المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية مؤامرة المناطق الآمنة في سوريا



Abu Taqi
22-02-2017, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
مؤامرة المناطق الآمنة في سوريا

منطقة أو مناطق آمنة؟
حدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتاريخ 25/1/2017 م، مدة تسعين يوم لكلٍ من وزارتي الخارجية والدفاع أن يضعا خطة لإنشاء "مناطق آمنة" للمدنيين في بعض دول المنطقة.
وقد جاءت هذه المبادرة لتطرح من جديد قضية المناطق الآمنة في سوريا، وبخاصة من حيث مساحتها وكيفية تنفيذها.
كما نثرت هذه المبادرة مخاوف من أن طرح إدارة ترمب لهذه الخطة، بعد أن سبق ورفضتها إدارة أوباما، ما هو إلا مقدمة لتقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة، وبخاصة بعد أن ظهرت بوادر صمود اتفاق وقف إطلاق النار.
والسؤال المهم هو هل خطة المناطق الآمنة هي استمرار للاتفاق الأميركي الروسي حول الملف السوري أم هي أولى ثمرات التعاون الروسي مع إدارة ترمب؟
ثم ما هو رد الفعل التركي على هذه الخطة الأميركية التي تبدو في ظاهرها استجابة لمطلب تركيا بإقامة منطقة آمنة منذ سنوات؟ ثم هل سوف تقبل تركيا بأن تكون المناطق الكردية في سوريا، والتي يديرها فعلًا حزب العمال الكردستاني جزءًا من هذه المناطق الآمنة، وبخاصة و أن عملية درع الفرات ما وجدت إلا من أجل إنشاء منطقة عازلة بين شرق الفرات ومنطقة عفرين لمنع قيام كيان كردي في الشمال السوري؟؟
ثم حتى وبعد أن يتم السير في تطبيق مشروع المناطق الآمنة تبقى هناك أسئلة عالقة تخص ساكني تلك المناطق، فهل سوف يسمح للنازحين والمهجرين بالعودة إلى مناطقهم الأصلية التي كانوا فيها قبل التهجير؟ وهنا يتم التعويل فقط على القوة العسكرية الحاكمة في تلك المنطقة، أم أن ذلك سوف لن يتم لأنه يتناقض مع خطة النقاء العرقي والتوطين الطائفي التي طالما سارت فيها أميركا بتنفيذ من المليشيات الشيعية والكردية؟!
وفي انتظار أن تصدر هذه الخطة ويتم الكشف عن بعض تفاصيلها الإجرائية قام ترمب بجملة من المحادثات مع بعض حكام المنطقة حول موضوع المناطق الآمنة.
فقد ذكر بيان للبيت الأبيض أن الرئيس ترمب خلال اتصال هاتفي مع الملك سلمان بن عبد العزيز مساء الأحد 30/1/2017 "طلب دعم المناطق الآمنة في سورية واليمن، بالإضافة إلى دعم أفكار أخرى تتعلق بمساعدة اللاجئين"، وأضاف أن "العاهل السعودي وافق على ذلك". ما أجرى ترمب اتصالًا في نفس الموضوع مع ولي العهد الإماراتي وناقش أيضًا إمكانية إقامة مناطق آمنة في سورية مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
لقد كانت تركيا هي أول من نادى بالمناطق الآمنة منذ العام 2013م ودعمتها فرنسا في هذا المطلب رغم اختلاف الهدف من وراء انشائها بين كل من الدولتين. فتركيا وقتها كانت تريد من هذه المناطق على الحدود الشمالية في سوريا أن تكون قاعدة خلفية للمعارضة من أجل إسقاط نظام بشار وفي نفس الوقت الحيلولة دون توسع الوجود الكردي في الشمال على حساب العرب والتركمان.
أما فرنسا فقد رأت في هذه المناطق أسلوبًا ناجعًا لوقف تدفق اللاجئين نحو القارة العجوز التي تعاني من صعود اليمين المتطرف ونبرة العداء للمهاجرين.
ولكن إدارة أوباما كانت ترفض إقامة تلك المناطق الآمنة بحجة أن إقامة تلك المناطق تستلزم تهيئة تجهيزات عسكرية وإقامة حظر جوي وتدخل بري على الأرض، زيادة على أن من أهداف تلك الإدارة هو إغراق أوروبا في أزمة المهاجرين للضغط عليها في ملف المفاوضات التجارية بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

توزيع المناطق الآمنة..
ظاهر الهدف المعلن من خطة الرئيس دونالد ترمب من إقامة مناطق آمنة هو إبقاء السكان المدنيين داخل أراضيهم أو نقلهم إلى سوريا داخل المناطق الحدودية مع دول الجوار، وفي هذا قطع للطريق على عمليات اللجوء والهجرة غير الشرعية نحو الغرب. ولكن لا يعرف إلى حد الآن عدد هذه المناطق ولا تعريف معناها أو مساحاتها.
فهل سوف توجد هذه المناطق بمقتضى قرار من مجلس الأمن يتم فيها حظر الطيران العسكري؟
أم أنها سوف توجد فقط بناءً على توافق بين القوى الدولية روسيا وأميركا وبتفاهم مع دول الإقليم وبخاصة تركيا وإيران والأردن؟ ثم ما هي طبيعة هذه المناطق؟ هل سوف تكون مناطق آمنة بحظر الطيران والقصف الناري؟
أم أنها سوف تكون مناطق عازلة بين أطراف الصراع ومن ثم تكون استمرار لوقف إطلاق النار الذي ضمنته روسيا وتركيا؟.
وإذا كان يصعب الإجابة بشكل حاسم على هذه الأسئلة حاليًّا لكن من الواضح أن دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات سوف يكون لها دور كبير في تمويل إقامة هذه المناطق بينما يكون للأردن دور في تأمين المنطقة الجنوبية ودور لتركيا في تأمين مناطق شمال سوريا في غرب الفرات.
إن النظر في خارطة الصراع وموازين القوى الحالية في سوريا وإذا ما تم ربطها باتفاقية وقف إطلاق النار يساعدنا على القول أن ما تخطط له إدارة ترمب وبالتنسيق مع روسيا أنه يجري العمل على إيجاد أربعة "مناطق آمنة" يتم خلالها رسم توزيع النفوذ للقوى المحلية كل واحدة منها مدعومة بقوة إقليمية أو دولية. ويتوقع أن يكون توزيع المناطق كما يلي:
أولًا: منطقة في شمال غرب سوريا المسماة بمنطقة "درع الفرات"، وهي المنطقة التي تمتد من غرب نهر الفرات إلى مدينة إعزاز وعمقًا باتجاه الجنوب حتى الحدود الإدارية لمدينة حلب. وهذه المنطقة هي منطقة نفوذ تركية مع الفصائل العسكرية التابعة للجيش السوري الحر والتي تحظى بحماية تركية على جميع المستويات. وتسعى تركيا أن تكون هذه المنطقة بعرض 95 كلم، تمتد من جرابلس شرقًا وحتى إعزاز غربًا، وبعمق يصل إلى 40 كلم، من الباب شرقًا إلى منبج غربًا.
وتستفيد تركيا من وجود هذه المنطقة في أنها توفر لها ضمانًا في منع تمدد الكيان الكردي من شرق الفرات وربطه بمنطقة عفرين غربي النهر. ويبقى الإشكال الوحيد في هذه المنطقة هو تواجد قوات الحماية الكردية في منطقة منبج التي تصر تركيا على استرجاعها من القوات الكردية المتواجدة فيها.
ثانيًّا: منطقة في شرق الفرات المسماة "روج آفا"، وهي تمتد من الحدود الشرقية لسوريا مع العراق إلى حدود نهر الفرات غربًا. وسيتم فيها الاعتماد على قوات سورية الديمقراطية التي تشكل فيها قوات الحماية الكردية 90% منها، ولكن يبقى حزب العمال الكردستاني هو العمود الفقري والعقل الموجه لهذه القوات. وبالإضافة إلى الدعم الأميركي، تحظى هذه المنطقة أيضًا بدعم عملياتي واستخباري ولوجسيتي من القوات الألمانية.
ويبقى الإشكال في هذه المنطقة هو إمكانية الإحتكاك بين هذه المنطقة الكردية ومنطقة درع الفرات التركية وبخاصة لو أصرت أميركا على بقاء الكرد في منبج أو سمحت لهم بضم مناطق من الرقة تحت مسمى عملية "غضب الفرات".
ثالثًا: منطقة في جنوب سوريا مع الحدود الأردنية ممثلة بخاصة في درعا والسويداء، حيث سيتم ترتيب هذه المنطقة من خلال التحضير لإدارة ذاتية تسير شؤونها يكون للأردن فيها دور كبير. وهنا يجري العمل للضغط على الفصائل العسكرية المتنوعة لاندماج عسكري منظم يتم تطويره ليكون قوة عسكرية ضابطة لشؤون الأمن في تلك المنطقة.
وسوف تكون هذه القوة تحت إشراف غير مباشر من قبل أميركا وإشراف مباشر من الأردن الذي سيخف عليه الضغط بعد عودة اللاجئين إلى هذه المنطقة، وبخاصة من أبناء الجنوب السوري. وما يؤكد أن للأردن دورًا كبيرًا في إدارة هذه المنطقة هو مشاركته لأول مرة في محادثات أستانة (كازخستان) يوم 6/2/2017 وكذلك اجتماع يوم 15/2/2017 ضمن لجنة متابعة آليات تثبيت وقف إطلاق النار مع الخبراء من روسيا وإيران وتركيا والأمم المتحدة.
وكان الناطق باسم الحكومة الأردنية، وزير الدولة لشؤون الإعلام، محمد المومني، قد أكد في تموز/يوليو 2015 على "ضرورة أن يكون هناك غطاءٌ أممي لإنشاء منطقة آمنة جنوب سوريا"، وبذريعة محاربة "الإرهاب" تحدث عن خيار تدريب أبناء العشائر السورية ومدهم بالأسلحة بناءً على طلبهم باعتبار الأردن جزءًا من التحالف الدولي لمحاربة "الإرهاب".
رابعًا: منطقة الساحل أو ما يسمى بـ"سوريا المفيدة" التي يسيطر عليها النظام بدعم مباشر من القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية التابعة لها، وهي منطقة سوف تكون تحت حماية القوات الروسية بشكل مباشر. وما يهم أميركا وروسيا في هذه المنطقة هو بقاء النظام بيد الطائفة العلوية، أما مستقبل بشار الأسد أو عائلته فهو خاضع للمتغيرات السياسية. وما يجب أن يعلم أن منطقة النظام وإن توسعت بعد سقوط حلب ولكنه لن يسمح لها بالتمدد أكثر مما يحق لها بموجب الاتفاق الروسي الأميركي؛ أي الساحل والوسط والعاصمة.
وهناك ايضًا مناطق أخرى في سوريا لا تزال محل صراع، فهناك المنطقة الشرقية المحاذية للعراق مثل دير الزور حتى الرقة فهذه لا تزال محل صراع مع تنظيم الدولة ولم يتضح بعد من سوف يحكم السيطرة عليها بعد طرد التنظيم منها. ولكن الأكيد أن تركيا وفصائل المعارضة لا يريدون أن تسيطر عليها التنظيمات الكردية، ولذلك تريد تركيا أن تسيطر على الرقة مثلًا من دون مشاركة الأكراد في قتال التنظيم حتى تستطيع ضمها إلى المنطقة الآمنة التابعة لها في مجال "درع الفرات"، وإن كان يبدو أن أميركا تدفع بالأكراد للسيطرة على الرقة ومنع القوات التركية من أخذها وبخاصة بعد إمداد قوات سوريا الديموقراطية بالمدرعات مما يعزز موقفها القتالي.
أما منطقة إدلب فيراد لها أن تكون منطقة حشر واستقطاب لكل الفصائل الرافضة للسير في اتفاق وقف إطلاق النار أو السير في المفاوضات أو القبول بمشروع المناطق الآمنة. وسيجري العمل على محاصرة هذه المنطقة وخلق حالة توتر مستمر ومن ذلك دفع الفصائل فيها إلى الاقتتال البيني الى أن يتم الانتهاء من فرض مشاريع الفدرالية والتقسيم في بقية المناطق الأخرى.

Abu Taqi
22-02-2017, 04:27 PM
حدود غير معلنة لتقسيم سوريا..
ليس من المستبعد أن تتحول هذه المناطق الآمنة إلى حدود وخطوط غير معلنة للتقسيم، وهى مع الوقت سوف تخلق حالة من "الاستقرار والتعايش" في ظل ضمانات القوة الدولية والإقليمية التي تدفع "المتخاصمين" إلى العمل من أجل تسوية سياسية تقوم على الفدرالية التي تدعو لها مفاوضات جنيف وما يفهم من مسودة الدستور الذي طرحته روسيا تزامنًا مع مباحثات أستانة، وهذه جريمة لا يصح للأمة السكوت عليها، فعليها رفض هذه المشاريع والأخذ على أيدي القوى السياسية والفصائل التي تدعمها وتسير في هذه الجريمة. ولا يصح أن يبقى تقرير مصير سوريا بيد السوريين وحدهم، فسوريا جزء من بلاد المسلمين، وقضيتها قضية الأمة كلها، فيجب على الأمة الوقوف بحزم أمام هذه المؤامرة.
ومما يؤكد تلك التوقعات أن مبادرة ترمب في المناطق الآمنة جاءت متزامنة مع صمود وقف إطلاق النار ومحادثات أستانة ومفاوضات جنيف المرتقبة يوم 23 شباط/فبراير بالإضافة إلى مشروع روسيا في الدستور السوري. ذلك أن فكرة إقامة مناطق آمنة جاءت متلازمة مع إقامة إدارات حكم محلية، كما أوحت مسودة الدستور التي طرحها الروس مؤخرًا، وهذا يعني أنه يجري العمل على التأسيس لحكم لا مركزي في سورية أكثر من استراتيجية لإقامة مناطق آمنة.
في السابق كانت مفاوضات جنيف هي قاطرة الحل السياسي الذي يُراد فرضه على الأرض بمشروع الفدرالية في سوريا، لكن هذا المسار لم يظهر نجاحًا واضحًا على أرض الواقع. ولذلك يجري حاليًّا، وبعد سقوط حلب في يد النظام، العمل على اتخاذ اتفاق وقف إطلاق النار على الأرض قاعدة وقاطرة للحل السياسي الذي يتم رسم معالمه من خلال مسودة الدستور الروسي ومبادرة المناطق الآمنة الأميركية.
فالمناطق الآمنة كما تريدها أميركا يجب أن يتم السيطرة والإشراف عليها من قبل القوى صاحبة النفوذ فيها بدعم من قوى دولية أو إقليمية حتى لا يحدث في هذه المناطق أي صراع أو اقتتال مع مناطق مجاورة لها. كما سيجري العمل على إعادة "الحياة الطبيعية" في هذه المناطق مثل خدمات الصحة والكهرباء، بالإضافة إلى تجهيزها بقوات عسكرية وشرطية بإشراف من القوة الضامنة حتى تكون ضابطة للأمن وجاهزة لتنفيذ مخرجات التسوية السياسية لاحقًا.
وبناءً عليه وضمن "سوريا جديدة"، فإن المنطقة التي يسيطر عليها النظام في الساحل ودمشق سوف تفقد فيما بعد مركزية السلطة والقوة اللتين سوف يتم توزيعهما على بقية المناطق بالعمل على خلق قوى عسكرية وسلطة في كل منطقة تتسم بالانضباط والنظامية.
أما الدول الضامنة فتقع عليها مسؤولية معاقبة الأطراف التي ترفض ذلك مع قيامها وإشرافها على مشاريع إعادة البناء والإعمار من أجل خلق حالة الاستقرار داخل كل منطقة والتعايش المشترك بين المناطق. أما الذين يرفضون السير في هذا المشروع داخل كل منطقة فيسجري محاربتهم باسم "الإرهاب" أو طردهم نحو إدلب التي ستكون ملاذًا مؤقتًا للرافضين لأي مصالحة أو تسوية سياسية.
ويبقى الإشكال هو في ترتيبات الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترمب ونجاحه في التوفيق فيما طرحه حول المناطق الآمنة بين الأتراك الذين تشكل لهم المناطق الآمنة مطلبًا ملحًا ودعمه لأكراد سورية؛ فأنقرة ترفض الدعم الأميركي لأكراد سوريا وتنظر إليه باعتباره اعترافًا بشرعية حزب العمال الكردستاني وبفرعه السوري قوات الحماية الكردية الذين يمثلون رأس حربة أميركية في تأسيس مشروع كردستان الكبرى.
أما تغطية نفقات مشروع المناطق الآمنة فهو سيقع في جله على عاتق دول الخليج، وهذا هو سبب اتصال ترمب بحكام السعودية والإمارات اللتين سيكون لهما دورٌ أيضًا في إعادة الإعمار وبخاصة في مناطق الجنوب.
وبهذا الشكل تكون أميركا قد سخرت الجميع لخدمة مشروع التقسيم في سوريا دون ان تضطر إلى نشر آلاف الجنود الأميركيين على الأرض اللهم بضع مئات من قوات النخبة والخبراء العسكريين الذي يشرفون على التدريب والتوجيه وإدارة العمليات انطلاقًا من قاعدتها العسكرية وبخاصة في الحسكة التي أوجدتها بديلًا عملياتيًّا لقاعدة أنجرليك التركية.

التوافق الروسي الأميركي..
لطالما عارضت روسيا المقترح التركي في المناطق الآمنة تمشيًّا مع موقف إدارة أوباما، وحاليًّا ومع طرح إدارة ترمب هذا المشروع أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن استعداد بلاده لدراسة هذا المقترح مشترطًا موافقة النظام السوري عليه ومشاركة الأمم المتحدة في إدارة هذه المناطق.
والحقيقة أن هذا التحفظ الروسي على مبادرة ترمب هو شكلي ولا معنى له وبخاصة إذا علمنا أن تأسيس المناطق الآمنة يصب مباشرة في مشروع الدستور الروسي الذي وضع لسوريا. فهذا الدستور يتحدث عن سوريا بلا هوية دينية أو قومية أو عرقية، فهو يتحدث عن سوريا باعتبارها مجرد "تجمعات سكانية" في دوائر جغرافية يتحكم فيها قوى عسكرية منضبطة ضمن نظام فدرالي. وبالتالي فالمقترح الروسي في الدستور السوري هو مكمل للمقترح الأميركي في المناطق الآمنة، وهما معا يؤسسان من الناحيتين القانونية والجغرافية لتشكيل إدارات مستقلة جاهزة للانفصال عندما يحين الوقت لذلك.
فمنطقة الشمال السوري مثلًا والتي سوف يمسك إدارتها حزب العمال الكردستاني بمساعدة وحدات الحماية الكردية هي مشابهة لإقليم كردستان العراق وملاصقة له، وهي بهذا الشكل تمثل "إنجازًا" كبيرًا للمخطط الأميركي في إقامة كردستان الكبرى.
أما بقية المناطق الأخرى فقد لعب الروس دورًا كبيرًا في إحداث تغيير ديمغرافي بمساعدة المليشيات الشيعية، وهذا من شأنه أن يجعل هذه المناطق الآمنة أو التجمعات السكانية تلتف حول هويتها العرقية أو المذهبية بطريقة تم فيها إلغاء أي سلطة مركزية في البلد. والذي يؤكد ذلك أن معظم بنود الدستور تتمحور حول هدف واحد مشترك بين روسيا وأميركا وهو تكريس مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية كما هو حاصل في العراق.

تثبيت كيان روج آفا..
إن السيناريو المرسوم لـ"سوريا الجديدة" هو نفس السيناريو الذي جرى تطبيقه منذ عهد بوش الابن في إقامة "العراق الجديد". فبالإضافة إلى ما تم توضيحه من علاقة بين المقترح الروسي في الدستور السوري والمقترح الأميركي في المناطق الآمنة، هناك أيضًا مؤشرات قوية أخرى تدل على حقيقة التوافق الأميركي الروسي من أجل التأسيس لـ"سوريا الجديدة" على أسس طائفية ومذهبية، وبخاصة ما يتعلق منها بالتسريع في تثبيت كيان "روج آفا" في الشمال السوري.

أولًا: تسليح الأكراد..
أعلنت كل من وزارة الدفاع الأميركية والمتحدث باسم قوات السورية الديمقراطية بتاريخ 13/1/2017 أن الولايات المتحدة قد سلمت أكراد شمال سوريا لأول مرة مدرعات عسكرية ثقيلة. فقد أعلن المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، طلال سلو، أن "الدفعة الأولى من مدرعات أميركية لقوات سورية الديموقراطية وصلت خلال الأسبوع الأول من استلام الإدارة الأميركية الجديدة الحكم".
وأكد أن "المدرعات أُرسلت من إدارة ترمب، في إطار الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية". وأشار إلى أنه "جرت اتصالات بين قوات سورية الديمقراطية وإدارة ترمب تم التأكيد خلالها على تقديم المزيد من الدعم لقواتنا، خصوصًا في حملة تحرير الرقة ضد داعش".
أما المسؤول العسكري الأميركي، جون دوريان، فقد أكد أن "الولايات المتحدة سلّمت بالفعل، للمرة الأولى، مدرعات من نوع (أس يو في) إلى التشكيلات العربية في قوات سورية الديمقراطية، تنفيذًا لقرار اتخذته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما". وأضاف أن "تسليم المدرعات جاء استنادًا إلى أذونات قائمة، وليس بناءً على إذن جديد من إدارة الرئيس دونالد ترمب".
وتعد هذه المرة الأولى التي يحصل فيها أكراد سوريا على مدرعات من أميركا التي تقدم لهم منذ العام 2015 دعمًا جويًّا فضلاً عن أسلحة وذخائر ومستشارين على الأرض.
ومن الواضح أن هذه الأسلحة الجديدة ستفتح الطريق في دعم الكيان الكردي في سوريا، رغم أن الناطق العسكري الأميركي حاول التنصل من مسؤولية إدارة ترمب في السماح بهذا النوع من الآليات العسكرية التي سوف تساعد الأكراد في حروبهم القادمة ضد تركيا.
إن إدارة ترمب خالفت إدارة أوباما في عدد من القرارات التنفيذية مثل إلغاء برنامج أوباما في الرعاية الصحية وفرض حظر على دخول المسلمين لأميركا، فلماذا تُنسِّب إدارة ترمب مسؤولية الإذن بتسليم هذه المدرعات العسكرية للأكراد إلى إدارة أوباما لولا أن ذلك من صميم السياسة الأميركية في تقسيم المنطقة بغض النظر عن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض.

ثانيًّا: تجميع قوى الأكراد..
قال عضو قيادة المجلس الوطني الكردي السوري، سعيد عمر أنه "من المقرر أن يتوجه وفد من المجلس، خلال شهر فبراير/شباط، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بدعوة للقاء عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة، لبحث عدة مواضيع، بينها انتقال مقاتلي قوة "روز" إلى المناطق الكردية بسورية". وأوضح في تصريح صحفي بأربيل يوم الأربعاء 1 شباط/فبراير أن "الوفد سيضم ثلاثة من قادة المجلس، بينهم رئيسه إبراهيم برو، وكلاً من كامران حاجو وهفال سيامند".
كما أكد القيادي في "الحزب الديمقراطي" الكردي السوري، كاوه عزيزي، أن محادثات وفد المجلس الوطني الكردي السوري في واشنطن، ستكون في إطار الخطوة الأميركية لإقامة مناطق آمنة بسورية، وإمكانية تولي قوة "روز" دورًا في تنفيذها. وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تتكفل حاليًا بتدريب 10 آلاف مقاتل من قوات بشمركة غرب كردستان (روز)، الذين سيتم إدخالهم إلى سورية بهدف إدارة المنطقة الآمنة المزمع إقامتها".
وللعلم فإن قوة "روز" قد تأسست في إقليم كردستان العراق خلال الفترة 2015-2016، وتضم قرابة 5 آلاف مسلح من الكرد السوريين اللاجئين في العراق، حيث جرى تدريبهم وإعدادهم بمساعدة مدربين من قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، كما جرى إشراكهم في معارك ضد تنظيم داعش بمحاور شمال مدينة الموصل خلال الفترة الماضية من أجل حصولهم على خبرة عملية في القتال واضفاء المشروعية عليهم تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".
ويشرف على القوة، المجلس الوطني الكردي السوري، وهو ائتلاف من عدة أحزاب كردية سورية لا يضم حزب "الاتحاد الديمقراطي"(pyd) القريب من "العمال الكردستاني". فالمجلس الوطني الكردي يشهد خلافًا كبيرًا مع "الاتحاد الديمقراطي" بسبب أن الأخير فرض سلطته بقوة السلاح على المناطق الكردية بشمال وشرق سورية ورفض مشاركة بقية الأحزاب أو التعامل مع المجلس في إدارة شؤون إقليم "روج آفا". ولكن يبدو أن هذا الأمر سوف يتغير بعد أن بدأت أميركا في تجميع قوى أكراد سوريا في الداخل والخارج من أجل إنجاح مشروع الأقاليم أو المناطق الآمنة في سوريا.

Abu Taqi
22-02-2017, 04:28 PM
ثالثًا: الصراع على مدينة الباب..
مع اقتراب تمكن قوات درع الفرات من إحكام سيطرتها على مدينة الباب سارعت قوات النظام للسيطرة على أجزاء من جنوب المدينة بفضل الانسحابات السريعة والمشبوهة التي قام بها تنظيم الدولة لمصلحتهم. وفي مقابل ذلك يستميت تنظيم داعش في القتال ضد فصائل درع الفرات التي تحاصر المدينة من ثلاث جهات في معركة امتدت لأسابيع طويلة تكبدت فيها القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر خسائر كبيرة مقارنة بالمعارك السابقة في مدن جرابلس ودابق والراعي. وقد قام الطيران الروسي بدور كبير في تقدم قوات النظام جنوب مدينة الباب.
ومن الواضح أن تباطؤ المعارك ضد داعش في الرقة والموصل كان مقصودًا من أميركا حتى تمكن التنظيم من التفرغ بشكل كامل لمعركة الباب التي تعتبر معركة مفصلية بالنسبة للجيش التركي الذي يعد نفسه لخوض معركة منبج بعد تحرير الباب.
وبما أن أميركا تريد الإبقاء على قوات سوريا الديمقراطية في مدينة منبج رغم وعودها للأتراك بأن الأكراد سوف ينسحبون منها وذلك منذ زيارة نائب الرئيس الأميركي السابق جو بادين لتركيا في أواخر آي/أغسطس 2016، لذلك فقد عمدت أميركا إلى إطالة معركة الباب عبر إيقاف معركة الرقة والموصل حتى يتفرغ تنظيم داعش لحربه مع قوات درع الفرات، وهذا ما يساعد أميركا على منع تركيا كذلك من التوجه إلى الحرب على قوات سوريا الديمقراطية في مدينة منبج.
وإذا تحقق لتركيا سيطرتها على مدينة الباب فإنها تكون قد قطعت الطريق على الأكراد بشمال سورية في ربط مناطقهم وإعلان الانفصال الذي يعتبر تهديدًا للأمن القومي التركي.
أما بالنسبة لنظام بشار، فمن خلال سيطرته على قرى جنوب الباب يكون قد أمَّن خطوط تماسه مع فصائل الجيش السوري الحر في مدينة الباب ووضع خطًا فاصلًا بين مناطقه ومناطق درع الفرات بالتوافق مع تركيا من خلال الوسيط الروسي.

رابعًا: مؤتمر أكراد المنطقة في موسكو..
احتضنت روسيا في عاصمتها موسكو يوم 15/2/2017 فعاليات "منتدى الأكراد الدولي" تحت عنوان "المنافسة لإعادة تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط.. الوضع الراهن والعواقب المحتملة". ويشارك في المؤتمر ممثلون عن أكراد سوريا والعراق وتركيا وإيران، بحضور خبراء ومسؤولين روس. ويهدف المؤتمر إلى "توحيد صفوف الأكراد، وبحث دورهم في تشكيل النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، إضافة إلى تطورات الوضع في المنطقة، وبخاصة القضايا الأمنية المتعلقة بمكافحة "الإرهاب"، والدور الذي يلعبه الأكراد في مكافحته". لقد تزامن عقد هذا المؤتمر مع الاجتماع الثلاثي التركي الإيراني الروسي في العاصمة الكازاخية أستانة حول الأزمة السورية، ومع التحضيرات لمؤتمر جنيف 4.
كما استبقت الخارجية الروسية هذا المؤتمر بالتأكيد على أنه لا يمكن حل الأزمة السورية دون إشراك الأكراد فيها. وهذا يؤكد مرة أخرى مدى التوافق والتنسيق بين روسيا وأميركا في إعادة صياغة جغرافيا المنطقة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير وبخاصة إقامة كردستان الكبرى.
فعقد المؤتمر الكردي الموسع في موسكو يكشف أن روسيا ترى أن علاقتها مع تركيا لا يجب أن تتناقض مع المشاريع الأميركية في إعادة صياغة المنطقة؛ لأن ذلك أحد مفاتيح حصولها على مغانم عسكرية وسياسية في سوريا وغيرها، زيادة على الحضور العالمي في الملفات الدولية والإقليمية.

Abu Taqi
22-02-2017, 04:29 PM
الأكراد والموقف التركي..
تبدو دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا وكأنها اعتراف بإنجازات قوات درع الفرات في السيطرة على تلك المناطق تحت إشراف تركي. ولكن من جهة أخرى فإن دعوة ترمب اعتراف ببقية القوى المسيطرة على مناطقها الآمنة وعلى رأسها القوة الكردية.
ومن هنا يبدأ الخلاف التركي الأميركي، فتحويل منطقة "روج آفا" التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي بإشراف مباشر من حزب العمال الكردستاني إلى مناطق آمنة، أمر تعارضه تركيا بشدة. فالتصور الأميركي الذي يروجه ترمب في موضوع المناطق الآمنة سوف يحول المنطقة الآمنة التي تريدها وتدافع عنها تركيا إلى مصيدة تسقط فيها عندما تتحول بقية المناطق بما في ذلك منطقتا النظام والأكراد إلى تجمعات عرقية ومذهبية تحتاج هي نفسها إلى حماية دولية.
صحيح أن القيادة التركية قد طرحت مسألة المنطقة الآمنة قبل أربع سنوات ورفضها الرئيس باراك أوباما، لكن تركيا كانت تهدف من وراء ذلك بالأساس إلى تعطيل خطط أميركا في انفصال أكراد سوريا وفي تشجيع أكراد تركيا على التمرد في جنوب شرق تركيا. وبالإضافة إلى ذلك كانت تركيا تريد حماية الناس في سوريا من الضربات الجوية للنظام وتوفير ملاذ آمن للنازحين واللاجئين، وكذلك توفير مكان آمن لتسليح وتدريب المعارضين القادرين آنذاك على إسقاط الأسد ونظامه قبل اختلاق قصة داعش وتضخيمها من قبل أميركا، بل وقبل أن تسمح أميركا لحزب الله وإيران بالدفاع عن النظام ومنع سقوطه.
إن ما تسعى إليه خطة ترمب هو البدء بحماية المنطقة الكردية من العرب والأتراك؛ لأنها ستكون نواة التمدد الكردي نحو جنوب شرق الأناضول، ولعل هذا ما قد يجعل تركيا تراجع موقفها من المنطقة الآمنة وتكتفي بالتنسيق مع روسيا من أجل ترسيخ وقف إطلاق النار وتأمين منطقة درع الفرات بنفسها دون أن تقدم اعترافها بالمنطقة الكردية المسماة بروج آفا. فما باتت تخشاه تركيا هو أن يكون التفاهم الروسي الأميركي على مضمون ومساحة وأهداف المناطق الآمنة على حساب أمنها القومي الذي يهدده وجود كيان كردي في الشمال السوري تحت ذريعة محاربة "الإرهاب". ولعل هذا هو من أهم أسباب رفض تركيا مشاركة أية قوات كردية في معركة تحرير الرقة لأن أميركا تستدرجها نحو الاعتراف بالكيان الكردي في سوريا كما فعلت مع كردستان العراق.
إن روسيا وقبل عودة علاقاتها مع تركيا كانت تحشد بالتعاون مع نظام الأسد للوصول إلى مدينة الباب، وذلك لقطع الطريق على تركيا. ولكن هذا التحشيد توقف فجأة ليتحول باتجاه مدينة حلب التي سقطت بشكل سريع مع ما فيه من تشريد وقتل لجزء كبير من سكانها، وهذا ما أعطى الانطباع بأن صفقة ما بين روسيا وتركيا كانت هي السبب في ذلك، أنها صفقة "تأمين حدود تركيا مقابل سقوط حلب".
إن تحسن العلاقات التركية - الروسية هو الذي سمح بوجود هذا التنسيق والتعاون العسكري والسياسي بين البلدين الذي ظهر في اتفاق وقف اطلاق النار، وظهر كذلك في دور روسيا كضابط إيقاع بين قوات درع الفرات والقوات الموالية للنظام في المعركة الجارية حول مدينة الباب. كما أسهم هذا التعاون في تقديم تركيا لسلسلة من التنازلات فيما يخص الأزمة السورية، منها أن الحل السياسي في سورية لا يستوجب رحيل الأسد، بل والاعتراف غير المباشر بوجود النظام السوري بمجرد توقيع تركيا لمذكرة تفاهم موسكو مع كل من روسيا وإيران في 20/12/2016.
وهذا يؤكد مرة أخرى أنه في ظل الضغط الأميركي على تركيا (تفجيرات داعش وحزب العمال، قتل السفير الروسي, ضرب العملة التركية) لم تجد حكومة حزب العدالة والتنمية بُدًّا من تحديد أولويات أمنها القومي في الحيلولة دون قيام كيان كردي شمال سوريا مقابل التنازل عن إسقاط بشار وسقوط حلب.

خاتمة حول المؤامرة على المسلمين وبلادهم..
لقد بات واضحًا أن سوريا مقدمة على مرحلة متقدمة من خلال المؤامرة على المسلمين بسبب التفاهم الروسي الأميركي، ويكفي أن نربط بين أربع مسائل متزامنة مع بعضها بعضًا حتى ندرك خيوط هذه المؤامرة.
فمن جهة تنجح روسيا بالاتفاق مع تركيا وإيران في إيجاد اتفاقية لوقف إطلاق النار مباشرة بعد سقوط حلب في يد النظام وداعميه الإقليميين في إيران والعراق ولبنان، وفي أثناء بحث هذه الاتفاقية في مدينة أستانة بكازخستان تقدم روسيا مسودة دستور فدرالي لسوريا.
ومن جهة ثانية، وبعد فترة وجيزة من وصول ترمب إلى البيت الأبيض يعلن عن مبادرة جديدة لتأسيس مناطق آمنة في سوريا بتمويل من دول الخليج، ثم تقوم بعد ذلك بأيام وزارة الدفاع الأميركية بتسليم وحدات حماية الشعب الكردية أسلحة ثقيلة ومدرعات لأول مرة بحجة محاربة تنظيم داعش في الرقة، بل وتعلن يوم 15/2/2017 عن نيتها في إرسال جنود على الأرض.
ولقد بات واضحًا كذلك لكل واع مخلص لأمته أن أميركا تسخر تنظيم الدولة (داعش) لتبرير هذه المؤامرة الكبرى على المسلمين عمومًا، وعلى بلاد الشام والعراق خصوصًا. فقد أعطى هذا التنظيم كل المبررات للتنظيمات الشيعية في العراق وبخاصة ما يسمى بالحشد الشعبي في تهجير المسلمين (السنة) وقتلهم وتدمير قراهم ونزع أي سلاح يقاومون به الظلم الواقع عليهم ويمنعون به عمليات التغيير الديمغرافي التي تقع عليهم بأمر من أميركا نفسها.
أما في سوريا فقد نجح تنظيم الدولة منذ معركتي عين العرب وتل أبيض في ترسيخ الكيان الكردي الذي عملت أميركا على إيجاده نواة لكردستان الغربية، ونجح التنظيم كذلك في ضرب كثير من مقومات الصمود العسكري عند المسلمين بفضل أفكاره الشاذة في فهم الإسلام وتحالفه غير المباشر مع خطط أميركا في إضعاف المسلمين في سوريا وتقسيمهم إلى كنتونات مذهبية وعرقية.
وهنا اتخذت أميركا من شعار الصراع السني الشيعي ومن سياسة "مكافحة الإرهاب" ذرائع لحشد شعوب المنطقة من أجل دعم الدول التي سوف تستعين بها في دعم مشروعها الجديد في تفتيت سوريا والمسمى بـ"المناطق الآمنة". وفي هذا السياق جرى إقحام الأردن ليقوم بدور محوري في إرساء "المنطقة الآمنة" في الجنوب السوري. ومما يجدر التنويه له أن أميركا عملت وما تزال تعمل على إعداد الرأي العام في الأردن لهذه المهمة التي ستقوم بها الحكومة الأردنية فيما بات يعرف باسم "درع اليرموك"، الذي هو عبارة عن عملية استنساخ لدرع الفرات. وفي هذا السياق تفهم زيارات الملك عبدالله ووزير الخارجية الأردني إلى موسكو من أجل التنسق العسكري.
وما يؤكد كذلك دور الأردن القادم في مشروع المناطق الآمنة هو مقابلة رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات مع قناة (بي بي سي) بتاريخ 30/12/2016، وقد جاءت هذه المقابلة بعد عدة أحداث محلية وإقليمية ودولية هامة، فمحليًّا كانت عملية الكرك التي خلفت عشرة قتلى، وإقليميًّا هناك سقوط حلب المأساوي، ودوليا أتت المقابلة بعيد فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية. لقد كشف الفريق الركن محمود فريحات أن الأردن، وبمساعدة غربية درَّب قوات معارضة سورية لشن هجمات تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية من سوريا.
ونفى الفريق فرحات في حواره مع قناة (بي بي سي) أن يكون هدف تدريب هذه القوات التي تعرف باسم "جيش العشائر" مهاجمة القوات النظامية. وقد حرص الفريق فرحات على التأكيد بأن الأردن لا يزال يعترف بشرعية النظام السوري ولا يعترف بأي من فصائل المعارضة، وأن الحدود مع سورية مغلقة ولن تفتح إلا بالتنسيق مع جهة رسمية، وأن أي تدخل عسكري أردني كان فقط بهدف قتال التنظيمات المتشددة حفاظًا على أمن الأردن. ولذلك ركز في حديثه أن الأردن قد درب فصائل سورية من ضمنها "جيش العشائر" من أجل قتال تنظيم داعش وليس نظام الأسد. وإمعانًا في تضليل الرأي العام كرر الفريق فرحات حديثه عن الهلال الشيعي بالقول إن الأردن قلق من تقدم فصائل الحشد الشعبي الشيعية في اتجاه مدينة تلعفر في العراق، محذرًا من إمكانية إقامة حزام بري يصل إيران بلبنان إن استمر تقدمها في اتجاه الحدود السورية.

24/جمادى الأولى/1438هـ
21/2/2017م