المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول فلسطين وفرنسا وسوريا



Abu Taqi
08-05-2017, 12:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعات سياسية
حول فلسطين وفرنسا وسوريا
أولًا: فلسطين
إن وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أعلنت عنها حماس يوم 1/5/2017 على لسان خالد مشعل ليس فيها جديد لكل متابع عن قرب لحقيقة المواقف والعلاقات الدولية والإقليمية للحركة. فمنذ سنوات وحماس تتحدث عن "هدنة طويلة المدى" في ظل تسريبات عن لقاءات سرية بينها وبين زعماء من إسرائيل.
والجديد في هذه الوثيقة هو تحول حماس من الحديث عن "هدنة طويلة المدى" مع إسرائيل إلى "القبول بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس". ومن الواضح أن حماس وإن أكدت على تمسكها بـما تسميه "ثوابت القضية الفلسطينية" لكنها تسير على نهج منظمة فتح ولو بأسلوب فيه مراوغة ولعب على المصطلحات. فهي تقول بأنها لا تتفاوض حاليًّا مع إسرائيل لكنها ليست ضد المفاوضات كأسلوب في أخذ "الحقوق". وحماس تشدد على عدم اعترافها بإسرائيل لكنها لا تمانع في القبول بدولة فلسطينية على أراضي 1967 باعتبارها "صيغة توافقية وطنية".
إن توقيت زيارة عباس إلى أميركا بعد أيام قليلة من إعلان الوثيقة يؤكد أن حركتي حماس وفتح جزءٌ من مسلسل التنازل عن قضية فلسطين. ولذلك ليس صدفة أن تصدر هذه الوثيقة من حماس قبل أيام من زيارة محمود عباس إلى أميركا ولقائه بدونالد ترامب. هذه الزيارة التي ترافقت مع تأكيد اليونسكو مرة أخرى أن القدس هي حق تاريخي للمسلمين وهي محتلة من قبل إسرائيل. كما أنه ليس صدفة أن تصدر وثيقة حماس قبل أيام من تولي إسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسي للحركة حتى تبقى الوثيقة مرتبطة في الشعور بشخص خالد مشعل وليس بالرئيس الجديد لمكتب الحركة. فالمتوقع أن إسماعيل هنية سوف ينتقل للإقامة في الخارج بسبب متطلبات منصبه الجديد فيما يتعلق بالحركة والسفر لزيارة الدول والشخصيات السياسية. وبناءً عليه يبدو واضحًا وجود ارتباط بين وثيقة حماس وزيارة عباس لأميركا وانتخاب هنية لرئاسة مكتب الحركة.
ومن الجدير التنويه إليه أن سبب صعود هنية لرئاسة المكتب السياسي لحماس يعود للمواصفات التي تتمتع بها شخصية السيد هنية المحسوبة على جناح المعتدلين، وهو من الجيل الثاني لقادة حماس، والأكثر أهمية أنه يتمتع بقبول داخل الحركة وسكان الضفة والقطاع، وهذا من شأنه أن يضفيَ شرعية على الوثيقة ويمنع الأصوات الداخلية من الاعتراض أو المزايدة داخل الحركة. وكذلك فإن هذه المواصفات التي تتمتع بها شخصية السيد هنية تخدم إعادة إنتاج حماس ليلائم التوجه القادم للمفاوضات، وبخاصة أن أول تعقيب له بعد فوزه دعا فيه إلى (العمل على تقديم تنازلات يمكن أن تقدمها حماس للشعب الفلسطيني وبقية المكونات الفلسطينية الأخرى بالشكل الذي يصب في مصلحة حماس والشعب الفلسطيني).
أما بالنسبة للمفاوضات فظاهريًّا تعتبر وثيقة حماس كافية في هذه المرحلة بالنسبة لأميركا حتى تعلن عن أي مبادرة جديدة فيما يتعلق بمشروع "الدولة الفلسطينة".
وحول جدية إدارة ترامب للسير في مشروع "حل الدولتين"، فرغم أن ترامب لم يستخدم مصطلح "الدولة الفلسطينية" خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بعباس مدة 15 دقيقة، وكل ما أكد عليه ترامب هو قوله: "نريد إرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وسنحقق ذلك"، إلا أن واقع الولايات المتحدة الأميركية أنها دولة مؤسسات وتغيير سياساتها واستراتيجياتها مرتبط بمصالحها وليست مرهونة بوعد انتخابي من رئيس، أو بإغفال ذكرها في مؤتمر صحفي له، حيث من الممكن أن يتم تفسير ذلك الإغفال على أكثر من وجه.
إن أولوية أميركا هو إعادة صياغة المنطقة جغرافيًّا على مقتضى مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهذا الأمر يسير على قدم وساق في سوريا والعراق واليمين وليبيا ومصر. ومن هنا فلا تحتاج أميركا للضغط بقوة على إسرائيل من أجل القبول بدولة فلسطينية. وإذا حدث وفتحت أميركا مفاوضات جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فهو من أجل اظهار اعتنائها بـ"القضية المركزية" -للعرب- كجزء من دبلوماسية بيع الوهم للمسلمين وكأداة في إنجاح زيارة ترامب للمنطقة قريبًا.

ثانيًا: فرنسا
إن تهمة التدخل الروسي في الانتخابات الفرنسية ليست جديدة. فقد سبق وأن اتهم الأمين العام لحزب "إلى الأمام" ريتشارد فيران وسائل إعلام وهاكرز من روسيا في منتصف شباط/فبراير 2017 بأنهم يستهدفون مرشح الحزب إيمانويل ماكرون والذي حقق فوزًا كبيرًا هذه الليلة، وذكر فيران أن روسيا تؤيد مارين لوبان ومرشح يمين الوسط فرانسوا فيون، وطالب الحكومة الفرنسية باتخاذ خطوات لضمان عدم وجود "تدخل أجنبي" في الانتخابات الفرنسية. وازدادت الاتهامات الموجهة إلى روسيا بعد الزيارة التي قامت بها زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان إلى موسكو يوم 24/3/2017 حيث التقت بفلادمير بوتين الذي صرَّح وهو يخاطبها: إننا "لا نريد بأي شكل من الأشكال التأثير على الأحداث المقبلة لكننا نحتفظ بحقنا في التواصل مع كل ممثلي القوى السياسية في البلاد كما يفعل شركاؤنا الأوروبيون أو في الولايات المتحدة"، مضيفًا أن "المهم تبادل وجهات النظر معك حول طريقة تطوير علاقاتنا الثنائية والوضع في أوروبا. أعلم أنكم تمثلون طيفًا سياسيًّا أوروبيًّا يشهد تطورًا سريعًا". وكانت لوبان تهدف من زيارتها لموسكو إلى كسب أصوات جزء من اليسار المتردد وكذلك الحصول على مزيد من الدعم المالي من روسيا وبخاصة وأن حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه سبق له وأن اقترض تسعة ملايين يورو من بنك مقره موسكو في 2014 ويبحث عن مصادر جديدة للتمويل. وقد مثلت هذه الزيارة تحديًّا كبيرًا للدولة العميقة في فرنسا التي تراهن كثيرًا على نجاح ماكرون بما يمثله من محافظة على رؤية فرنسا تجاه أوروبا والحلف الأطلسي والعلاقة مع روسيا. ولهذا السبب جاء الدعم لماكرون من قبل فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي والمستشارة أنغيلا ميركل بل أيضًا من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نفسه الذي سبق له وأن هاتف ماكرون قبل أيام معدودة من الجولة الأولى للرئاسيات. كما أصدر أوباما يوم الخميس 4//5/2017 تسجيلًا بالفيديو دعا فيه صراحة إلى دعم ماكرون قائلًا: "أود أن تعلموا بأنني أدعم ايمانويل ماكرون"، مضيفًا أن ماكرون "يجسد آمال الشعب وليس مخاوفه". وأضاف و"لكن الانتخابات الفرنسية مهمة جدًا لمستقبل فرنسا والقيم التي نهتم بها كثيرًا؛ لأن نجاح فرنسا يهم العالم بأسره". وهذا يدل على أن هناك اتفاقًا بين الدولة العميقة في أميركا وفرنسا على وصول ماكرون إلى الحكم واستبعاد مارين لوبان من هذا المنصب. وما يدعم هذا الفهم أيضًا أن إيمانويل ماكرون متربط بالمخابرات الأميركية عن طريق البنك الذي يهرب فيه أمواله من الضرائب. وهذا البنك هو كاشات انترناشيونال ( Cachet International)، وأحد المؤسسين لهذا البنك هو العضو السابق في المخابرات الأميركية ريتشارد بالمار (Richard Palmer). والسؤال الآن هو: إذا كانت أميركا تدعم ماكرون، فمن يقف وراء هذه التسريبات الجديدة وما الغرض منها قبل ساعات من انتخابات الجولة الثانية؟ والجواب على ذلك لا يخرج عن احتمالين. أولًا: أن تكون روسيا هي التي تقف وراء هذه القرصنة بقصد توجيه الناخب الفرنسي نحو التصويت لصالح مارين لوبان على أمل أن تتغير السياسة الفرنسية تجاه روسيا وأوروبا والحلف الأطلسي بما يخدم مصالح روسيا في فك الحصار الأطلسي عليها داخل القارة الأوروبية رغم التعاون الكبير بينها وبين أميركا في ملفات الشرق الأوسط. ولعل هذا التدخل الروسي هو ما دعا اللجنة المشرفة على الانتخابات وسائل الإعلام إلى عدم نشر الوثائق المسربة حتى لا تؤثر على اتجاه التصويت عند الناخب الفرنسي. ثانيًا: أن تكون أميركا هي وراء التسريبات الأخيرة من أجل زيادة الشعور بالخوف داخل الناخب الفرنسي من وصول مارين لوبان إلى الحكم. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أن يحسم المترددون من اليسار (أنصار جان لوك ميلينشون) ومن اليمين (أنصار فرانسوا فيون) موقفهم ويصوتوا لمصلحة المرشح إيمانويل ماكرون خوفًا من خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي أو تصدع علاقتها مع الحلف الأطلسي أو ضياع القيم الفرنسية في الحرية والديمقراطية بوصول لوبان إلى سدة الحكم. إنه في ظل الشعور بالقلق والخوف الذي يخيم على الرأي العام الفرنسي، يروج أغلب المراقبين والمحللين في السياسة والاقتصاد في وسائل الإعلام الفرنسية أن فرنسا معرضة إلى مخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية أعظم من تلك التي تتعرض لها المملكة المتحدة (بخروجها من الاتحاد) أو الولايات المتحدة (بوصول ترامب إلى الحكم) في صورة فوز مارين لوبان بالحكم.

Abu Taqi
08-05-2017, 12:43 PM
ثالثًا: سوريا
لم تأتِ نتائج محادثات أستانا الأخيرة بتغيير كبير عما سبق شرحه في المتابعة السياسية المتعلقة بـ "مؤامرة المناطق الآمنة في سوريا" بتاريخ 21/2/2017، اللهم ما ورد من تغيير في المصطلحات وفي تأكيد أولوية مرجعية أستانا على مرجعية جنيف. فبدل الحديث عن "مناطق آمنة" جرى الاتفاق على "مناطق خفض التصعيد" في أربع مناطق هي محافظة إدلب وأحياء مجاورة في محافظات حماة وحلب واللاذقية، ومنطقة في شمال محافظة حمص وأخرى في الغوطة الشرقية شرقي العاصمة دمشق، ومنطقة أخيرة في جنوب سوريا على الحدود مع الأردن. والسبب في تغيير هذه المصطلحات الغامضة مع بقاء الغاية من وراء إنشاء هذه المناطق يكمن في عدم وجود قبول شعبي لهذه المشاريع التقسيمية فضلًا عن محاولة روسيا الاستعراض أمام العالم أنها لم تخضع لإرادة أميركا في تحقيق ما أراده ترامب من إيجاد مناطق آمنة وبخاصة بعد ضرب أميركا لقاعدة الشعيرات في حمص.
وقد احتجت حتى المعارضة الموجودة في أستانا على وجود إيران كضامن لهذا الاتفاق بسبب أن إيران وروسيا يمارسان كل أنواع الإجرام منذ سنوات. فالاتفاق لم يتضمن أي حديث عن خروج المليشيات الشيعية من سوريا في الوقت الذي أعطى فيه الاتفاق الحق للدول الضامنة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواصلة قتال تنظيم الدولة الإسلامية و"فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا) وجماعات أخرى داخل مناطق خفض التصعيد وخارجها. وهذا يعني عمليًّا إبقاء يد روسيا وأميركا وتوابعهما طليقة في مواصلة القتل والقصف في أي مكان ولأي جماعة بذريعة محاربة "الإرهاب".
كما أنه تم رفض الطلب التركي بتحويل المنطقة الواقعة بين جرابلس وأعزاز نزولًا نحو مدينة الباب إلى منطقة آمنة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن مناطق سيطرة الأكراد في شرق الفرات؛ أي من الجزيرة إلى تل أبيض مرورًا بعين العرب بقيت خارج هذا الاتفاق، مما يدل على أن أميركا لم تستكمل بعد حدود الإقليم الكردي، وهي تنتظر الظروف المواتية لتوسيع هذه المنطقة في ظل رفض تركي شديد لوجود ممر كردي شمال سوريا. لكن أهم مكسب حصلت عليه أميركا وروسيا من وراء هذا الاتفاق بالإضافة إلى وضع أسس هذه المناطق "الآمنة" هو تحويل مرجعية الحل السياسي من جنيف والقرارات الأممية إلى أستانا، وقد تم هذا بحضور المبعوث الدولي ديمستورا أثناء التوقيع. وأهمية هذا التغيير في المرجعيات كونه قد نبذ مسألة البحث في "حكم انتقالي" واتجه نحو تطبيق عملية التقسيم الفعلي بأسلوب المراحل؛ أي خطوة خطوة. ومن هنا فاتفاق المناطق المنخفضة التصعيد هو جزء من المؤامرة الدولية على سوريا، وهو اتفاق يسير في اتجاه فرض التقسيم بشكل تدريجي على الأرض من خلال مرجعية استانا التي تجاوزت مرجعية جنيف التي تتحدث عن مرحلة انتقالية للحكم.
ولذلك فالحل السياسي الشامل في سوريا إذا قدر له أن ينجح فهو ينبع مما يتم رسمه على الأرض من فدراليات وليس من خلال "حل سياسي" سبق لمرجعية جنيف أن تحدثت عنه. وهذا ما يشير الى مدى تواطؤ المعارضة وإيثارها السلامة والقبول بالدور الوظيفي الوسخ الذي أسند لها بعد كل ما تعرضت له من أشكال الحصار والقتل والتشريد والتهجير من قبل روسيا وأميركا ومن معها من كتائب الموت.
وهذا يؤكد مرة أخرى أن التفاهم الروسي الأميركي هو القاطرة التي تجر المشروع الأميركي في الشرق الأوسط والمتعلق بخاصة بإعادة صياغة المنطقة جيوسياسيًّا، رغم كل الخلافات الظاهرة بينهما من حين لآخر.
10/شعبان/1438هـ
7/5/2017م