عبد الواحد جعفر
11-06-2016, 07:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الحرب والمفاوضات في اليمن
تمهيد
رغم الزخم الإعلامي والدولي الذي يصاحب المفاوضات اليمنية في الكويت إلا أن المدقق فيها يجد أنها سوف لن تفضي إلى نتائج محسوسة على الأرض في هذه المرحلة. وأهم أعراض ذلك هو رفض الوفد الحوثي بحث المحاور الخمسة التي حددها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بشكل متسلسل كأساس للمفاوضات.
فوفد الحكومة يريد من الحوثيين والمقاتلين الموالين لعلي عبد الله صالح الانسحاب من المدن التي استولوا عليها منذ بداية الأزمة في 2014، ثم تشكيل حكومة أكثر شمولاً، وبعد ذلك تسليم السلاح ومؤسسات الدولة للحكومة الجديدة في صنعاء قبل مناقشة أي حل سياسي. بينما يطالب الحوثيون وحلفاؤهم بتشكيل حكومة جديدة تمثل جميع الأطراف ومن ثم تشرف هي على نزع السلاح قبل البدء في أي إجراء آخر.
والحقيقة أنه يراد لهذه المفاوضات أن تبقي زخم العملية السياسية قائمًا في الأذهان ريثما يتم تحقيق عدة أمور على الأرض تصب في سياق المشروع الأميركي المتعلق بتقسيم اليمن والتحكم بثرواته واضعاف التيار الإسلامي. وهذه الأمور هي:
أولاً: شرعنة وجود الحوثيين وصالح
لقد جاء الحوثيون وأنصار علي عبد الله صالح إلى هذه المفاوضات وليس أمامهم سوى هدف واحد، وإن تعددت أهدافهم المعلنة إعلاميًا، ألا وهو شرعنة وجودهم والحفاظ على مكتسبات الإنقلاب والحرب. ولذلك فهم يطالبون بالبدء أولًا بتشكيل حكومة وحدة وطنية وشراكة تحولهم إلى أطراف شرعية في الدولة. لقد نجحت المفاوضات التي تشرف عليها الأمم في تحويلهم من مجرد متمرديين وانقلابيين إلى شركاء سياسيين يجلسون وجهًا لوجه أمام الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا واقليميًا.
والحق أن المفاوضات الجارية في الكويت أو تلك التي سبقتها في جنيف ليست هي الطريق الموصل إلى الحل المزعوم، وإنما الحل السياسي ينبع مما تخطط له أميركا وتعمل القوى الإقليمية لفرضه على اليمنيين برعاية شاهد الزور المتمثل في الأمم المتحدة.
فقد بات واضحًا أن صالح والحوثيين يتلقون الدعم الإقليمي من إيران وشيء من الدعم الخفي من الإمارات وسلطنة عمان. فعندما يقول عبد الملك الحوثي في خطابه المتلفز يوم 23 كانون أول/ديسمبر 2015م : نحن "مستعدون أن نحارب ليس فقط على مستوى هذا الجيل، ولكن عبر الأجيال القادمة وإلى يوم القيامة"، نستطيع أن ندرك مدى الدعم الذي يتلقاه إقليميًا ومدى حجم المؤامرة الأميركية على اليمن.
لقد نجحت أميركا من خلال المفاوضات أن تجعل من الصراع الدائر في اليمن مجرد نزاع بين أطراف متقاتلة بعد أن كان في بدايته نزاعًا عسكريًا وسياسيًا بين مؤسسة "الشرعية" ممثلة في هادي منصور وبين مجموعة من المتمردين والإنقلابيين ممثلين في علي صالح والحوثيين. ومن هنا جاءت المفاوضات لتطيل أمد الصراع وتثبت الأطراف "المتنازعة" في مواقعها المرسومة على الأرض، ولذلك فلا يتوقع أن تعلن الأمم المتحدة عن فشل هذه المفاوضات مهما تعثرت.
ثانيا: تمهيد الجنوب لفك الإرتباط
في خضم المواجهة العسكرية الدائرة مع الحوثيين وأنصار صالح قامت الإمارات بدعم عناصر من الحراك الجنوبي مرتبطة بإيران، ودفعتها للقيام بعملية تفريغ شاملة لمدينة عدن من سكانها المنحدرين من أصول شمالية، وبخاصة القادمين من محافظة تعز المجاورة. لقد شهدت مدينة عدن عمليات ترحيل للمئات من السكان والعمال المنحدرين من المحافظات الشمالية، في الوقت الذي كان فيه مدير أمن عدن، اللواء شلال علي شائع متواجداً في أبوظبي؛ وهذا يؤكد تورط الإمارات في هذه الأعمال التي تعتبر خطوة تمهيدية مهمة من أجل الوصول إلى الانفصال.
وفي تصريحات مشبوهة من وزير الدولة اليمني، القيادي في التيار السلفي المقرب من أبوظبي، قال هاني بن بريك، يوم 28/5/2016 أنه يؤيد انفصال الجنوب عن الشمال، بل اعتبر وكما قال: أن "المضي في الوحدة خطر يهدد المنطقة بانتشار السرطان الفارسي الحوثي بتحالف وشيك مع المتأسلمين الذين سجد رموز حزبهم عند قبر الطاغوت الخميني".
والغريب أن بن بريك قدم مبررات الدعوة إلى الانفصال بمقتضى فهم ادعى أنه فهم شرعي فقال حرفيًا: "منذ سقوط الدولة الأموية في أواسط القرن الثاني الهجري وقيام الدولة العباسية منذ ذاك الحين - ما يقارب الألف وثلاثمئة عام - وبلاد المسلمين لم تجتمع تحت دولة واحدة ولم نسمع من علماء المسلمين من جعل الوحدة أصلًا من أصول الإيمان، ولا سمعنا بمن قال بكفر من قال بجواز تعدد بلدان وحكام المسلمين، ولكن الهوى والحزبية والمصالح الدنيوية تملي على ذلك القائل ما قال. الأصل حفظ مقاصد الشريعة فإن كان حفظها بالانفصال فليكن".
وهذا الدور الإماراتي في فك الإرتباط بين الجنوب والشمال بالنيابة عن أميركا غير مخفي بل أصبح معلنًا في وسائل الإعلام. فقد غرَّد ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، على حسابه في تويتر مطالبًا العرب "أن ينصفوا الجنوب ولا يبقوه رهينة في يد القوى الغاشمة"، مضيفًا في تغريدة له يوم 23 أيار/مايو 2016 أن "الوحدة اليمنية أصبحت فاشلة وبسببها ترتكب جرائم حرب وسفك دماء، ولم يتبقَ إلا الطلاق"، وهو يقصد إعلان فك الارتباط بين الشمال والجنوب.
ثالثًا: إضعاف دور التيار الإسلامي
وقد أوكلت أميركا هذا الدور للإمارات أيضاً التي اتخذت من محاربة ما يسمى "الإسلام السياسي" عمود سياستها الخارجية في كل المنطقة، بدءاً من اليمن مروراً بمصر وليبيا وانتهاءً بتونس. فزيادة على تحكم دولة الإمارات بالمشهد السياسي والعسكري في الجنوب، لا سيما في عدن والمكلا وحضرموت، مارست ضغوطاً كبيرة على منصور هادي عند تشكيل حكومة خالد بحاح من أجل تسليم المناصب الرئيسية لممثلي أحزاب أقل شأنًا وتمثيلًا في البرلمان من حزب الإصلاح.
فالإمارات قربت منها فصائل في الحراك الجنوبي الذي يطالب بالإنفصال، ودعمت جزءًا من التيار السلفي المهادن للسلطة ويتمسك بـ"طاعة ولي الأمر" كيفما كان. وقد سبق للإمارات قبل أشهر أن استقبلت في دبي نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، وعدد آخر من القيادات الجنوبية التي تتبنى خيار الانفصال أو ما تسميه "الاستقلال" عن الشمال؛ وفي هذا اللقاء وقع البيض ورئيس حزب رابطة أبناء الجنوب، عبدالرحمن الجفري، وثيقة أطلق عليها اسم "وثيقة الاستقلال" وهي تتضمن مبادئ ودعوات ومقترحات بإجراءات نحو الانفصال.
وفي مقابل ذلك دخلت دولة الإمارات في حرب مع حزب الإصلاح، إلى درجة أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، صرح في 12 أيار/مايو الماضي أنه يملك أدلة "دامغة" في مدينة المكلا على تنسيق بين حركة "الإخوان" وتنظيم "القاعدة. ونتيجة هذه التصرفات أصدر حزب الإصلاح بيانا في 6 تشرين ثاني/نوفمبر 2015 تهجم فيه بشكل صريح على دولة الإمارات واتهمها بأنها تعمل على "تنفيذ أجندة أقل ما يمكن وصفها بالمشبوهة".
ثم أضاف بيان حركة الإصلاح: "فرغم مشاركتهم في عمليات التحالف إلا أنهم يدفعون بالأمور إلى الفشل الذريع تارة تحت مبرر الخشية من التيار الإسلامي وتارة تحت مبرر الحفاظ على التوازن ولو على حساب بقاء الحوثي ونفوذه". وقد وصل بيان حركة الإصلاح قمة هجومه على دولة الإمارات عندما اتهمها بالوقوف خلف عمليات الاغتيالات والتصفيات في عدن كمحاولة منها لخلط الأوراق وارباك الوضع العسكري.
رابعًا: استقطاب الأطراف اليمنية بين دول الإقليم
وإذا كانت الإمارات تقوم بدور تآمري في جنوب اليمن من أجل فصله عن الشمال، فإن السعودية أيضًا تقوم بدور تآمري كذلك في انجاح مشروع التقسيم عبر تثبيت الإعتراف بقوات علي صالح والحوثيين من خلال المفاوضات الجارية. ولذلك فلا معنى من الناحية السياسية للحديث عن صراع أو تنافس بين السعودية والإمارات على النفوذ في اليمن. فما هو معلوم من السياسة بالضرورة أن كلا الدولتين من عملاء أميركا وما يقومان به في اليمن هو بتكليف من أميركا التي تتبع سياسية توزيع الأدوار بين عملائها في تنفيذ مخططاتها التقسيمية والتدميرية داخل البلاد الإسلامية.
فالإمارات تشرف على تدريب وإنشاء أجهزة أمنية وعسكرية رسمية في المحافظات الجنوبية، هذا بالإضافة إلى الترتيبات الاقتصادية والسياسية المختلفة في هذه المحافظات، خصوصًا في عدن التي تعمل على عدم تحويلها إلى منطقة حرة وميناء دولي قد يؤدي إلى تعطيل مناطقها الحرة كمركز عالمي للتجارة الدولية والترانزيت. وبالمقابل تتولى السعودية مهمة تدريب وتسليح حكومة هادي منصور والقوات الموالية له بالإضافة إلى تعزيز موقفه السياسي بدعم حزب الإصلاح له وارجاع اللواء علي محسن الأحمر إلى المشهد السياسي والعسكري.
ومن هنا وفي هذا السياق يجب فهم عودة السعودية لاستقطاب حركة الإصلاح بعد أن تخلت عنها عندما تحرك الحوثيون وصالح للإنقلاب على الدولة في أيلول/سبتمبر 2014. ومن شدة فرح حزب الإصلاح باحتضان السعودية له أنه أصدر بيانًا تهجم فيه على الإمارات تحت عنوان: "حزم المملكة يصطدم بمشاريع محلية وإقليمية لا ترتقي إلى طموحات الشعب اليمني". والحقيقة أنه كان يكفي لحزب الإصلاح أن يرى العلاقة الخاصة والمميزة التي تجمع بين محمد بن سلمان في السعودية ومحمد بن زايد في الإمارات ليدرك أن أميركا قد وزعت على عملائها في الإقليم مهمة استقطاب الأطراف اليمنية، بما في ذلك الدعم الإيراني للحوثيين وعلي صالح.
متابعة سياسية
الحرب والمفاوضات في اليمن
تمهيد
رغم الزخم الإعلامي والدولي الذي يصاحب المفاوضات اليمنية في الكويت إلا أن المدقق فيها يجد أنها سوف لن تفضي إلى نتائج محسوسة على الأرض في هذه المرحلة. وأهم أعراض ذلك هو رفض الوفد الحوثي بحث المحاور الخمسة التي حددها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بشكل متسلسل كأساس للمفاوضات.
فوفد الحكومة يريد من الحوثيين والمقاتلين الموالين لعلي عبد الله صالح الانسحاب من المدن التي استولوا عليها منذ بداية الأزمة في 2014، ثم تشكيل حكومة أكثر شمولاً، وبعد ذلك تسليم السلاح ومؤسسات الدولة للحكومة الجديدة في صنعاء قبل مناقشة أي حل سياسي. بينما يطالب الحوثيون وحلفاؤهم بتشكيل حكومة جديدة تمثل جميع الأطراف ومن ثم تشرف هي على نزع السلاح قبل البدء في أي إجراء آخر.
والحقيقة أنه يراد لهذه المفاوضات أن تبقي زخم العملية السياسية قائمًا في الأذهان ريثما يتم تحقيق عدة أمور على الأرض تصب في سياق المشروع الأميركي المتعلق بتقسيم اليمن والتحكم بثرواته واضعاف التيار الإسلامي. وهذه الأمور هي:
أولاً: شرعنة وجود الحوثيين وصالح
لقد جاء الحوثيون وأنصار علي عبد الله صالح إلى هذه المفاوضات وليس أمامهم سوى هدف واحد، وإن تعددت أهدافهم المعلنة إعلاميًا، ألا وهو شرعنة وجودهم والحفاظ على مكتسبات الإنقلاب والحرب. ولذلك فهم يطالبون بالبدء أولًا بتشكيل حكومة وحدة وطنية وشراكة تحولهم إلى أطراف شرعية في الدولة. لقد نجحت المفاوضات التي تشرف عليها الأمم في تحويلهم من مجرد متمرديين وانقلابيين إلى شركاء سياسيين يجلسون وجهًا لوجه أمام الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا واقليميًا.
والحق أن المفاوضات الجارية في الكويت أو تلك التي سبقتها في جنيف ليست هي الطريق الموصل إلى الحل المزعوم، وإنما الحل السياسي ينبع مما تخطط له أميركا وتعمل القوى الإقليمية لفرضه على اليمنيين برعاية شاهد الزور المتمثل في الأمم المتحدة.
فقد بات واضحًا أن صالح والحوثيين يتلقون الدعم الإقليمي من إيران وشيء من الدعم الخفي من الإمارات وسلطنة عمان. فعندما يقول عبد الملك الحوثي في خطابه المتلفز يوم 23 كانون أول/ديسمبر 2015م : نحن "مستعدون أن نحارب ليس فقط على مستوى هذا الجيل، ولكن عبر الأجيال القادمة وإلى يوم القيامة"، نستطيع أن ندرك مدى الدعم الذي يتلقاه إقليميًا ومدى حجم المؤامرة الأميركية على اليمن.
لقد نجحت أميركا من خلال المفاوضات أن تجعل من الصراع الدائر في اليمن مجرد نزاع بين أطراف متقاتلة بعد أن كان في بدايته نزاعًا عسكريًا وسياسيًا بين مؤسسة "الشرعية" ممثلة في هادي منصور وبين مجموعة من المتمردين والإنقلابيين ممثلين في علي صالح والحوثيين. ومن هنا جاءت المفاوضات لتطيل أمد الصراع وتثبت الأطراف "المتنازعة" في مواقعها المرسومة على الأرض، ولذلك فلا يتوقع أن تعلن الأمم المتحدة عن فشل هذه المفاوضات مهما تعثرت.
ثانيا: تمهيد الجنوب لفك الإرتباط
في خضم المواجهة العسكرية الدائرة مع الحوثيين وأنصار صالح قامت الإمارات بدعم عناصر من الحراك الجنوبي مرتبطة بإيران، ودفعتها للقيام بعملية تفريغ شاملة لمدينة عدن من سكانها المنحدرين من أصول شمالية، وبخاصة القادمين من محافظة تعز المجاورة. لقد شهدت مدينة عدن عمليات ترحيل للمئات من السكان والعمال المنحدرين من المحافظات الشمالية، في الوقت الذي كان فيه مدير أمن عدن، اللواء شلال علي شائع متواجداً في أبوظبي؛ وهذا يؤكد تورط الإمارات في هذه الأعمال التي تعتبر خطوة تمهيدية مهمة من أجل الوصول إلى الانفصال.
وفي تصريحات مشبوهة من وزير الدولة اليمني، القيادي في التيار السلفي المقرب من أبوظبي، قال هاني بن بريك، يوم 28/5/2016 أنه يؤيد انفصال الجنوب عن الشمال، بل اعتبر وكما قال: أن "المضي في الوحدة خطر يهدد المنطقة بانتشار السرطان الفارسي الحوثي بتحالف وشيك مع المتأسلمين الذين سجد رموز حزبهم عند قبر الطاغوت الخميني".
والغريب أن بن بريك قدم مبررات الدعوة إلى الانفصال بمقتضى فهم ادعى أنه فهم شرعي فقال حرفيًا: "منذ سقوط الدولة الأموية في أواسط القرن الثاني الهجري وقيام الدولة العباسية منذ ذاك الحين - ما يقارب الألف وثلاثمئة عام - وبلاد المسلمين لم تجتمع تحت دولة واحدة ولم نسمع من علماء المسلمين من جعل الوحدة أصلًا من أصول الإيمان، ولا سمعنا بمن قال بكفر من قال بجواز تعدد بلدان وحكام المسلمين، ولكن الهوى والحزبية والمصالح الدنيوية تملي على ذلك القائل ما قال. الأصل حفظ مقاصد الشريعة فإن كان حفظها بالانفصال فليكن".
وهذا الدور الإماراتي في فك الإرتباط بين الجنوب والشمال بالنيابة عن أميركا غير مخفي بل أصبح معلنًا في وسائل الإعلام. فقد غرَّد ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، على حسابه في تويتر مطالبًا العرب "أن ينصفوا الجنوب ولا يبقوه رهينة في يد القوى الغاشمة"، مضيفًا في تغريدة له يوم 23 أيار/مايو 2016 أن "الوحدة اليمنية أصبحت فاشلة وبسببها ترتكب جرائم حرب وسفك دماء، ولم يتبقَ إلا الطلاق"، وهو يقصد إعلان فك الارتباط بين الشمال والجنوب.
ثالثًا: إضعاف دور التيار الإسلامي
وقد أوكلت أميركا هذا الدور للإمارات أيضاً التي اتخذت من محاربة ما يسمى "الإسلام السياسي" عمود سياستها الخارجية في كل المنطقة، بدءاً من اليمن مروراً بمصر وليبيا وانتهاءً بتونس. فزيادة على تحكم دولة الإمارات بالمشهد السياسي والعسكري في الجنوب، لا سيما في عدن والمكلا وحضرموت، مارست ضغوطاً كبيرة على منصور هادي عند تشكيل حكومة خالد بحاح من أجل تسليم المناصب الرئيسية لممثلي أحزاب أقل شأنًا وتمثيلًا في البرلمان من حزب الإصلاح.
فالإمارات قربت منها فصائل في الحراك الجنوبي الذي يطالب بالإنفصال، ودعمت جزءًا من التيار السلفي المهادن للسلطة ويتمسك بـ"طاعة ولي الأمر" كيفما كان. وقد سبق للإمارات قبل أشهر أن استقبلت في دبي نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، وعدد آخر من القيادات الجنوبية التي تتبنى خيار الانفصال أو ما تسميه "الاستقلال" عن الشمال؛ وفي هذا اللقاء وقع البيض ورئيس حزب رابطة أبناء الجنوب، عبدالرحمن الجفري، وثيقة أطلق عليها اسم "وثيقة الاستقلال" وهي تتضمن مبادئ ودعوات ومقترحات بإجراءات نحو الانفصال.
وفي مقابل ذلك دخلت دولة الإمارات في حرب مع حزب الإصلاح، إلى درجة أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، صرح في 12 أيار/مايو الماضي أنه يملك أدلة "دامغة" في مدينة المكلا على تنسيق بين حركة "الإخوان" وتنظيم "القاعدة. ونتيجة هذه التصرفات أصدر حزب الإصلاح بيانا في 6 تشرين ثاني/نوفمبر 2015 تهجم فيه بشكل صريح على دولة الإمارات واتهمها بأنها تعمل على "تنفيذ أجندة أقل ما يمكن وصفها بالمشبوهة".
ثم أضاف بيان حركة الإصلاح: "فرغم مشاركتهم في عمليات التحالف إلا أنهم يدفعون بالأمور إلى الفشل الذريع تارة تحت مبرر الخشية من التيار الإسلامي وتارة تحت مبرر الحفاظ على التوازن ولو على حساب بقاء الحوثي ونفوذه". وقد وصل بيان حركة الإصلاح قمة هجومه على دولة الإمارات عندما اتهمها بالوقوف خلف عمليات الاغتيالات والتصفيات في عدن كمحاولة منها لخلط الأوراق وارباك الوضع العسكري.
رابعًا: استقطاب الأطراف اليمنية بين دول الإقليم
وإذا كانت الإمارات تقوم بدور تآمري في جنوب اليمن من أجل فصله عن الشمال، فإن السعودية أيضًا تقوم بدور تآمري كذلك في انجاح مشروع التقسيم عبر تثبيت الإعتراف بقوات علي صالح والحوثيين من خلال المفاوضات الجارية. ولذلك فلا معنى من الناحية السياسية للحديث عن صراع أو تنافس بين السعودية والإمارات على النفوذ في اليمن. فما هو معلوم من السياسة بالضرورة أن كلا الدولتين من عملاء أميركا وما يقومان به في اليمن هو بتكليف من أميركا التي تتبع سياسية توزيع الأدوار بين عملائها في تنفيذ مخططاتها التقسيمية والتدميرية داخل البلاد الإسلامية.
فالإمارات تشرف على تدريب وإنشاء أجهزة أمنية وعسكرية رسمية في المحافظات الجنوبية، هذا بالإضافة إلى الترتيبات الاقتصادية والسياسية المختلفة في هذه المحافظات، خصوصًا في عدن التي تعمل على عدم تحويلها إلى منطقة حرة وميناء دولي قد يؤدي إلى تعطيل مناطقها الحرة كمركز عالمي للتجارة الدولية والترانزيت. وبالمقابل تتولى السعودية مهمة تدريب وتسليح حكومة هادي منصور والقوات الموالية له بالإضافة إلى تعزيز موقفه السياسي بدعم حزب الإصلاح له وارجاع اللواء علي محسن الأحمر إلى المشهد السياسي والعسكري.
ومن هنا وفي هذا السياق يجب فهم عودة السعودية لاستقطاب حركة الإصلاح بعد أن تخلت عنها عندما تحرك الحوثيون وصالح للإنقلاب على الدولة في أيلول/سبتمبر 2014. ومن شدة فرح حزب الإصلاح باحتضان السعودية له أنه أصدر بيانًا تهجم فيه على الإمارات تحت عنوان: "حزم المملكة يصطدم بمشاريع محلية وإقليمية لا ترتقي إلى طموحات الشعب اليمني". والحقيقة أنه كان يكفي لحزب الإصلاح أن يرى العلاقة الخاصة والمميزة التي تجمع بين محمد بن سلمان في السعودية ومحمد بن زايد في الإمارات ليدرك أن أميركا قد وزعت على عملائها في الإقليم مهمة استقطاب الأطراف اليمنية، بما في ذلك الدعم الإيراني للحوثيين وعلي صالح.