مشاهدة النسخة كاملة : واقع السياسة الحربية بشكل تفصيلي كيف يكون
ورد في موضوع السياسة الحربية
""
فمما يتعلق بمعاملة العدو، جَعَل الإسلام للخليفة وللمسلمين أن يفعلوا بالعدو مثل ما من شأنه أن يفعله العدو بهم، وأن يستبيح من العدو مثل ما يستبيحه العدو من المسلمين، ولو كان من المحرّمات، قال الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقِبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). ""
وورد ايضا ""
فإنه إذا اقتضته السياسة الحربية جاز فعله، ولو كان محرَّماً، قال الله تعالى: (ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلاّ كُتب لهم به عمل صالح). وهذا الكلام عام في كل شيء، ولم يَرِد ما يخصص هذه الآية بالذات لا آية أخرى ولا حديث، فتبقى على عمومها، .... ""
فهل يفهم من هذا الكلام انه يجوز القيام بكل فعل يحرم القيام به في غير الحرب حتى الزنا بنسائهم وما شاكل ذلك من سرقة اموال ... ؟
عبد الواحد جعفر
06-02-2017, 03:26 PM
الأخ الكريم..
لا بد من قراءة الموضوع كاملًا، وليس الوقوف على ما أوردته فقط، فموضوع (السياسة الحربية) موضوع كامل، وإليك تكملة الموضوع لعله يوضح الموضوع ويجيب على ما سألت:
الشخصية الإسلامية الجزء الثاني - (ص 201)
وقد وردت نصوص في أفعال مَنَع الشرع منها فيُتبع المنع حسب ما وردت. ولا يقال فيها سياسة حربية، لأن السياسة الحربية عامة إلاّ أن يَرِد نص في أمر يستثنيه من العموم فيتبع النص فيما خصص به. روى أحمد عن صفوان بن عسال قال: بَعَثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريّة فقال: (سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثّلوا ولا تغدُروا، ولا تقتلوا وليداً). وروى البخاري عن ابن عمر قال: (وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان). وروى أحمد عن الأسود بن سريع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتلوا الذرّيّة في الحرب. فقالوا: يا رسول الله أوليس هم أولاد المشركين؟ قال: أوليس خياركم أولاد المشركين). وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضعوا غنائمكم وأصلحوا إن الله يحب المحسنين)، فهذه الأحاديث نهت عن أفعال معينة في الحرب فلا يصح أن تُفعل في الحرب بحجة السياسة الحربية، وإنّما تُفعل على الوجه الذي وردت به النصوص. وقد وردت النصوص على أنه يجوز أن تُفعل هذه الأمور جميعها بضرب المدافع والقنابل وكل ما يُضرب من بعيد بشيء ثقيل، وأن يُقتل الصبيان والنساء إذا لم يمكن الوصول إلى الكفار إلاّ بقتلهم لاختلاطهم بهم. فقد روى البخاري عن الصعب بن جثامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، ثم قال: هم منهم)، وفي صحيح ابن حبان عن الصعب قال: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: نعم)، وأخرج الترمذي عن ثور بن يزيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف) والمنجنيق حين يُضرب به لا يميز بين امرأة وطفل وشجر إلى غير ذلك، فدل على أن الأسلحة الثقيلة كالمدافع والقنابل إذا استُعملت في الحرب يجوز بها قتل وهدم وتخريب كل شيء، وكذلك إذا لم يمكن الوصول إلى الكفار إلاّ بوطء الذرية والنساء، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. أمّا فعل كل أمر من هذه الأمور وحده في غير المنجنيق وفي غير حالة عدم إمكانية التمييز بينها وبين الكفار الذين نحاربهم، ففيه تفصيل حسب ما ورد في النصوص.
…أمّا الصبيان فيحرم قتلهم مطلقاً في غير الحالتين السابقتين، وكذلك العسيف أي الأجير الذي يكون مع القوم مجبَراً لأنه من المستضعَفين، وذلك لورود النهي عن قتلهما بشكل قاطع ولم يعلل بأية علّة.
…وأمّا النساء فإنه يُنظر فيها، فإن كانت تحارب جاز قتلها، وإن لم تكن تحارب لم يجز قتلها، وذلك لِما رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمرّ رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، يعني وهم يتعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فأفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما كانت هذه لتقاتِل. فقال لأحدهم: اِلحَق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً). فقول الرسول: (ما كانت هذه لتقاتِل) يدل على أنها لو كانت تقاتِل جاز قتلها، فيكون الحديث قد جعل علّة النهي عن قتلها كونها لا تقاتِل. ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود عن عكرمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة مقتولة يوم حُنين فقال: من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، غنمتُها فأردفتُها خلفي فلمّا رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها، فلم ينكِر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم). وبذلك يتبين أن المرأة إذا قاتلت جاز قتلها وإذا لم تقاتل لا يجوز قتلها.
…وأمّا الشيخ الفاني، فإنه إن كان فانياً لم يبق فيه نفع للكفار ولا مضرة على المسلمين، فلا يجوز قتله للنهي عن قتله. وأمّا إن كان فيه نفع للكفار أو مضرة على المسلمين فيجوز قتله، وذلك لِما روى أحمد والترمذي عن سُمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا شيوخ المشركين)، ولِما روى البخاري من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا فرغ من حُنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبّر لهم الحرب، فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه. وعلى ذلك يُحمل حديث أنس على الشيخ الذي لا نفع فيه ولا ضرر منه وهو الفاني كما ورد في نفس الحديث.
…فهذه الأمور التي ورد النص عن فِعلها ألاّ تُفعل إلاّ حسب ما ورد به النص، وما عدا ذلك فإنه يجوز، ولا يستفظَع أي عمل يفعله المسلمون بعدوهم الكافر ما دام هذا العمل حصل في حالة الحرب، سواء أكان هذا العمل حلالاً أم حراماً في غير الحرب. ولا يستثنى من ذلك إلاّ الفعل الذي ورد النص في النهي عنه في الحرب صراحة).
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.