المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعات سياسية معركة حلب والخطة البديلة



عبد الواحد جعفر
02-05-2016, 01:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعات سياسية
معركة حلب والخطة البديلة
تتعرض مدينة حلب إلى هجمة شرسة منذ أيام بشكل لم يسبق له مثيل في نوعية الضربات الجوية التي يقوم به الروس وقوات النظام وحلفاؤه الإيرانيين والمليشيات "الشيعية". وقد جاءت هذه الهجمة بالتزامن مع إعلان أميركا أنها ستزيد من عدد قواتها الموجودة في سوريا بإرسال 250 جندياً، وبذلك يصل عدد القوات الأميركية إلى حدود 700 عنصراً متمركزين في قواعد عسكرية لها في رميلان وعين العرب.
وقد أعلنت أميركا وروسيا مؤخراً يوم 29 نيسان/أبريل أنهما توصلتا إلى اتفاق للتهدئة يشمل فقط الغوطة الشرقية بدمشق وشمال اللاذقية، كما أعلنتا اليوم أن هناك مباحثات لضم حلب للهدنة المؤقتة.
وبالتزامن مع ما يجري من قصف للمناطق التابعة للمعارضة في حلب فقد كثف تنظيم الدولة القصف الصاروخي على المناطق الحدودية داخل تركيا بشكل متسارع والنتيجة الواضحة لمثل هذا القصف هو زيادة الضغط على قوى المعارضة وحواضنها الشعبية على الأرض بإعطاء الذريعة الكافية لتركيا لعدم تمكنها من فتح ممرات "مساعدة"، فضلاً عن أنها تعطي الذريعة للقوات التركية للتدخل البري، وبخاصة مع إحراز وحدات الحماية الكردية تقدماً على الأرض وإظهار إجرامها وتنكيلها بالناس، ومع الاشتباكات التي أقرت حصولها وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة مع القوات التركية عبر الحدود السورية التركية، وحديثها عن تدمير دبابات تركية.
والتدخل البري التركي المتوقع لن يكون لحماية أهل حلب، ولن يوقف المساعي لإنشاء الإقليم الكردي، وإن كان سيجري تصوير التدخل لو حصل بأنه سيكون من أجل ذلك كله، ولكنه سيكون تنفيذاً للخطة البديلة "ب" التي تقتضي دخول تلك القوات للتدخل في الشمال السوري تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة (داعش) ولكن غايتها الحقيقية هي تثبيت كل الأطراف المتصارعة في مواقعها من أجل تشكيل الأقاليم التي ستؤسس لنشأة جمهورية سوريا الفدرالية واقعياً، ومن أجل تثبيت حدود الأقاليم وحمايتها وجعلها أمراً واقعاً فعلاً يجري التفاوض عليه.

وقد أعلنت الحكومة التركية أنها اتخذت تدابير عسكرية جديدة على حدودها مع سوريا عبر تعزيز وجود الجيش في هذه المنطقة بشكل واسع، بل إن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو صرح لقناة الجزيرة يوم 29 نيسان/أبريل بإمكانية تدخل بري داخل سوريا بقوله إنه "إذا تطلب الأمن التركي منفذاً فبالطبع سنتخذ كل الإجراءات داخل تركيا أو داخل سوريا".
لقد جاءت هذه التحركات السياسية والعسكرية بعد انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات والتي نتج عنها رفض الهيئة العليا للمفاوضات قبول عرض "الحكومة الموسعة" مع نظام بشار الذي تتبناه روسيا بدعم أميركي مفضوح.
وأمام رفض المعارضة التي تدرك رفض قواعدها والحاضنة الشعبية لها لإشراك بشار في المرحلة الانتقالية تحركت أميركا لتنفيذ الخطة البديلة (ب) بالتواطؤ مع روسيا بعد أن صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري: إنه "من الصعوبة التمييز بين الفصائل الإرهابية والفصائل المعتدلة في مدينة حلب"، فروسيا تعتبر النصرة وتنظيم الدولة تنظيمين "إرهابيين"، وأميركا تعتبر تنظيم الدولة "إرهابياً"، فجاء تصريح كيري مبرراً للقصف الروسي ولزيادة عدد القوات الأميركية وكل ذلك بدعوى محاربة "الإرهاب"، و"الإرهاب" الذي ستتم محاربته سيكون من يمنح الغطاء للتدخل البري التركي الذي سبق أن نوهنا إليه، وبخاصة وأن تنظيم الدولة قد أعلن عن تدمير ثلاث دبابات تركية وحصول اشتباكات عبر الحدود.
وفي الوقت الذي أعطت فيه أميركا الضوء الأخضر للطيران الروسي بقتل المسلمين في حلب وسمحت بوصول ألوية إيرانية نظامية مثل اللواء 65، قامت فيه أميركا مؤخراً بمنع وصول شحنات عسكرية إلى بعض فصائل المعارضة وبخاصة من السلاح النوعي المضاد للدروع والطائرات. وهذا مما يؤكد على أن أميركا تريد أن تكون معركة حلب الجارية نقطة تحول سياسي وعسكري نحو تقسيم سوريا بزيادة الضغط على النواة الصلبة للمعارضة بعد توجيه الضربات العنيفة لها ولحاضنتها الشعبية.
وإذا كانت روسيا تقوم بالضربات الجوية على حلب فإن القوات الأميركية تقدم كامل الدعم لحزب العمال الكردستاني وحزب الإتحاد الديمقراطي على جبهات حلب الشمالية. وكان من نتائج هذا الدعم الأميركي سقوط العديد من المقاتلين التابعين لـ"جيش السنة" الذي أعلن مؤخراً اندماجه في صفوف حركة "أحرار الشام".
وإمعانا في إذلال أهل حلب المسلمين، وتوهيناً لعزائمهم، وتنفيذاً للإرادة الأميركية بالفصل المذهبي والعرقي قامت "وحدات الحماية الكردية" المجرمة باستعراض جثامين قتلى "جيش السنة" بعد التمثيل بهم في "أجواء احتفالية" مقصودة تقطر حقداً وخسة، حيث جابت بهم شوارع مدينة عفرين شمالي حلب. في نفس الوقت الذي كانت فيه الطائرات الروسية تدك بشكل مقصود البنية التحتية والخدمية لمدينة حلب.
فالطيران الروسي وطيران نظام بشار يستهدفان بشكل مقصود المدارس والمستشفيات ومستودعات الأدوية ومحطات تصفية المياه ومقرات الدفاع المدني لإطفاء الحرائق وسيارات الإسعاف. وهذا مما يزيد التأكيد على أن هناك سياسة حربية مقصودة تقودها أميركا وروسيا من أجل زيادة الضغط على قواعد وحواضن المعارضة الرافضة لإشراك بشار في المرحلة الانتقالية، وبغية استكمال حدود الأقاليم الكردية والعلوية والسنية.
ومما يشير كذلك على أهداف تلك السياسة الحربية تهديدات النظام بمعركة كبرى على حلب ورغم القصف الشديد فإن هناك بالمقابل حملة إعلامية كبيرة (حلب تحترق) ومظاهرات في دول مختلفة ستكون ذريعة لوقف القتال في الوقت المطلوب بعد تحقيق الضغط على المعارضة الرافضة و الحواضن الشعبية الداعمة لها، واستكمال حدود الأقاليم المراد استنباتها.
إن ما يجري في سوريا هي مؤامرة دولية تنفذ بالحديد والنار من أجل تفتيت بلاد المسلمين المقسمة أصلا بغية الإمعان في إضعافهم . والقوات الأميركية التي يجري تعزيزها ستكون نواة لقواعد عسكرية كبيرة تعزز إنشاء الإقليم الكردي بخاصة وتعمل على تثبيت حدود الأقاليم الكردية والعلوية والسنية، ولو نجح الكفار في هذا الأمر، لا قدر الله، فإنه إرادتهم ستغدوا اقوى في العمل على تفتيت تركيا ومصر والسعودية واليمن وليبيا وغيرها من البلاد الإسلامية لا قدر الله .
وعليه فإن الحل الوحيد لإنقاذ حلب وأهلها، هو أن يتحرك الجيش التركي، ويفرض حظر طيران في شمال سوريا، باعتبار حلب وضواحيها عمقاً استراتيجياً لتركيا، وبذريعة أن هذه المعارك تهدد أمن تركيا. أما الحل الجذري لهذه المهازل التي تحصل في العالم الإسلامي هو أن تأخذ الأمة زمام المبادرة بيدها، مدركة أن صعيد المعركة هو بين الكفر والإسلام، وأن الكفار يريدون زيادة إشعال الحرائق في بلاد المسلمين مؤججين نارها برمي المزيد من الحطب في تلك النار التي أطلقوا شرارتها وأوقدوها بغفلة من الأمة بعد إيقاظ الفتن المذهبية والعرقية في المنطقة، ومحاولة ضرب أمل الأمة بإقامة الخلافة بالتغرير بالمسلمين بخلافة مزيفة شوهت مدلولها كمنقذ للأمة مما هي فيه من انحطاط وذلة وهدر كرامة وابتعاد بالأصل عن حمل رسالة الإسلام لإنقاذ البشرية من ظلام الكفر، فقد نفَّرت بعض أبناء الأمة من الخلافة بل، وعملت على تنفير العالم من الإسلام بإظهاره أنه دين الدم والانتقام والبشاعة والإجرام والنقمة بدل الرحمة للعالمين، وهي الصورة التي تريد أميركا المجرمة وخلفها الغرب الكافر إظهارها أمام شعوبهم والعالم عن الإسلام.
فهل تصحو الأمة بحكمائها وقواها لترد هجمة الكفر وتقيم شرع الله وتحمل رسالة الإسلام العظيم؟

23/رجب/1437هـ
1/5/2016م