو ما يفهم من تصريح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي حيث صرح أمس "نحن نقول إن على العالم أن يتأكد من أننا نصنف حزب الله منظمة إرهابية، والعالم بحاجة إلى اتخاذ اجراءات للحد من أنشطتهم والوقوف في وجههم أينما كانوا" وبين أنه: "لا يمكننا أن نسمح للبنان أن يكون مصدر أذى للمملكة"، ولذلك فإن حزب الله قد يواجه حربًا سريعة قد تشن عليه بواسطة إسرائيل بدعم أميركي وسعودي، فضلًا عن إمكانية مواجهته بمعارك محلية وإقليمية تحمل طابعًا مذهبيًّا أو وطنيًّا.
ثالثًا: من خلال الحملة الأميركية على إيران وتوابعها مثل حزب الله في لبنان وسوريا والحشد الشعبي في العراق والحرس الثوري في إيران. وباعتبار أن لبنان هو أحد أهم المواقع التي تستعملها إيران في تأكيد حضورها الإقليمي في المنطقة، فإن استقالة الحريري سوف تتسبب في إرباك الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان بشكل يؤدي إلى التشويش على تحركات إيران وتوابعها اللبنانية.
ولذلك فليس من الصدفة في شيء أنه مع قرب انتهاء أميركا من توظيف تنظيم الدولة في دور الممهد لتقسيم المنطقة أن قامت وكالة المخابرات الأميركية بالإفراج عن آلاف الوثائق السرية التي صادرتها من منزل أسامة بن لادن، خلال مداهمته وقتله في باكستان عام 2011. إن كشف المخابرات الأميركية في هذا الوقت عن هذه الوثائق التي تظهر التنسيق بين حزب الله وإيران وبين قيادات تنظيم القاعدة يُراد منه ممارسة مزيد من الضغوط على إيران وحزب الله. ومن هنا جاءت استقالة سعد الحريري لإيجاد مزيد من الأزمات بالنسبة لإيران وحزب الله، بالإضافة إلى حزمة القوانين التي بدأت أميركا في إصدارها من أجل تجفيف مصادر تمويل حزب الله.
ومن غير المستبعد أن تكون الهجمة السعودية على إيران وحزب الله بشكل مباشر ومن خلال استقالة الحريري مقدمة لحرب محدودة أو ضربة خاطفة تقوم بها إسرائيل ضد حزب الله نيابة عن أميركا والسعودية كما أسلفنا من أجل تحجيم حزب الله، وكذلك من أجل محاصرة إيران والضغط عليها في عدد من الملفات الإقليمية. وهذا المعنى قد يستشف من تصريح أدلى به وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، يوم 6/11/2017 إلى قناة العربية عندما قال: بأن السعودية "ستستخدم كل الوسائل السياسية وغيرها لمواجهة حزب الله، وستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب ميليشيات حزب الله".
رابعًا: إن التوافق الذي كان موجودًا داخل حكومة الحريري بعد قرابة سنة من تشكيلها كان يميل إلى صالح قوى الثامن من آذار (حزب الله والتيار الحر)، ويبدو أن هذا لم يعد يخدم مصلحة أميركا في هذه المرحلة مع أنها هي من وقفت حينها وراء تشكيل الحريري لتلك الحكومة ورضيت بأن يكون ميشال عون رئيسًا للدولة. وبما أن لبنان مقبل على انتخابات عامة في شهر أيار/مايو القادم تأتي استقالة الحريري كمقدمة لذلك الاستحقاق الانتخابي حتى تتمكن السعودية من بسط نفوذها على الساحة الداخلية التي يسيطر عليها حزب الله.
ويكفي أن ننظر في تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، إلى قناة العربية يوم 6/11/2017 حتى ندرك أن استقالة الحريري يراد منها دفع الناس والأحزاب وأية حكومة قادمة في لبنان إلى التخلي عن دعم سياسات حزب الله وإيران وتحميلهم مسؤولية ما سوف تؤول إليه أية أوضاع كارثية يرجح أن تعصف باستقرار لبنان في الفترة القريبة القادمة.
فقد صرح السبهان قائلًا: إن "خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أبلغ رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري تفاصيل عدوان ميليشيات حزب الله على السعودية". ثم أضاف أن "على الحكومة اللبنانية أن تعيَ خطر تلك الميليشيات على السعودية". ولم يكتف السبهان بتهديد القوى السياسية بل وجه تهديده لعموم الناس في لبنان قائلًا: "إن على اللبنانيين الاختيار بين السلام وبين الانضواء تحت حزب الله"، مضيفًا: "كنا نتوقع من الحكومة اللبنانية أن تعمل على ردع حزب الله"، مشيرًا أنه بيد اللبنانيين تحديد ما ستؤول إليه الأمور مع السعودية.
إن استقالة الحريري قد أدخلت لبنان في أزمة داخلية سوف تنتهي بعمليات اصطفاف جديدة في ظل الضغط الأميركي على إيران وحزب الله. فالذي تأمله السعودية بعد استقالة الحريري هو إحياء اصطفاف قوى 14 آذار من جديد في وجه حزب الله، ونعني بذلك جمع وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي وحزب الكتائب والقوات اللبنانية وتيار المستقبل مع عدد من المستقلين.
قد لا يستطيع الحريري بدعم من السعودية أن يغير نتائج الإنتخابات المقبلة بسبب ثقل حزب الله وحلفائه وبسبب القانون الانتخابي لكنه قد ينجح في عرقلة تحركات تياري حسن نصرالله وميشال عون في تشكيل حكومة تحظى باعتراف إقليمي ودولي. فما لم تكن هذه الحكومة متماشية مع التوجهات العامة للسياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، فإنها سوف تكون تحت الضغوط التي تفرضها أميركا على إيران وحزب الله سواء في لبنان أو في سوريا. ولذلك فالمتوقع أن يتم تأليف حكومة جديدة تراعي ظاهريًّا الحفاظ على التوازنات السياسية وتلتزم بسياسة النأي بالنفس وبالحيادية اللبنانية أمام الصراعات الإقليمية.
متابعات سياسية
أولًا: أبعاد استقالة الحريري
قبل أسبوع أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من السعودية عن استقالته بشكل فاجأ كثيرين. وقد برر الحريري هذا القرار الذي اتخذه من خارج لبنان بأسباب تتعلق بشخصه وبحزب الله وبإيران. فقد ذكر الحريري في أول أسباب استقالته أن حياته في خطر، قائلًا: "لمستُ ما يحاك في الخفاء لاستهداف حياتي".
كما برر الحريري استقالته بأنه يرفض الوصاية الداخلية على لبنان من قبل حزب الله، كما أنه يرفض تدخل الحزب عسكريًّا في سوريا وغيرها من دول المنطقة وما نتج عن ذلك من فقدان لبنان لعلاقاته المميزة مع الدول العربية.
أما السبب الثالث الذي أبداه لاستقالته فقد ركز الحريري هجومه على الوصاية الخارجية التي تقوم بها إيران على لبنان، وما نتج عن ذلك من أن لبنان نفسه بات منطلقًا لتهديد الأمن الإقليمي ".. وأنشأت دولة داخل الدولة"، وختم الحريري رسالته نحو إيران قائلًا بصيغة التهديد أن "أيدي إيران في المنطقة ستقطع".
إن أهم ما يمكن ملاحظته في استقالة سعد الحريري أنها استقالة مشبوهة في مكانها وزمانها ومضمونها وأهدافها.
أما ما يخص مكان إعلان الاستقالة فعلى غير الأعراف البروتوكولية أعلن الحريري استقالته من السعودية وليس من لبنان حيث هو محل حكومته. وفي هذا دلالة كبيرة بأن الحريري ليس سوى بوق لما بشر به وزير الدولة السعودي ثامر السبهان قبل أيام من هذه الاستقالة. فقد ذكر السبهان في تغريدة له على تويتر:"اجتماع مطول ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري واتفاق على كثير من الأمور التي تهم الشعب اللبناني الصالح وبإذن الله القادم أفضل".
وبالنظر إلى المكان الذي أعلن منه سعد الحريري استقالته يمكن القول أن هذه الاستقالة لها علاقة كذلك بترتيب الأوضاع الإقليمية لمصلحة الولايات المتحدة، وليس بالشأن المحلي وحسب، حيث كان الحريري على توافق ظاهري مع خصومه السياسيين من تياري ميشال عون وحسن نصر، وهو ما سهل عملية إقرار الموازنة العامة للدولة.
أما من حيث الزمان فقد جاءت استقالة الحريري بعد اجتماعين مهمين. الاجتماع الأول كان في السعودية حيث التقى مع وزير الدولة ثامر السبهان الذي أنبأ بوقوع أحداث قادمة في لبنان. واللقاء الثاني كان قبل يوم واحد من إعلان استقالته، وقد جمعه في بيروت مع مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي. وفي هذا اللقاء هنأ ولايتي سعد الحريري وحكومته على الانتصارات في مواجهة "الإرهاب"، ولم يكتف ولايتي بذلك بل إنه اعتبر لبنان جزءًا من "محور المقاومة" .
أما من حيث المضمون فقد ظهر سعد الحريري في مضمون خطاب الاستقالة وكأنه يكتشف حزب الله وإيران لأول مرة في حياته مع أنه قد أمضى قرابة عام وهو يترأس حكومة فيها حزب الله وللمرة الثانية. وكان واضحًا من مضمون الخطاب أنه قد كُتب له على عجل وبشكل يتماشى ومضامين الخطابات التي تصدر من السعودية وأميركا فيما يتعلق بالموقف من حزب الله وإيران، وهي خطابات تحمل رسائل الحرب والتهديد.
ويمكن القول أن خطاب الاستقالة هو صياغة سعودية أميركية بامتياز، تتماهى والتوجه الأميركي في محاصرة إيران وتحجيم حزب الله. وهذا الأمر هو الذي جعل حسن نصرالله يصرِّح بأن "ما حدث هو جنون سعودي"، أما رئيس الدولة اللبنانية نفسه، ميشال عون، الذي يعتبر الحليف السياسي الأول لحزب الله فقد كان مرتبكًا في تعليقه على استقالة الحريري وهو يحاول شراء الوقت بقوله أنه "ينتظر عودة الحريري إلى بيروت للاطلاع على ظروف الاستقالة وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه".
أما الأهداف المرجحة التي دفعت أميركا بالسعودية أن تجبر الحريري على تقديم استقالته من الحكومة في هذه الظروف الإقليمية والدولية فهي:
أولًا: جاءت استقالة الحريري من الرياض قبل ساعات قليلة من قيام ولي العهد السعودي بشن حملة واسعة وغير مسبوقة من الاعتقالات والتي طالت أمراء ووزراء ورجال أعمال وشخصيات مهمة في البلاد، أفرج عن بعضهم لاحقًا، مما وفر بعض الأجواء الإقليمية التي تخفض تسليط الأضواء عما يجري من أحداث استثنائية وحساسة في المملكة وعلاقاتها بالترتيبات الجارية من أجل تهيئة الأجواء لنقل العرش إلى محمد بن سلمان.
ثانيًا: في الوقت الذي تسير فيه الأحداث في سوريا نحو نهاياتها، حيث تم رسم معالم الأقاليم التي ستشكل الاتحاد الفدرالي الذي سيؤول إليه شكل الحكم في سوريا، كان لا بد كذلك من إعادة التوازن للقوى العسكرية والتي تميل لصالح النظام في العديد من المناطق، ولذلك فإن خروج حزب الله الداعم للنظام من الأراضي السورية بات مطلوبًا وبخاصة وأن مفاوضات جنيف تقتضي خروج المليشيات الأجنبية، وقد جاءت استقالة الحريري والمبررات التي ساقها والتي كان وضع حزب الله وما يشكله من حرج للدولة اللبنانية في الخارج، وتغوله على الدولة في الداخل من أبرز أسبابها لتضع حزب الله في زاوية حرجه تلجئه للخروج من سوريا واليمن، والكف عن بقائه أداة لإيران، أو أن يجري تحجيمه ولو بالقوة ليصبح حزبًا سياسيًا داخل حدود الدولة اللبنانية، واستعمال القوة ضد حزب الله بذريعة تصنيفه منظمة إرهابية هو ما يفهم من تصريح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي حيث صرح أمس "نحن نقول إن على العالم أن يتأكد من أننا نصنف حزب الله منظمة إرهابية، والعالم بحاجة إلى اتخاذ اجراءات للحد من أنشطتهم والوقوف في وجههم أينما كانوا" وبين أنه: "لا يمكننا أن نسمح للبنان أن يكون مصدر أذى للمملكة"، ولذلك فإن حزب الله قد يواجه حربًا سريعة قد تشن عليه بواسطة إسرائيل بدعم أميركي وسعودي، فضلًا عن إمكانية مواجهته بمعارك محلية وإقليمية تحمل طابعًا مذهبيًّا أو وطنيًّا.
ثالثًا: من خلال الحملة الأميركية على إيران وتوابعها مثل حزب الله في لبنان وسوريا والحشد الشعبي في العراق والحرس الثوري في إيران. وباعتبار أن لبنان هو أحد أهم المواقع التي تستعملها إيران في تأكيد حضورها الإقليمي في المنطقة، فإن استقالة الحريري سوف تتسبب في إرباك الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان بشكل يؤدي إلى التشويش على تحركات إيران وتوابعها اللبنانية.
ولذلك فليس من الصدفة في شيء أنه مع قرب انتهاء أميركا من توظيف تنظيم الدولة في دور الممهد لتقسيم المنطقة أن قامت وكالة المخابرات الأميركية بالإفراج عن آلاف الوثائق السرية التي صادرتها من منزل أسامة بن لادن، خلال مداهمته وقتله في باكستان عام 2011. إن كشف المخابرات الأميركية في هذا الوقت عن هذه الوثائق التي تظهر التنسيق بين حزب الله وإيران وبين قيادات تنظيم القاعدة يُراد منه ممارسة مزيد من الضغوط على إيران وحزب الله. ومن هنا جاءت استقالة سعد الحريري لإيجاد مزيد من الأزمات بالنسبة لإيران وحزب الله، بالإضافة إلى حزمة القوانين التي بدأت أميركا في إصدارها من أجل تجفيف مصادر تمويل حزب الله.
ومن غير المستبعد أن تكون الهجمة السعودية على إيران وحزب الله بشكل مباشر ومن خلال استقالة الحريري مقدمة لحرب محدودة أو ضربة خاطفة تقوم بها إسرائيل ضد حزب الله نيابة عن أميركا والسعودية كما أسلفنا من أجل تحجيم حزب الله، وكذلك من أجل محاصرة إيران والضغط عليها في عدد من الملفات الإقليمية. وهذا المعنى قد يستشف من تصريح أدلى به وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، يوم 6/11/2017 إلى قناة العربية عندما قال: بأن السعودية "ستستخدم كل الوسائل السياسية وغيرها لمواجهة حزب الله، وستعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب ميليشيات حزب الله".
رابعًا: إن التوافق الذي كان موجودًا داخل حكومة الحريري بعد قرابة سنة من تشكيلها كان يميل إلى صالح قوى الثامن من آذار (حزب الله والتيار الحر)، ويبدو أن هذا لم يعد يخدم مصلحة أميركا في هذه المرحلة مع أنها هي من وقفت حينها وراء تشكيل الحريري لتلك الحكومة ورضيت بأن يكون ميشال عون رئيسًا للدولة. وبما أن لبنان مقبل على انتخابات عامة في شهر أيار/مايو القادم تأتي استقالة الحريري كمقدمة لذلك الاستحقاق الانتخابي حتى تتمكن السعودية من بسط نفوذها على الساحة الداخلية التي يسيطر عليها حزب الله.
ويكفي أن ننظر في تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، إلى قناة العربية يوم 6/11/2017 حتى ندرك أن استقالة الحريري يراد منها دفع الناس والأحزاب وأية حكومة قادمة في لبنان إلى التخلي عن دعم سياسات حزب الله وإيران وتحميلهم مسؤولية ما سوف تؤول إليه أية أوضاع كارثية يرجح أن تعصف باستقرار لبنان في الفترة القريبة القادمة.
فقد صرح السبهان قائلًا: إن "خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أبلغ رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري تفاصيل عدوان ميليشيات حزب الله على السعودية". ثم أضاف أن "على الحكومة اللبنانية أن تعيَ خطر تلك الميليشيات على السعودية". ولم يكتف السبهان بتهديد القوى السياسية بل وجه تهديده لعموم الناس في لبنان قائلًا: "إن على اللبنانيين الاختيار بين السلام وبين الانضواء تحت حزب الله"، مضيفًا: "كنا نتوقع من الحكومة اللبنانية أن تعمل على ردع حزب الله"، مشيرًا أنه بيد اللبنانيين تحديد ما ستؤول إليه الأمور مع السعودية.
إن استقالة الحريري قد أدخلت لبنان في أزمة داخلية سوف تنتهي بعمليات اصطفاف جديدة في ظل الضغط الأميركي على إيران وحزب الله. فالذي تأمله السعودية بعد استقالة الحريري هو إحياء اصطفاف قوى 14 آذار من جديد في وجه حزب الله، ونعني بذلك جمع وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي وحزب الكتائب والقوات اللبنانية وتيار المستقبل مع عدد من المستقلين.
قد لا يستطيع الحريري بدعم من السعودية أن يغير نتائج الإنتخابات المقبلة بسبب ثقل حزب الله وحلفائه وبسبب القانون الانتخابي لكنه قد ينجح في عرقلة تحركات تياري حسن نصرالله وميشال عون في تشكيل حكومة تحظى باعتراف إقليمي ودولي. فما لم تكن هذه الحكومة متماشية مع التوجهات العامة للسياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، فإنها سوف تكون تحت الضغوط التي تفرضها أميركا على إيران وحزب الله سواء في لبنان أو في سوريا. ولذلك فالمتوقع أن يتم تأليف حكومة جديدة تراعي ظاهريًّا الحفاظ على التوازنات السياسية وتلتزم بسياسة النأي بالنفس وبالحيادية اللبنانية أمام الصراعات الإقليمية.