عبد الواحد جعفر
04-07-2016, 12:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الأبعاد الحقيقية لعملية "البنيان المرصوص" في ليبيا
قامت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في 12 أيار/مايو الماضي، باطلاق حملة عسكرية تحت اسم "البنيان المرصوص"، بغرض تحرير مدينة سرت والمناطق المحيطة بها من تنظيم الدولة "داعش". وقد نجحت هذه الحملة إلى حد الآن في السيطرة على جميع الضواحي الغربية والجنوبية لمدينة سرت الساحلية وأحكمت إغلاق جميع مداخل المدينة، كما سيطرت على ميناء مدينة سرت وعلى بعض النقاط الاستراتيجية على أطراف المدينة، من بينها قاعدة القرضابية الجوية ومحطة كهربائية وعدد من المعسكرات. ولا تزال هذه القوات تخوض حرب شوارع ضد عناصر تنظيم الدولة "داعش" الذين يتحصنون في المنازل ويستخدمون القناصة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة.
والمتأمل في هذه الحملة العسكرية يلاحظ أنها جاءت لتحقيق جملة من الأهداف المهمة بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة من اتفاق الصخيرات في كانون أول/ديسمبر 2015م في المغرب.
أولا: تثبيت الشرعية العسكرية
بعد أن نجحت حكومة الوفاق في الدخول إلى طرابلس واستطاعت أن تحوز على عدد من الوزارات التي كانت خاضعة لحكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر العام برئاسة نوري بوسهمين، وبعد أن حظيت حكومة السراج بدعم اقليمي وغربي غير مسبوق، جاء الدور على هذه الحكومة للحصول على شرعية عسكرية داخل ليبيا. ورغم أن هذه الحكومة قد أعلنت عن تشكيل حرس رئاسي تعمل على تحويله إلى جيش متكامل إلا أن ذلك يبقى محدود الفاعلية والقبول ما لم تخض غمار أعمال عسكرية تثبت بها جدارتها وتحظى بقبول شعبي ودعم داخلي.
وبالفعل فقد دعا رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بتاريخ 14/6/2016 إلى دعم قوات حكومته في معركتها لاستعادة مدينة سرت من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، وقال السراج في خطاب متلفز: "نبارك انتصارات أبنائنا في جبهات القتال (...) في معركة تحرير سرت وتطهيرها من تنظيم داعش"، وأضاف أن "ما يحدث من إنجازات على هذه الجبهات يستحق أن يكون أنموذجًا لمشروع وطني لمحاربة الإرهاب"، داعيا الليبيين إلى أن يلتفوا حول هذا "المشروع الوطني لمحاربة تنظيم الدولة".
لقد جاءت عملية "البنيان المرصوص" لتعطي لحكومة الوفاق الوطني تلك المشروعية العسكرية المزعومة بدعوى "محاربة الإرهاب" الذي تتخذ منه القوى الدولية شماعة لتحقيق مآربها ومقياسًا في ولاء الحكومات المحلية لدول الكفر والخضوع لإرادتها. وتمثل مسألة مقاتلة تنظيم الدولة فرصة سانحة بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني لأخذ زمام المبادرة من أمام الفصائل المسلحة بما فيها قوات خليفة حفتر التي "فشلت" في تحجيم التنظيم في ليبيا.
ثانيًا: دمج الفصائل المسلحة
وإذا نجحت حكومة الوفاق بهذه الشرعية العسكرية فإنها تكون قد حازت على قبول واعتراف بعض من الفصائل العسكرية المتنازعة سواء في طرابلس أو في طبرق والتي ما زالت ترفض الاعتراف بالحكومة الجديدة التي نصبتها الدول الغربية. وقد استغلت حكومة الوفاق الوطني هذه الحملة ليطلب مجلسها الرئاسي من غرفة العمليات بتشكيل قوة ردع وحماية في المنطقة الغربية بحجة منع أي "تهديد" مزعوم قادم من الشرق سواء من تنظيم " داعش" أو من قوات اللواء خليفة حفتر.
ورغم أن حكومة الوفاق لا تحظى باعتراف أغلب القوى السياسية والعسكرية إلا أن الدعم الغربي المقدم لها نجح في فرضها كأمر واقع بين الأطراف، وهي تستغل معركتها مع تنظيم داعش لفرض نفسها باعتبارها الحكومة القادرة على "توحيد الليبيين". فقد تشكلت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا لتحل ظاهريًا محل الحكومتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها واللتين تنازعتا السلطة منذ 2014م. ولكن الحقيقة أن هذه الحكومة جاءت لتأخذ مكان حكومة الإنقاذ في الغرب فقط، أما في الشرق فإن ما يسمى ببرلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح وما يسمى بالجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر قد أوكلت إليهما مهمة السيطرة على المنطقة الشرقية كمقدمة نحو تقسيم البلاد.
ولهذا الغرض أوكلت أميركا لكل من مصر والإمارات مهمة احتضان حكام المنطقة الشرقية في الوقت الذي دفعت فيه بتركيا وقطر إلى احتضان الحكام الجدد في المنطقة الغربية؛ أي حكومة الوفاق الوطني. ولهذا السبب سعت حكومة السراج منذ وصولها إلى طرابلس إلى دمج عدد من الفصائل المسلحة الرئيسية في المنطقة الغربية لتجعل منهم جيشًا موحدًا رغم ما تواجهه من مقاومة ظاهرية ومزعومة من القادة العسكريين في شرقي البلاد وعلى رأسهم اللواء خليفة حفتر الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوفاق لأسباب تتعلق بمشروع التقسيم في ليبيا وليس لأسباب دستورية كما يتم الترويج لذلك.
ثالثًا: تبرير التواجد العسكري الغربي
فقد ذكر تقرير لشبكة "سي أن أن" أن قوات خاصة أميركية تعمل على الأراضي الليبية، بالإضافة إلى قيامها بعمليات جوية إلى جانب قوات غربية أخرى أتت لتعزيز عمليات "البنيان المرصوص" القتالية ضد تنظيم "داعش". وأشار التقرير إلى أن عمليات المراقبة الجوية تنطلق من جزيرة "بانتيليريا" بصقلية جنوب إيطاليا وتمتد على طول السواحل الليبية المقدرة بألفي كيلومتر دون توضيح طبيعة العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة المتواجدة على الأرض. كما أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى وجود قوات خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا تساعد كثيرًا في التقدم نحو سرت.
ونشرت صحيفة "تايمز" عن تقديم قوات بريطانية خاصة المساعدة العسكرية لقوات حكومة الوفاق في حربها ضد تنظيم الدولة، هذا بالرغم من نفي الحكومة البريطانية أي وجود عسكري لها على الأرض في ليبيا. ومع ذلك فلم يخف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عزمه إرسال سفينة حربية للمساعدة في التصدي لتهريب البشر والأسلحة قبالة السواحل الليبية، باعتبار أن من مصلحة بريطانيا أن تبذل كل ما في وسعها لدعم الحكومة الليبية الوليدة.
ولإعطاء هذا التواجد العسكري الغربي مصداقية وشرعية وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم 14/6/2016 م على قرار يجيز تفتيش السفن في عرض البحر قبالة سواحل ليبيا بالقوة بحثًا عن أسلحة مهربة. ويسمح القرار الذي طرحته باريس ولندن للدول الأعضاء بالعمل من أجل "ضمان التنفيذ الصارم لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا". ومن الواضح أن هذا القرار الذي حمل الرقم 2292 سوف يقوم بتوسيع المهمة المعروفة بـ"عملية صوفيا" لمكافحة تهريب المهاجرين في مياه المتوسط، لتشمل مراقبة حظر الأسلحة على ليبيا بغرض ترسيخ سيطرة حكومة الوفاق الوطني على المنطقة الغربية.
خاتمة
بعد أن نجحت حكومة فايز السراج نسبيًا في تجاوز التحديات الأمنية والإقتصادية والدستورية، فهي ما زالت تبذل جهودًا كبيرة في احتواء الفصائل العسكرية بالمنطقة الغربية وبخاصة في مصراتة وطرابلس من خلال شراء الولاءات وتشكيل الحرس الرئاسي والإنغماس في معركة "البنيان المرصوص". ومع كل ذلك فلا تزال أغلب هذه الفصائل ترفض الإعتراف رسميًا بحكومة السراج وتعتبرها "حكومة املاءات غربية" بل ولا تزال على ولائها للمؤتمر الوطني العام برئاسة نوري أبو سهمين وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل.
25/رمضان/1437هـ
30/6/2016
متابعة سياسية
الأبعاد الحقيقية لعملية "البنيان المرصوص" في ليبيا
قامت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في 12 أيار/مايو الماضي، باطلاق حملة عسكرية تحت اسم "البنيان المرصوص"، بغرض تحرير مدينة سرت والمناطق المحيطة بها من تنظيم الدولة "داعش". وقد نجحت هذه الحملة إلى حد الآن في السيطرة على جميع الضواحي الغربية والجنوبية لمدينة سرت الساحلية وأحكمت إغلاق جميع مداخل المدينة، كما سيطرت على ميناء مدينة سرت وعلى بعض النقاط الاستراتيجية على أطراف المدينة، من بينها قاعدة القرضابية الجوية ومحطة كهربائية وعدد من المعسكرات. ولا تزال هذه القوات تخوض حرب شوارع ضد عناصر تنظيم الدولة "داعش" الذين يتحصنون في المنازل ويستخدمون القناصة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة.
والمتأمل في هذه الحملة العسكرية يلاحظ أنها جاءت لتحقيق جملة من الأهداف المهمة بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة من اتفاق الصخيرات في كانون أول/ديسمبر 2015م في المغرب.
أولا: تثبيت الشرعية العسكرية
بعد أن نجحت حكومة الوفاق في الدخول إلى طرابلس واستطاعت أن تحوز على عدد من الوزارات التي كانت خاضعة لحكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر العام برئاسة نوري بوسهمين، وبعد أن حظيت حكومة السراج بدعم اقليمي وغربي غير مسبوق، جاء الدور على هذه الحكومة للحصول على شرعية عسكرية داخل ليبيا. ورغم أن هذه الحكومة قد أعلنت عن تشكيل حرس رئاسي تعمل على تحويله إلى جيش متكامل إلا أن ذلك يبقى محدود الفاعلية والقبول ما لم تخض غمار أعمال عسكرية تثبت بها جدارتها وتحظى بقبول شعبي ودعم داخلي.
وبالفعل فقد دعا رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بتاريخ 14/6/2016 إلى دعم قوات حكومته في معركتها لاستعادة مدينة سرت من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، وقال السراج في خطاب متلفز: "نبارك انتصارات أبنائنا في جبهات القتال (...) في معركة تحرير سرت وتطهيرها من تنظيم داعش"، وأضاف أن "ما يحدث من إنجازات على هذه الجبهات يستحق أن يكون أنموذجًا لمشروع وطني لمحاربة الإرهاب"، داعيا الليبيين إلى أن يلتفوا حول هذا "المشروع الوطني لمحاربة تنظيم الدولة".
لقد جاءت عملية "البنيان المرصوص" لتعطي لحكومة الوفاق الوطني تلك المشروعية العسكرية المزعومة بدعوى "محاربة الإرهاب" الذي تتخذ منه القوى الدولية شماعة لتحقيق مآربها ومقياسًا في ولاء الحكومات المحلية لدول الكفر والخضوع لإرادتها. وتمثل مسألة مقاتلة تنظيم الدولة فرصة سانحة بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني لأخذ زمام المبادرة من أمام الفصائل المسلحة بما فيها قوات خليفة حفتر التي "فشلت" في تحجيم التنظيم في ليبيا.
ثانيًا: دمج الفصائل المسلحة
وإذا نجحت حكومة الوفاق بهذه الشرعية العسكرية فإنها تكون قد حازت على قبول واعتراف بعض من الفصائل العسكرية المتنازعة سواء في طرابلس أو في طبرق والتي ما زالت ترفض الاعتراف بالحكومة الجديدة التي نصبتها الدول الغربية. وقد استغلت حكومة الوفاق الوطني هذه الحملة ليطلب مجلسها الرئاسي من غرفة العمليات بتشكيل قوة ردع وحماية في المنطقة الغربية بحجة منع أي "تهديد" مزعوم قادم من الشرق سواء من تنظيم " داعش" أو من قوات اللواء خليفة حفتر.
ورغم أن حكومة الوفاق لا تحظى باعتراف أغلب القوى السياسية والعسكرية إلا أن الدعم الغربي المقدم لها نجح في فرضها كأمر واقع بين الأطراف، وهي تستغل معركتها مع تنظيم داعش لفرض نفسها باعتبارها الحكومة القادرة على "توحيد الليبيين". فقد تشكلت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا لتحل ظاهريًا محل الحكومتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها واللتين تنازعتا السلطة منذ 2014م. ولكن الحقيقة أن هذه الحكومة جاءت لتأخذ مكان حكومة الإنقاذ في الغرب فقط، أما في الشرق فإن ما يسمى ببرلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح وما يسمى بالجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر قد أوكلت إليهما مهمة السيطرة على المنطقة الشرقية كمقدمة نحو تقسيم البلاد.
ولهذا الغرض أوكلت أميركا لكل من مصر والإمارات مهمة احتضان حكام المنطقة الشرقية في الوقت الذي دفعت فيه بتركيا وقطر إلى احتضان الحكام الجدد في المنطقة الغربية؛ أي حكومة الوفاق الوطني. ولهذا السبب سعت حكومة السراج منذ وصولها إلى طرابلس إلى دمج عدد من الفصائل المسلحة الرئيسية في المنطقة الغربية لتجعل منهم جيشًا موحدًا رغم ما تواجهه من مقاومة ظاهرية ومزعومة من القادة العسكريين في شرقي البلاد وعلى رأسهم اللواء خليفة حفتر الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوفاق لأسباب تتعلق بمشروع التقسيم في ليبيا وليس لأسباب دستورية كما يتم الترويج لذلك.
ثالثًا: تبرير التواجد العسكري الغربي
فقد ذكر تقرير لشبكة "سي أن أن" أن قوات خاصة أميركية تعمل على الأراضي الليبية، بالإضافة إلى قيامها بعمليات جوية إلى جانب قوات غربية أخرى أتت لتعزيز عمليات "البنيان المرصوص" القتالية ضد تنظيم "داعش". وأشار التقرير إلى أن عمليات المراقبة الجوية تنطلق من جزيرة "بانتيليريا" بصقلية جنوب إيطاليا وتمتد على طول السواحل الليبية المقدرة بألفي كيلومتر دون توضيح طبيعة العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة المتواجدة على الأرض. كما أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى وجود قوات خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا تساعد كثيرًا في التقدم نحو سرت.
ونشرت صحيفة "تايمز" عن تقديم قوات بريطانية خاصة المساعدة العسكرية لقوات حكومة الوفاق في حربها ضد تنظيم الدولة، هذا بالرغم من نفي الحكومة البريطانية أي وجود عسكري لها على الأرض في ليبيا. ومع ذلك فلم يخف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عزمه إرسال سفينة حربية للمساعدة في التصدي لتهريب البشر والأسلحة قبالة السواحل الليبية، باعتبار أن من مصلحة بريطانيا أن تبذل كل ما في وسعها لدعم الحكومة الليبية الوليدة.
ولإعطاء هذا التواجد العسكري الغربي مصداقية وشرعية وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع يوم 14/6/2016 م على قرار يجيز تفتيش السفن في عرض البحر قبالة سواحل ليبيا بالقوة بحثًا عن أسلحة مهربة. ويسمح القرار الذي طرحته باريس ولندن للدول الأعضاء بالعمل من أجل "ضمان التنفيذ الصارم لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا". ومن الواضح أن هذا القرار الذي حمل الرقم 2292 سوف يقوم بتوسيع المهمة المعروفة بـ"عملية صوفيا" لمكافحة تهريب المهاجرين في مياه المتوسط، لتشمل مراقبة حظر الأسلحة على ليبيا بغرض ترسيخ سيطرة حكومة الوفاق الوطني على المنطقة الغربية.
خاتمة
بعد أن نجحت حكومة فايز السراج نسبيًا في تجاوز التحديات الأمنية والإقتصادية والدستورية، فهي ما زالت تبذل جهودًا كبيرة في احتواء الفصائل العسكرية بالمنطقة الغربية وبخاصة في مصراتة وطرابلس من خلال شراء الولاءات وتشكيل الحرس الرئاسي والإنغماس في معركة "البنيان المرصوص". ومع كل ذلك فلا تزال أغلب هذه الفصائل ترفض الإعتراف رسميًا بحكومة السراج وتعتبرها "حكومة املاءات غربية" بل ولا تزال على ولائها للمؤتمر الوطني العام برئاسة نوري أبو سهمين وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل.
25/رمضان/1437هـ
30/6/2016