Abu Taqi
18-01-2017, 10:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الدولة العميقة في أميركا تحاصر دونالد ترمب
مقدمة
يبدو أن الدولة العميقة وأصحاب القرار الفعليين في أميركا يسابقون الزمن قبل استلام دونالد ترمب الرئاسة في البيت الأبيض بتاريخ 20 كانون ثاني/يناير 2017. فمن خلال إدارة باراك أوباما تم اتخاذ عدد من القرارات التنفيذية وتثبيت بعض السياسات الدولية ذات العلاقة بالمصالح الأميركية وبرؤيتها لشؤون العالم. ولعل أهم ما يمكن أن نلاحظه في هذا السياق هي القرارات والسياسات ذات العلاقة بملف القضية الفلسطينية والعلاقة مع روسيا والملف السوري.
فالرئيس المنتخب، دونالد ترمب، هدد أثناء حملته الانتخابية وحتى بعد نجاحه في الوصول إلى الحكم، بانقلاب كامل على سياسات وإنجازات باراك أوباما الداخلية والخارجية، خلال فترة وجيزة من حكمه. فهو يعتزم، بحسب تصريحاته إصدار جملة من القرارات الرئاسية التي قد تغير من السياسة الأميركية في الداخل والخارج.
فعلى سبيل المثال يسعى دونالد ترمب في السياسة الداخلية للإطاحة بخطة التأمين الصحي المعروفة باسم "أوباما كير"، كما وعد بخفض الضرائب في جميع المجالات وجعلها لا تتجاوز حد 15% كحد أقصى مقارنة بما عليه الحال وهو 35%. وعلى خلاف أسلافه تعهد ترمب ببناء حائط على الحدود مع المكسيك وترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، وبعد أن طالب بحظر هجرة المسلمين إلى أميركا دعا إلى فحص دقيق لهم قبل دخولهم البلاد.
أما في السياسة الخارجية فقد صرح ترمب بأنه سيجمد تطبيع العلاقات مع كوبا وسيقوم بتفكيك الاتفاق النووي مع إيران أو على الأقل إعادة هيكلته. كما أعلن عن معارضته للاتفاق المقترح للشراكة عبر المحيط الأطلسي بل إنه طالب بإعادة النظر في مسألة التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الأوروبيين في الناتو، وهو ما استدعى باراك أوباما أن يقوم بجولة أوروبية لطمأنة حكام أوروبا. بل إن ترمب كرر موقفه من حلف شمال الأطلسي قبل أيام، فوصفه بالمنظمة التي "عفا عليها الزمن"، متهمًا دولًا أعضاء في الحلف بأنها لا تدفع حصتها في إطار عملية الدفاع المشتركة وبالاتكال على الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي دعا فيه ترمب إلى علاقات أوثق وأقرب مع روسيا دعا إلى إحداث تغييرات أساسية في "اتفاقية نافتا" بين أميركا وكندا والمكسيك، وصرَّح بأنه ينوي الدخول في حرب تجارية مع الصين عبر فرض عقوبات اقتصادية عليها وفرض رسوم جمركية بنسبة 45% على السلع الواردة منها.
ولعل كل هذه التغييرات التي وعد بها ترمب على مستوى السياسة الداخلية والخارجية مع تسلمه للحكم في أميركا هي التي دفعت عددًا كبيرًا من الدبلوماسيين الأميركيين المتقاعدين إلى التشكيك في قدرات الرجل على حكم بلد بحجم أميركا.
وذكروا في بيان لهم بتاريخ 22/9/2016 أن دونالد ترمب "غير مؤهل على الإطلاق ليعمل كرئيس وقائد عام (للقوات المسلحة الأميركية)، وهو جاهل بالتحديات المعقدة التي تواجه بلادنا من روسيا إلى الصين إلى داعش إلى (الحد من) الانتشار النووي إلى اللاجئين إلى (الحرب على) المخدرات، ولأنه لم يبد أي اهتمام بالتعلم".
وذكر الدبلوماسيون المتقاعدون أن ترمب "أدلى بأكثر التصريحات جهلًا ونمطية" عند حديثه عن بعض البلدان؛ الأمر الذي أدى إلى "إغضاب شعوبها، وأساء إلى حلفائنا، وأسرَّ أعداءنا". وهم يشيرون بذلك إلى ما سبق أن صرح به ترمب من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أكفأ وأفضل" من الرئيس باراك أوباما، وإلى تصريحاته العنصرية ضد المسلمين.
وبناءً على ما تقدم وبتتبع الملفات التي اتخذت فيها حكومة باراك أوباما جملة من الإجراءات نجد أن هناك محاصرة مبكرة من الحكام الفعليين في الولايات المتحدة الأميركية للوقاية من وعود ترمب الانتخابية، وتوعداته بعيد نجاحه بتنفيذ ما سبق أن وعد به؛ لأن من شأن ذلك لو حصل أن ينحرف ببوصلة السياسة الأميركية في اتجاه لا يخدم حقيقة المصالح الأميركية كما يراها الحكام الفعليون في أميركا.
ولذلك جاءت هذه القرارات والإجراءات لتطويق ترمب بأجندة مسبقة يصعب عليه الخروج عنها بعد توليه الحكم.
ومن تلك القرارات والإجراءات المهمة التي سارت فيها إدارة أوباما مؤخرًا قبل أن يتم تسليم الحكم إلى دونالد ترمب ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والذي يمكن بيانه بما يأتي:
1-/ قرار اليونسكو
أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) بتاريخ 13 تشرين أول/أكتوبر 2016 قرارًا يعتبر المسجد الأقصى في مدينة القدس تراثًا إسلاميًّا خالصًا، وينفي القرار أي ارتباط تاريخي لليهود بالمسجد الأقصى المبارك، وطالب القرار إسرائيل بالكف عن انتهاكاتها المتواصلة بحق الأقصى، وضرورة إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاحتلال.
جاء هذا القرار استباقًا لما يمكن أن يصدر من قرارات تنفيذية عن دونالد ترمب بعد تسلمه رئاسة الدولة في أميركا. فقد سبق للمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية أن تعهد بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وكان ذلك خلال اجتماعه يوم 25/9/2016 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلًا: إن "القدس عاصمة أبدية للشعب اليهودي منذ 3000 عام".
وبما أن تعهد ترمب هذا مخالف للسياسة المعتمدة من قبل أميركا، فإن صناع القرار الفعليين في أميركا قد أوجدوا من خلال قرار اليونسكو مخرجًا لترمب للتملص من هذا التعهد أو لنقل أنه يراد منع ترمب من السير في هذا الأمر. صحيح أن ترمب قد تعهد بنسبة القدس إلى اليهود أثناء حملته الانتخابية من أجل الحصول على أموال وأصوات يهود أميركا، لكن ما يجعل الأمر جديًّا أكثر هو أن مستشارة كبيرة لدى دونالد ترمب، وتدعى كالي آن كونوي، صرَّحت لإذاعة أميركية يوم 12/12/2016 أن ترمب مصمم على نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بعد تسلمه مهام منصبه في الـ 20 من كانون ثاني/يناير، وأن موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس يقع على رأس سلم أولويات الرئيس المنتخب ترمب.
إن قرار منظمة اليونسكو غير ملزم لإسرائيل بأي شيء؛ لأن كل قرارات هذه المنظمة لا تعتبر إجبارية التنفيذ؛ فهي لا تخضع للمادة السابعة أو التاسعة من قوانين هيئة الأمم المتحدة. ورغم أنه لن تكون له تداعيات عملية بالنسبة للمسجد الأقصى؛ لكنه سيبقى عائقًا سياسيًّا وقانونيًّا أمام إدارة ترمب في نقل سفارة أميركا إلى القدس، كما أنه سوف يبقى سيفًا مسلطًا على رقبة إسرائيل في المحافل الدولية وبخاصة لو "قررت" منظمة التحرير الفلسطينية رفع قضايا دولية ضد عمليات التهويد المستمرة التي تقوم بها إسرائيل في الحرم القدسي.
فحكام إسرائيل كثيرًا ما ينسوا أو يتناسوا أن دولتهم هي مجرد قاعدة عسكرية أميركية ورأس حربة متقدمة للحضارة الغربية في قلب العالم الإسلامي، ولذلك تأتي أميركا ممثلة في حكامها الحقيقيين، ومن أجل حماية مصالحها الحيوية، لتذكرهم من حين لآخر بحجمهم الحقيقي وبدورهم الوظيفي في خدمة الاستعمار الغربي. كما أن وضع المسجد الأقصى ما يزال ضمن مشروع التدويل، وإن قل الحديث في هذا الموضوع، لكن أميركا تريد أن يبقى وضع القدس مفتوحًا وقابلًا لكل المشاريع الدولية.
2-/ القرار 2334
تبنّى مجلس الأمن الدولي يوم 23/12/2016 مشروع قرار رقم 2334 يدين "الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967"، وتقدمت بهذا القرار كلٌ من فنزويلا والسنغال ونيوزيلندا وماليزيا، بدلًا من مصر التي سحبت تداوله في وقت سابق. وقد صوت لمصلحة القرار 14 دولة، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت دون أن تلجأ إلى استخدام حق النقض (الفيتو).
إن هذا القرار الذي تبناه مجلس الأمن ليس له تأثيرات فورية على إسرائيل؛ لأنه لم يأت تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولأنه أيضًا لا يشمل وسائل التطبيق أو العقوبات على الأطراف التي لا تطبقه. فالقرار تمت المصادقة عليه تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ومن هنا فهو مجرد إعلان توصية وغير ملزم. ومع ذلك فقد انتقد دونالد ترمب، هذا القرار قائلًا: "لا يمكننا أن نسمح بمعاملة إسرائيل بمثل هذا الازدراء وعدم الاحترام"، وخاطب حكام إسرائيل قائلًا: "ابق قوية إسرائيل....فـ20 يناير يقترب بسرعة".
لقد ذهب ترمب أكثر من ذلك في تعليقه على قرار مجلس الأمن 2334 بأن توعد الأمم المتحدة بعد إدانة مجلس الأمن الدولي "الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، توعدها ترمب قائلًا على "تويتر": "بالنسبة إلى الأمم المتحدة، ستكون الأمور مختلفة بعد 20 يناير". وأضاف في تغريدة أخرى: "اعتادوا أن يكون لهم صديق عظيم في الولايات المتحدة، لكن ليس بعد الآن"، كما شكك ترمب في جدوى الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في العالم، وقال متهكمًا إنها تحولت إلى مجرد "مجموعة من الأشخاص يلتقون ويتحدثون ويقضون أوقاتًا ممتعة".
ومع كل هذه التغريدات سبق لترمب أن دعا إدارة باراك أوباما إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار عندما قدمته مصر أول مرة، بل إنه اتصل هاتفيًّا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وطلب منه سحب مشروع القرار قبل أن تعيد الدول الأربع الأخرى طرحه للتصويت في مجلس الأمن بدفع من إدارة أوباما التي اتهمها بنيامين نتنياهو بالوقوف وراء قرار مجلس الأمن الدولي. فقد قال نتنياهو خلال كلمة ألقاها في افتتاح الجلسة الأسبوعية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 25/12/2016: "لا شك لدينا بأن إدارة أوباما قد بادرت إلى تمرير هذا القرار ووقفت وراءه ونسقت صيغه وطالبت بتمريره".
متابعة سياسية
الدولة العميقة في أميركا تحاصر دونالد ترمب
مقدمة
يبدو أن الدولة العميقة وأصحاب القرار الفعليين في أميركا يسابقون الزمن قبل استلام دونالد ترمب الرئاسة في البيت الأبيض بتاريخ 20 كانون ثاني/يناير 2017. فمن خلال إدارة باراك أوباما تم اتخاذ عدد من القرارات التنفيذية وتثبيت بعض السياسات الدولية ذات العلاقة بالمصالح الأميركية وبرؤيتها لشؤون العالم. ولعل أهم ما يمكن أن نلاحظه في هذا السياق هي القرارات والسياسات ذات العلاقة بملف القضية الفلسطينية والعلاقة مع روسيا والملف السوري.
فالرئيس المنتخب، دونالد ترمب، هدد أثناء حملته الانتخابية وحتى بعد نجاحه في الوصول إلى الحكم، بانقلاب كامل على سياسات وإنجازات باراك أوباما الداخلية والخارجية، خلال فترة وجيزة من حكمه. فهو يعتزم، بحسب تصريحاته إصدار جملة من القرارات الرئاسية التي قد تغير من السياسة الأميركية في الداخل والخارج.
فعلى سبيل المثال يسعى دونالد ترمب في السياسة الداخلية للإطاحة بخطة التأمين الصحي المعروفة باسم "أوباما كير"، كما وعد بخفض الضرائب في جميع المجالات وجعلها لا تتجاوز حد 15% كحد أقصى مقارنة بما عليه الحال وهو 35%. وعلى خلاف أسلافه تعهد ترمب ببناء حائط على الحدود مع المكسيك وترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، وبعد أن طالب بحظر هجرة المسلمين إلى أميركا دعا إلى فحص دقيق لهم قبل دخولهم البلاد.
أما في السياسة الخارجية فقد صرح ترمب بأنه سيجمد تطبيع العلاقات مع كوبا وسيقوم بتفكيك الاتفاق النووي مع إيران أو على الأقل إعادة هيكلته. كما أعلن عن معارضته للاتفاق المقترح للشراكة عبر المحيط الأطلسي بل إنه طالب بإعادة النظر في مسألة التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الأوروبيين في الناتو، وهو ما استدعى باراك أوباما أن يقوم بجولة أوروبية لطمأنة حكام أوروبا. بل إن ترمب كرر موقفه من حلف شمال الأطلسي قبل أيام، فوصفه بالمنظمة التي "عفا عليها الزمن"، متهمًا دولًا أعضاء في الحلف بأنها لا تدفع حصتها في إطار عملية الدفاع المشتركة وبالاتكال على الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي دعا فيه ترمب إلى علاقات أوثق وأقرب مع روسيا دعا إلى إحداث تغييرات أساسية في "اتفاقية نافتا" بين أميركا وكندا والمكسيك، وصرَّح بأنه ينوي الدخول في حرب تجارية مع الصين عبر فرض عقوبات اقتصادية عليها وفرض رسوم جمركية بنسبة 45% على السلع الواردة منها.
ولعل كل هذه التغييرات التي وعد بها ترمب على مستوى السياسة الداخلية والخارجية مع تسلمه للحكم في أميركا هي التي دفعت عددًا كبيرًا من الدبلوماسيين الأميركيين المتقاعدين إلى التشكيك في قدرات الرجل على حكم بلد بحجم أميركا.
وذكروا في بيان لهم بتاريخ 22/9/2016 أن دونالد ترمب "غير مؤهل على الإطلاق ليعمل كرئيس وقائد عام (للقوات المسلحة الأميركية)، وهو جاهل بالتحديات المعقدة التي تواجه بلادنا من روسيا إلى الصين إلى داعش إلى (الحد من) الانتشار النووي إلى اللاجئين إلى (الحرب على) المخدرات، ولأنه لم يبد أي اهتمام بالتعلم".
وذكر الدبلوماسيون المتقاعدون أن ترمب "أدلى بأكثر التصريحات جهلًا ونمطية" عند حديثه عن بعض البلدان؛ الأمر الذي أدى إلى "إغضاب شعوبها، وأساء إلى حلفائنا، وأسرَّ أعداءنا". وهم يشيرون بذلك إلى ما سبق أن صرح به ترمب من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أكفأ وأفضل" من الرئيس باراك أوباما، وإلى تصريحاته العنصرية ضد المسلمين.
وبناءً على ما تقدم وبتتبع الملفات التي اتخذت فيها حكومة باراك أوباما جملة من الإجراءات نجد أن هناك محاصرة مبكرة من الحكام الفعليين في الولايات المتحدة الأميركية للوقاية من وعود ترمب الانتخابية، وتوعداته بعيد نجاحه بتنفيذ ما سبق أن وعد به؛ لأن من شأن ذلك لو حصل أن ينحرف ببوصلة السياسة الأميركية في اتجاه لا يخدم حقيقة المصالح الأميركية كما يراها الحكام الفعليون في أميركا.
ولذلك جاءت هذه القرارات والإجراءات لتطويق ترمب بأجندة مسبقة يصعب عليه الخروج عنها بعد توليه الحكم.
ومن تلك القرارات والإجراءات المهمة التي سارت فيها إدارة أوباما مؤخرًا قبل أن يتم تسليم الحكم إلى دونالد ترمب ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والذي يمكن بيانه بما يأتي:
1-/ قرار اليونسكو
أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) بتاريخ 13 تشرين أول/أكتوبر 2016 قرارًا يعتبر المسجد الأقصى في مدينة القدس تراثًا إسلاميًّا خالصًا، وينفي القرار أي ارتباط تاريخي لليهود بالمسجد الأقصى المبارك، وطالب القرار إسرائيل بالكف عن انتهاكاتها المتواصلة بحق الأقصى، وضرورة إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاحتلال.
جاء هذا القرار استباقًا لما يمكن أن يصدر من قرارات تنفيذية عن دونالد ترمب بعد تسلمه رئاسة الدولة في أميركا. فقد سبق للمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية أن تعهد بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وكان ذلك خلال اجتماعه يوم 25/9/2016 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلًا: إن "القدس عاصمة أبدية للشعب اليهودي منذ 3000 عام".
وبما أن تعهد ترمب هذا مخالف للسياسة المعتمدة من قبل أميركا، فإن صناع القرار الفعليين في أميركا قد أوجدوا من خلال قرار اليونسكو مخرجًا لترمب للتملص من هذا التعهد أو لنقل أنه يراد منع ترمب من السير في هذا الأمر. صحيح أن ترمب قد تعهد بنسبة القدس إلى اليهود أثناء حملته الانتخابية من أجل الحصول على أموال وأصوات يهود أميركا، لكن ما يجعل الأمر جديًّا أكثر هو أن مستشارة كبيرة لدى دونالد ترمب، وتدعى كالي آن كونوي، صرَّحت لإذاعة أميركية يوم 12/12/2016 أن ترمب مصمم على نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بعد تسلمه مهام منصبه في الـ 20 من كانون ثاني/يناير، وأن موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس يقع على رأس سلم أولويات الرئيس المنتخب ترمب.
إن قرار منظمة اليونسكو غير ملزم لإسرائيل بأي شيء؛ لأن كل قرارات هذه المنظمة لا تعتبر إجبارية التنفيذ؛ فهي لا تخضع للمادة السابعة أو التاسعة من قوانين هيئة الأمم المتحدة. ورغم أنه لن تكون له تداعيات عملية بالنسبة للمسجد الأقصى؛ لكنه سيبقى عائقًا سياسيًّا وقانونيًّا أمام إدارة ترمب في نقل سفارة أميركا إلى القدس، كما أنه سوف يبقى سيفًا مسلطًا على رقبة إسرائيل في المحافل الدولية وبخاصة لو "قررت" منظمة التحرير الفلسطينية رفع قضايا دولية ضد عمليات التهويد المستمرة التي تقوم بها إسرائيل في الحرم القدسي.
فحكام إسرائيل كثيرًا ما ينسوا أو يتناسوا أن دولتهم هي مجرد قاعدة عسكرية أميركية ورأس حربة متقدمة للحضارة الغربية في قلب العالم الإسلامي، ولذلك تأتي أميركا ممثلة في حكامها الحقيقيين، ومن أجل حماية مصالحها الحيوية، لتذكرهم من حين لآخر بحجمهم الحقيقي وبدورهم الوظيفي في خدمة الاستعمار الغربي. كما أن وضع المسجد الأقصى ما يزال ضمن مشروع التدويل، وإن قل الحديث في هذا الموضوع، لكن أميركا تريد أن يبقى وضع القدس مفتوحًا وقابلًا لكل المشاريع الدولية.
2-/ القرار 2334
تبنّى مجلس الأمن الدولي يوم 23/12/2016 مشروع قرار رقم 2334 يدين "الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967"، وتقدمت بهذا القرار كلٌ من فنزويلا والسنغال ونيوزيلندا وماليزيا، بدلًا من مصر التي سحبت تداوله في وقت سابق. وقد صوت لمصلحة القرار 14 دولة، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت دون أن تلجأ إلى استخدام حق النقض (الفيتو).
إن هذا القرار الذي تبناه مجلس الأمن ليس له تأثيرات فورية على إسرائيل؛ لأنه لم يأت تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولأنه أيضًا لا يشمل وسائل التطبيق أو العقوبات على الأطراف التي لا تطبقه. فالقرار تمت المصادقة عليه تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ومن هنا فهو مجرد إعلان توصية وغير ملزم. ومع ذلك فقد انتقد دونالد ترمب، هذا القرار قائلًا: "لا يمكننا أن نسمح بمعاملة إسرائيل بمثل هذا الازدراء وعدم الاحترام"، وخاطب حكام إسرائيل قائلًا: "ابق قوية إسرائيل....فـ20 يناير يقترب بسرعة".
لقد ذهب ترمب أكثر من ذلك في تعليقه على قرار مجلس الأمن 2334 بأن توعد الأمم المتحدة بعد إدانة مجلس الأمن الدولي "الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، توعدها ترمب قائلًا على "تويتر": "بالنسبة إلى الأمم المتحدة، ستكون الأمور مختلفة بعد 20 يناير". وأضاف في تغريدة أخرى: "اعتادوا أن يكون لهم صديق عظيم في الولايات المتحدة، لكن ليس بعد الآن"، كما شكك ترمب في جدوى الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في العالم، وقال متهكمًا إنها تحولت إلى مجرد "مجموعة من الأشخاص يلتقون ويتحدثون ويقضون أوقاتًا ممتعة".
ومع كل هذه التغريدات سبق لترمب أن دعا إدارة باراك أوباما إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار عندما قدمته مصر أول مرة، بل إنه اتصل هاتفيًّا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وطلب منه سحب مشروع القرار قبل أن تعيد الدول الأربع الأخرى طرحه للتصويت في مجلس الأمن بدفع من إدارة أوباما التي اتهمها بنيامين نتنياهو بالوقوف وراء قرار مجلس الأمن الدولي. فقد قال نتنياهو خلال كلمة ألقاها في افتتاح الجلسة الأسبوعية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 25/12/2016: "لا شك لدينا بأن إدارة أوباما قد بادرت إلى تمرير هذا القرار ووقفت وراءه ونسقت صيغه وطالبت بتمريره".