مؤمن
11-07-2009, 01:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الوضع في إيران
كان فوز محمود أحمدي نجاد على منافسه القوي رفسنجاني – الذي توقع فوزه جميع المراقبين – لافتا للنظر, ومما يسترعي الانتباه الهجوم الأميركي عليه بمجرد إعلان فوزه , حيث وصفت وزيرة الخارجية الأميركية الانتخابات الإيرانية الأخيرة بالشكلية و قالت أن الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة أحمدي نجاد غير شرعية , و حملت على النظام في إيران بانتقادها ( الوحشية المنظمة للنظام الإيراني ) , و اتهام الولايات المتحدة له بالمشاركة في احتجاز الرهائن الأميركيين في سفارتها في طهران عام 1979 الأمر الذي نفته إيران , و يضاف إلى ذلك إدعاء النمسا بأن نجاد شارك في اغتيال قيادي كردي في فيينا , و لفهم الأحداث الأخيرة لا بد من استعراض موجز لواقع إيران السياسي وماهية علاقتها مع أميركا .
فبعد أن كانت إيران ترفع شعار فصل الدين عن الدولة وتطبقه عمليا زمن الشاه , استطاعت أميركا في غمرة صراعها مع الدول الاستعمارية الأخرى وعلى رأسها بريطانيا أن تستغل الشاه أسوأ استغلال حتى استطاعت التخلص منه, و جاءت بالثورة الخمينية التي رفعت شعار الإسلام، و من خلال تلك الثورة ركبت الولايات المتحدة موجة الإسلام المتصاعدة في إيران بخاصة و بلاد الإسلام عموما , بغية تحقيق أهدافها الاستعمارية من جهة وحرف ووأد التحرك الإسلامي المخلص في مهده من جهة أخرى , وعلى ضوء ما تقدم أصبح للمرجعيات الدينية في إيران اليد الطولى في الحكم , بل و أصبحت لهم الكلمة الفصل في الشؤون الداخلية الإيرانية و حتى الخارجية ضمن الحدود المرسومة لهم مسبقا من قبل أميركا و لخدمتها , و قد آتى هذا التوجه أكله في خدمة المصالح الأميركية, في الخليج بخاصة وفي العراق وأفغانستان وبعض الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره.
إلا أن الولايات المتحدة و بعد تفردها بالموقف الدولي ومنذ مطلع القرن الحالي بخاصة بدأت حربا _بشكل مستتر ثم علني_ على الإرهاب ( الإسلام ) و من ذلك مشروعها للشرق الأوسط الموسع الذي من شأنه إدخال ( إصلاحات ) على المنطقة الإسلامية , و العمل على إدماج شعوب المنطقة في مشروعها للتغيير من خلال تبني هذه الشعوب لوجهه نظرها و بالتالي إبعاد أي أثر للإسلام في الحياة حتى و لو كان من صنعها , لذلك فهي جادة على ما يبدو في التخطيط لإبعاد المرجعيات الدينية في إيران عن الحكم وعن أي تدخل في سياسات إيران مستقبلا, الأمر الذي يحتاج إلى تغيير عقلية الشعب الإيراني, الذي تربى على أن إيران دولة دينية وتربى كذلك على العداء المطلق لأميركا.
و لتحقيق هدفها سعت أميركا إلى إحداث التغيير من داخل المؤسسة الدينية , فبعد وفاة الخميني مارس عميلها رفسنجاني – و هو من المؤسسة الدينية - الدور الأكبر في إرساء أسس هذا التغيير تمهيدا للفصل بين المؤسسة الدينية و الدولة , و من بعده جاء محمد خاتمي الذي هو أيضا من ذات المؤسسة , إلا أنه قاد ما عرف بالتيار الإصلاحي مقابل التيار المحافظ ( المؤسسة الدينية ) , و استمر الصراع على أشده بين التيارين , إلا أن خاتمي و جماعته من الإصلاحيين لم يحدثوا الأثر المرجو , نظرا لتركز أهم مراكز صنع القرار بيد المحافظين و توفر قاعدة شعبية تدعمهم و هذا يعود إلى طبيعة المسلمين الشيعة و ارتباطهم الوثيق بمرجعياتهم , فبدأت الولايات المتحدة باستخدام أسلوب أخر يقضي بإفساح المجال للمحافظين باستخدام سلطاتهم لتضعهم في مواجهه الشعب الإيراني مباشرة لتستنفد أغراضها منهم ومن ثم إسقاط أوراقهم وإبعادهم عن الحكم بعدما يكون قد تم حشد الشارع لصالح الإصلاحيين , و كان البدء بفوز المحافظين في الانتخابات التشريعية, ومن ثم فوز نجاد المحسوب عليهم, وبذلك عادت السلطة للمحافظين المتحصنين بسلطة المؤسسة الدينية حيث سيؤدون معها الدور المرسوم والذي سيتولد عنه نتائج وممارسات ستؤدي إلى دفع الشعب في إيران إلى أحضان الإصلاحيين.
لذلك فأميركا أرادت لنجاد الفوز، وهيأت الظروف لذلك الفوز؛ حيث تم حصر المرشحين من قبل مصلحة تشخيص النظام ليتم اختياره مع ستة آخرين من بين أكثر من ألف مرشح للرئاسة, وستعمل على تهيئة الأجواء له لتنفيذ قيادة إيران "للهلال الشيعي"، كما ستعمل على إضعاف المحافظين مستقبلا من خلاله, لذلك فهي بدأت شن الهجوم عليه حتى قبل أن يتسلم مهام منصبه؛ لتكون ساحته بريئة من العلاقة مع أميركا.
أما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والضجة المثارة حوله منذ أشهر فإنه غير خاف أن ذلك يتناسب مع سعي أميركا للحد من انتشار التسلح النووي في العالم لتعزيز تفردها تحت ذرائع مختلفة، وفي حالة إيران فإنه يراد أن تكون أنموذجا في آسيا للضغط على بقية دولها بما فيها روسيا والصين للحد من قدراتهما النووية، بالتوازي مع الضعوطات الآتية من جهة الهند و باكستان و سباقهما النووي الذي هو من افتعال أميركا لذات السبب , و من جهة أخرى فإن البرنامج النووي الإيراني يشكل ضغطا على (إسرائيل) لحملها على السير في التسوية السلمية كلما اقتضى الأمر الضغط عليها, ومستقبلا إرغامها على التخلي عن برنامجها النووي للأغراض العسكرية.
ورغم أن البرنامج النووي الإيراني _المبالغ فيه_ قد جرى تحت سمع أميركا وبصرها, وذلك بعد أن غضت الطرف عن تعاون روسيا مع إيران في المجال النووي، بل وتقديم الدعم الكامل وبناء المحطات النووية وتزويدها بالوقود من طرف الروس، إلا أن البرنامج اكتسب مع مرور الوقت طابعا وطنيا لدى الشعب الإيراني ولدى بعض القوى السياسية الإيرانية, نظرا لطموح مسلمي إيران لامتلاك القوة الرادعة، مما جعل هذه النظرة تشكل عقبة أمام إيقاف هذا البرنامج, لذلك فقد عمدت أميركا من خلال عملائها في إيران ومنهم الرئيس محمود أحمدي نجاد ومن سبقه للعمل على تهيئة الرأي العام للقبول بالتخلي عن قدرات إيران النووية وتحويلها في أحسن الأحوال إلى الاستخدام السلمي, مع الإبقاء على إمكانية التلويح بقدرة إيران على تطوير برنامجها لتصبح إيران في الظاهر أكثر قدرة على استقطاب "الشيعة" في المنطقة الإسلامية مقابل "السنة" التي حاولت أن تصنع لها مرجعيات من مثل يوسف القرضاوي، ولكن يبدو أن ما هو أكثر فاعلية كما ثبت لها هو إذكاء فتيل الفتنة بتكثيف الأعمال المثيرة تحت اسم القاعدة ومن حولها.
أما ما أقدمت عليه الحكومة الإيرانية الجديدة باتخاذ القرار بفتح محطة أصفهان وعودة العمل على تخصيب اليورانيوم، فقد أظهرت إيران في تلك الخطوة وكأنها متحدية لـ (المجتمع الدولي) , هذا الإجراء سيفتح الباب للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضغط على إيران من خلال التهديد بتحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن واتخاذ موقف دولي ضد إيران , مما سيعطي المبرر لنجاد و طاقمه للإذعان للمطالب الدولية، وليكون أنموذجا لدول آسيا الأخرى.
أما الدور الخطر الذي يبدو أن أميركا ستدفع الحكومة الإيرانية الجديدة نحوه في هذه المرحلة فهو الاستقطاب "الشيعي" مقابل "الجانب السني" في المنطقة إمعانا في سيرها نحو الفصل المذهبي تلك الفتنة التي يراد إيقاع المسلمين في آتونها بما يجعل استحواذ أميركا على المنطقة وضمان ضعفها مؤكدا، وما الحديث المبكر لعبد الله ملك الأردن عما يسمى بالهلال الشيعي إلا توجيها للأنظار في المنطقة نحو ما يراد أن يتركز ويلتفت إليه تفكير الناس.
الوضع في إيران
كان فوز محمود أحمدي نجاد على منافسه القوي رفسنجاني – الذي توقع فوزه جميع المراقبين – لافتا للنظر, ومما يسترعي الانتباه الهجوم الأميركي عليه بمجرد إعلان فوزه , حيث وصفت وزيرة الخارجية الأميركية الانتخابات الإيرانية الأخيرة بالشكلية و قالت أن الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة أحمدي نجاد غير شرعية , و حملت على النظام في إيران بانتقادها ( الوحشية المنظمة للنظام الإيراني ) , و اتهام الولايات المتحدة له بالمشاركة في احتجاز الرهائن الأميركيين في سفارتها في طهران عام 1979 الأمر الذي نفته إيران , و يضاف إلى ذلك إدعاء النمسا بأن نجاد شارك في اغتيال قيادي كردي في فيينا , و لفهم الأحداث الأخيرة لا بد من استعراض موجز لواقع إيران السياسي وماهية علاقتها مع أميركا .
فبعد أن كانت إيران ترفع شعار فصل الدين عن الدولة وتطبقه عمليا زمن الشاه , استطاعت أميركا في غمرة صراعها مع الدول الاستعمارية الأخرى وعلى رأسها بريطانيا أن تستغل الشاه أسوأ استغلال حتى استطاعت التخلص منه, و جاءت بالثورة الخمينية التي رفعت شعار الإسلام، و من خلال تلك الثورة ركبت الولايات المتحدة موجة الإسلام المتصاعدة في إيران بخاصة و بلاد الإسلام عموما , بغية تحقيق أهدافها الاستعمارية من جهة وحرف ووأد التحرك الإسلامي المخلص في مهده من جهة أخرى , وعلى ضوء ما تقدم أصبح للمرجعيات الدينية في إيران اليد الطولى في الحكم , بل و أصبحت لهم الكلمة الفصل في الشؤون الداخلية الإيرانية و حتى الخارجية ضمن الحدود المرسومة لهم مسبقا من قبل أميركا و لخدمتها , و قد آتى هذا التوجه أكله في خدمة المصالح الأميركية, في الخليج بخاصة وفي العراق وأفغانستان وبعض الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره.
إلا أن الولايات المتحدة و بعد تفردها بالموقف الدولي ومنذ مطلع القرن الحالي بخاصة بدأت حربا _بشكل مستتر ثم علني_ على الإرهاب ( الإسلام ) و من ذلك مشروعها للشرق الأوسط الموسع الذي من شأنه إدخال ( إصلاحات ) على المنطقة الإسلامية , و العمل على إدماج شعوب المنطقة في مشروعها للتغيير من خلال تبني هذه الشعوب لوجهه نظرها و بالتالي إبعاد أي أثر للإسلام في الحياة حتى و لو كان من صنعها , لذلك فهي جادة على ما يبدو في التخطيط لإبعاد المرجعيات الدينية في إيران عن الحكم وعن أي تدخل في سياسات إيران مستقبلا, الأمر الذي يحتاج إلى تغيير عقلية الشعب الإيراني, الذي تربى على أن إيران دولة دينية وتربى كذلك على العداء المطلق لأميركا.
و لتحقيق هدفها سعت أميركا إلى إحداث التغيير من داخل المؤسسة الدينية , فبعد وفاة الخميني مارس عميلها رفسنجاني – و هو من المؤسسة الدينية - الدور الأكبر في إرساء أسس هذا التغيير تمهيدا للفصل بين المؤسسة الدينية و الدولة , و من بعده جاء محمد خاتمي الذي هو أيضا من ذات المؤسسة , إلا أنه قاد ما عرف بالتيار الإصلاحي مقابل التيار المحافظ ( المؤسسة الدينية ) , و استمر الصراع على أشده بين التيارين , إلا أن خاتمي و جماعته من الإصلاحيين لم يحدثوا الأثر المرجو , نظرا لتركز أهم مراكز صنع القرار بيد المحافظين و توفر قاعدة شعبية تدعمهم و هذا يعود إلى طبيعة المسلمين الشيعة و ارتباطهم الوثيق بمرجعياتهم , فبدأت الولايات المتحدة باستخدام أسلوب أخر يقضي بإفساح المجال للمحافظين باستخدام سلطاتهم لتضعهم في مواجهه الشعب الإيراني مباشرة لتستنفد أغراضها منهم ومن ثم إسقاط أوراقهم وإبعادهم عن الحكم بعدما يكون قد تم حشد الشارع لصالح الإصلاحيين , و كان البدء بفوز المحافظين في الانتخابات التشريعية, ومن ثم فوز نجاد المحسوب عليهم, وبذلك عادت السلطة للمحافظين المتحصنين بسلطة المؤسسة الدينية حيث سيؤدون معها الدور المرسوم والذي سيتولد عنه نتائج وممارسات ستؤدي إلى دفع الشعب في إيران إلى أحضان الإصلاحيين.
لذلك فأميركا أرادت لنجاد الفوز، وهيأت الظروف لذلك الفوز؛ حيث تم حصر المرشحين من قبل مصلحة تشخيص النظام ليتم اختياره مع ستة آخرين من بين أكثر من ألف مرشح للرئاسة, وستعمل على تهيئة الأجواء له لتنفيذ قيادة إيران "للهلال الشيعي"، كما ستعمل على إضعاف المحافظين مستقبلا من خلاله, لذلك فهي بدأت شن الهجوم عليه حتى قبل أن يتسلم مهام منصبه؛ لتكون ساحته بريئة من العلاقة مع أميركا.
أما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والضجة المثارة حوله منذ أشهر فإنه غير خاف أن ذلك يتناسب مع سعي أميركا للحد من انتشار التسلح النووي في العالم لتعزيز تفردها تحت ذرائع مختلفة، وفي حالة إيران فإنه يراد أن تكون أنموذجا في آسيا للضغط على بقية دولها بما فيها روسيا والصين للحد من قدراتهما النووية، بالتوازي مع الضعوطات الآتية من جهة الهند و باكستان و سباقهما النووي الذي هو من افتعال أميركا لذات السبب , و من جهة أخرى فإن البرنامج النووي الإيراني يشكل ضغطا على (إسرائيل) لحملها على السير في التسوية السلمية كلما اقتضى الأمر الضغط عليها, ومستقبلا إرغامها على التخلي عن برنامجها النووي للأغراض العسكرية.
ورغم أن البرنامج النووي الإيراني _المبالغ فيه_ قد جرى تحت سمع أميركا وبصرها, وذلك بعد أن غضت الطرف عن تعاون روسيا مع إيران في المجال النووي، بل وتقديم الدعم الكامل وبناء المحطات النووية وتزويدها بالوقود من طرف الروس، إلا أن البرنامج اكتسب مع مرور الوقت طابعا وطنيا لدى الشعب الإيراني ولدى بعض القوى السياسية الإيرانية, نظرا لطموح مسلمي إيران لامتلاك القوة الرادعة، مما جعل هذه النظرة تشكل عقبة أمام إيقاف هذا البرنامج, لذلك فقد عمدت أميركا من خلال عملائها في إيران ومنهم الرئيس محمود أحمدي نجاد ومن سبقه للعمل على تهيئة الرأي العام للقبول بالتخلي عن قدرات إيران النووية وتحويلها في أحسن الأحوال إلى الاستخدام السلمي, مع الإبقاء على إمكانية التلويح بقدرة إيران على تطوير برنامجها لتصبح إيران في الظاهر أكثر قدرة على استقطاب "الشيعة" في المنطقة الإسلامية مقابل "السنة" التي حاولت أن تصنع لها مرجعيات من مثل يوسف القرضاوي، ولكن يبدو أن ما هو أكثر فاعلية كما ثبت لها هو إذكاء فتيل الفتنة بتكثيف الأعمال المثيرة تحت اسم القاعدة ومن حولها.
أما ما أقدمت عليه الحكومة الإيرانية الجديدة باتخاذ القرار بفتح محطة أصفهان وعودة العمل على تخصيب اليورانيوم، فقد أظهرت إيران في تلك الخطوة وكأنها متحدية لـ (المجتمع الدولي) , هذا الإجراء سيفتح الباب للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضغط على إيران من خلال التهديد بتحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن واتخاذ موقف دولي ضد إيران , مما سيعطي المبرر لنجاد و طاقمه للإذعان للمطالب الدولية، وليكون أنموذجا لدول آسيا الأخرى.
أما الدور الخطر الذي يبدو أن أميركا ستدفع الحكومة الإيرانية الجديدة نحوه في هذه المرحلة فهو الاستقطاب "الشيعي" مقابل "الجانب السني" في المنطقة إمعانا في سيرها نحو الفصل المذهبي تلك الفتنة التي يراد إيقاع المسلمين في آتونها بما يجعل استحواذ أميركا على المنطقة وضمان ضعفها مؤكدا، وما الحديث المبكر لعبد الله ملك الأردن عما يسمى بالهلال الشيعي إلا توجيها للأنظار في المنطقة نحو ما يراد أن يتركز ويلتفت إليه تفكير الناس.