المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيع تونس عبر صندوق النقد والبنك الدوليين



عبد الواحد جعفر
25-05-2016, 07:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}

ما فتئت الدول الاستعمارية الكافرة تتدخل في السياسات العامة في بلادنا. والذي يحزّ في النفس أن أدوات تدخلها هم سياسيو البلاد الذين وضعوا أنفسهم رهن أسيادهم وأفسحوا لهم كل مجالات التدخل.
هؤلاء السياسيون أطلوا علينا مؤخراً بمشروع استعماري يراد به بيع مقدّرات البلاد، وجعل أبنائها عبيداً يجوعون لتوفير هذه الثروات لفائدة الجشع الرأسمالي. فبعد أن دُمّر النسيج الصناعي بموجب اتفاقية 1995 للتبادل الحرّ مع الاتحاد الأوروبي التي أنتجت إفلاساً ممنهجاً شمل مستويات عدّة (صناعية، فلاحية، تجارية ...) فقد جاء في تقرير الخبراء أن تفكيك المعاليم القمرقية على المنتوجات الصناعية أدّى إلى فقدان أكثر من 24 مليار دينار في الفترة بين سنتي 1996 و2008، كما أشار تقرير المعهد الوطني للإحصاء إلى اندثار النسيج الصناعي المحلي بنسبة 55% بين سنتي 1996 و2010 نتج عنه فقدان ما بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل.
ورغم ذلك كله، يعود الحديث مجدّداً هذه الأيام عن اتفاقية التبادل الحرّ بين تونس والاتحاد الأوروبي بشكل معمّق وموسّع، حسب الاتفاقية الأخيرة في نيسان/أفريل 2016، وذلك خضوعاً للإملاءات الاستعمارية لصندوق النقد والبنك الدوليين، ومن أهمّ بنودها موضوع الخوصصة الذي يمهّد لرفع يد الدولة عن جميع الموارد والثروات، وجعلها تحت هيمنة أصحاب رؤوس الأموال والشركات الاستعمارية باسم جلب الاستثمار.
وتعتبر الفلاحة من أهمّ المجالات المتضرّرة من سياسة الخوصصة التي تسير فيها الدولة، فبعد التفريط في الأراضي التابعة لها للمستثمرين الأجانب، يأتي الدور على الفلاح لدفعه للتفريط في أرضه عبر عدم توفير الإمكانات اللازمة لاستصلاحها وغراستها (عدم توفير البذور والأسمدة والأدوية...) مما يؤدّى إلى العجز عن منافسة المنتوجات الفلاحية المستوردة من الخارج.
وهكذا، وبوجود أكثر من 3000 شركة أوروبية في تونس تتمتع بكافة الامتيازات الجبائية والدعم من الدولة، فإن كل ثروة البلاد ومقدّراتها ستصبح تحت سيطرة هذه الشركات وسيضطرّ الفلاح والصناعي والتاجر إلى التفريط في الأرض وفي المعمل وكل ما يملكونه ليتحوّلوا إلى مجرّد أُجراء عند أصحاب رؤوس الأموال الذين يهيمنون على هذه الشركات، بما يهدّد الناس في قوتهم ومعاشهم. إن الاستمرار في الخضوع للمؤسسات الاستعمارية المتمثلة أساساً في صندوق النقد والبنك الدوليين وما يتبع ذلك من اتفاقية التبادل الحرّ ليس إلا غطاء لنقل كل موارد البلاد من سيطرة الدولة إلى هيمنة أصحاب رؤوس الأموال، دون أن يعود ذلك بأي نفع حقيقي على الناس.
هذه باختصار سياسة الفساد في الدولة _وهو فساد نظام وليس مجرّد فساد أشخاص_ التي يُراد جرّ البلاد إليها، وتستهدف في المقام الأوّل ثروات البلاد وقوت الناس. وهي السياسة التي تقوم على مرجعية فاسدة تتمثل في الجشع الرأسمالي القائم على حرية التملك.

أيها المسلمون في تونس..
لقد عانيتم أشد المعاناة منذ أن جرى سلخ تونس عن محيطها الإسلامي، ووقوعها تحت الاستعمار الفرنسي، الذي أذل العباد ونهب الخيرات، وترك البلاد منكوبة منهوبة ليحل الاستعمار الأميركي محله، وها هي أميركا تسير في تفكيك ما تبقى من قوى من الممكن التعويل عليها في أية تحرير لتونس من استعمارها، حتى تبقى ضعيفة مكبلة بالديون، تستجدي المعونات والمساعدات، وتتوسل لصندوق النقد والبنك الدوليين إقراضها بعض المال أو وضع برنامج اقتصادي يكون بمنزلة شهادة حسن سيرة وسلوك لأخذ قرض جديد أو جدولة قروض قديمة، مما يزيد من تكبيل البلد، ووضعها رهناً لهذه المؤسسات الدولية التي تحركها أميركا وفقاً لمصالحها.

أيها المسلمون في تونس..
إننا ندعوكم؛ أبناء تونس القيروان، إلى رفض هذه السياسة، والوقوف بوجهها. وإن خيرات البلد المنهوبة من الفاسدين والمفسدين لتكفي لمعالجة الاختلالات الاقتصادية التي تستغلها المؤسسات الدولية لفرض أجندتها على البلد، وبالتالي لا بد من وضع الحواجز الكثيفة أمام تدخل صندوق النقد والبنك الدوليين في شؤون الاقتصاد المحلي، وأن يجري استبعاد جميع العناصر الفاسدة من جهاز الدولة، ومن البديهي أن ذلك لا يكون إلا بإزالة هذا النظام من جذوره، وتطبيق الإسلام في الحياة والدولة والمجتمع تطبيقاً انقلابياً شاملاً؛ لأن الدولة في الإسلام هي المسؤولة عن رعاية شؤون رعيتها، والإحسان في هذه الرعاية، وهذا ليس منة ولا فضلاً من الدولة أو رئيسها، بل هو واجب من واجبات الدولة، وحق من حقوق الرعية عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته". فمن واجبها أن تقوم برعاية شؤون الناس في جميع المجالات، ومنها الزراعة، فهي التي تقوم بدعم الفلاح وتوفير كل الإمكانات المادية لتمكينه من استصلاح الأرض مع توفير البنية التحتية للتصنيع الزراعي حتى لا يذهب فائض الإنتاج هدراً.
ومع غياب الدولة الرعوية، تحكمت فينا هذه الأنظمة التي صنعها الغرب الكافر لتثبيت الأوضاع التي أوجدها في بلاد المسلمين، وللحيلولة دون انعتاقها من ربقة سيطرته. ولذلك فإن ما يعانيه الناس اليوم من شقاء وضنك في العيش مردّه هذه السياسة المرتهنة للغرب الكافر والتي ينتهجها هؤلاء الحكام ومن معهم من طبقة سياسية فاسدة همّها الاستحواذ على ثروات البلاد لمنفعتهم الخاصة على حساب شقاء الناس.
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لِما يحييكم}

حرر في 12/شعبان/1437هـ حزب التحرير - ولاية تونس
الموافق 19/5/2016م