المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الجدل القائم حول مسألة العائدين من بؤر التوتّر



Abu Taqi
03-01-2017, 10:13 PM
بسم الله الرّحمن الرّحيم

دردشـــــــات
حقيقة الجدل القائم حول مسألة العائدين من بؤر التوتّر
ما تزال تداعيات تصريح رئيس الدولة الباجي قايد السبسي مستمرّة إلى اليوم، وذلك حين أعلن من العاصمة البلجيكية بروكسال في زيارته الرسمية يوم 30 تشرين ثاني/نوفمبر الفارط عن استعداد تونس لاستقبال المقاتلين من بؤر التوتّر.
وقد أثار هذا التصريح حينها العديد من التساؤلات لدى المتابعين للشأن العام، وداخل الأوساط السياسية بخاصة، من حيث التوقيت والغايات وبخاصة وأنّ الزيارة جاءت في إطار البحث عن سبل دعم الاقتصاد التونسي.
وقد تراوحت المواقف تجاه العائدين من بؤر القتال بين مؤيد لعودتهم ومحاكمتهم وفق قانون الإرهاب، وبين مطالب بسحب الجنسية منهم وتغيير الفصل 25 من الدستور. وذهب طرف ثالث مدعوم بمجموعة من الخبراء الأمنيين والسياسيين الى ضرورة عزلهم عن المجتمع ووضعهم في معتقلات خاصة في مناطق نائية تحت إشراف القيادة العسكرية والأمنية بمساعدة أطباء نفسيين كما ظهر ذلك من خلال مواقفهم في برنامج "لمن يجرؤ فقط" على قناة الحوار التونسي ليوم الأحد 18 كانون أول/ديسمبر 2016.
والمتأمّل في حقيقة هذه المواقف يدرك أنها دعوات من أجل فتح معتقلات على غرار معتقل غوانتانامو بكوبا الذي يخضع للقيادة العسكرية الأميركية. وأنّ هذه الدعوات المتزامنة مع تصريح رئيس الدولة الباجي قايد السبسي في هذا التوقيت بالذات تهدف إلى أمرين:
فتح الطريق سالكًا أمام إيجاد موطئ قدم رسمي لجيوش أميركا بعد تواجدهم الفعلي في كامل منطقة المثلث الحدودي بين تونس وليبيا والجزائر، ولقيادتها العسكرية "أفريكوم".
دفع هؤلاء العائدين إلى إعادة الانتشار في المنطقة خوفًا من السجن والعزل في هذه المعتقلات، وهو ما يخدم مشروع الفوضى الخلّاقة الذي تعمل عليه أميركا في بلاد المسلمين، وبخاصة مع وجود بعض التسريبات عن وجود موجة ثانية من الربيع العربي قد تطال الجزائر وموريطانيا والمغرب.
أما بالنسبة لمشروع تركيز القيادة الأميركية "أفريكوم" في المنطقة فما يزال يعرف تعثرًا رغم الخطوات الكبيرة التي تمّت باتجاه ذلك، كتواجد قوات من المارينز وانطلاق الطائرات من دون طيار للقيام بعمليّات قتالية في مالي وليبيا، وكذلك الاتفاقيات المبرمة بين تونس وأميركا كمذكّرات التفاهم والحوار الاستراتيجي معها.
ورغم الزيارات المتكررة من المسؤولين الأميركان بخصوص هذا الأمر، فإن إنشاء مثل هذه القاعدة ظلّ مرفوضًا من شعبيًّا، ولا يحظى بالدعم أو بالموافقة وبخاصة مع السمعة السيئة للأميركان عند الناس من جرّاء تلطخ أيديهم بدماء المسلمين في كلّ مكان. فمنذ 2011 وأميركا مصرّة على نقل قيادتها العسكرية "أفريكوم" من المدينة الألمانية شتوتغارد الى الجنوب التونسي المتاخم للمثلث الحدودي تونس ـ ليبيا ـ الجزائر، وقد توالت لقاءات القادة العسكريين الأميركيين مع المسؤولين في السلطة في البلاد بخصوص هذا.
وكانت الذريعة لإقناع الرأي العام بالحاجة لوجود هذه القاعدة هي محاربة "الإرهاب" وتقديم الدعم المادي واللوجستي للدولة التونسية لتتمكّن من محاربته، ويذكر أنّ أوّل شرارات انفجار الألغام وقتل الجنود في جبل الشعانبي جاءت متزامنة حينها مع زيارة قائد الجيوش الأميركية الجنرال "كارتر هام" لتونس يوم 27 آذار/مارس 2013 وتصريحه الشهير "تونس تتعرض لتهديد حقيقي"، ثمّ ارتفعت وتيرة العمليات المسلّحة بعد زيارة ثانية لقائد القوات الأميركية الجنرال "دافيد رودريغيز" لرئيس الحكومة الأسبق علي لعريض بحضور وزير الدفاع رشيد الصباغ وسفير أميركا حينها "جاكوب والاس" وذلك في 11 تشرين ثاني/نوفمبر2013، وبعدها بأيّام قليلة بدأت تتسرّب المعلومات عن تواجد فعلي لعدد من القادة العسكريين الأميركان بمنطقة الجنوب التونسي، وبدأت الطائرات الأميركية من دون طيار تنطلق من قواعد لها داخل التراب التونسي للقيام بعمليات قتالية داخل مالي وليبيا، وهو الأمر الذي حاولت السلطة إخفاءه والتستّر عليه طوال المرحلة الفارطة، إلى أن أُزيح الستار عن هذا الأمر في عدد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية منها ما أوردته صحيفة الشروق الجزائرية ليوم 30 كانون أول/ديسمبر 2013 عندما كشفت عن تواجد كثيف لضباط الاستخبارات الأميركية وجنود "الأفريكوم" على الأراضي التونسية متمركزين على أربعة مواقع بين بن قردان ومدنين وجرجيس، وهو الأمر الذي أقرّ به أخيرًا رئيس الدولة الباجي قايد السبسي عندما اعترف بوجود 150 جندي من المارينز الأميركان بالجنوب التونسي .
واليوم باتت هذه القوات الأميركية محتاجة إلى اعتراف رسمي وعلني من السلطة، وإلى قبول واسع لدى الرأي العام الداخلي وبخاصة مع حجم التطورات المقبلة وآثارها في مشروع الربيع العربي الخادع، لذلك وقع تجنيد كل الإمكانات الإعلامية بدفع الإعلام المأجور والشخصيات المشبوهة للدعوة إلى إقامة معتقلات كبيرة تتسع لآلاف "الارهابيين" و"حاملي الفكر المتشدد" وللعمل على تضليل الناس واستغلال خوفهم من الإرهاب، ولتسويغ وجود القوات الأجنبية بالبلاد بتعلة أن ذلك يحتاج إلى مجهودات كبيرة وإمكانيات لا تقدر السلطة على توفيرها، وهو ما سيكون ذريعة مقنعة لتبرير تواجد هذه القوات الأميركية وتبرير عملها بحجة الحاجة اليها كقوة دعم وتحكم، وما هو في الحقيقة إلا تطبيق للاتفاقيات المبرمة مسبقًا في مذكرات التفاهم والحوار الاستراتيجي.
وعليه فان فتح هذا الجدال الآن، وكذلك تصريح رئيس الدولة الباجي قايد السبسي بخصوص العائدين من بؤر التوتر، لايمكن أن يكون عملًا بريئًا وإنما هو تهيئة للرأي العام في الداخل وتوجيه مقصود له باتجاه القبول بهذه الجريمة النكراء وهي التفريط في البلاد والعباد ووضع أمنهم ومستقبلهم تحت تصرف القيادة الأميركية تعبث به كيفما تشاء، وهي تسليم لقواتنا العسكرية والأمنية لها تسخّرها لتنفيذ أهدافها ومخططاتها في المنطقة. فالسلطة الحاكمة في تونس سبق لها أن سلّمت البلاد وأمنها ومستقبلها لأميركا المجرمة من خلال توقيعها لمجموعة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية ضدّ مصالح البلاد والعباد، بمن فيهم من جيش وقوات أمن داخلي، وذلك تحت عناوين كاذبة مضللة مثل دعم مجهود الحرب على "الإرهاب"، وإن الدعوة الحالية لبناء معتقلات تستقبل هؤلاء العائدين من بؤر التوتر يُعدّ بمثابة الدعوة لغوانتنامو إفريقيا يكون مبرّرًا للاعتراف الرسمي بتواجد القيادة العسكرية الأميركية وباستباحتها للبلاد ولأهلها وهو ما يمهّد لإدخال جميع المنطقة وليس تونس فقط في مرحلة مظلمة وفوضى خلّاقة ضمن خديعة الربيع العربي.
وأما الدعوة إلى رفض استقبال العائدين من بؤر التوتّر والاصرار على سحب الجنسية منهم، فهو مع أنه لا مبرّر له قانونيًّا وأخلاقيًّا، ولا يقنع أحدًا من الناس، هو فضلًا عن ذلك سيدفع بهؤلاء لرفض العودة وإعادة الانتشار في المنطقة بما يسهّل عمليّة إعادة توظيفهم وتسخيرهم واستدراجهم سواء من الاستخبارات الأميركية والدولية التي صارت ترتع بمطلق الحرية في جميع مناطق البلاد، أو من الأنظمة الحاكمة في المنطقة لاتخاذهم عنوانًا لـ"الإرهاب" من أجل تسريب خدماتهم لأهداف الغرب الكافر بزعامة أميركا. كما أن عدم قبول هؤلاء ممّن وقع استدراجهم والتغرير بهم والإيقاع بهم في مستنقع خديعة الربيع العربي سيساعد أميركا على خوض المرحلة المقبلة من مشروع الشرق الأوسط الكبير وبخاصة مع الحديث عن موجة ثانية من الربيع العربي ستشهدها بعض دول المنطقة.
لقد بات ظاهرًا اليوم للجميع خطورة هؤلاء الحكام وأذنابهم من الإعلام المأجور والشخصيات المضلِلة، وخطورة دورهم في خدمة أهداف أعداء الأمّة، فخطرهم على شعوبهم وبلدانهم لهو أشد من خطر الغرب نفسه، فهم الذين فتحوا له الباب على مصراعيه وسلّموا له البلاد والعباد، أما بخصوص هؤلاء العائدين من بؤر التوتر، والذين انغمسوا في الجريمة، أو الذين انساقوا وراء المخدرات، فهم في الحقيقة ضحايا هؤلاء الحكام الذين أهملوا رعاية شؤون الناس إلى حدّ الاستقالة منها، وتركوا أولئك وغيرهم فريسة لكل عابث، تستدرجهم المنظمات الأجنبية والدوائر الاستخبارية لجعلهم أعداء لأخوتهم أو تصنع منهم جواسيس محترفين على بلدانهم. ولا فرق بعد ذلك بين من دفعهم لبؤر التوتر وجعل منهم قتلة وبين دوائر التجسس وأوكارها التي احتضنتهم.
وإن معالجة المدفوع بهم إلى بؤر التوتر، ومعالجة الأوضاع الراهنة، لا تكون بالطرق التي يدعون إليها، فأما معالجة أولئك فلا يكون إلا بالفكر من زاوية العقيدة الإسلامية؛ لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم الصادقة التي تعالج مناطق الاعتقاد والسلوك لدى الإنسان. وأما معالجة الأوضاع الراهنة فليس له إلا طريق واحد لا يتعدد وهو إزالة هذه الأنظمة الفاسدة التي تحكم الناس بالنظام الديمقراطي الرأسمالي العفن، وإحلال الإسلام والنظام القائم العقيدة الإسلامية محله، ولا يكون ذلك إلا بإزالة هؤلاء الحكام العملاء ووضع الإسلام موضع التطبيق والتنفيذ كاملًا شاملًا.
30 ربيع الأول 1438 هـ اللجنة المسؤولة
30 ديـسـمـبـر 2016 م لحزب التحرير بتونس