المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية تضليل للعباد واستمرار متعمد للفساد



عبد الواحد جعفر
17-06-2016, 06:51 PM
بسم الله الرّحمن الرّحيم

الدعوة إلى ّ"حكومة الوحدة الوطنية"
تضليل للعباد واستمرار متعمّد للفساد
توالت على تونس منذ سنة 2011 ست حكومات، لم تفلح أيّ منها في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية بخاصة، بل كان مجيء كل واحدة منها عبارة على تراكم للظلم والفساد والفقر، وانخرطت كل حكومة فيما انخرطت فيه سابقتها من رهن البلاد وما تبقّى من مقدراتها للمؤسسات المالية الاستعمارية الأميركية منها والأوروبية عن طريق حكام البلاد سماسرة الاستعمار.
وبالرغم من إدراك حكام البلاد لواقع فساد "النظام الرأسمالي الديمقراطي" المُطَبَّق من خلال اجترار محاولات الإصلاح والترقيع، فإنهم ـ وبتوجيهات من أسيادهم ـ لا يزالون يتعمدون المغالطة والتضليل؛ لإيهام الناس أن المشكلة تكمن في أشخاص الحكومات والوزراء الذين لم يستطيعوا مواكبة المرحلة وعجزوا عن إصلاح الأوضاع.
وإصرارًا على المضي في هذا النهج من التضليل المتعمّد للشعب، من خلال إيهامه بأن مشكلة البلاد تكمن في وجود أشخاص عاجزين في الحكومة، وليس في منظومة الحكم نفسها، طلع علينا أخيرًا رئيس الدولة "الباجي قائد السبسي" في يوم 02 جوان 2016 بالدعوة إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" يشارك فيها جميع الأحزاب مع وجوب مشاركة كل من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، مبررًا ذلك بأنه لا يمكن الخروج من الأزمة التي تعاني منها البلاد والعباد إلا بتشكيل مثل تلك الحكومة؛ لأن هذا الفساد المستشري في نظره والعجز المصاحب له في معالجة مختلف القضايا سببه هؤلاء الأشخاص على رأس الحكومة والوزارات.
إن ما تمرّ به البلاد من أزمات مختلفة، لا يجدي معه تغيير الحكومات، ولا الوزراء، ولا حتى تغيير الرئيس نفسه، فسبب ما يعانيه الناس هو فساد "النظام الرأسمالي الديمقراطي" نفسه والفكرة التي يقوم عليها وهي فصل الدين عن الحياة، وقد ظهر ذلك للعيان وأصبح واقعًا ملموسًا لا ينكره إلا مكابر، أو عميل باع ذمته دون حياء. فالحكم القائم على هذه الفكرة ليس إلا استجابة لأهواء البشر ونزواتهم، وهو تفويض لأصحاب رؤوس الأموال ليأخذوا مكان الدولة التي تنازلت لهم عن واجب الرعاية، وليتولوا هم التصرف في مقدّرات البلاد ومصير العباد وفقًا لمصالحهم الخاصة، دون الالتفات إلى ما يعانيه الشعب من فقر وتهميش وبطالة ...
لقد استشرى الفساد في تونس، وأحدث الشلل في كل شيء، في الحكم والاقتصاد والإدارة ... ولم يسلم منه أي قطاع، وذلك بسبب نفوذ الفئة القليلة المتمثلة في أصحاب رؤوس الأموال، فعلى مستوى الحكم فقد ظهر فساد الدستور الذي صفقوا له والذي صيغ برعاية أجنبية، من خلال ما أقره من حرية التملك دون ضابط، ومن خلال إقراره لسلطات ثلاث متصادمة ومتعارضة هي "الرئاسة" والمجلس النيابي" "والحكومة" وكل منها تتمتع بصلاحيات تتقاطع مع صلاحيات الأخرى. وقد جرّ هذا التصادم بين ما يسمونها "الرئاسات الثلاث" إلى تعريض مصالح الناس إلى الاندثار والتعطيل، كما حوّل السلطة إلى مجرّد أداة يستعملها بعض الأثرياء المتنفذين الجشعين لتحقيق منافعهم الخاصة على حساب الأمة، كالاستحواذ على مرافق الجماعة ومؤسسات الدولة والملك العمومي تحت عنوان الخصخصة.
فأما الحكومة، فقد ظهر عجزها وتخاذلها وبات معروفًا أن القرار السياسي ليس بيدها.
وأما المجلس النيابي، فقد دعا أحد النواب إلى الاستقالة الجماعية نظرًا إلى أن النواب خارج كتلة الأكثرية ليسوا سوى ديكور لتمرير القوانين.
وأما الرئاسة، فإن تدخل رئيس الدولة في قرارات القضاء وأحكام القضاة ومنع صدورها أو منع تنفيذها تجاوز حديث محترفي السياسة، وأصبح مما يُتناقل بين الناس في الأسواق، حتى صارت مهمة رئيس الدولة هي تعطيل القضاء عن ممارسة مهامه مثلما حصل مع قانون المصادرة.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد أصبحت البلاد برمتها رهنًا للمؤسسات المالية الأميركية والغربية، وفاقت الديون نسبة 52% من الدخل الخام للبلاد، وأضحت السلطة وأدواتها مجموعة من الخدم والعبيد عند صندوق النقد والبنك الدوليين، تنفذ ما يُملى عليها من مشاريع استعمارية وبرامج اقتصادية وسياسية وتعليمية، بما يزيد في تجهيل الشعب وإفقاره وإغراق البلاد في الديون الخارجية.
والحاصل أن ما تعانيه البلاد اليوم من أزمات متفاقمة ومتراكمة ليس مرده عجز الحكومة وأشخاصها حتى يدعى إلى استبدال "حكومة وحدة وطنية" بها. فهذا الكلام من باب المغالطة والإمعان في التضليل؛ لأن الحكومة الحالية تتمتع بدعم واسع من الأحزاب والمنظمات والإعلام وهي بهذا بمنزلة "حكومة الوحدة الوطنية". فما تبقى من مبادرة الباجي قائد السبسي ودعوته إلاّ إرادة جرّ أطراف أخرى وتوريطها بالمشاركة في الحكومة التي يدعو لها. ويفهم ذلك من خلال إصراره على وجوب أن يشارك في الحكومة كل من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، والظاهر أن الأمين العام لاتحاد الشغل فهم الرسالة فبادر فورا بإعلان أن الاتحاد لن يشارك في أية حكومة.
أما من الناحية العملية فإن ما تعانيه البلاد من الأزمات لا يرجع إلى عجز الأشخاص أو فسادهم، يل يكمن أساسًا في فساد الحكم نفسه وفساد الفكرة التي يقوم عليها، وهي فصل الدين عن الحياة، وما يعنيه ذلك من إقصاءٍ للإسلام ولأحكامه ومعالجاته عن المجتمع والدولة والحياة. لذلك فإن كل دعوة لمعالجة الأزمة بتغيير الأشخاص إنما هي مغالطة وتضليل للناس، فضلاً عن أن المعالجة الحقيقية تكمن في معالجة الحكم ذاته، وذلك بالإقرار بأن العقيدة السياسية التي يؤمن بها الناس هي التي يجب أن تكون الأساس في رعاية شؤونهم بما ينبثق عنها من أحكام ومعالجات في شتى المجالات. وهو ما يوجب القطع النهائي والحاسم مع "النظام الرأسمالي الديمقراطي" الفاسد، واتخاذ الإسلام وأحكامه منهجًا في الدولة والمجتمع.
فالشعب الذي يعتنق العقيدة الإسلامية، ويدين بالإسلام لن ينهض إلا على أساس ما آمن به، والحكم في الدولة لن يصلح إلا إذا كان قائمًا على هذه العقيدة التي هي بالإضافة إلى كونها عقيدة روحية فهي عقيدة سياسية، تحدد أن الحاكمية لله تعالى والسيادة لشرعه سبحانه، والناس هم من يختارون حاكمهم بالرضا والاختيار لينوبهم في تطبيق الإسلام عليهم في شتى مجالات الحياة، ولا فرق بين الحاكم وأي فرد آخر من الناس. وهذا نقيض ما عليه الحال في "النظام الديمقراطي الرأسمالي" الذي يجعل التشريع للبشر، كما يعطي حصانة للحكام بما يجعلهم فوق القوانين.
والدولة في الإسلام هي المسؤولة عن رعاية شؤون الناس، وهي الضامن لإشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد منهم، فلا يحق لها أن تتخلى عن مهمتها الأساسية مثلما هو الواقع في "النظام الرأسمالي الديمقراطي" الفاسد والذي يترك الفرد يصارع وحده من أجل تحصيل لقمة عيشه وفق آلية الثمن ومضاربة العرض والطلب، وضمن مفهوم الحرية الذي يجعل البقاء للأقوى وللمتنفذ وحده.
غير أن تطبيق كل ذلك ومعالجة الأزمة الحالية لا يمكن أن ينجح بالقيام ببعض الإجراءات الجزئية لترقيع الفساد وإدامة عمره، كالدعوة إلى "حكومة وحدة وطنية" وما يعنيه ذلك من تشريك الجميع في الفشل؛ لأن الحلّ الصحيح يكمن في تغيير جذري وشامل والعمل من أجل وضع الإسلام كاملًا موضع التطبيق، والقطع النهائي مع "النظام الرأسمالي الديمقراطي" الفاسد وجميع القوانين التي لا علاقة لها بالإسلام الذي يمثل عقيدة الناس والأساس الذي يجب أن ترعى شؤونهم حسبه.
وبناءً على ذلك كله فإننا ندعو أهلنا في تونس إلى نبذ النظام الرأسمالي الفاسد، والعمل على وضع الإسلام وحده موضع تطبيق وتنفيذ، فإنه لمن المُخجل أن نتخذ من أفكار أعدائنا الحاقدين الكافرين قِبلة ومن أنظمتهم دستوراً ونُعرض عن نظام الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فهل آن الأوان أن نُذهب الظمأ عنا ونرتوي من الماء الذي نحمله على ظهورنا ونحن في غفلة عنه؟! واعلموا أن المسلمين لم يتخلفوا عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم بدينهم وإنّما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا التمسك وتساهلوا فيه وسمحوا للحضارة الأجنبية أن تدخل ديارهم والمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم، فهلا حمل أبناء تونس لواء الإسلام وعملوا على تطبيقه عقيدة ونظاماً دون تمييز بين أحكام الأخلاق والعبادات وأحكام المعاملات والعقوبات فيكون عملهم هذا المركَب الذي يحملهم إلى الجنة ونعيمها؟

{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لِما يحييكم واعلموا أن الله يَحُول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحشرون}.
8/رمضان/1437هـ حزب التحرير
13/6/2016م اللجنة المسؤولة - تونس