Abu Taqi
08-06-2017, 12:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
حول ما يبدو اضطراب في المشهد الدولي
إن تململ بعض الدول التقليدية الكبرى وبعض الدول القارية "المركزية" كألمانيا وروسيا، وارتفاع أصوات شخصيات سياسية وازنة ضد السياسة الأميركية كتذمر جيريمي كوربين من تبعية بلاده للسياسة الأميركية _والذي فشل تيار الوسط العُمالي بقيادة توني بلير في منعه من الفوز بزعامة الحزب_ كل ذلك ناجم عن الابتزاز الأميركي غير المسبوق لدول العالم، فقد كانت أميركا تُرغم أوروبا على السير معها وتبني مواقفها أو تنفيذ إرادتها دون تحميلها أعباء وتكاليف مشاريعها كاملة؛ وكانت تنهب دول الخليج دون إفراغ خزائنها أو الاعتماد على مدخولها لمعالجة مشاكلها ودعم قيادتها السياسية، لكنها جنحت مع مجيء ترمب إلى سياسة تحميل الآخرين تبعات مشاريعها ومصالحها وسياساتها دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات ذلك على الدول والأنظمة التابعة لها وتلك التي تدور في فلكها. وهذا وإن كان يؤثر على العلاقات الدولية ويُربك مسار بعض القضايا إلى حد ما، لكنه لا يؤثر على الموقف الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة متفردة فيه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وعلاوة على ذلك، فمن المستبعد جدًا أن يتبدل الموقف الدولي في المدى المنظور لعدم توفر أسباب تبدله وأهمها تراجع قوة "الدولة الأولى في العالم"، وعدم ظهور قوة مبدئية منافسة مُتحررة من القيود الأميركية، تكون قادرة على المشاركة الفعلية في صياغة القرار الدولي.
إن زحزحة الدولة الأولى في العالم لا يأتي عبر القوة العسكرية، وحدها بل إن الخيار العسكري لقلب الموقف الدولي لا يرد في ظل امتلاك السلاح النووي من قبل القوى العظمى، وإنما يأتي بالنفوذ في المناطق الحيوية كمنطقة الشرق الأوسط وبالاستقلال الاقتصادي بِحَدّهِ الأدنى كعدم ارتباط مصالح واقتصاد الدولة المنافسة بأميركا، والذي تفتقر إليه الصين مثلًا، بالإضافة إلى امتلاك الدولة الطامحة للمنافسة الدولية عقيدة سياسية ومنظومة قيمية عالمية؛ أي عابرة للقومية والمعتقدات الروحية الخاصة، وهو ما تفتقر إليه روسيا القومية. أوروبا لا تزال غير قادرة على حماية أمنها وحدودها وليس لها نفوذ فاعل في المناطق الحيوية العالمية ولم تنفرد بمعالجة قضية دولية واحدة بمعزل عن الإرادة الأميركية، وهذه هي نقطة ضعفها. أما روسيا ففاقدة للنفوذ خارج مجالها الحيوي بل وتكافح من أجل المحافظة على بقائها في بعضه بعدما فقدت غالبيته كخسارتها لأوكرانيا. وأما حضورها في الملف السوري فلا تملك فيه الفعل إلا لتراخي القبضة الأميركية فيه عن قصد. ولهذا لا يُتوقع أن تتسع الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا أو يتعدى الخصام عبارات التذمر والامتعاض إذ لا تملك أوروبا إلا السعي نحو صيغة توافق مع إدارة ترمب حول الملفات العالقة كما لا تملك روسيا فرض إرادتها بالقوة العسكرية وحدها.
هذه هي حقيقة العلاقة بين أميركا وأوروبا بما في ذلك روسيا. ومع ذلك فلا يتوقع أن يستمر هذا التذمر بسبب حرص الرأسماليين (الدولة العميقة) في أميركا على أهمية بقاء أوروبا تحت قيادة أميركا وعدم انفراط عقد الاتحاد الأوروبي. إن مواقف ترامب وآخرها نقده اللاذع لألمانيا بسبب عدم دفعها التزاماتها المالية لحلف الأطلسي، أو إعلان ترامب انسحاب أميركا من اتفاق قمة المناخ في باريس، كلها من أجل ابتزاز أوروبا والعالم من أجل تحمل أكثر للأعباء المالية في تنفيذ مشاريع أميركا، وهذا ينطبق أيضًا على دول الخليج بنفس القدر، وهذا الذي يسمى بسياسة الصدمة. ولذلك فالتوتر الأورو- أميركي مقصود لإخافة أوروبا من تخلي أميركا عن حمايتها في نفس الوقت الذي تقوم فيه أميركا بالتصعيد حاليًّا مع روسيا في آسيا الوسطى من أجل الضغط على أوروبا، وليس على روسيا. فالتحركات الأميركية بزيادة وجودها العسكري في كوريا الجنوبية، وتفعيل دور (داعش) في أفغانستان يبدو في ظاهره ضغطًا على روسيا، ولكنه في حقيقته ضغط على أوروبا عبر الترويج لفكرة وجود ارتباك للموقف الدولي ونشر فزاعة الخوف من روسيا.
7/رمضان/1438هـ
2/6/2017م
جواب سؤال
حول ما يبدو اضطراب في المشهد الدولي
إن تململ بعض الدول التقليدية الكبرى وبعض الدول القارية "المركزية" كألمانيا وروسيا، وارتفاع أصوات شخصيات سياسية وازنة ضد السياسة الأميركية كتذمر جيريمي كوربين من تبعية بلاده للسياسة الأميركية _والذي فشل تيار الوسط العُمالي بقيادة توني بلير في منعه من الفوز بزعامة الحزب_ كل ذلك ناجم عن الابتزاز الأميركي غير المسبوق لدول العالم، فقد كانت أميركا تُرغم أوروبا على السير معها وتبني مواقفها أو تنفيذ إرادتها دون تحميلها أعباء وتكاليف مشاريعها كاملة؛ وكانت تنهب دول الخليج دون إفراغ خزائنها أو الاعتماد على مدخولها لمعالجة مشاكلها ودعم قيادتها السياسية، لكنها جنحت مع مجيء ترمب إلى سياسة تحميل الآخرين تبعات مشاريعها ومصالحها وسياساتها دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات ذلك على الدول والأنظمة التابعة لها وتلك التي تدور في فلكها. وهذا وإن كان يؤثر على العلاقات الدولية ويُربك مسار بعض القضايا إلى حد ما، لكنه لا يؤثر على الموقف الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة متفردة فيه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وعلاوة على ذلك، فمن المستبعد جدًا أن يتبدل الموقف الدولي في المدى المنظور لعدم توفر أسباب تبدله وأهمها تراجع قوة "الدولة الأولى في العالم"، وعدم ظهور قوة مبدئية منافسة مُتحررة من القيود الأميركية، تكون قادرة على المشاركة الفعلية في صياغة القرار الدولي.
إن زحزحة الدولة الأولى في العالم لا يأتي عبر القوة العسكرية، وحدها بل إن الخيار العسكري لقلب الموقف الدولي لا يرد في ظل امتلاك السلاح النووي من قبل القوى العظمى، وإنما يأتي بالنفوذ في المناطق الحيوية كمنطقة الشرق الأوسط وبالاستقلال الاقتصادي بِحَدّهِ الأدنى كعدم ارتباط مصالح واقتصاد الدولة المنافسة بأميركا، والذي تفتقر إليه الصين مثلًا، بالإضافة إلى امتلاك الدولة الطامحة للمنافسة الدولية عقيدة سياسية ومنظومة قيمية عالمية؛ أي عابرة للقومية والمعتقدات الروحية الخاصة، وهو ما تفتقر إليه روسيا القومية. أوروبا لا تزال غير قادرة على حماية أمنها وحدودها وليس لها نفوذ فاعل في المناطق الحيوية العالمية ولم تنفرد بمعالجة قضية دولية واحدة بمعزل عن الإرادة الأميركية، وهذه هي نقطة ضعفها. أما روسيا ففاقدة للنفوذ خارج مجالها الحيوي بل وتكافح من أجل المحافظة على بقائها في بعضه بعدما فقدت غالبيته كخسارتها لأوكرانيا. وأما حضورها في الملف السوري فلا تملك فيه الفعل إلا لتراخي القبضة الأميركية فيه عن قصد. ولهذا لا يُتوقع أن تتسع الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا أو يتعدى الخصام عبارات التذمر والامتعاض إذ لا تملك أوروبا إلا السعي نحو صيغة توافق مع إدارة ترمب حول الملفات العالقة كما لا تملك روسيا فرض إرادتها بالقوة العسكرية وحدها.
هذه هي حقيقة العلاقة بين أميركا وأوروبا بما في ذلك روسيا. ومع ذلك فلا يتوقع أن يستمر هذا التذمر بسبب حرص الرأسماليين (الدولة العميقة) في أميركا على أهمية بقاء أوروبا تحت قيادة أميركا وعدم انفراط عقد الاتحاد الأوروبي. إن مواقف ترامب وآخرها نقده اللاذع لألمانيا بسبب عدم دفعها التزاماتها المالية لحلف الأطلسي، أو إعلان ترامب انسحاب أميركا من اتفاق قمة المناخ في باريس، كلها من أجل ابتزاز أوروبا والعالم من أجل تحمل أكثر للأعباء المالية في تنفيذ مشاريع أميركا، وهذا ينطبق أيضًا على دول الخليج بنفس القدر، وهذا الذي يسمى بسياسة الصدمة. ولذلك فالتوتر الأورو- أميركي مقصود لإخافة أوروبا من تخلي أميركا عن حمايتها في نفس الوقت الذي تقوم فيه أميركا بالتصعيد حاليًّا مع روسيا في آسيا الوسطى من أجل الضغط على أوروبا، وليس على روسيا. فالتحركات الأميركية بزيادة وجودها العسكري في كوريا الجنوبية، وتفعيل دور (داعش) في أفغانستان يبدو في ظاهره ضغطًا على روسيا، ولكنه في حقيقته ضغط على أوروبا عبر الترويج لفكرة وجود ارتباك للموقف الدولي ونشر فزاعة الخوف من روسيا.
7/رمضان/1438هـ
2/6/2017م