المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعات سياسية حول مصر وسورية والعراق



Abu Taqi
15-11-2016, 02:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعات سياسية
أولًا: مصر
لم يمض وقت طويل على سقوط بعض الحكام الذين عصف بهم ما يسمى بالربيع العربي حتى تركز الإدراك لدى الأميركان أن الإسلام هو الفكر الوحيد الذي يسيطر على عقيدة الأمة وأفكارها ومشاعرها. كما أدركوا أن بقاء حكام ذوي "توجهات إسلامية" (مثل الإخوان والنهضة) سوف لن يؤدي _نتيجة اندفاع الناس نحو إسلامهم_ إلا إلى إبراز حقيقة المعركة مع أميركا والغرب بأنها صراع بين الإيمان والكفر، وهذا سوف يترتب عليه أن تأخذ الأمة بزمام المبادرة وتعمل على السير في الطريق الصحيح للنهضة. فـ(معركة القلوب والعقول) التي رفعت أميركا لواءها لن تؤدي إلا إلى القضاء على الكفر ذاته، نظرًا لقوة الإسلام الفكرية وتغلغل عقيدته الروحية والسياسية في عقل الأمة وشعورها.
فرغم كل الصفقات المشبوهة التي عقدتها أميركا مع الحركات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في تونس ومصر وليبيا، لكنها وبمعية بقية دول الكفر في أوروبا لم تكن تؤمن بقدرة هذه الحركات على ترويض الشارع الإسلامي والسير به في الاتجاه الذي يضمن تنفيذ مشاريع الكفر والتمكين للعقيدة الرأسمالية من خلال معركة (القلوب والعقول).
ولذلك كان لزامًا على أميركا أن تتمسك بسياسة "مكافحة الإرهاب" كأحد أهم أدواتها في محاربة الإسلام، وكان ذلك بعد أن نجحت في صناعة أو استخدام تنظيمات عسكرية (مثل داعش) وأخرى سياسية تتخفى بالإسلام، ليس فقط من أجل إعادة رسم خارطة الأمة الجيوسياسية واستكمال ما بدأته فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بل أيضًا للحيلولة دون أن يكون الإسلام قيِّمًا على فكر الأمة وشعورها.
دور السيسي - وبعد وضوح رؤية أميركا للمنطقة لم تجد أفضل من عبدالفتاح السيسي للقيام بما تريد إنجازه في مصر وما حولها، ولكن ما الذي أرادت أميركا تحقيقه في مصر؟ سعت أميركا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية داخل مصر وحولها لعل أهمها
1- إزاحة الإسلام من إمكانية التأثير في الحياة العامة وفرض الرأسمالية دينًا عبر تبني مفهوم الإسلام الديمقراطي، ولتحقيق ذلك عمل السيسي بوسائل منها
أ_ ملاحقة كل الحركات الإسلامية التي تطرح الإسلام باعتبار أن له علاقة بالحياة العامة للمجتمع. وكان ذلك عبر سياسات أمنية قائمة على القتل والاعتقال والسجن والتشريد ومصادرة الأموال وإغلاق الأحزاب والجمعيات ذات العلاقة بحركة الإخوان المسلمين وغيرهم، وقد عمل السيسي وجنوده في هذا السياق على نشر الشك والرعب في نفوس الناس بحجة أن البلاد تتعرض لمؤامرات أجنبية.
ب_ اتباع أجندة إعلامية تهاجم الإسلام في عقيدته وأحكامه، وتلاحق بالكذب والافتراء كل من ينتمي إلى التيار الإسلامي المعارض للسيسي ونظام حكمه. وتزامنًا مع هذه الهجمة الإعلامية على الإسلام عملت وزارة التربية والتعليم في مصر على تغيير مناهج التعليم والمواد التعليمية بما يمسح كل ما له علاقة بعظمة الإسلام ومجد التاريخ الإسلامي على قاعدة "تجفيف المنابع."
2- تغيير عقيدة الجيش المصري من جيش حامٍ للحدود ويستعد للدخول في صراع وحرب مع "كيان يهود" إلى جيش يقاتل شعبه في سيناء وغيرها من مدن وشوارع مصر بدعوى محاربة "الإرهاب"، ومن ثم لم يعد هذا الجيش يشتغل بإعداد الخطط والتجهيزات العسكرية أو تطوير صناعة حربية بل أصبح يشتغل في الاقتصاد وينافس الشركات في الاستيراد والتصدير للسلع والخدمات والصفقات التجارية، إلى درجة أن تهكم بعضهم على هذا الجيش بالقول أن عمله هو الإشراف على خطوط الصرف الصحي وإنتاج "أصابع الكفتة."
3- التفريط في ثروات مصر ومدخراتها عبر التفريط في حقوق مصر النفطية والغازية في البحر المتوسط أو عبر تزويد دولة "يهود" بالغاز المصري بأقل من سعر السوق. هذا بالإضافة إلى جعل مصر نهبًا للشركات البترولية الدولية بدعوى حقوق التنقيب والاستكشاف.
4- ضرب الاقتصاد المصري بشكل متعمد عن طريق الديون وإيقاف الانتاج وسرقة الأموال بعد أن ابتلع السيسي وملؤه عشرات المليارات من الدولارات التي جاءت على شكل قروض ومساعدات وهبات وصلت إلى حدود 50 مليار دولار. وقد انعكس هذا الانحطاط الاقتصادي غير المسبوق على أوضاع المعيشة في مصر، والتي جعلت سلعًا أساسية مثل: الزيت والسكر نادرة الوجود بأسعار معقولة.
5- تمكين كيان " يهود من أسباب القوة والبقاء عبر حصار غزة وهدم الأنفاق ومطاردة كل مسلم مقاوم للاحتلال في سيناء بالإضافة الى تمتين معاهدة السلام وحتى تغيير بعض بنودها لمصلحة الأمن الإسرائيلي كالسماح بالتواجد العسكري في سيناء من أجل ملاحقة المسلمين فيها
6- تقديم الدعم العسكري المباشر وغير المباشر عبر الاستخبارات والتمرين والعتاد والتدريب لقوات خليفة حفتر في ليبيا من أجل مساعدته في فصل الشرق الليبي والتغلب على قوى المعارضة المسلحة هناك مثل مجلس شورى ثوار بنغازي وسرايا الدفاع عن بنغازي.
وبالنظر إلى هذا الدور الكبير الذي أوكلته أميركا إلى عبد الفتاح السيسي وإنجازه لمعظم هذه المهمات الخطيرة على الإسلام والمسلمين في مصر وخارجها ، يبدو أنه قد آن الوقت الذي يترك فيه الحكم لأنه لم يعد رجل المرحلة القادمة.
والنظرة العميقة لممارسات نظام السيسي الأخيرة ومنها تصويته في مجلس الأمن في مسألة حلب بوقوفه إلى جانب روسيا والنظام السوري بل وتحركه نحو روسيا واقترابه من النظام السوري وتوطيد علاقته مع إيران، مع ابتعاده في نفس الوقت عن دول الخليج وبخاصة السعودية، ثم أخيرًا اتخاذه قرارات اقتصادية تزيد أوضاع الناس سوءًا، فإن كل ذلك وما سبقه من ممارسات ذاق الناس مرارتها لا تؤهله للبقاء في الحكم للمرحلة اللاحقة.
وما كان لنظام السيسي أن يقوم بذلك _العلاقة مع روسيا وسوريا ودول الخليج_ لولا أنه يسير وفق خطة أميركية مدروسة متفق عليها بين أميركا وروسيا التي اتخذت منها أميركا شريكًا لها في إنجاح مخططاتها الاستراتيجية مقابل منافع اقتصادية وسياسية وعسكرية ما كانت تحلم بها روسيا في وضعها الاقتصادي المتأزم.
وحتى يتم تبرير أفعال السيسي والسعودية وتغيير علاقته مع دول الخليج كان التصويت المصري لصالح المشروع الروسي حول حلب في مجلس الأمن، وهو ما أعطى الذريعة للسعودية بإيقاف ضخ الأموال والنفط لمصر. ثم كان بعد ذلك زيارة علي مملوك للقاهرة كرد على ما قامت به السعودية وإظهار السيسي أنه بات مصطفًا مع "محور" روسيا وإيران وسوريا.
والحقيقة أنه لا وجود لأي محور من هذا القبيل في المنطقة إلا في عقول الصحافة ومراهقي السياسة، وما جرى على هذا الصعيد زاد في تهيئة الظروف لثورة الناس على النظام، فلا الناس في مصر بصفة عامة يتقبلون ممارسات نظام الأسد ضد أبناء الأمة في سوريا، ولا تطربهم أصوات القنابل الروسية على رؤوس إخوانهم في حلب وسوريا عمومًا، ولا يميلون نحو إيران التي تدعم نظام الأسد وتدعم الممارسات المذهبية لنظام العراق، ولا يُسعد أهل مصر قطع النفط السعودي وزيادة أسعاره بنسب عالية بلغت 30-40% زادت معاناة الناس المنهكين اقتصاديًّا.
وأمام الظروف المواتية والتي تستفز الناس للثورة على الأوضاع بالغة السوء، ومع وضوح التحضيرات العملية، وتشكيل لجنة وطنية لمتابعة مظاهرات يوم 11/11، ووجود التغطية الإعلامية الحالية وبخاصة من محطة الجزيرة، إضافة إلى عودة الدكتور محمد البرادعي إلى الواجهة وإعادة إنتاجه كشخصية معتدلة لها احترام في أوساط العسكر والعلمانيين كما أنها شخصية تبرأت من فض اعتصام رابعة بالقوة ومن الدماء التي أريقت، كل ذلك يشير إلى التهيئة لوضع جديد من المتوقع أن ينهيَ فترة حكم السيسي. ورغم أن هناك أكثر من مرشح إلا أنه لا يتوقع أن يكون بديل السيسي قادمًا من المؤسسة العسكرية، وإذا جرت الأحداث حسب ما هو متوقع، فقد يكون الدكتور محمد البرادعي هو المرشح لقيادة حكومة إنقاذ وطني أكثر من كل من السيدين أيمن نور أو عمرو موسى، فهو يحظى باحترام العلمانيين ومن خلفهم المؤسسة العسكرية من جانب، إضافة الى قبوله من طرف الإخوان، وهو قادر على جسر الهوة بينهما.
ولكن الذي يثير التساؤل هو: إلى متى يتلاعب الكفار بالمسلمين؟! ويتحكمون في شؤون حياتهم ويقررون لهم مستقبلهم؟! وإلى متى تهمل الأمة قيمتها وقدراتها؟! وإن أريد لها أن تبرز قيمتها وقدراتها وتقول كلمتها فهل سيبقى ذلك مرهونًا بترتيب أو إشارة من أعدائها؟
ثانيًا: سوريا
إن المراقب لما يجري في حلب وسوريا عمومًا يلحظ أن السير نحو التقسيم يجري بخطى حثيثة، فمنذ دخول القوات التركية إلى جرابلس تحت غطاء جوي من قوات الحلفاء ومن ضمنها سلاح الجو التركي وانشغالها في إنشاء ما يسمى بالمنطقة العازلة وعدم استهدافها لمناطق شرق الفرات ذات الغالبية الكردية (الحسكة وقامشلي) في الشمال السوري، فقدد فُهم من مجموع ذلك أن هناك ترتيبات جرت خلف الستارة سمحت للأتراك بالمباشرة في إنشاء المنطقة العازلة بعد دخول قواتهم لجرابلس بحجة إخراج تنظيم الدولة واستخدامهم لجيش سوريا الحر واجهة لتحقيق تقدمهم في الأراضي السورية.
على أن سكوت الأتراك وعدم تعرضهم لمناطق شرق الفرات يشير إلى موافقتهم على كيان كردي محصور فيها ولا يمتد ليغطي كامل الشريط الحدودي مع تركيا؛ أي عدم امتداد الإقليم الكردي إلى مناطق غرب الفرات كما كان يحلم الأكراد.
أما دفع الأكراد لمهاجمة الرقة كما أعلنوا أول أمس السبت تحت اسم جيش سوريا الديموقراطي بدعم جوي من قوات التحالف، فهو فضلًا عن كونه سيضعف القوى الكردية في سوريا بزجهم في معركة استنزاف مع تنظيم الدولة بعد إغرائهم بمكاسب على الأرض، فإن مثل هذا القرار المتعلق بمكافحة "الإرهاب" والذي يضيق الخناق على تنظيم الدولة قد جاء في توقيت يزيد من فرص نجاح الحزب الديموقراطي في الانتخابات التي ستجري غدًا الثلاثاء الثامن من الشهر الجاري، وذلك بعد تذرع تركيا بالامتناع عن بدء الهجوم على الرقة إلا بعد استعادة الموصل. وفي جبهة حلب لوحظ الضغط العسكري الشديد طوال شهر كامل على أحياء حلب الشرقية، وكانت الغاية وراء ذلك هي الضغط على المقاتلين والتنظيمات التي توصف بالمتشددة، والتي سبق لها رفض الدخول في مفاوضات سلمية بوجود النظام، وترجيح كفة المنظمات التي توصف بالاعتدال.
وقد أعقب الهجوم الهمجي على أحياء حلب الشرقية هدنة مشروطة بخروج مقاتلي (فتح الشام/النصرة) وغيرهم ممن وصفوا بالمتشددين إلا أن رفض الحاضنة الشعبية الرضوخ للنظام وحلفائه وخوفهم من مصير أهالي داريا وغيرها حال دون خروج المقاتلين الذين يوصفون بالتشدد.
ثم جاءت أرتال الثوار من إدلب وريف حماة لفك الحصار عن حلب، ورغم تقدمها البطيء، إلا أنها ستشارك في معركة حلب المنتظرة والتي ستنعكس نتائجها على كل تلك المناطق.
والمتوقع هو رسم حدود إقليم سني تحت قيادة الجيش الحر ومن على شاكلته ممن يوصفون بالمعتدلين يشمل الشمال السوري ما عدا مناطق شرق الفرات (المنطقة الكردية)، ويمتد من الحدود التركية مرورًا بحلب وإدلب وأجزاء من حماة وريفها، ولن يكون هذا الإقليم هادئًا بل سيكون القتال بين الفصائل المختلفة هو السمة البارزة فيه.
ثالثًا: العراق
باحتدام القتال في الموصل بعد دخول الأسبوع الثالث للمعارك بين القوات العراقية وحلفائها مع تنظيم الدولة، يتوقع أن تزداد شراسة القتال لتحصد آلاف الأرواح، وتعزز الفصل المذهبي في البلاد.
والظاهر أن الكيان السني والذي يتوقع إنشاؤه عقب هزيمة تنظيم الدولة في العراق سيمتد ليشمل مناطق السنَّة من الموصل حتى الرطبة. فالعراق الذي ينص دستوره على أنه دولة اتحادية، ورغم محاولة "الشيعة" إحكام السيطرة على البلد، وظهور النزعة المذهبية، إلا أن المكون "السني" فيه يسعى لرسم حدود لإقليمه وهو ما يقره دستور بريمر.
أما التدخلات الإيرانية والتركية فإنها ستستمر مما قد يؤدي إلى احتكاك بينهما لا قدر الله سيكون كارثة حقيقية تضاف إلى باقي مآسي المسلمين
7 صفر 1438 هـ
7 نوفمبر 2016 م