المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول حقيقة الانتخابات البريطانية المبكرة



Abu Taqi
27-04-2017, 12:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
حقيقة الانتخابات البريطانية المبكرة
رغم أنه قد سبق لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أن صرحت بأنه لن يكون هناك أي انتخابات عامة إلا في موعدها من العام 2020، لكنها أعلنت وبشكل مفاجئ يوم 18/4/2017 عن رغبتها بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الثامن من شهر حزيران/يونيو هذا العام.
وقد بررت ماي هذا القرار بقولها: إن "الانقسام في مجلس العموم سيهدد قدرتنا على تحقيق النجاح في مفاوضات البريكسيت بالخطر وسيتسبب في أضرار وعدم اليقين وعدم الاستقرار في البلاد. لذا نحن بحاجة إلى انتخابات عامة الآن".
ومباشرة بعد هذا الإعلان أعرب زعيم حزب العمال جيريمي كوربن عن ترحيبه بهذا القرار مثله في ذلك مثل رئيسة وزراء اسكتلاندا نيكولا ستيرجين. كما رحب دافيد كاميرون بهذا القرار واصفًا إياه بأنه "شجاع وصائب". ثم بعد يوم واحد من إعلان ماي وافق البرلمان البريطاني بغالبية كبيرة جدًا (522 مقابل 13) على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
فما هي دلالات هذا التوافق بين زعماء بريطانيا على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة؟ والأهم من ذلك ما الذي تريد تيريزا ماي تحقيقه من وراء هذه الانتخابات؟
رغم هذا التوافق العام بين زعماء بريطانيا حول إجراء انتخابات مبكرة لكنهم يختلفون في الغايات التي يريدونها من وراء ذلك.
فزعيم حزب العمال يأمل في استغلال هذه الانتخابات للخروج من حالة الضعف التي يعيشها حزبه عبر توحيد صفوفه وتركيز هجومه على سياسات الحكومة التي يعتبرها تراجعًا عن مكتسبات "دولة الرعاية" في الصحة والتعليم والأجور. وهنا تعهد جيريمي كوربن، بقلب ما سماه "النظام المزيف" ووضع السلطة والثروة "في أيدي الشعب".
أما النقطة الثانية في حملة حزب العمال فيبدو أنها سوف تنصب على استغلال حالة السخط عند شريحة الشباب وسكان المدن بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهنا شدد الزعيم العمالي بأنه "سيغير اتجاه الانتخابات" وسيثبت خطأ "خبراء المؤسسة الرسمية" الذين أشاروا إلى تقدم حزب المحافظين في استطلاعات الرأي.
أما بالنسبة للحزب القومي الأسكتلندي، فمن المعلوم أن غالبية سكان اسكتلاندا قد صوتوا ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولذلك تأمل رئيسة وزراء اسكتلاندا من هذه الانتخابات أن تأتي بحكومة في لندن تقبل بإجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلاندا في ظل رفض تيريزا ماي البحث في هذا الموضوع حاليًّا بحجة أن الوقت غير مناسب.
وفي صورة رفض الحكومة القادمة في لندن مسألة الاستفتاء على استقلال اسكتلاندا فإن نيكولا ستيرجين تأمل على الأقل في أن تأخذ الحكومة القادمة بما بات يعرف بـ "الحل الأسكتلاندي" وهو أن تبقى اسكتلاندا عضوًا داخل الاتحاد الأوروبي وفي نفس الوقت ضمن المملكة المتحدة رغم البريكسيت.
أما تيريزا ماي فهي تحاول استغلال حالة الضعف التي يمر بها حزب العمال من أجل تعزيز أغلبية حزبها البرلمانية والتي لا تزيد سوى بـ 17 مقعد حاليًّا. وهنا تحاول ماي الاستفادة من آخر استطلاعات للرأي تقول أن حزب المحافظين متقدم بـ 21 نقطة على حزب العمال (46/25)، فيما حصل حزب الديمقراطيين الأحرار على 11 نقطة وحزب الاستقلال على 8 نقاط.
ولذلك تحاول ماي من وراء هذه الانتخابات تقوية مركز حزب المحافظين في الحياة السياسية والبرلمانية للخروج من حالة الانقسام الشديد التي أصابت البرلمان البريطاني انعكاسًا لذلك الانشطار العمودي في المجتمع جراء نتائج البركسيت.
ثم إن تيريزا ماي هي رئيسة وزراء بالتعيين وليس بالانتخاب، وهذا الأمر يجعل موقفها صعبًا داخل حزبها وفي الحكومة. ولذلك فهي تريد، في حال فوزها بالانتخابات، أن تحصل على شرعية شعبية تمكنها من إنشاء حكومة قوية تكون قادرة على اتخاذ قوانين دراكونية في السياسة الداخلية اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وكذلك قادرة على فرض شروطها في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
فتيريزا ماي التي قالت بأن الخروج يعني الخروج، تدرك جيدًا أنه ما لم تكن هناك حكومة قوية في لندن فإنها لن تنجح في المفاوضات حول شروط الخروج من الاتحاد. فقد سبق لماي أن صرحت لإذاعة (بي بي سي 4) أن "أحزاب المعارضة تنوي عرقلة عملية البريكسيت"، وأضافت أن انتخابات مبكرة "ستسمح بتعزيز الموقف في المفاوضات".
فمن الواضح أن أهم دول الاتحاد (وبخاصة ألمانيا وفرنسا) تريد التشدد مع بريطانيا في المفاوضات وجعلها تدفع مبالغ طائلة تصل إلى 60 بليون جنيه مقابل استفادتها من امتيازات وجودها سابقًا داخل الاتحاد. أما غاية الاتحاد الأوروبي من هذا التشدد فهي أن تكون بريطانيا نموذجًا ومثلًا في "العقوبة" يتم به تخويف أي دولة أوروبية تفكر بالخروج من الاتحاد في المستقبل.
وبالإضافة إلى هذا التحدي فهناك تحدٍ اقتصادي آخر سوف يواجه بريطانيا في مفاوضات الخروج يتمثل في إمكانية خسارة مدينة لندن لمكانتها كأبرز مركز مالي في أوروبا سواء في سوق الأسهم أو عالم البنوك والخدمات المصرفية داخل القارة الأوروبية. وهذا أمر يقلق كثيرًا بريطانيا إلى درجة أن تيريزا ماي حذرت دول الاتحاد من أن "الفشل" في التوصل إلى اتفاق تجاري مع أوروبا سوف يؤثر على التعاون الأمني بين بريطانيا وأوروبا.
وقد أثار هذا التصريح موجة سخط واستياء داخل أروقة الاتحاد إلى درجة اضطر فيها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أن يعدّل من قول ماي بأن التعاون الأمني بين بريطانيا وأوروبا غير مشروط. ومع ذلك فإن تيريزا ماي قد حاولت من خلال هذا التصريح أن تبدو بمظهر المرأة الحديدية الثانية في بريطانيا بعد مارغريت تاتشر، وبخاصة وهي القادمة من على رأس وزارة الداخلية.
وإنه رغم كل مظاهر القوة التي تبديها تيريزا ماي في علاقتها بالاتحاد الأوروبي ومع كل عوامل الانتهازية السياسية التي تستغلها ماي للفوز على خصومها لكن نتائج الانتخابات ليست مضمونة لصالحها أمام خصومها من حزب العمال وحزب الديمقراطيين الأحرار والحزب القومي الاسكتلندي. فهؤلاء المعارضون الذين أطلقت عليهم تيريزا ماي اسم "تحالف الفوضى" يسعون لإقحام مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ضمن السجال الانتخابي كأحد أهم الأوراق في كسب الأصوات النيابية، عبر حشد الشباب وسكان المدن الذين لم يشاركوا بقوة في مسألة الاستفتاء على البريكست.
إن مسألة البريكست وما يتعلق بها من شروط الخروج من الاتحاد وتهديد اسكتلاندا بالاستقلال ونزول قيمة الجنيه والانتخابات المبكرة والجولات المكوكية التي يقوم بها حكام بريطانيا في أميركا وتركيا والخليج وإفريقيا وآسيا من أجل تأمين عقود التجارة والاقتصاد، كل هذا وغيره يؤكد مرة أخرى إلى أي حد وصلت إليه بريطانيا من الضعف السياسي داخليًّا وخارجيًّا.

ملاحظة :
كان لا بد للسياسي المسلم أن يتابع سياسات الدول والتكتلات الدولية المؤثرة أو التي تحاول أن يكون لها تأثير على الساحة الدولية، وعلى المنطقة الإسلامية بخاصة، فقد سبق لدولة بريطانيا مثلًا أن تركت أسوأ البصمات أثناء تدخلاتها الخطرة في بلاد المسلمين، وكانت أخطر الدول التي تسببت في هدم الدولة الإسلامية سنة1918م والإعلان عن ذلك سنة 1924م، وأنه رغم ضعف بريطانيا وتلاشي تأثيرها بشكل حاد منذ مدة ليست بالقصيرة في الموقف الدولي، إلا أنه يجدر مراقبة سياسات تلك الدول والتكتلات وملاحظة قوتها وضعفها وإمكانية عودة تأثيرها على السياسة الدولية وعلى بلاد المسلمين. ومن مراقبة ما يجري فيما يتعلق بمثل تلك الدول والتكتلات ما يتم التحضير له من اتفاقات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي تخص انسحاب بريطانيا من الاتحاد وتأثيرات ذلك على بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي.

29/رجب/1438هـ
26/4/2017م