Abu Taqi
27-09-2017, 07:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
نداء إلى علماء الأمة بعامة وعلماء الخليج بخاصة
قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا } وقال {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وقد روى أبو داوود والترمذي وابن حبان وابن ماجه وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال _ضمن حديث طويل_: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم".
بالأمس تداول الناس على صفحات التواصل الاجتماعي مديح إمام الحرم المكي لأميركا ورئيسها وملكه سلمان، ووصفهما بما استحق به أن تتناوله الألسن التي كانت بالأمس تراه إمامًا ومرشدًا لها في طريق الحق! وقبل أيام قليلة حملت لنا الأخبار أنباءً عن اعتقال مجموعة من العلماء في أرض نجد والحجاز، وفي رمضان الماضي باركت هيئة كبار العلماء في أرض الحجاز تعيين الأمير محمد بن سلمان _وهو الحاكم الفعلي_ وليًّا للعهد خلفًا لأبيه.
أما هذا الابتذال الذي صدر من إمام الحرم المكي فظاهر فيه النفاق والانحراف الشديد عما يرشد إليه الشرع، وأما تجرؤ حكام بلاد نجد والحجاز، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان الذي أيَّدَ كبار العلماء اختياره وليًّا للعهد بالأمس القريب، على اعتقال العلماء وإهانتهم والاستخفاف بهم وإذلالهم دون أي رادع حتى وصل به الأمر أن اعتقل أحدهم لمجرد الدعاء بتأليف القلوب بين حكام نجد والحجاز وحكام قطر!! فحتى الدعاء إن لم يكن حسب هوى الحاكم فلن يتورع الحاكم عن إهانة العلماء وإذلالهم بعد أن أفقد كثيرًا منهم تأييد الناس لهم للجوئهم للنفاق للسلطان، أو سكوتهم عن المنكرات التي تتعلق به وبحكمه وبذْل كرامتهم _بوصفهم علماءَ_ رخيصة مقابل منافع دنيوية زائلة.
وليس هذا حال العلماء في أرض الحجاز فحسب بل في كل المنطقة الإسلامية حيث يتخذ كثير ممن شرفهم الله بدراسة علوم الشرع الإسلامي علمهم مهنة يسترزقون من خلالها، ويتركون ما استحفظوا عليه وراءهم ظِهريًّا.
ومن منطلق مسؤولية المسلمين عن دينهم، ومسؤولية العلماء بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، نتقدم إليكم بهذا النداء، بعد أن بلغت الحالة المزرية التي تعيشها الأمة مبلغًا عظيمًا، واشتدت فيها هجمة الكفار على المسلمين وبلادهم.
مقدمة..
لم تكف الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الغرب الكافر بعامة عن مهاجمة المسلمين، سواء أكان هجومها فكريًّا حضاريًّا، أم كان هجومًا عسكريًّا دمويًّا، طيلة العقود الثلاثة الماضية، وبخاصة بعد أن نصبت نفسها شرطيًّا دوليًّا، وأعلنت عن ولادة النظام الدولي الجديد وسخرت لأجل ذلك الدول الكبرى والمؤسسات الدولية كهيئة الأمم ومجلس الأمن، والأحلاف العسكرية كحلف النيتو، بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، فقد صرح القائد الاعلى للحلف الاطلسي السابق جون غالفين خلال كلمته الوداعية في بروكسل في 1992: "لقد فزنا بالحرب الباردة مع روسيا، الشيوعية، والآن بعد انحراف دام 70 عامًا يمكننا العودة إلى معركتنا الحقيقية التي لها جذور تاريخية منذ 1300 سنة، وهي المواجهة مع الإسلام". ومنذ بداية هذا القرن تُسعّر اميركا ومن خلفها الغرب الكافر حربًا عالمية جديدة على المسلمين بغض النظر عن بلدانهم أو أعراقهم أو مذاهبهم. فالقضية عند أميركا هي أن الخطر كل الخطر إنما هو آت من الأمة الإسلامية؛ لأنها وحدها التي تملك حضارة إنسانية عالمية قادرة على إنقاذ ليس نفسها فحسب، بل والعالم أجمع من هذه الرأسمالية المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة، وتفرضها على أمم الأرض وشعوب العالم بالاستعمار. ففي ندوة نظمها معهد تشاتام هاوس (Chatham House)، والمعروف رسميا باسم (المعهد الملكي للشؤون الدولية) بتاريخ 16 حزيران 2016 ومن قلب لندن رائدة الاستعمار القديم، كشف عالم السياسة الأميركي جون جوزيف ميرشايمر صاحب نظرية "الواقعية الهجومية" عن العقيدة السياسية الأميركية حيث قال: "إن القضية الأولى التي يجب إدراكها هي الاستراتيجية الأميركية الكبرى. لقد عقدنا العزم أن نسيطر على العالم عسكريا وأن نلتزم بشدة بنشر الديمقراطية الليبرالية في كل بقاع الأرض. إن إرساء هذه الاستراتيجية ينبع من اعتقادنا - حسب تعبير مادلين أولبرايت - أن الولايات المتحدة هي الأمة التي لا غنى عنها، ومن فكرة أننا أفضل من الجميع. ولذلك، فمن باب المسؤولية والحكمة، نحتفظ بحقنا في السيطرة على منطقة كالشرق الأوسط وفي القيام بهندسة اجتماعية من خلال فوهة البندقية". وهذا يُفسر ما قامت به أميركا وبخاصة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين حيث شنت حربين ضروستين ضد الأمة الإسلامية في أفغانستان أقصى العالم الإسلامي، وفي العراق قلبه النابض.
وإنه وإن كانت الذريعة الأساسية لهاتين الحربين هو مطاردة تنظيم القاعدة الذي اتهمته واشنطن بتدبير وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الغاية الحقيقية هي تحطيم النفسية الإسلامية، والتصدي للحس الإسلامي المتنامي في الأمة، والرأي العام الكاسح له في بلاد المسلمين، ولثني المسلمين عن التحول إلى تطبيق الاسلام في حياتهم، مستبدلين حضارة الكفر الغربية ونمط عيشها، بما يتطلعون لإيجاده من الحكم بالإسلام والعيش بحسب طريقته في الحياة والدولة والمجتمع.
ورغم الآثار الفظيعة التي تركتها هاتان الحربان إلا أنهما لم تكونا كافيتين لإحداث هذه الانعطافة في حركة الأمة والتنكب لدينها وتبني الحضارة الغربية مبدأ ونظامًا للحياة. فتفتقت أذهان السياسيين والمفكرين الأميركيين عن وضع مشروع جديد للمنطقة، هو مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تريده أن يكون الأداة لإبعاد المسلمين عن دينهم، مستغلة الأوضاع المتردية في مختلف مجالات الحياة التي خلفها عملاؤها الحكام طيلة حكمهم. ولما كان الظلم السياسي والشعور بالهزيمة ونقمة المسلمين على الحكام والضعف الشديد للثقة بمعظم علماء الأمة وبخاصة الذين ارتبط تمثيلهم للدين في ذاكرة الأمة بالنفاق للسلاطين وتأويل تصرفاتهم المخالفة للشرع، وتسويغ ظلمهم للأمة بدل أن يكونوا سدًّا منيعًا في وجه كل من تسول له نفسه المساس بدين الله، وتسطير المواقف التي ستخلدهم في الآخرة وتدفع الأمة لدعمهم والوقوف خلفهم في معركة الأمة ضد الكفر وأعوانه، وباستحضار كل الأسباب السابقة فقد زادت جرأة أميركا وعملائها على إعادة طرح العلمانية والديموقراطية والدولة المدنية، وغيرها من مفاهيم الحضارة الغربية باعتبار تلك المفاهيم الركيزة الأساسية للتغيير المنشود في الشرق الأوسط لإعادة التركيز على اختراقه أفقيًّا بعدما اخترقته عاموديًّا عن طريق الحكام وذلك لتضليل المسلمين واستدراجهم ولإعطاء مشروعها صدقية، ثم استكمالًا لمشروعها أمدّتهم بأسباب الهلاك من خلال الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية، وقادتهم عبر عملائها إلى الذبح كما تشاهدون.
أيها العلماء..
برغم خديعة "الربيع العربي" إلا أن "الثورات العربية " كشفت بشكل واضح عن ضعف الأنظمة وعن أزمة الشرعية التي تعانيها من جراء اغتصابها للسلطة ومن الفجوة بينها وبين أهل البلاد، كما أكدت أن نفور المسلمين ورفضهم للأنظمة المنبثقة عن الاستعمار لم يسقط بتقادم الزمن، وأن القمع والإرهاب لم يُثنهم عن غايتهم في التحرر والنهوض أو يكسر إرادتهم، ولولا الإسناد الذي يستمده الحكام من بعضكم صراحة، ومن سكوت بعضكم الآخر لزالت شرعيتهم الزائفة وما وجدوا غير استجداء الشرعية من إرادة الأمة وعقيدتها سبيلًا.
إن حب الدنيا وكراهية الموت أفضى إلى منزلق عقدي خطير بمن يفترض فيهم حراسة العقيدة وقيم الأمة وهو انحراف مركز الولاء والبراء الذي حول علماء الدين إلى موظفين وحول الدين إلى مؤسسة من أجهزة الدولة وأطّر عمل العلماء بهيئات رسمية دسترت فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة وشرّعته. وجعل الدين والعلماء مطية للحكام وأداة لتثبيت الكفر والظلم في بلاد المسلمين على شاكلة ما حل بأوروبا في عصور الظلام، ولو انتبه العلماء إلى مبلغ حاجة الحكام إليهم وإلى الدين لإضفاء الشرعية عليهم وعلى أنظمتهم لما للدين من فاعلية وأثر في نفوس البشر لعلموا أنهم هم القادة الفعليون للأمة. وليس هناك برهان على ذلك أبلغ من استبضاع ملك المغرب لقب "أمير المؤمنين" وملك السعودية "خادم الحرمين" وملك الأردن "سليل الدوحة الهاشمية".
نداء إلى علماء الأمة بعامة وعلماء الخليج بخاصة
قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا } وقال {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وقد روى أبو داوود والترمذي وابن حبان وابن ماجه وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال _ضمن حديث طويل_: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم".
بالأمس تداول الناس على صفحات التواصل الاجتماعي مديح إمام الحرم المكي لأميركا ورئيسها وملكه سلمان، ووصفهما بما استحق به أن تتناوله الألسن التي كانت بالأمس تراه إمامًا ومرشدًا لها في طريق الحق! وقبل أيام قليلة حملت لنا الأخبار أنباءً عن اعتقال مجموعة من العلماء في أرض نجد والحجاز، وفي رمضان الماضي باركت هيئة كبار العلماء في أرض الحجاز تعيين الأمير محمد بن سلمان _وهو الحاكم الفعلي_ وليًّا للعهد خلفًا لأبيه.
أما هذا الابتذال الذي صدر من إمام الحرم المكي فظاهر فيه النفاق والانحراف الشديد عما يرشد إليه الشرع، وأما تجرؤ حكام بلاد نجد والحجاز، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان الذي أيَّدَ كبار العلماء اختياره وليًّا للعهد بالأمس القريب، على اعتقال العلماء وإهانتهم والاستخفاف بهم وإذلالهم دون أي رادع حتى وصل به الأمر أن اعتقل أحدهم لمجرد الدعاء بتأليف القلوب بين حكام نجد والحجاز وحكام قطر!! فحتى الدعاء إن لم يكن حسب هوى الحاكم فلن يتورع الحاكم عن إهانة العلماء وإذلالهم بعد أن أفقد كثيرًا منهم تأييد الناس لهم للجوئهم للنفاق للسلطان، أو سكوتهم عن المنكرات التي تتعلق به وبحكمه وبذْل كرامتهم _بوصفهم علماءَ_ رخيصة مقابل منافع دنيوية زائلة.
وليس هذا حال العلماء في أرض الحجاز فحسب بل في كل المنطقة الإسلامية حيث يتخذ كثير ممن شرفهم الله بدراسة علوم الشرع الإسلامي علمهم مهنة يسترزقون من خلالها، ويتركون ما استحفظوا عليه وراءهم ظِهريًّا.
ومن منطلق مسؤولية المسلمين عن دينهم، ومسؤولية العلماء بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، نتقدم إليكم بهذا النداء، بعد أن بلغت الحالة المزرية التي تعيشها الأمة مبلغًا عظيمًا، واشتدت فيها هجمة الكفار على المسلمين وبلادهم.
مقدمة..
لم تكف الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الغرب الكافر بعامة عن مهاجمة المسلمين، سواء أكان هجومها فكريًّا حضاريًّا، أم كان هجومًا عسكريًّا دمويًّا، طيلة العقود الثلاثة الماضية، وبخاصة بعد أن نصبت نفسها شرطيًّا دوليًّا، وأعلنت عن ولادة النظام الدولي الجديد وسخرت لأجل ذلك الدول الكبرى والمؤسسات الدولية كهيئة الأمم ومجلس الأمن، والأحلاف العسكرية كحلف النيتو، بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، فقد صرح القائد الاعلى للحلف الاطلسي السابق جون غالفين خلال كلمته الوداعية في بروكسل في 1992: "لقد فزنا بالحرب الباردة مع روسيا، الشيوعية، والآن بعد انحراف دام 70 عامًا يمكننا العودة إلى معركتنا الحقيقية التي لها جذور تاريخية منذ 1300 سنة، وهي المواجهة مع الإسلام". ومنذ بداية هذا القرن تُسعّر اميركا ومن خلفها الغرب الكافر حربًا عالمية جديدة على المسلمين بغض النظر عن بلدانهم أو أعراقهم أو مذاهبهم. فالقضية عند أميركا هي أن الخطر كل الخطر إنما هو آت من الأمة الإسلامية؛ لأنها وحدها التي تملك حضارة إنسانية عالمية قادرة على إنقاذ ليس نفسها فحسب، بل والعالم أجمع من هذه الرأسمالية المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة، وتفرضها على أمم الأرض وشعوب العالم بالاستعمار. ففي ندوة نظمها معهد تشاتام هاوس (Chatham House)، والمعروف رسميا باسم (المعهد الملكي للشؤون الدولية) بتاريخ 16 حزيران 2016 ومن قلب لندن رائدة الاستعمار القديم، كشف عالم السياسة الأميركي جون جوزيف ميرشايمر صاحب نظرية "الواقعية الهجومية" عن العقيدة السياسية الأميركية حيث قال: "إن القضية الأولى التي يجب إدراكها هي الاستراتيجية الأميركية الكبرى. لقد عقدنا العزم أن نسيطر على العالم عسكريا وأن نلتزم بشدة بنشر الديمقراطية الليبرالية في كل بقاع الأرض. إن إرساء هذه الاستراتيجية ينبع من اعتقادنا - حسب تعبير مادلين أولبرايت - أن الولايات المتحدة هي الأمة التي لا غنى عنها، ومن فكرة أننا أفضل من الجميع. ولذلك، فمن باب المسؤولية والحكمة، نحتفظ بحقنا في السيطرة على منطقة كالشرق الأوسط وفي القيام بهندسة اجتماعية من خلال فوهة البندقية". وهذا يُفسر ما قامت به أميركا وبخاصة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين حيث شنت حربين ضروستين ضد الأمة الإسلامية في أفغانستان أقصى العالم الإسلامي، وفي العراق قلبه النابض.
وإنه وإن كانت الذريعة الأساسية لهاتين الحربين هو مطاردة تنظيم القاعدة الذي اتهمته واشنطن بتدبير وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الغاية الحقيقية هي تحطيم النفسية الإسلامية، والتصدي للحس الإسلامي المتنامي في الأمة، والرأي العام الكاسح له في بلاد المسلمين، ولثني المسلمين عن التحول إلى تطبيق الاسلام في حياتهم، مستبدلين حضارة الكفر الغربية ونمط عيشها، بما يتطلعون لإيجاده من الحكم بالإسلام والعيش بحسب طريقته في الحياة والدولة والمجتمع.
ورغم الآثار الفظيعة التي تركتها هاتان الحربان إلا أنهما لم تكونا كافيتين لإحداث هذه الانعطافة في حركة الأمة والتنكب لدينها وتبني الحضارة الغربية مبدأ ونظامًا للحياة. فتفتقت أذهان السياسيين والمفكرين الأميركيين عن وضع مشروع جديد للمنطقة، هو مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تريده أن يكون الأداة لإبعاد المسلمين عن دينهم، مستغلة الأوضاع المتردية في مختلف مجالات الحياة التي خلفها عملاؤها الحكام طيلة حكمهم. ولما كان الظلم السياسي والشعور بالهزيمة ونقمة المسلمين على الحكام والضعف الشديد للثقة بمعظم علماء الأمة وبخاصة الذين ارتبط تمثيلهم للدين في ذاكرة الأمة بالنفاق للسلاطين وتأويل تصرفاتهم المخالفة للشرع، وتسويغ ظلمهم للأمة بدل أن يكونوا سدًّا منيعًا في وجه كل من تسول له نفسه المساس بدين الله، وتسطير المواقف التي ستخلدهم في الآخرة وتدفع الأمة لدعمهم والوقوف خلفهم في معركة الأمة ضد الكفر وأعوانه، وباستحضار كل الأسباب السابقة فقد زادت جرأة أميركا وعملائها على إعادة طرح العلمانية والديموقراطية والدولة المدنية، وغيرها من مفاهيم الحضارة الغربية باعتبار تلك المفاهيم الركيزة الأساسية للتغيير المنشود في الشرق الأوسط لإعادة التركيز على اختراقه أفقيًّا بعدما اخترقته عاموديًّا عن طريق الحكام وذلك لتضليل المسلمين واستدراجهم ولإعطاء مشروعها صدقية، ثم استكمالًا لمشروعها أمدّتهم بأسباب الهلاك من خلال الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية، وقادتهم عبر عملائها إلى الذبح كما تشاهدون.
أيها العلماء..
برغم خديعة "الربيع العربي" إلا أن "الثورات العربية " كشفت بشكل واضح عن ضعف الأنظمة وعن أزمة الشرعية التي تعانيها من جراء اغتصابها للسلطة ومن الفجوة بينها وبين أهل البلاد، كما أكدت أن نفور المسلمين ورفضهم للأنظمة المنبثقة عن الاستعمار لم يسقط بتقادم الزمن، وأن القمع والإرهاب لم يُثنهم عن غايتهم في التحرر والنهوض أو يكسر إرادتهم، ولولا الإسناد الذي يستمده الحكام من بعضكم صراحة، ومن سكوت بعضكم الآخر لزالت شرعيتهم الزائفة وما وجدوا غير استجداء الشرعية من إرادة الأمة وعقيدتها سبيلًا.
إن حب الدنيا وكراهية الموت أفضى إلى منزلق عقدي خطير بمن يفترض فيهم حراسة العقيدة وقيم الأمة وهو انحراف مركز الولاء والبراء الذي حول علماء الدين إلى موظفين وحول الدين إلى مؤسسة من أجهزة الدولة وأطّر عمل العلماء بهيئات رسمية دسترت فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة وشرّعته. وجعل الدين والعلماء مطية للحكام وأداة لتثبيت الكفر والظلم في بلاد المسلمين على شاكلة ما حل بأوروبا في عصور الظلام، ولو انتبه العلماء إلى مبلغ حاجة الحكام إليهم وإلى الدين لإضفاء الشرعية عليهم وعلى أنظمتهم لما للدين من فاعلية وأثر في نفوس البشر لعلموا أنهم هم القادة الفعليون للأمة. وليس هناك برهان على ذلك أبلغ من استبضاع ملك المغرب لقب "أمير المؤمنين" وملك السعودية "خادم الحرمين" وملك الأردن "سليل الدوحة الهاشمية".