المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نداء إلى علماء الأمة بعامة وعلماء الخليج بخاصة



Abu Taqi
27-09-2017, 07:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

نداء إلى علماء الأمة بعامة وعلماء الخليج بخاصة

قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا } وقال {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وقد روى أبو داوود والترمذي وابن حبان وابن ماجه وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال _ضمن حديث طويل_: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم".
بالأمس تداول الناس على صفحات التواصل الاجتماعي مديح إمام الحرم المكي لأميركا ورئيسها وملكه سلمان، ووصفهما بما استحق به أن تتناوله الألسن التي كانت بالأمس تراه إمامًا ومرشدًا لها في طريق الحق! وقبل أيام قليلة حملت لنا الأخبار أنباءً عن اعتقال مجموعة من العلماء في أرض نجد والحجاز، وفي رمضان الماضي باركت هيئة كبار العلماء في أرض الحجاز تعيين الأمير محمد بن سلمان _وهو الحاكم الفعلي_ وليًّا للعهد خلفًا لأبيه.
أما هذا الابتذال الذي صدر من إمام الحرم المكي فظاهر فيه النفاق والانحراف الشديد عما يرشد إليه الشرع، وأما تجرؤ حكام بلاد نجد والحجاز، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان الذي أيَّدَ كبار العلماء اختياره وليًّا للعهد بالأمس القريب، على اعتقال العلماء وإهانتهم والاستخفاف بهم وإذلالهم دون أي رادع حتى وصل به الأمر أن اعتقل أحدهم لمجرد الدعاء بتأليف القلوب بين حكام نجد والحجاز وحكام قطر!! فحتى الدعاء إن لم يكن حسب هوى الحاكم فلن يتورع الحاكم عن إهانة العلماء وإذلالهم بعد أن أفقد كثيرًا منهم تأييد الناس لهم للجوئهم للنفاق للسلطان، أو سكوتهم عن المنكرات التي تتعلق به وبحكمه وبذْل كرامتهم _بوصفهم علماءَ_ رخيصة مقابل منافع دنيوية زائلة.
وليس هذا حال العلماء في أرض الحجاز فحسب بل في كل المنطقة الإسلامية حيث يتخذ كثير ممن شرفهم الله بدراسة علوم الشرع الإسلامي علمهم مهنة يسترزقون من خلالها، ويتركون ما استحفظوا عليه وراءهم ظِهريًّا.
ومن منطلق مسؤولية المسلمين عن دينهم، ومسؤولية العلماء بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، نتقدم إليكم بهذا النداء، بعد أن بلغت الحالة المزرية التي تعيشها الأمة مبلغًا عظيمًا، واشتدت فيها هجمة الكفار على المسلمين وبلادهم.

مقدمة..
لم تكف الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الغرب الكافر بعامة عن مهاجمة المسلمين، سواء أكان هجومها فكريًّا حضاريًّا، أم كان هجومًا عسكريًّا دمويًّا، طيلة العقود الثلاثة الماضية، وبخاصة بعد أن نصبت نفسها شرطيًّا دوليًّا، وأعلنت عن ولادة النظام الدولي الجديد وسخرت لأجل ذلك الدول الكبرى والمؤسسات الدولية كهيئة الأمم ومجلس الأمن، والأحلاف العسكرية كحلف النيتو، بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، فقد صرح القائد الاعلى للحلف الاطلسي السابق جون غالفين خلال كلمته الوداعية في بروكسل في 1992: "لقد فزنا بالحرب الباردة مع روسيا، الشيوعية، والآن بعد انحراف دام 70 عامًا يمكننا العودة إلى معركتنا الحقيقية التي لها جذور تاريخية منذ 1300 سنة، وهي المواجهة مع الإسلام". ومنذ بداية هذا القرن تُسعّر اميركا ومن خلفها الغرب الكافر حربًا عالمية جديدة على المسلمين بغض النظر عن بلدانهم أو أعراقهم أو مذاهبهم. فالقضية عند أميركا هي أن الخطر كل الخطر إنما هو آت من الأمة الإسلامية؛ لأنها وحدها التي تملك حضارة إنسانية عالمية قادرة على إنقاذ ليس نفسها فحسب، بل والعالم أجمع من هذه الرأسمالية المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة، وتفرضها على أمم الأرض وشعوب العالم بالاستعمار. ففي ندوة نظمها معهد تشاتام هاوس (Chatham House)، والمعروف رسميا باسم (المعهد الملكي للشؤون الدولية) بتاريخ 16 حزيران 2016 ومن قلب لندن رائدة الاستعمار القديم، كشف عالم السياسة الأميركي جون جوزيف ميرشايمر صاحب نظرية "الواقعية الهجومية" عن العقيدة السياسية الأميركية حيث قال: "إن القضية الأولى التي يجب إدراكها هي الاستراتيجية الأميركية الكبرى. لقد عقدنا العزم أن نسيطر على العالم عسكريا وأن نلتزم بشدة بنشر الديمقراطية الليبرالية في كل بقاع الأرض. إن إرساء هذه الاستراتيجية ينبع من اعتقادنا - حسب تعبير مادلين أولبرايت - أن الولايات المتحدة هي الأمة التي لا غنى عنها، ومن فكرة أننا أفضل من الجميع. ولذلك، فمن باب المسؤولية والحكمة، نحتفظ بحقنا في السيطرة على منطقة كالشرق الأوسط وفي القيام بهندسة اجتماعية من خلال فوهة البندقية". وهذا يُفسر ما قامت به أميركا وبخاصة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين حيث شنت حربين ضروستين ضد الأمة الإسلامية في أفغانستان أقصى العالم الإسلامي، وفي العراق قلبه النابض.
وإنه وإن كانت الذريعة الأساسية لهاتين الحربين هو مطاردة تنظيم القاعدة الذي اتهمته واشنطن بتدبير وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الغاية الحقيقية هي تحطيم النفسية الإسلامية، والتصدي للحس الإسلامي المتنامي في الأمة، والرأي العام الكاسح له في بلاد المسلمين، ولثني المسلمين عن التحول إلى تطبيق الاسلام في حياتهم، مستبدلين حضارة الكفر الغربية ونمط عيشها، بما يتطلعون لإيجاده من الحكم بالإسلام والعيش بحسب طريقته في الحياة والدولة والمجتمع.
ورغم الآثار الفظيعة التي تركتها هاتان الحربان إلا أنهما لم تكونا كافيتين لإحداث هذه الانعطافة في حركة الأمة والتنكب لدينها وتبني الحضارة الغربية مبدأ ونظامًا للحياة. فتفتقت أذهان السياسيين والمفكرين الأميركيين عن وضع مشروع جديد للمنطقة، هو مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تريده أن يكون الأداة لإبعاد المسلمين عن دينهم، مستغلة الأوضاع المتردية في مختلف مجالات الحياة التي خلفها عملاؤها الحكام طيلة حكمهم. ولما كان الظلم السياسي والشعور بالهزيمة ونقمة المسلمين على الحكام والضعف الشديد للثقة بمعظم علماء الأمة وبخاصة الذين ارتبط تمثيلهم للدين في ذاكرة الأمة بالنفاق للسلاطين وتأويل تصرفاتهم المخالفة للشرع، وتسويغ ظلمهم للأمة بدل أن يكونوا سدًّا منيعًا في وجه كل من تسول له نفسه المساس بدين الله، وتسطير المواقف التي ستخلدهم في الآخرة وتدفع الأمة لدعمهم والوقوف خلفهم في معركة الأمة ضد الكفر وأعوانه، وباستحضار كل الأسباب السابقة فقد زادت جرأة أميركا وعملائها على إعادة طرح العلمانية والديموقراطية والدولة المدنية، وغيرها من مفاهيم الحضارة الغربية باعتبار تلك المفاهيم الركيزة الأساسية للتغيير المنشود في الشرق الأوسط لإعادة التركيز على اختراقه أفقيًّا بعدما اخترقته عاموديًّا عن طريق الحكام وذلك لتضليل المسلمين واستدراجهم ولإعطاء مشروعها صدقية، ثم استكمالًا لمشروعها أمدّتهم بأسباب الهلاك من خلال الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية، وقادتهم عبر عملائها إلى الذبح كما تشاهدون.

أيها العلماء..
برغم خديعة "الربيع العربي" إلا أن "الثورات العربية " كشفت بشكل واضح عن ضعف الأنظمة وعن أزمة الشرعية التي تعانيها من جراء اغتصابها للسلطة ومن الفجوة بينها وبين أهل البلاد، كما أكدت أن نفور المسلمين ورفضهم للأنظمة المنبثقة عن الاستعمار لم يسقط بتقادم الزمن، وأن القمع والإرهاب لم يُثنهم عن غايتهم في التحرر والنهوض أو يكسر إرادتهم، ولولا الإسناد الذي يستمده الحكام من بعضكم صراحة، ومن سكوت بعضكم الآخر لزالت شرعيتهم الزائفة وما وجدوا غير استجداء الشرعية من إرادة الأمة وعقيدتها سبيلًا.
إن حب الدنيا وكراهية الموت أفضى إلى منزلق عقدي خطير بمن يفترض فيهم حراسة العقيدة وقيم الأمة وهو انحراف مركز الولاء والبراء الذي حول علماء الدين إلى موظفين وحول الدين إلى مؤسسة من أجهزة الدولة وأطّر عمل العلماء بهيئات رسمية دسترت فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة وشرّعته. وجعل الدين والعلماء مطية للحكام وأداة لتثبيت الكفر والظلم في بلاد المسلمين على شاكلة ما حل بأوروبا في عصور الظلام، ولو انتبه العلماء إلى مبلغ حاجة الحكام إليهم وإلى الدين لإضفاء الشرعية عليهم وعلى أنظمتهم لما للدين من فاعلية وأثر في نفوس البشر لعلموا أنهم هم القادة الفعليون للأمة. وليس هناك برهان على ذلك أبلغ من استبضاع ملك المغرب لقب "أمير المؤمنين" وملك السعودية "خادم الحرمين" وملك الأردن "سليل الدوحة الهاشمية".

Abu Taqi
27-09-2017, 07:55 PM
ومن هذا المنطلق فإننا نطالبكم أيها العلماء بوصفكم أمناء الرسل بما يلي:
أولًا: يجب العمل على محاربة وإزالة كل ما من شأنه أن يوحي بفصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، فلا رجال دين في الإسلام ولا مؤسسات دينية في الدولة والمجتمع، ولا يصح وجود دستور أو قوانين تكرس هذا الوضع، وما شاكل ذلك من الصفات التي ترسخ العلمانية وتجذِّر فكرها وآليات تنفيذها في الدولة والمجتمع. كما يجب أن يسترد العلماء قوامتهم على المجتمع وواجبهم في الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كعلماء السلف الذين ترجموا قوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} بالولاء والبراء والعمل الجماعي؛ وذلك من أجل تفويت الفرصة على العلمانيين وأشياعهم العابثين بالإسلام والمزيفين له لتكييفه مع العلمانية بذريعة الوسطية والاعتدال وتجديد الخطاب الديني و"تنقية التراث".
ثانيًا: إن الله افترض عليكم بما استحفظكم من كتاب الله وجعلكم عليه شهداء، أن تعلموا الناس العلم الذي يوجد الوعي على دينهم، فيرفع شأنهم وينهض بهم، ويجعل توجههم نحو قضاياهم المصيرية، كقضية الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باعتبارهما ذلك التحدي للقوانين الوضعية الفاسدة المستمدة من قوانين الكفر وحضارته.
وكقضية وحدة الأمة الإسلامية برفع الحدود بين أقطارها؛ لتستطيع بمجموع اقتصادها أن تبني لها قوة ترهب بها عدو الله وعدوها، ولتأخذ مكانها بين الشعوب والأمم.
كونوا أمناء على ما ائتمنكم الله، وإياكم وكتمان بيان ما أنزل الله، وهو سبحانه وتعالى القائل: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.
علموا المسلمين كيف جزئت بلادهم، وغدوا كالأيتام على مآدب اللئام، بعد زوال دولة الإسلام، فلا راعي لهم يصون دماءهم، ويحفظ كرامتهم. لا تقتصروا في تعليمهم على العبادات والأخلاق فحسب، وتتركوا القضايا المصيرية، ملتزمين بحدود الوظيفة، والله سائلكم عما ائتمنكم عليه من العلم، فكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: {الذين يبلِّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله وكفى بالله حسيبًا}.
علموا الناس أحكام دار الإسلام ودار الكفر، وأن الدار تكون دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها، وتكون دار كفر، بظهور أحكام الكفر فيها، كما هو حاصل اليوم.
علموهم أن التقيد بأنظمة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تقتضي مقاطعة أي قطر إسلامي لأي سبب كان حرام لا يجوز التقيد به.
علموهم أن نزع أسلحة الدمار الشامل من الأقطار الإسلامية حرام، وفيه مخالفة لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.
أنزلوا الأحكام على الوقائع والأحداث الجارية، كما كان القرآن يتنزل منجمًا حسب الحوادث، وذلك لكي يعرف الناس الحكم الشرعي في كل حادثة تحدث. فلقد علمنا الوحي كيف نعلم أمتنا أحكام ديننا. وبين لنا في كتاب ربنا وسنة نبينا طريقة تعليمها، وأنه باستقرائنا لأسباب نزول القرآن الكريم من قبل الوحي، نعرف كيف نعلم أمتنا أحكام دينها؛ لكي تكون واعية على الإسلام، وعلى أحكامه، وعيًا شاملًا لجميع نواحي الحياة.
علموهم كيف ينهض الإنسان، وكيف تتحرر البلدان، وكيف تصان الحرمات، وكيف يطبق الإسلام وتسعد الأمة، وتسعد بسعادتها البشرية.
حذروهم من أفكار أميركا ومفاهيم الحضارة الغربية من ديموقراطية وتعددية وحقوق إنسان وحريات، وعلموهم أن ما يوافق الإسلام وما لا يخالف الإسلام من دساتير وقوانين وتشريعات ليس من الإسلام، فكيف بما يناقض الإسلام المناقضة الواضحة الصريحة؟!
علموهم أن الدولة المدنية تعني الدولة التي تفصل الدين عن الدولة؛ أي الدولة العلمانية، والدعوة للدولة المدنية دعوة للكفر؛ لأنها دعوة لفصل الدين عن الحياة والدولة.
ثالثًا: يجب عليكم إعادة النظر فيما ذهبتم إليه من فهم للدين أصوله وفروعه، وأن تتخذوا القطع واليقين معيارًا للعقائد وما ثبت أصله بالقطع من مصادر التشريع معيارًا لما يرشد إلى حكم شرعي. وذلك من أجل وحدة كلمة المسلمين ونظرتهم إلى الحياة والمصالح إذ لا تكفي النظرة من زاوية الشرع بعمومه لتوحيد نظرة المسلمين إلى المصالح ، فلا يمكن توحيد النظرة إلى الحكم وكيفية الوصول إليه وهو الأهم في الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية إلا بتوحيد الأصول والقواعد والدقة بتشخيص الواقع. وبذلك ينجو المسلمون من الزلل والانحراف وتشويه الإسلام وتُسد الذرائع في وجه تهمة الإرهاب التي تداعت علينا الأمم لأجلها.

أيها العلماء..
لم يعد يخفى على المسلمين الدور الذي أسنده الحكام إليكم باستخدام الدين لتسويغ الاستبداد والانحياز للظالم، وإيجاد المبررات لقبول الظلم، وتعطيل أمر الحاكم بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتخذيل المسلمين عن القيام بواجبهم، وتوطين الكفر في بلاد المسلمين، حتى غدا:
الحكم بغير ما أنزل الله في فقه علماء السلاطين شرعًا،
وغدت الخيانة وعمالة الحكام للكفار برأيهم دينًا،
وبات الأخذ على يد الظالم والعمل للإسلام وإقامة شرعه فتنة وضلالًا،
ومصادرة إرادة الأمة وغصب سلطانها وتغليب المجرمين حكمة،
وأضحت السياسة وضبطها بالإسلام بدعة،
وما كان ذلك ليحصل لولا أن اجترح العلماء من "وحي" المصالح مرونة الإسلام ووسطيته واعتداله ما يُفزعون به المسلمين من غضب الله والبدعة، ومن ذريعة الفتنة التي فتنوا بها المسلمين عن دينهم وأفسدوا بالتذرع بها عيشهم ومكنوا لعدوهم وجذّروا حكم الطاغوت فيهم. وهكذا أيها العلماء، فقد أفضى هاجس الخوف من الفتنة إلى تردي الفقه السياسي ورفض التغيير والانتصار للظلم والظالم عِوض الانحياز للدين، كما أفضى إلى تسخير الدين وإخضاعه والمسلمين لخدمة أهداف أميركا وعملائها والطامعين، وأدى إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو غرق المسلمين في وحل العلمانية والديموقراطية الآسنة. وكل ذلك مما سيسألكم الله عنه يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فانفضوا غبار العار عنكم وعن أمتكم واخلعوا رداء الذل الذي يسربلكم وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا قد تلفح وجوهكم واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.
لقد استغلت أميركا مسؤولية بعض التيارات الفكرية والحركية "الإسلامية" عن شرعنة ظلم الحكام واستبدادهم وتفريخ التنظيمات "الراديكالية" لضرب الإسلام ودعم التيار العلماني الرخيص. فأسقطت أخطاء التيارات الدينية المنحرفة وفشلهم في الحكم على الإسلام نفسه بغرض تسويق العلمانية بقناع الديموقراطية والدولة المدنية محمولة على جناح مقاصد الشريعة في العدل والمساواة تماهيًّا مع الميول الإسلامية في الشرق الأوسط. فيما لم يطبق عملاؤها ديموقراطيتهم العفنة التي يتبجح بها العلمانيون ولا دولتهم المدنية المزعومة بل أعادوا إنتاج الاستبداد والتخلف والتبعية وثبتوا أركان الأنظمة التي وظفت "الإسلاميين" لتصفية الإسلام سياسيًّا ومجتمعيٍّا. والأخطر من ذلك كله، هو تفريغ مفهوم التغيير من مضمونه وشيطنة الخطاب الديني وشل إرادة الأمة وتوجيهها نحو تجديد نظرتها إلى الإسلام واستبضاع منتجات الفكر السياسي الحديث كسيادة الشعب والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة في ظل نجاح التجربة الغربية وفشل المسلمين بالنهوض والتحرر وغرقهم في أوحال الطائفية والقومية والعرقية والمذهبية والاستخدام الجائر للدين وقصره على تبرير الممارسات والأفهام المنحرفة وفي أجواء الشك بالموروث الفكري والتشريعي وانسداد الأفق أمام الحلول الدينية وعجز التيار الحركي الإسلامي المنحرف عن جادة الصواب _نتيجة أخطائه أو تضليله أو نصب الفخاخ السياسية للايقاع به وغير ذلك_ عن تقديم بديل عملي ناجح. ولذلك جعلوا تجديد الخطاب الديني حجر الزاوية في مخطط تزييف الوعي وتمرير الفكر العلماني الحداثي كضرورة ملحة واستحقاق تفرضه تحديات العصر ومشكلاته المتجددة.

Abu Taqi
27-09-2017, 07:56 PM
فيا علماء الأمة..
إننا نخاطبكم بوصفكم ورثة الأنبياء الذين أناط الله بهم بيان علم النبوة من الكتاب والسنة الشريفة المطهرة، والاستمرار في إقامة الحجة على أهل الأرض،
فيا ورثة النبوة من علماء الأمة بعامة، ونجد والحجاز بخاصة.. إنكم تعلمون ولستم بحاجة إلى مزيد من الشرح والتفصيل عما حلَّ بأمتنا من شر على أيدي الغرب بقيادة فرنسا وبريطانيا في القرن الماضي، وإلغاء الخلافة التي هي منصب وراثة النبوة واستمرار العمل بهديها، ثم دخول أميركا للمنطقة وتثبيت قواعد عسكرية لها وبخاصة في البلاد التي تضم نجد والحجاز التي يحرم أن يجتمع فيها دينان، مبشرة بتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير، والذي من تداعياته إثارة الفتن المذهبية و الطائفية والعرقية بين أبناء الأمة الواحدة وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم مستغلين حكامًا يخشونهم أكثر من خشيتهم لربهم ومستعدين لطاعتهم بمعصية ربهم وإغضابه، من أجل الحفاظ على عروشهم التي ما تزال لا تجلب على الأمة _كما تعلمون_ إلا الويل والدماء والعار، مستغلين ومستثمرين أبناء أمتنا من قيادات ورتب عسكرية في الجيوش لتنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم، ومدعمين لجهودهم الامنية والعسكرية في فرض الهيمنة على الأمة ومقدراتها، بالغزو الفكرى المركز والمكثف والذي يهدف إلى تغريب الأمة وردها عن دينها وعقيدتها التي هي مصدر عزها وفخرها وهويتها الحقيقية.
إنهم يحاولون اليوم ردتكم عن دينكم تحت مسمى الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة وبخاصة في شبه الجزيرة العربية، وحمل حكام الجزيرة على التخلي حتى عن مظاهر الإسلام وأحكامه وتشريعاته والترويج لبناء الدولة المدنية التي لا يكون للدين أو علماؤه مكان فيها. {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}

يا علماء الأمة.. يا علماء الجزيرة.. يا علماء نجد الحجاز.. مهبط الوحي ومنبع الرسالة:
لم يبق لكم اليوم حجة لا أمام الله ولا أمام الناس ولا أمام سجل التاريخ، لتقفوا وقفة عز وفخار كما كان سلفكم الصالح، فترفضوا كل من يبغونها عوجًا، ولا تأخذكم في الله لومة لائم. وأمتكم من ورائكم لتحيوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، فلا علمانية ولا مدنية إنما نريدها خلافة راشدة على منهاج النبوة، ومنها وبها فقط عز دينكم وظهوره على الدين كله، وعزكم في الدارين في الدنيا والآخر.. نعم نريدها خلافة راشدة تعيد لنا أبا بكر ليقضي على الردة وأهلها، وعمر ليقضي على الكسروية والهرقلية وجموعها.
فهيا وحيا على الفلاح، وقوموا لدوركم الذي أناطه الله بكم وأنتم يوم القيامة أشد الناس حسابًا.
قوموا لدوركم ونحن وكافة الأمة في مشارق الأرض ومغاربها من ورائكم فإن أمتكم تنتظركم.
لا تنسوا أيها العلماء أن فروض الكفاية وعلى رأسها إقامة الخلافة في رقابكم وأنتم المسؤولون عنها قبل غيركم .
فان عملتم بنية خالصة لله، دون أن تخشوا فيه أحدًا فإن الله ناصركم ومسدد على الحق خطاكم وتكونوا قد عملتم على إنقاذ أمتكم من براثن الكفر والكفار وأدواتهم وأذنابهم الذين باعوا أنفسهم بأرخص الأثمان لعدوهم، وإن تخاذلتم وتنكبتم وأخلدتم إلى الأرض لا قدر الله تكونون قد خذلتم دين الله والأمة التي تنتظركم، ولا تظنوا للحظة واحدة أن من أرادوا لكم عصيان الله وتسويغ الظلم للناس باسمه أنهم سيرحموكم إن انتهى الدور الذي أسندوه لكم، فضلًا عن أن ينقذوكم من أيدي الجبار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
اليوم ينفع النصح والتحذير، أما غدًا فإما أن نكون وإياكم في معية الله جل وعلا، وقد أديتم الأمانة وبلغتم ميراث نبيكم صلى الله عليه وسلم، ونلتم رضا ربكم، أو أن تكونوا ممن قال الله فيهم لا قدر الله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا} .
وقانا الله وإياكم شر الخسران المبين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

27/ذي الحجة/1438هـ حزب التحرير
18/9/2017م