المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية الأزمة الروسية الأميركية المفتعلة في سوريا



Abu Taqi
03-10-2016, 04:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الأزمة الروسية الأميركية المفتعلة في سوريا

تعيش حلب هذه الأيام أكبر عملية قتل وتدمير تتعرض لها في تاريخها الحديث. ويتم تصوير ما يجري بأنه أزمة إنسانية تتعلق بتوصيل المساعدات وأزمة سياسية تتعلق بالهدنة وشروط تنفيذها. والحقيقة أن ما يجري في حلب وبقية المدن السورية هو جريمة احتلال وقتل ممنهج للمسلمين بسبب رفضهم الاستسلام لخطط الكفار في تقسيم البلد على مقتضى مشروع الشرق الأوسط الكبير.
إن التضليل الإعلامي والدبلوماسي الذي تقوم به أميركا يجعل الرأي العام يصدق أن المجرم هو النظام السوري وروسيا وحسب. ولكن الحقيقة أن من يتولى كبر كل هذه الجرائم في سوريا هي الولايات المتحدة الأميركية.
صحيح أن روسيا وبشار الأسد وغيرهم ممن ولغت أيديهم في دماء المسلمين قتلة ومجرمون لكن المجرم الأول المختبئ وراء الكواليس الدبلوماسية والذي يخطط لسياسة القتل والإبادة الجماعية للمسلمين في سوريا والسيرفي تقسيم البلاد هي أميركا.
فعلى مدى ست سنوات من الحرب السورية عملت أميركا على إبقاء الصراع مستمرًا بين المعارضة والنظام من جهة في الوقت الذي سخرت فيه تنظيم داعش للصراع مع الأكراد من أجل تثبيت مشروع الكيان الكردي في الشمال السوري من جهة أخرى.
وتحت حجة محاربة "الإرهاب" والخوف من وصول "إسلاميين متطرفين" للحكم بعد سقوط النظام عملت أميركا على إشعال نار الحرب وإدارة الأزمة حتى تحقق مخططاتها الكبرى في سوريا مستعينة في ذلك بروسيا التي جلبتها لتكون ظهيرًا لها. ومن أجل إدامة الحرب وتنفيذ مخطط التقسيم تتظاهر أميركا من حين لآخر بأن هناك خلافات عميقة بينها وبين روسيا بعد أن نجحت في حصر المحادثات معها وقامت بإقصاء أصحاب القضية من أهل البلد سواء كانوا في صف "المعارضة" أو حتى في صف "النظام".
ويكفي أن ننظر قليلًا في الأزمة المفتعلة أخيرًا بينها وبين روسيا حتى ندرك مقدار الإجرام والتضليل الذي تمارسه أميركا على أهل المنطقة وعلى الرأي العام الدولي. هذا الأمر يبين بوضوح وبشكل لا يقبل اللبس أن الولايات المتحدة الأميركية هي من يقف خلف الأعمال الوحشية والممارسات اللاإنسانية والظلم والتدمير في حلب.
في البداية أعلنت أميركا أنها ضربت بطريق "الخطأ" جنود بشار الأسد بالقرب من حلب، وبعدها مباشرة تعرضت شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة للقصف من الطائرات الروسية أو طائرات الأسد. وقد نتج عن هذه الحوادث ردود أفعال "غاضبة" من قبل روسيا أولًا ثم من قبل أميركا ثانيًا، وهو ما نتج عنه انتهاء "وقف إطلاق النار" الذي استمر أسبوعًا واحدًا فقط.
وعقب انتهاء "الهدنة" دخل التوتر الأميركي ــ الروسي مرحلة التهديد العسكري المباشر، وذلك بعد سلسلة تراشق دبلوماسي متصاعد بين البلدين، من بينها اتهام موسكو لواشنطن بدعم نشاطات "إرهابية"، وتحذيرها من "تغييرات مزلزلة" إذا ما تمت مهاجمة النظام السوري، بعد أن لوحت أميركا باحتمال شن هجمات في روسيا أو إسقاط الطائرات الروسية في سوريا.
وأمام استمرار القصف الروسي لحلب، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه من الصعب مواصلة المفاوضات مع روسيا، قائلًا: "نحن على وشك تعليق المحادثات لأنه بات من غير المنطقي وسط هذا القصف الذي يجري، أن نجلس ونحاول أن نأخذ الأمور بجدية".
أما إدارة الرئيس باراك أوباما فقد أعلنت أنها تدرس"خيارات جديدة غير دبلوماسية" للرد على "التصعيد العسكري الروسي في حلب"، ولاسيما "تجميد" المحادثات مع روسيا مع التلويح بالخيار العسكري ضد نظام بشار وإمكانية تزويد المعارضة بسلاح نوعي ضد الدروع.
إن هذه "المواجهة" الإعلامية والدبلوماسية المباشرة بين أميركا وروسيا جعلت كثيرين يتناسون جرائم الكفار وعملائهم في الحرب السورية ويتابع مسرحية "الأزمة الروسية - الأميركية". فهذ الأزمة المفتعلة بينهما ما هي إلا أسلوب جديد للضغط على المعارضة وبخاصة التي ترفض التفاوض مع بقاء النظام وعلى الشعب في سوريا من أجل القبول بالتسوية المتفق عليها بين روسيا وأميركا، ولهذا يجري التسريع بالحسم العسكري قبل نهاية العام حتى يكون ملف المفاوضات جاهزًا أمام الرئيس الأميركي القادم.
فعندما تقول أميركا أنها على وشك "قطع المباحثات والاتصالات" مع روسيا فهذا يعني عمليًا إعطاء مزيد من الوقت لروسيا ونظام الأسد بالاستمرار في القتل والتدمير والإبادة الجماعية لأهل حلب وإدلب وحماة. بل إن الأمم المتحدة نفسها شريك في هذه الجرائم، فهي عندما تقول بأنها سوف توقف المساعدات وتعلن عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة بحادثة استهداف قافلة الإغاثة فهذا يعني عمليًا ضرب مزيد من الحصار والتجويع لمدينة حلب وسط قصف جوي مستمر للمستشفيات ومنشآت الغذاء والكهرباء والمياه.
ولتأكيد ما سبق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تسجيلًا صوتيًّا لكيري خلال لقائه وفدًا من المعارضة السورية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام. واقترح الوزير خلال اللقاء مشاركة المعارضة في انتخابات تشمل الأسد، وهذا طبعًا خلاف ما واظبت عليه الإدارة الأميركية من الدعوة لتنحي الأسد.
وفي هذا اللقاء حاول كيري تبرير سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية بالقول أن أميركا لا تملك حجة قانونية للتدخل عسكريًا في سوريا وأكد أن الكونغرس لن يقبل استعمال القوة في سوريا، واعتبر أن تسليح المعارضة أو الانضمام للقتال قد يؤدي إلى نتائج عكسية .
إن أحسن من عبر عن حقيقة وغاية ما يجري في سوريا حاليَّا هو زعيم حزب الله حسن نصرالله والمشارك في سفك دماء المسلمين والذي أكد في لقائه السنوي مع قراء العزاء عشية حلول شهر محرم، قائلًا: "لا آفاق للحلول السياسية... وتبقى الكلمة الفصل للميدان"، لافتًا إلى أن "الوضع يزداد تعقيدًا، وبخاصة بعد التوتر الأميركي ــــ الروسي واستمرار أزمة الثقة بين الطرفين"، وكرر نصرالله الموقف الروسي بالقول أنه "لا توجد في سوريا معارضة مسلحة معتدلة. إما مع النصرة أو مع داعش".
إن تصريحات جون كيري مع وفد المعارضة وتصريح زعيم حزب الله تؤكد أنه لا يوجد أي خلاف حقيقي بين روسيا وأميركا، بعد أن قبلت روسيا منذ دخولها الحرب السورية فعليًّا في 30 أيلول/سبتمبر 2015 أن تكون شرطيًّا جديدًا في المنطقة ينفذ استراتيجية أميركا مقابل الحصول على منافع اقتصادية وسياسية وعسكرية. وفي مقابل هذه المنافع الروسية تحتفظ أميركا بدور القيادة من الخلف في إعادة صياغة المنطقة جيوسياسيًّا وتحميل عبء حماية "إسرائيل" في فلسطين والجولان لروسيا.
وما يجب أن يعلم أخيرًا أن وجود قواعد عسكرية لروسيا في سوريا أو منافع سياسية (إثبات وجود وتأثير دولي، واتصالات دولية) أو مصالح اقتصادية (حصة من غاز المتوسط ونفط سوريا وعقود السلاح) لها في الشرق الأوسط لا يشكل أي تهديد وجودي لأميركا لأن روسيا ببساطة تتبنى الرأسمالية وهي محاصرة في محيطها السوفياتي بسياسة توسع حلف الناتو وسياسة الدفاع الأطلسي المشترك.
ولذلك لا حقيقة لما يشاع عن إمكانية التصادم بين روسيا وأميركا والتخوف من حرب عالمية جديدة.
والحقيقة الماثلة للعيان هي الحرب على الأمة الإسلامية بتخطيط وقيادة أميركية لهدفين أولهما: إضعاف الأمة الأسلامية بزيادة تقسيم بلادها، ونهب خيراتها، وقتل رجالها، وأما ثانيهما فهو: الحرب على الإسلام من خلال الترويج للمفاهيم الغربية في الإعلام ومناهج التعليم وغيرها من الوسائل.
والأمة الإسلامية لا بد لها من إظهار وعيها وهيبتها واندفاعها نحو تحقيق وحدتها ضد مشاريع أميركا الكافرة المجرمة وتوابعها وأدواتها، سواءٌ أكان ذلك بتحرك جيوشها نحو نصرة الإسلام والمسلمين، والتخلص من قبضة الغرب الكافر، أو بأدنى الحدود السير بأساليب تبرز رفضها وسخطها وضغطها على أذناب أميركا وأدواتها في المنطقة من مثل الإضرابات العامة وفي بلدان عديدة إن لم يكن الإضراب يشمل مواقع تواجد الأمة وفي كافة بلدانها على الأحداث التي تهز الأمة، وعلى الواقع المرير الذي تعيشه.

غرة محرم/1438هـ
2/10/2016م