عبد الواحد جعفر
14-07-2016, 05:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعات سياسية
تفجير الكرادة في بغداد
حيثيات التفجير
في فجر يوم 3/7/2016 وقعت تفجيرات كبيرة في حي الكرادة ببغداد أودت بحياة أكثر من 300 شخص وجرح أكثر من 250 آخرين. وقد كان واضحًا أن من قام بهذه العملية أراد استهداف أكبر عدد ممكن من الناس؛ لأن التفجيرات وقعت في شارع تجاري مكتظ بالمدنيين كانوا يستعدون لشراء لوازم العيد. ولم تمض ساعات حتى أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجير الكرادة الذي يُعتبر من أكثر الأعمال تدميرًا في البلاد منذ غزو العراق عام 2003.
والمدقق في هذا التفجير يرى أنه وقع بعد أن أعلنت القوات العراقية استعادتها السيطرة على مدينة الفلوجة التي ادعت الحكومة أن التفجيرات في بغداد تأتي منها، ورغم إعلان تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته عن الحادث إلا أن أهالي الكرادة وكثير من الإعلاميين والناشطين، بل حتى محافظ بغداد علي التميمي، طالبوا بتحقيق دولي محايد في التفجير، بل وطالبوا بحضور لجنة دولية متخصصة لفحص عشرات الجثث المتفحمة لمعرفة ملابسات الانفجار.
فهناك أسئلة كثيرة تدور حول نوعية التفجير والمواد المستخدمة فيه وكيفية دخول السيارة المفخخة إلى المنطقة على الرغم من حصول تفجيرات سابقة في المنطقة. فما أثار استغراب محللي وخبراء المواد المتفجرة أن مكان الانفجار، على الرغم من سماع دويّه على مسافات بعيدة في بغداد، لم يترك أي أثر على أرضية الشارع، على خلاف عشرات التفجيرات السابقة. وهناك أيضًا العبوات الناسفة أو السيارة المحملة بهذه المواد التي مرت عبر نقاط التفتيش دون أن يتم كشفها أو تحصل على إذن المرور من الرقابة أو الشرطة في الموقع؟
امتصاص الغضب
وفي محاولة من رئيس الوزراء حيدر العبادي لامتصاص غضب الناس وبخاصة بعد أن قام أهالي الكرادة وعوائل الضحايا برشق موكبه بالأحذية والحجارة أعلن الحداد ثلاثة أيام وقام باتخاذ بعض الإجراءات منها:
أولًا: تمت إقالة عدد من كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين بعد أن أصدر حيدر العبادي، يوم 8 تموز/يوليو، أوامر بإعفاء ضباط وقادة أمنيين كبار من مناصبهم، منهم قائد عمليات الجيش ببغداد عبد الأمير الشمري، كما تم الإعلان بأنه سيتم إعفاء ضباط وقادة أمنيين آخرين لاحتواء الغضب الشعبي العارم ضد سياسات الحكومة الأمنية، التي فشلت في ضبط أمن العاصمة والمحافظات الأخرى. كما وافق العبادي على استقالة وزير الداخلية محمد الغبان من منصبه، على خلفية تفجير الكرادة وسط بغداد.
ثانيًا: أصدر العبادي أيضًا مجموعة من التوجيهات في سبيل تعزيز الأمن في بغداد والمحافظات من بينها سحب أجهزة كشف المتفجرات (إيه دي إي 651) لدى الأجهزة الأمنية واعادة تنظيم الحواجز الأمنية وتزويد مداخل العاصمة والمحافظة بأنظمة "رابيسكان" المستخدمة في المطارات لفحص السيارات. كما أعلن العبادي فتح تحقيق في قضايا الفساد المتعلقة بأجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدويًا من الحواجز، والتي كشفت تحقيقات صحفية أنها فاسدة ولا تصلح أصلًا لكشف المتفجرات، علمًا أن الشرطة استمرت في استخدامها رغم الفضيحة المتعلقة بصفقة شرائها في عهد سلفه نوري المالكي عام 2007. وقد كشف التحقيق أن هذه المعدات المحمولة باليد ليست كاشفة للعبوات الناسفة، بل تستخدم لتحديد مواقع كرات الغولف المفقودة.
أسباب التفجير
إن أغلب التفجيرات التي تقع في مناطق بغداد تدخل كلها في إطار الصراع السياسي على الحكم والنفوذ، وهذا الأمر بات معلومًا إلى درجة أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان عنيفًا في رده على هذه التفجيرات بالقول أنها "لن تنتهي" ما دام هناك من أسماهم بالوزراء الفاسدين المنتفعين من هذه التفجيرات متشبثين بمناصبهم، موضحًا أن حكومة بغداد اختصرت عملها في الاستسلام للتفجيرات وغسل الدماء. ودعا الصدر الشعب العراقي إلى الانتفاض لأجل فرض معادلة سياسية وأمنية جديدة عبر المطالبة باستقالة المفسدين بجميع مراتبهم.
وتناغم معه حيدر العبادي ظاهريًا بأن شدد على ضرورة القضاء على الفساد في وزارة الداخلية، مطالباً خلال اجتماعه بمسؤولين أمنيين بعد تفجيرات الكرادة، الوزارة بـ"تكثيف جهودها للكشف عن المجرمين والقضاء على الخلايا الإرهابية النائمة، واتخاذ إجراءات السلامة والأمان في الأسواق والمباني". ورأى أن "اعتداء الكرادة جاء كردة فعل على الانتصار الذي تحقق في مدينة الفلوجة"، لافتًا إلى "وجود بعض المتاجرين بدماء العراقيين من أجل تحقيق مصالح سياسية".
وكرد فعل على ما حدث تظاهر المئات من المواطنين العراقيين في ساحة التحرير وسط بغداد يوم الجمعة 8 تموز/يوليو للمطالبة بإجراء الإصلاحات التي رفعوا شعاراتها في السابق مع محاربة الفساد وتحسين الملف الأمني في البلاد. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن المتظاهرين رفعوا الأعلام العراقية وتوجهوا عبر شارع السعدون إلى منطقة الكرادة داخل وسط العاصمة، لكن القوات الأمنية قطعت الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير وسط بغداد.
أهداف التفجير
رغم ادعاء العبادي بالقول "لقد هزمناهم في الفلوجة فجاؤوا ينتقموا منا في بغداد" لكنه هو أول من يعلم أن ما حدث في الكرادة لا علاقة له بما يسمى تنظيم داعش الذي هو في حقيقته يجري استغلاله على أيدي المخابرات الدولية والإقليمية لتحقق به أغراضها. فالمرجح ان الذي يقف وراء هذا التفجير الأخير هو بالأساس رئيس الورزاء الأسبق نوري المالكي مع قادة من الحشد الشيعي وبالتآمر مع حيدر العبادي نفسه. وما حدث في الكرادة فإنه يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية في تمرير بعض الأهداف القريبة والبعيدة. وهذا بعض ما تكشف من أهداف تخدم في مجملها تركيز الفصل المذهبي وتقسيم البلاد وبقاءها رهنًا لارادة الكفار الذين يعملون جاهدين على محاربة الأمة الإسلامية:
أولًا: تنفيذ اعدامات بالجملة
بعد يوم واحد على تفجير الكرادة أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي، بتنفيذ فوري لجميع أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلين في السجون، بزعم أن ذلك رد على تفجير حي الكرادة وسط بغداد. وقد استغل "ائتلاف دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، تفجير الكرادة، للمطالبة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق معتقلين في السجون. كما دعت النائبة عن الائتلاف، عواطف نعمة إلى محاسبة الرئيس فؤاد معصوم، لعدم استخدامه صلاحياته، للمصادقة على أحكام الإعدام التي صدرت بحق القتلة، على حد وصفها. أما المنظمات الشيعية العسكرية فقد توعدت بالذهاب إلى السجون وتنفيذ حكم الإعدام بنفسها.
ثانيًا: قتل طائفي وتوظيف سياسي
بمجرد وقوع التفجيرات قامت مليشيات الحشد الشيعي وأحزاب منها حزبي الدعوة والفضيلة ومنظمة بدر بحشد الشارع طائفيًا وتصويره على أن "الاعتداء سني استهدف الشيعة"، مع أن ضحايا هذه التفجيرات من كل الطوائف. وهكذا شهدت بغداد ومحافظات عدة عمليات انتقامية تمثّلت بقتل نازحين، وخطف مواطنين من بغداد، وديالى، وبابل، والبصرة، وواسط، والأنبار، وصلاح الدين، بل وحتى تفجير جوامع. بالإضافة إلى ذلك أطلق قادة حزب الله العراق، والعصائب، وأبو الفضل العباس، وبدر، تصريحات توعدوا بما وصفوه "أخذ الثأر للضحايا قريبًا". وهكذا استغلت المليشيات والمنظمات الطائفية تفجير الكرادة لتشفي عطشها للدماء من خلال قتل طائفي يومي لمساكين لا ذنب لهم سوى أنهم ليسوا شيعة، فيما قامت الأحزاب السياسية بتوظيف التفجير من أجل كسب أصوات الشيعة بالانتخابات والتأييد لإسقاط خصومها داخل التحالف الوطني.
ثالثًا: سحب الملف الأمني من الحكومة
بعد أن وافق العبادي على تنفيذ أحكام الإعدام في عدد كبير من المعتقلين، طالبه قادة مليشيات الحشد الشيعي والتحالف الوطني بأن يسلمهم الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد. وإذا ما استلم قادة الحشد الشيعي ملف أمن بغداد فمن المرجح أن تتبعه عمليات انتقامية ضد المكون السني في عملية تطهير طائفي لا تخدم إلا المشروع الأميركي على المدى المتوسط والبعيد. والمتوقع أن تعود عمليات الدهم والاعتقال على الهوية، وبخاصة بعد أن توعد قائد مليشيا بدر، هادي العامري، بـ"ملاحقة حواضن الإرهاب في العاصمة بغداد ممن يهددّون الأمن الوطني، وبحرب مشابهة لمعارك التحرير من داعش".
وبالفعل عقد حيدر العبادي يوم 4 تموز/يوليو اجتماعًا مع زعماء التحالف الوطني وقادة الحشد الشيعي، لبحث تداعيات ما حصل في الكرادة. وفي هذا الاجتماع حمل المجتمعون العبادي "مسؤولية الانتكاسة، باعتباره القائد العام للقوات المسلّحة"، وقد أجمع الحضور على عدم إمكانية بقاء الملف الأمني في بغداد على حاله، وأنه يجب اتخاذ تغييرات عاجلة على مستوى تقسيم المهام وعلى صعيد القيادة. وفي هذا الإجتماع طرح قادة الحشد الشيعي تسلّم الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد، ومنها الكرادة، مع توفير الإمكانات اللازمة لهم للقيام بذلك. وقد أيد قادة التحالف الوطني برئاسة نوري المالكي هذا الاقتراح دون أن يستطيع العبادي أن يرفض ذلك، بعد أن أكد قادة الحشد الشيعي أنهم سيعدون خطّة ودراسة ميدانيّة لهذا الطرح، وسيعرضونها قريباً على قادة التحالف وعلى رئيس الحكومة؛ ليبدأ التطبيق الفعلي بانتقال ملف عدد من مناطق العاصمة إلى المليشيات.
متابعات سياسية
تفجير الكرادة في بغداد
حيثيات التفجير
في فجر يوم 3/7/2016 وقعت تفجيرات كبيرة في حي الكرادة ببغداد أودت بحياة أكثر من 300 شخص وجرح أكثر من 250 آخرين. وقد كان واضحًا أن من قام بهذه العملية أراد استهداف أكبر عدد ممكن من الناس؛ لأن التفجيرات وقعت في شارع تجاري مكتظ بالمدنيين كانوا يستعدون لشراء لوازم العيد. ولم تمض ساعات حتى أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجير الكرادة الذي يُعتبر من أكثر الأعمال تدميرًا في البلاد منذ غزو العراق عام 2003.
والمدقق في هذا التفجير يرى أنه وقع بعد أن أعلنت القوات العراقية استعادتها السيطرة على مدينة الفلوجة التي ادعت الحكومة أن التفجيرات في بغداد تأتي منها، ورغم إعلان تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته عن الحادث إلا أن أهالي الكرادة وكثير من الإعلاميين والناشطين، بل حتى محافظ بغداد علي التميمي، طالبوا بتحقيق دولي محايد في التفجير، بل وطالبوا بحضور لجنة دولية متخصصة لفحص عشرات الجثث المتفحمة لمعرفة ملابسات الانفجار.
فهناك أسئلة كثيرة تدور حول نوعية التفجير والمواد المستخدمة فيه وكيفية دخول السيارة المفخخة إلى المنطقة على الرغم من حصول تفجيرات سابقة في المنطقة. فما أثار استغراب محللي وخبراء المواد المتفجرة أن مكان الانفجار، على الرغم من سماع دويّه على مسافات بعيدة في بغداد، لم يترك أي أثر على أرضية الشارع، على خلاف عشرات التفجيرات السابقة. وهناك أيضًا العبوات الناسفة أو السيارة المحملة بهذه المواد التي مرت عبر نقاط التفتيش دون أن يتم كشفها أو تحصل على إذن المرور من الرقابة أو الشرطة في الموقع؟
امتصاص الغضب
وفي محاولة من رئيس الوزراء حيدر العبادي لامتصاص غضب الناس وبخاصة بعد أن قام أهالي الكرادة وعوائل الضحايا برشق موكبه بالأحذية والحجارة أعلن الحداد ثلاثة أيام وقام باتخاذ بعض الإجراءات منها:
أولًا: تمت إقالة عدد من كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين بعد أن أصدر حيدر العبادي، يوم 8 تموز/يوليو، أوامر بإعفاء ضباط وقادة أمنيين كبار من مناصبهم، منهم قائد عمليات الجيش ببغداد عبد الأمير الشمري، كما تم الإعلان بأنه سيتم إعفاء ضباط وقادة أمنيين آخرين لاحتواء الغضب الشعبي العارم ضد سياسات الحكومة الأمنية، التي فشلت في ضبط أمن العاصمة والمحافظات الأخرى. كما وافق العبادي على استقالة وزير الداخلية محمد الغبان من منصبه، على خلفية تفجير الكرادة وسط بغداد.
ثانيًا: أصدر العبادي أيضًا مجموعة من التوجيهات في سبيل تعزيز الأمن في بغداد والمحافظات من بينها سحب أجهزة كشف المتفجرات (إيه دي إي 651) لدى الأجهزة الأمنية واعادة تنظيم الحواجز الأمنية وتزويد مداخل العاصمة والمحافظة بأنظمة "رابيسكان" المستخدمة في المطارات لفحص السيارات. كما أعلن العبادي فتح تحقيق في قضايا الفساد المتعلقة بأجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدويًا من الحواجز، والتي كشفت تحقيقات صحفية أنها فاسدة ولا تصلح أصلًا لكشف المتفجرات، علمًا أن الشرطة استمرت في استخدامها رغم الفضيحة المتعلقة بصفقة شرائها في عهد سلفه نوري المالكي عام 2007. وقد كشف التحقيق أن هذه المعدات المحمولة باليد ليست كاشفة للعبوات الناسفة، بل تستخدم لتحديد مواقع كرات الغولف المفقودة.
أسباب التفجير
إن أغلب التفجيرات التي تقع في مناطق بغداد تدخل كلها في إطار الصراع السياسي على الحكم والنفوذ، وهذا الأمر بات معلومًا إلى درجة أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان عنيفًا في رده على هذه التفجيرات بالقول أنها "لن تنتهي" ما دام هناك من أسماهم بالوزراء الفاسدين المنتفعين من هذه التفجيرات متشبثين بمناصبهم، موضحًا أن حكومة بغداد اختصرت عملها في الاستسلام للتفجيرات وغسل الدماء. ودعا الصدر الشعب العراقي إلى الانتفاض لأجل فرض معادلة سياسية وأمنية جديدة عبر المطالبة باستقالة المفسدين بجميع مراتبهم.
وتناغم معه حيدر العبادي ظاهريًا بأن شدد على ضرورة القضاء على الفساد في وزارة الداخلية، مطالباً خلال اجتماعه بمسؤولين أمنيين بعد تفجيرات الكرادة، الوزارة بـ"تكثيف جهودها للكشف عن المجرمين والقضاء على الخلايا الإرهابية النائمة، واتخاذ إجراءات السلامة والأمان في الأسواق والمباني". ورأى أن "اعتداء الكرادة جاء كردة فعل على الانتصار الذي تحقق في مدينة الفلوجة"، لافتًا إلى "وجود بعض المتاجرين بدماء العراقيين من أجل تحقيق مصالح سياسية".
وكرد فعل على ما حدث تظاهر المئات من المواطنين العراقيين في ساحة التحرير وسط بغداد يوم الجمعة 8 تموز/يوليو للمطالبة بإجراء الإصلاحات التي رفعوا شعاراتها في السابق مع محاربة الفساد وتحسين الملف الأمني في البلاد. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن المتظاهرين رفعوا الأعلام العراقية وتوجهوا عبر شارع السعدون إلى منطقة الكرادة داخل وسط العاصمة، لكن القوات الأمنية قطعت الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير وسط بغداد.
أهداف التفجير
رغم ادعاء العبادي بالقول "لقد هزمناهم في الفلوجة فجاؤوا ينتقموا منا في بغداد" لكنه هو أول من يعلم أن ما حدث في الكرادة لا علاقة له بما يسمى تنظيم داعش الذي هو في حقيقته يجري استغلاله على أيدي المخابرات الدولية والإقليمية لتحقق به أغراضها. فالمرجح ان الذي يقف وراء هذا التفجير الأخير هو بالأساس رئيس الورزاء الأسبق نوري المالكي مع قادة من الحشد الشيعي وبالتآمر مع حيدر العبادي نفسه. وما حدث في الكرادة فإنه يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية في تمرير بعض الأهداف القريبة والبعيدة. وهذا بعض ما تكشف من أهداف تخدم في مجملها تركيز الفصل المذهبي وتقسيم البلاد وبقاءها رهنًا لارادة الكفار الذين يعملون جاهدين على محاربة الأمة الإسلامية:
أولًا: تنفيذ اعدامات بالجملة
بعد يوم واحد على تفجير الكرادة أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي، بتنفيذ فوري لجميع أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلين في السجون، بزعم أن ذلك رد على تفجير حي الكرادة وسط بغداد. وقد استغل "ائتلاف دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، تفجير الكرادة، للمطالبة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق معتقلين في السجون. كما دعت النائبة عن الائتلاف، عواطف نعمة إلى محاسبة الرئيس فؤاد معصوم، لعدم استخدامه صلاحياته، للمصادقة على أحكام الإعدام التي صدرت بحق القتلة، على حد وصفها. أما المنظمات الشيعية العسكرية فقد توعدت بالذهاب إلى السجون وتنفيذ حكم الإعدام بنفسها.
ثانيًا: قتل طائفي وتوظيف سياسي
بمجرد وقوع التفجيرات قامت مليشيات الحشد الشيعي وأحزاب منها حزبي الدعوة والفضيلة ومنظمة بدر بحشد الشارع طائفيًا وتصويره على أن "الاعتداء سني استهدف الشيعة"، مع أن ضحايا هذه التفجيرات من كل الطوائف. وهكذا شهدت بغداد ومحافظات عدة عمليات انتقامية تمثّلت بقتل نازحين، وخطف مواطنين من بغداد، وديالى، وبابل، والبصرة، وواسط، والأنبار، وصلاح الدين، بل وحتى تفجير جوامع. بالإضافة إلى ذلك أطلق قادة حزب الله العراق، والعصائب، وأبو الفضل العباس، وبدر، تصريحات توعدوا بما وصفوه "أخذ الثأر للضحايا قريبًا". وهكذا استغلت المليشيات والمنظمات الطائفية تفجير الكرادة لتشفي عطشها للدماء من خلال قتل طائفي يومي لمساكين لا ذنب لهم سوى أنهم ليسوا شيعة، فيما قامت الأحزاب السياسية بتوظيف التفجير من أجل كسب أصوات الشيعة بالانتخابات والتأييد لإسقاط خصومها داخل التحالف الوطني.
ثالثًا: سحب الملف الأمني من الحكومة
بعد أن وافق العبادي على تنفيذ أحكام الإعدام في عدد كبير من المعتقلين، طالبه قادة مليشيات الحشد الشيعي والتحالف الوطني بأن يسلمهم الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد. وإذا ما استلم قادة الحشد الشيعي ملف أمن بغداد فمن المرجح أن تتبعه عمليات انتقامية ضد المكون السني في عملية تطهير طائفي لا تخدم إلا المشروع الأميركي على المدى المتوسط والبعيد. والمتوقع أن تعود عمليات الدهم والاعتقال على الهوية، وبخاصة بعد أن توعد قائد مليشيا بدر، هادي العامري، بـ"ملاحقة حواضن الإرهاب في العاصمة بغداد ممن يهددّون الأمن الوطني، وبحرب مشابهة لمعارك التحرير من داعش".
وبالفعل عقد حيدر العبادي يوم 4 تموز/يوليو اجتماعًا مع زعماء التحالف الوطني وقادة الحشد الشيعي، لبحث تداعيات ما حصل في الكرادة. وفي هذا الاجتماع حمل المجتمعون العبادي "مسؤولية الانتكاسة، باعتباره القائد العام للقوات المسلّحة"، وقد أجمع الحضور على عدم إمكانية بقاء الملف الأمني في بغداد على حاله، وأنه يجب اتخاذ تغييرات عاجلة على مستوى تقسيم المهام وعلى صعيد القيادة. وفي هذا الإجتماع طرح قادة الحشد الشيعي تسلّم الملف الأمني في عدد من مناطق بغداد، ومنها الكرادة، مع توفير الإمكانات اللازمة لهم للقيام بذلك. وقد أيد قادة التحالف الوطني برئاسة نوري المالكي هذا الاقتراح دون أن يستطيع العبادي أن يرفض ذلك، بعد أن أكد قادة الحشد الشيعي أنهم سيعدون خطّة ودراسة ميدانيّة لهذا الطرح، وسيعرضونها قريباً على قادة التحالف وعلى رئيس الحكومة؛ ليبدأ التطبيق الفعلي بانتقال ملف عدد من مناطق العاصمة إلى المليشيات.