المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول التآمر الغربي على ليبيا



عبد الواحد جعفر
19-04-2016, 11:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
(موسعة)
للتآمر الغربي على ليبيا

حكومة السراج في ليبيا: تنفيذ الوصاية الدولية والسير نحو التقسيم أو المزيد من الفوضى الأمنية والسياسية في حال الصمود والتصدي

المقدمة..
رغم كل التهديدات التي وردت على لسان القوات العسكرية الموالية للمؤتمر الوطني بقيادة نوري بوسهمين بأنها مستعدة لخوض حرب طويلة الأمد مع كل من يحاول إدخال وحماية حكومة "الوفاق" بقيادة فايز السراج، ورغم امتناع البرلمان في طبرق بقيادة عقيلة صالح وحكومته المؤقتة بقيادة عبدالله الثني من التصويت على حكومة الوفاق، ورغم إغلاق حكومة الإنقاذ بقيادة خليفة الغويل للمجال الجوي مرات عديدة لمنع نزول الطائرة التي تقل أعضاء من المجلس الرئاسي القادمين من تونس، رغم كل هذه المعوقات وغيرها "نجح" فايز السراج ومعظم طاقمه الحكومي في الدخول إلى طرابلس عن طريق البحر بتاريخ 30 آذار/مارس 2016.
وهكذا أصبح هناك في ليبيا بحكم الأمر الواقع ثلاث حكومات، الأولى تقول إنها تسيطر على طرابلس ومعظم مناطق الغرب، وتعرف باسم "حكومة الإنقاذ" برئاسة خليفة الغويل، والثانية فى طبرق وتدير معظم المناطق الواقعة فى شرق البلاد، وتعرف باسم "الحكومة المؤقتة" برئاسة عبدالله الثنى، والثالثة "حكومة الوفاق الوطنى"، التى انبثقت عن اتفاق الصخيرات في المغرب برعاية الأمم المتحدة، برئاسة فايز السراج، وقد دخلت هذه العاصمة طرابلس وسط رفض من حكومتي "الإنقاذ" و"المؤقتة"، وهي فوق ذلك تحظى بدعم غربي واسع.
وبعد أن دخلت حكومة الوفاق إلى طرابلس كان متوقعاً أن تنفذ حكومة الإنقاذ _المدعومة من قوات فجر ليبيا_ تهديداتها بـ"مواجهة مسلحة شاملة" تقول حكومة الوصاية الدولية بزعامة فايز السراج أنها مستعدة لها، بل وتصرح "أن الفرصة الوحيدة أمام الإنقاذ هى الخروج الآمن بدلًا من معركة ليست في مصلحتها". فكيف نجحت حكومة "الوفاق" في الدخول إلى طرابلس رغم كل التهديدات؟ وما هو مستوى الدعم الغربي لها؟ وكيف كان رد فعل خصومها في غرب وشرق ليبيا؟ وما هي التحديات التي تواجهها حكومة الوصاية الدولية أو ما يسمى بحكومة "الوفاق"؟ وما هي السيناريوهات التي رسمتها دول الكفر الكبرى لمآلات الأوضاع في ليبيا؟ وأخيراً هل هناك من فرص لنجاح حكومة السراج في المهمات الموكولة إليها من بعثة الأمم المتحدة، الناطق الرسمي باسم المصالح والمخططات الغربية؟

أولاً: حيثيات دخول حكومة "الوفاق" إلى طرابلس
لقد حاول فايز السراج وأعضاء من المجلس الرئاسي الدخول إلى طرابلس عن طريق الجو بالطائرة قادمين من تونس لكن حكومة الإنقاذ أغلقت في وجههم المجال الجوي حتى تمنعهم من الهبوط في مطار معيتيقة. وهذا الأمر اضطر صانعي وحماة حكومة الوفاق إلى التغيير في الترتيبات الأمنية لدخول السراج إلى طرابلس. فقامت بارجة إيطالية بحمل السراج وبقية أعضاء الحكومة على متنها تحت حماية مشددة من القطع الحربية لفرنسا وأميركا وبريطانيا. وبهذا الشكل تم ادخال حكومة السراج إلي القاعدة البحرية في أبوستة بطرابلس على متن هذه الفرقاطة الإيطالية في مشهد يشبه كثيراً دخول العملاء إلى بغداد على ظهر الدبابات الأميركية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم تتحرك "قوات فجر ليبيا" ومن والاها وتقوم بطرد حكومة السراج أو القبض عليها؟ والجواب على ذلك أنه عند وصول السراج وحكومته إلى قاعدة بوستة البحرية التي يتخذون منها حالياً مقراً لهم في مباشرة أعمالهم ريثما يتهيأ لهم مقر في مدينة جنزور، كانت هناك آليات عسكرية وجنود حول القاعدة لتأمينها من أى هجوم مضاد. ولكن الأهم من ذلك أن قادة قوات فجر ليبيا قد جاءتهم رسائل نصية على هواتفهم وباللغة العامية تحذرهم من الإقتراب من قاعدة بوستة، وفي حال الرفض فإنهم سوف يتعرضون إلى القصف الجوي الكثيف بطائرات الأباتشي التي كانت راسية على البوارج الغربية القريبة جداً من مسرح الأحداث.
ومع ذلك وقعت اشتباكات بين قوات الردع التابعة لعبد الرحمن الطويل الداعم لحكومة السراج وقوات الصمود لصلاح بادي التابعة لحكومة الغويل في شارع عمر المختار من طرابلس. كما أمّنت كتيبة الردع وكتيبة النواصي الطرق والمناطق القريبة من قاعدة بوستة البحرية مثل طريق الشط وسيطرت على ميدان الشهداء ومقر رئاسة الأركان (كلية البنات سابقاً) وجزيرة سوق الثلاثاء وما حولها. وبعد أن تم تأمين مقر حكومة السراج على الأرض من قبل الكتائب الموالية ومن الجو والبحر من قبل القوات الغربية قام فايز السراج بمؤتمر صحفي يؤكد فيه وصوله ويعطي فيه رؤيته للمرحلة القادمة.
ومن أهم ما حاول السراج تسويقه أنه سيعمل على توحيد مؤسسات الدولة وتنفيذ حزمة من التدابير العاجلة للتخفيف من معاناة المواطنين، كما سيعمل على وقف إطلاق النار، وتوحيد كل الجهود لمحاربة (داعش). وادعى السراج أنه سيلتزم ببنود الاتفاق السياسي وبخاصة فيما يتعلق بتحقيق المصالحة الوطنية وعودة النازحين والمهجرين. وذهب للقول أن حكومته تحمل ضمانات لكل الأطراف، بما في ذلك تطبيق الشريعة وتحقيق أهداف ثورة فبراير.

ثانياً: مستوى دعم الدول الغربية لحكومة السراج
بمجرد أن وطئت أقدام حكومة "الوفاق" يوم 30 آذار/مارس الماضي قاعدة بوستة ثم انتهى فايز السراج من مؤتمره الصحفي حتى تسابق الساسة الغربيون وبسرعة وفي نفس اليوم في اطلاق التصريحات المؤيدة للسراج ولحكومته بشكل يؤكد أن هذه الحكومة هي حكومة وصاية دولية بامتياز. فقد بادرت فرنسا، ممثلة في وزير خارجيتها جان مارك أيرو الذي صرَّح بالقول: "أنا سعيد بهذا القرار الشجاع" داعيًا كل المؤسسات الليبية إلى الوقوف وراء السلطات الجديدة. وأضاف: "يمكن لحكومة الوحدة الوطنية الليبية أن تعتمد على دعم فرنسا الكامل في التصدي للتحديات التي تواجهها، وأولها وأهمها الحاجة الملحة لوقف تقدم داعش".
وأعربت الحكومة الإيطالية، على لسان وزير الخارجية باولو جينتيلوني، عن "الرضا" بشأن وصول مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني إلى العاصمة طرابلس. ورأى جينتيلوني أنها "خطوة أخرى إلى الأمام لتحقيق الاستقرار في ليبيا"، مشيرًا إلى أنه "بناء على عزم رئيس الوزراء (فايز) السراج ومجلس الرئاسة أصبح من الممكن حدوث تطورات جديدة لصالح الشعب الليبي"، منوهًا بأن "إيطاليا كانت دائمًا في الطليعة عبر مبادرات دبلوماسية عديدة تهدف للاستقرار في ليبيا". وأعرب جينتيلوني عن "الأمل بأن يكفل الشعب الليبي لمجلس الرئاسة الدعم الكامل وأقصى درجات التعاون، وأن تتعاون المؤسسات السياسية والمالية للسماح بنقل فوري وسلمي للسلطة" في ليبيا. ولإثبات مركز القوة الذي أصبحت عليه حكومة السراج، قام وزير الخارجية الإيطالي يوم 12/4/2016 بزيارة إلى طرابلس كأول مسؤول غربي كبير يزور ليبيا منذ وصول الحكومة إلى طرابلس في 30 آذار/مارس. وأعلن باولو جينتيلوني أن مساندة حكومة الوفاق "لا يتقرر في روما أو لندن أو واشنطن بل يتقرر في طرابلس".
أما الممثلة السامية للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فيدريكا موغيريني، فقد اعتبرت أن "وصول المجلس الرئاسي إلى العاصمة الليبية طرابلس يعد فرصة فريدة لليبيين من جميع الفصائل للتوحيد والتوافق على أساس الاتفاق السياسي الليبي". وأشارت إلى أن "الاتحاد الأوروبي لديه حزمة دعم فوري وكبير بقيمة 100 مليون يورو لإنفاقها في عدد من القطاعات المختلفة، وسيتم تحديد أولويات التنفيذ بناء على طلب من السلطات الليبية".
وصرح وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند أن حكومة الوفاق الوطني هي "الشرعية الوحيدة" في ليبيا بمصادقة مجلس الأمن الدولي، مجددًا استعداد بلاده والمجتمع الدولي لمساعدة تلك الحكومة. وأضاف هاموند، في تصريحات صحفية أعقبت محادثة هاتفية أجراها مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق: "أكدت لرئيس الحكومة فايز السراج دعم المملكة المتحدة لحكومته"، مشيرًا إلى أن الحكومة بحاجة لبسط سيطرتها على قوات الأمن والمؤسسات المالية في ليبيا لتتمكن من إحلال السلام والاستقرار اللذين يستحقهما الشعب. ثم أكد هاموند على ضرورة أن تبدأ حكومة الوفاق في مهامها من طرابلس "في أسرع وقت ممكن حالما سمح الوضع الأمني بذلك".
وفيما أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي عن ترحيب أميركا بوصول مجلس الرئاسة الليبي إلى طرابلس داعياً المؤسسات الليبية العامة إلى تسهيل الانتقال السلمي للسلطة، حثَّ المبعوث الأميركي لدى ليبيا، جوناثان واينر، كافة الأطراف الليبية على تسليم السلطة بصورة سلمية ومنظمة لحكومة الوفاق. وقال المبعوث الأميركي لدى ليبيا واينر في تغريدة له عبر "تويتر" قبل وصول السراج بيوم أنه "سيكون على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الانتقال إلى طرابلس بأسرع وقت بموجب الاتفاق السياسي الليبي". وأعرب المبعوث الأميركي عن قلقه بشأن تعمد إغلاق الأجواء في طرابلس لمنع وصول حكومة الوفاق الوطني إلى العاصمة لمباشرة عملها، مؤكداً أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم حكومة الوفاق في الجوانب الإنسانية والاقتصادية والدعم الأمني، وكل ما تحتاجه لتجاوز الأزمة الراهنة.
وبعد يوم من وصول السراج إلى طرابلس أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرج، أن الحلف على استعداد، وذلك تمشياً مع قرارات القمة في "ويلز"، لمساعدة ليبيا في مجال بناء الدفاع والمؤسسة الأمنية، إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني وبالتنسيق مع الجهود الدولية الأخرى. ورحب أمين عام الحلف بوصول رئيس الوزراء الليبي المكلف فايز السراج وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومته إلى العاصمة الليبية طرابلس، معتبراً أن هذا "يمثل خطوة هامة في ليبيا للتحول الديمقراطي ومسار للسلام". وتمنى ينس، "التوفيق للمجلس الرئاسي في تطوير عملية سياسية شاملة وسلمية، تهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية، على أساس من القيم الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون".

عبد الواحد جعفر
19-04-2016, 11:49 PM
ثالثاً: ردود فعل خصوم الداخل لحكومة فايز السراج
كان موقف الرافضين لحكومة السراج في البداية قوياً في عدم القبول بشرعيتها أو حتى بوجودها في طرابلس باعتبار أن ذلك "انقلابا على السلطة". فقد ذكر رئيس حكومة "الإنقاذ الوطني"، خليفة الغويل، في مؤتمر صحفي عقده بطرابلس مساء وصول السراج: "إن دخول المجلس الرئاسي إلى العاصمة طرابلس غير شرعي، ولن نخرج من العاصمة طرابلس حتى نطمئن على الثورة". ووصف الغويل حكومة الوفاق بـ"الحكومة المتسللة غير الشرعية"، ودعا "الثوار في كل ليبيا إلى التصدي" لها. وذكر الغويل في مؤتمره: "نطالب السراج وحكومته بضرورة مغادرة العاصمة ‏طـرابلس بشكل فوري، وإلاَ سوف يتم استعمال القوة من قبل الثوار وسيتم اعتقالهم ومحاكمتهم أمام الشعب الليبي لأنهم لا يمتلكون الشرعية، وذلك لعدم خروجهم ببيان واضح وصريح يؤيدون فيه مبادئ ثورة السابع عشر من فبراير، كما أننا نرفض الوصاية الدولية مهما كانت المبررات".
أما المؤتمر الوطني فقد قال النائب الثاني لرئيس المؤتمر عوض عبد الصادق أن المؤتمر "سوف يحاسب ضباط البحرية الذين أدخلوا حكومة الوصاية إلى طرابلس"، مؤكداً بأنه "سوف يصدر قراراً ضد هؤلاء الانقلابيين. ونستغرب من بعض الثوار حماية حكومة الوصاية". وأضاف نائب رئيس المؤتمر الوطني أن المؤتمر "سيتخذ الإجراءات القانونية والاحترازية الملائمة لهذا التسلل غير القانوني. والمؤتمر في حل من التزامات تبرمها هذه الحكومة". أما دار الإفتاء فقد طالب الشيخ الصادق الغرياني في كلمة له عبر قناة التناصح "أنصح المجلس الرئاسي أن يرجع من حيث أتى وأن يجنب البلاد فتنة الاقتتال". وأضاف الغرياني أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "فُرض بالقوة، والجسم الشرعي الوحيد في ليبيا حتى الآن هو المؤتمر الوطني العام". واشترط الغرياني تعديل مسودة الاتفاق السياسي، حتى يقبل بالحكومة التوافقية التي تأتي بعد التعديل.
وكان رئيس حكومة "الإنقاذ" قد أعلن قبل أسبوع من وصول حكومة السراج إلى طرابلس "حالة الطوارئ القصوى في كافة أنحاء البلاد"، وحذر رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي التابعين لحكومة الوفاق الوطني من القدوم إلى طرابلس قائلاً: "إن هذه الخطوة غير قانونية"، مشيرًا إلى إمكانية إلقاء "القبض على أعضائها". ولكن هذا الموقف تغير كلياً بعد أيام من استقرار حكومة السراج في طرابلس وذلك بسبب الدعم الغربي الكبير لها وسط تهديدات متكررة بالغزو لو طلب السراج ذلك حتى يتم ازاحة معارضيه بقوة الحديد والنار. وأوضح خليفة الغويل في بيان صدر منه ليلة الخميس 31 آذار/مارس أن اعتراضه على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني "سيكون بالطرق السلمية والقانونية، ودون استخدام القوة أو التحريض على القتال والصراع بين أبناء الوطن الواحد".
ثم أعلنت حكومة "الإنقاذ الوطني" في بيان لها مساء الثلاثاء 5/4/2016، مغادرتها للسلطة. وقالت حكومة خليفة الغويل في بيان لها "نعلمكم بتوقفنا عن أعمالنا المكلفين بها كسلطة تنفيذية رئاسة ونوابًا ووزراءً". وأشارت في بيانها إلى أنها "قررت التخلي عن السلطة تأكيدًا على حقن الدماء وسلامة الوطن من الانقسام والتشظي". وقد عدّل رئيس حكومة "الإنقاذ الوطني" خليفة الغويل موقفه بعد أيام من ذلك الموقف المتشدد وذلك حتى يتم إعطاء الفرصة لمن سمّاهم بـ"أبناء الوطن الخيرين"، والثوار والأعيان والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني "لإيجاد مخرج من الأزمة التي تمر بها البلاد". ولكن حكومة الإنقاذ عادت يوم 6/4/2016 لتطلب من رؤساء الهيئات والمؤسسات التابعة لها بالإستمرار في المهام الموكولة إليها "نظراً لمتطلبات المصلحة العامة وحساسية الأوضاع التي تمر بها البلاد".
أما المؤتمر الوطني العام فقد قرر يوم الثلاثاء 5/4/2016، إحالة "الاتفاق السياسي" والأجسام المنبثقة عنه إلى القضاء للفصل في شرعيته، داعياً إلى التجاوب مع الدعوى وتمكين القضاء من النظر في الأمر. واعتبر المؤتمر، في بيان له، أن اجتماع أعضاء بالمؤتمر الوطني محسوبين على حكومة فايز السراج وإدعائهم تعديل الإعلان الدستوري وإعطاء الشرعية للمجلس الأعلى للدولة "أمر غير شرعي ومخالف للإعلان الدستوري". وأكد المؤتمر الوطني في بيانه أن أي اجتماع خارج جلسات المؤتمر الوطني يعد "باطلا"، مشيراً إلى أن المؤتمر عقد جلسة رسمية اليوم مكتملة النصاب ناقش فيها جدول أعماله.
أما الحكومة المؤقتة التي تدير غالبية مناطق الشرق الليبي من مقرها في مدينة البيضاء فقد جاء موقفها مماثلاً لموقف حكومة الإنقاذ، هذا بالرغم من خلافهما السياسي المستمر والنزاع المسلح الذي كان بينهما لمدة عام ونصف. فقد تمسك رئيس الحكومة عبدالله الثني، بتسيير الدولة إلى حين منح مجلس النواب الثقة لحكومة الوفاق، معللاً ذلك بأن حكومته جسم منتخب من مجلس النواب، "وسنتمسك بهذه الشرعية". وقال في مؤتمر صحفي، من بنغازي: "لن نعترف بشرعية تملى من خارج البلاد"، معتبراً أن الشرعية تؤخذ من داخل ليبيا، و"أي قرار خارج قبة مجلس النواب لن يعترف به". وقال أيضاً حاتم العريبي، المتحدث باسم حكومة عبدالله الثنى: "لا اعتراف بأى تصريحات لدول خارجية بشأن منح الثقة لحكومة الوفاق"، مشددًا على أن "الحكومة المؤقتة لن تعترف بشرعية تُملى من الخارج، وأن "أى قرار من خارج مجلس النواب لن يعترف به، فالشرعية تؤخذ من داخل ليبيا".
والسؤال حاليا هو: ما هي التحديات القريبة التي يجب على حكومة السراج مواجهتها حتى تستطيع السير قدماً في المهمات الموكولة إليها من الدول الغربية في ظل هذا الرفض الشديد من خصومها والإنقسام الحاد الذي تعيشه ليبيا في شرق البلاد وغربها؟

رابعاً: تحديات حكومة وفاق الوصاية في طرابلس
رغم أن الدول الغربية قد أظهرت دعمها الكامل لحكومة السراج سياسياً وعسكريا وحتى دبلوماسيا بعد أن قامت عدد من الدول بإرسال ممثليها وفتح سفاراتها من جديد، إلا أن كل ذلك لن يمكّن عملياً هذه الحكومة من الإستمرار في البقاء ما لم تعتمد على أدوات الإسناد الداخلي التي تمكنها من تنفيذ الخطة المرسومة لها دولياً.
فما هي أهم تلك الأدوات والوسائل التي تعمل حكومة السراج على توفيرها حتى تقوي حظوظها في البقاء والقبول على المستوى الشعبي وبين النخب السياسية والمثقفة.
1- التحدي الدستوري
كان من المتوقع بعد صياغة الاتفاق السياسي النابع من الصخيرات أن يتم بعد ذلك إجراء تعديل دستوري أو إحداث إعلان دستوري جديد يتم بموجبه إيجاد أرضية دستورية لعمل حكومة الوفاق الوطني. ولكن ذلك لم يحصل بسبب رفض المؤتمر الوطني الذي يصر على أنه لن يعترف بالمجلس الرئاسي ما لم يوافق على شروطه والنقاط التي ذكرها المفتي صادق الغرياني، وكذلك بسبب رفض برلمان طبرق الذي يقوم فيه الأعضاء الموالون لخليفة حفتر بمنع حصول النصاب القانوني لانعقاد الجلسة.
ولتجاوز هذا التحدي الدستوري الأول عقد مجلس الدولة التابع لحكومة الوفاق جلسته الأولى يوم 5/4/2016 وقام خلالها عبر التصويت بالإجماع بتعديل الإعلان الدستوري الخاص بالاتفاق السياسي، بعد أن تعذر اجتماع مجلس النواب لإقرار هذا التعديل، وبعد "اكتمال النصاب" المطلوب للتعديل الدستوري بحضور النائب الثاني لرئيس المؤتمر صالح المخزوم. ثم في اليوم التالي انتخب أعضاء مجلس الدولة في جلسته الثانية عبدالرحمن السويحلي رئيسًا للمجلس. وبهذا التحايل القانوني أصبح المؤتمر الوطني في حكم المعدوم بعد أن أخذ المجلس الأعلى للدولة مكانه.
أما التحدي الدستوري الثاني فهو يتمثل في الإنتهاء من صياغة مشروع الدستور والإستفتاء عليه حتى تخرج البلاد من الحالة الإنتقالية إلى الحالة الدائمة. وبالرغم من أن قانون إنشاء الهيئة التأسيسية للدستور لايبيح نقل جلسات الهيئة إلى خارج ليبيا، إلا أن بعثة الأمم المتحدة قامت بنقل أعمال الهيئة التأسيسية من مدينة البيضاء في ليبيا إلى مدينة صلالة في عُمان حتى تستطيع أن تمرر ما تشاء من فصول الدستور بعد أن عرفت الهيئة مقاطعة من قبل بعض أعضائها ورفضاً لبعض فصول الدستور بسبب املاءات بعثة الأمم المتحدة.
وفعلاً أعلن المبعوث الأممي مارتن كوبلر يوم 6/4/2016 عن اختتام الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أعمالها التي بدأتها منذ 19/3/2016 في صلالة. وقال كوبلر في مؤتمر صحفي أنه "فخور بهذا الإنجاز" مضيفاً كذباً وزرواً: "أتمنى أن تشكل التوافقات التي تم التوصل إليها في صلالة ركيزة أساسية لمسودة الدستور الذي يجتمع حوله جميع الليبيين". والحقيقة أن كوبلر ومن يقف وراءه من دول الكفر استعجلوا في صياغة هذا المشروع للدستور قبل أن تستقر الأوضاع الأمنية حتى يستطيعوا أن يمرروا (كعادة دساتير الكفر) تلك الفصول المتعلقة بـ"حقوق المرأة والأقليات". فوضعوا مثلاً في هذا الدستور فصول متعلقة بانشاء المجلس الأعلى للمرأة وبأن لا تقل الحصة (الكوتة) النسائية في جميع أطر التمثيل السياسي مثل البرلمان والبلديات عن 30% وبأن يتم منح الجنسية الليبية لأبناء كل امرأة ليبية متزوجة من رجل غير ليبي.
ومن أجل تمرير مسودة الدستور غير المتفق عليه تم التلاعب في النصاب القانوني للهيئة بعد أن قاطعها 15 عضواً يمثلون أكثر من نصف الشعب الليبي من ناحية السكان في المنطقة الغربية وهم الأعضاء النائبون عن مدن طرابلس وزليتن والزاوية وصبراتة والجفرة ومرزق ووادي الشاطئ، هذا بالإضافة إلى مقاطعة ممثلين عن قبائل التبو. وهكذا لم يبقَ في الهيئة سوى بعض من أعضاء المنطقة الشرقية وممثلي الجنوب من قبائل الطوارق. وبهذا الشكل تمكنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برئاسة الألماني مارتن كوبلر وبدعم من دول الكفر في أوروبا وأميركا من فرض مسودة دستور تزامن تمريره مع وصول حكومة وصاية دولية بقيادة السراج التي سوف تعمل في قادم الأيام على اجراء "استفتاء" عليه.

عبد الواحد جعفر
19-04-2016, 11:52 PM
2- المرجعية الدينية
كان للخطاب الذي ألقاه مفتي ليبيا الصادق الغرياني يوم دخول فايز السراج وحكومته إلى طرابلس متسللين من البحر أثر بالغ في زعزعة شرعيتهم باعتبارهم يمثلون حكومة وصاية واحتلال. فقد هدد الشيخ الغرياني المجلس الرئاسي بالقتال والجهاد محذراً من عواقب قدومهم إلى البلاد حيث قال: "إن السلاح منتشر في كل بيت، والناس قد يرجعون للجهاد ويقاتلون لعشرات السنين ولا يغرنهم الدعم المادي". وفي هذا الخطاب اشترط الصادق الغرياني خمسة شروط تتعلق بتعديل مسودة الاتفاق السياسي من أجل القبول بحكومة الوفاق الوطني، وقال: "قدمنا خمسة ملاحظات لا غير على مسودة الاتفاق السياسي بالصخيرات وقد أرسلناها إلى المؤتمر الوطني العام، إذا تم تعديلها لم يعد لدينا مشكلة مع المسودة".
وذكر الشيخ الغرياني في كلمته المتلفزة تحفظاته على الفقرات والمواد التي تختص بـطريقة تفسير مسودة الاتفاق وتعريف "الإرهاب" وقيام المؤسسة العسكرية بالترتيبات الأمنية والدور الاستشاري لمجلس الدولة دون أن يكون شريكاَ لمجلس النواب في التشريع، ومرجعية القوانين الدولية. وقال الغرياني "أن من يقوم بالترتيبات الأمنية (هي) المؤسسة العسكرية القائمة، مما يعني أنه حفتر ومن معه، قلنا لهم أن الترتيبات الأمنية يجب أن تسند إلى أناس لم يتورطوا في دماء الأبرياء. ومجلس الدولة يستشار فقط، ولا قيمة لقراره أمام البرلمان مما يعني أن بإمكان البرلمان إعادة حفتر حتى لو أقصاه الاتفاق السياسي. ورد في المسودة التحاكم للقوانين الدولية والتي تعارض في عدة نقاط الشريعة الإسلامية".
وحتى تواجه حكومة السراج ومن يقف وراءها خطاب المفتي، تحركت رابطة "علماء ليبيا" التي أصدرت بياناً بتاريخ 31 آذار/مارس فيه اعتراف بحكومة السراج ورد على دعوة الشيخ الغرياني إلى الجهاد عند لزوم رد الصائل. ومما جاء في هذا البيان أنه "جلبًا للمصالح الشرعية العامة، ودفعًا للمفاسد الشاملة، ندعو المجلس الرئاسي لحكومة التوافق إلى تقوى الله تعالى والعمل على ما يرضيه، والسعي للوصول إلى تشكيلة حكومية توافقية تستطيع أن تحظى بثقة مجلس النواب في أقرب وقت، والاهتمام بأحوال البلد ومَن فيه وما يعانيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية وفكرية، وما يعمله تنظيم داعش الإرهابي في البلاد، وبذل الوقت والجهد لأجل ذلك، والابتعاد عن التيارات المؤدلجة، والمصالح الخاصة، والأجندات المختلفة".
وطالبت الرابطة أطراف المجتمع بالقول: "فليشارك الجميع في إنقاذ هذا الوطن الذي يعاني، ويقاسي الأمرين أهله ومواطنوه، فيجعلوا حب الوطن في مقدمة أمورهم". ثم توجهت الرابطة في بيانها إلى كلام الغرياني دون ذكر اسمه، فدعت "كل مَن يطلق آراءه الشخصية ويغلفها بغلاف الدين تكفيرًا أو حكمًا بالردة على مَن قام بما يخالف رأيه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرجع إليه، وأن يحفظ الدماء، وأن لا يدعو إلى مزيد من السفك، فيكفي البلد والناس معاناة وتعبًا وشدة، فإن دين الله تعالى يراعي مصالح العباد، ويحفظ حقوقهم، ويحقق لهم الأمن والصيانة".

3- التحديات الإقتصادية
لعل من أهم الأدوات التي تعول عليها حكومة السراج في التسويق لنفسها هي أنها سوف تحل المشاكل الإقتصادية التي يعاني منها الناس منذ سنوات وبخاصة فيما يتعلق بتوفير السيولة النقدية والمواد الغذائية واستهلاك الطاقة. ومن أجل أن تنجح في ذلك كان على الدول الغربية أن توفر لها أربع مؤسسات تحت تصرفها. وهذا يدل على أن جل الأزمات الإقتصادية التي كانت تعاني من البلاد تعود في الأساس إلى تآمر هذه المؤسسات مع مشاريع الدول الغربية عبر سياسة التجويع وما يتبعها من دفع الناس إلى القبول بحكومة الوصاية وكأنها الحكومة الوحيدة القادرة على انقاذهم من الجوع والفقر وارتفاع الأسعار وغياب السيولة من البنوك.
فبعد يوم واحد من دخوله إلى طرابلس اجتمع فايز السراج مع الصدّيق الكبير رئيس مصرف ليبيا المركزي كما اجتمع مع مدراء المصارف وبحث معهم مسألة توفير السيولة النقدية داخل البنوك وتخفيض سعر صرف الدولار أمام الدينار الليبي. وصرح السراج إثر لقائه مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصدّيق الكبير، إن "الاجتماع كان لحل مشكلة السيولة ولتوفير السلع الأساسية والأدوية وما يحتاجه المواطن ليحيا حياة كريمة".
وبتاريخ 4/4/2016 أصدر المجلس الرئاسي التابع للسراج قراراً إلى بنك ليبيا المركزي يطلب فيه تجميد الحسابات المصرفية للوزارات والجهات والهيئات والمصالح العامة الممولة من الخزانة العامة، واستثنى المجلس الرئاسي في قراره حساب الباب الأول "المرتبات والمزايا". وهذا طبعا يراد منه إيقاف التمويل لأعمال المؤسسات التابعة لحكومة الغويل والمؤتمر الوطني بالدرجة الأولى.
أما الإجراء الثاني الذي جاء ليمكن سيطرة حكومة "الوفاق" على الأوضاع الاقتصادية في البلاد فهو إعلان الناطق الرسمي لجهاز حرس المنشآت النفطية، علي الحاسي، بعد يوم واحد من دخول حكومة السراج لطرابلس استعداده للعمل تحت شرعية حكومة الوفاق الوطني وبشكل فوري، متعهدًا بفتح الموانئ كافة ووضعها تحت تصرف الحكومة، كما تعهد بـ"حماية مكتسبات الشعب الليبي من الإرهابين والمغتصبين للسلطة". وهذا يؤكد أن انخفاض مستوى انتاج النفط في ليبيا ليس بسبب الحالة الأمنية في البلاد بل بموجب قرار سياسي دولي عمل إبراهيم الجضران رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية على تنفيذه حتى يتم تخفيض مداخيل الدولة وما يعنيه ذلك من وضع ليبيا في الإفلاس وتحت رحمة املاءات الدول الغربية.
كما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، والتي تملك أكبر الاحتياطات في إفريقيا بمقدار 48 مليار برميل، أنها باتت تتبع سلطة حكومة الوفاق الوطني. وقد كانت هذه المؤسسة في طرابلس تتبع سلطة حكومة الإنقاذ منذ اعلان قيامها في آب/أغسطس 2014. وقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة مصطفى صنع الله في بيان نشر على موقع المؤسسة يوم 3/4/2016، "نعمل مع رئيس الحكومة فايز السراج والمجلس الرئاسي على ترك حقبة الانقسامات وراءنا". وأضاف أن الشركة تمارس أنشطتها الآن وفق أطار قانوني دولي. وأوضح صنع الله أن المؤسسة تؤيد بيان مجلس الأمن حول حصر التعامل مع حكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق سلام رعته الأمم المتحدة.
وتتضح المؤامرة الدولية على ليبيا أكثر بعد أن أعلن مجلس الأمن الدولي يوم 1/4/2016، استعداده لدراسة تغيير العقوبات المفروضة على المؤسسة الليبية للاستثمار، في حال تمكن حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من الإشراف على المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي. وقد جاء هذا بناء على رسالة بعث بها إبراهيم الدباشي "سفير ليبيا" لدى الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي طالباً فيها باستثناء المؤسسة الليبية للاستثمار من العقوبات. فهذا السفير الليبي لم يتحرك أبداً من أجل رفع "التجميد" على المؤسسة الليبية للإستثمار إلا بعد أن وصلت حكومة السراج إلى طرابلس. وللعلم فإن هذه المؤسسة تسمى أيضاً بصندوق الثروة الليبية وهو يحتوى على 67 مليار دولار تم تجميدها من دول الكفر بعد سقوط القذافي.
ونختم الحديث عن الأدوات الإقتصادية التي تم توفيرها لحكومة الوصاية بذلك اللقاء الذي عقده المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني يوم 7 نيسان/أبريل مع عدد من رجال الأعمال الليبيين في العاصمة طرابلس حيث تم الحديث عن الأزمة الاقتصادية وكيفية توفير الغذاء والدواء بما يوفر مزيداً من الدعم لحكومة السراج بين فئات الشعب الفقيرة والمتوسطة والتي عانت كثيراً خلال السنوات الماضية من ارتفاع الأسعار وقلة المعروض من السلع الأساسية.
وتعتبر مشكلة رجال الأعمال الليبيين الموقوفين في الإمارات بتهم "تقديم الدعم لجماعات مسلحة" من القضايا التي تشغل الرأي العام في ليبيا. وها هي أميركا تُطالب الإمارات يوم 9/4/2016 بالإفراج الفوري عن رجال الأعمال الليبيين المحتجزين لديها أو اخضاعهم إلى محاكمة عادلة وشفافة في أقرب وقت، وذلك حتى يضاف إطلاق سراحهم إلى "انجازات" حكومة السراج.

4- الترتيبات الأمنية
ما كان للسراج وحكومته أن يدخلوا طرابلس بفضل الدعم الغربي المباشر فقط بل جاءها الدعم أيضاً من بعض الفصائل التي انشقت عن صفوف قوات فجر ليبيا منذ توقيع اتفاقية الصخيرات. وهذا أمر كان متوقعاً؛ لأن قوات فجر ليبيا ليست جسماً عسكرياً واحداً بل هي مجموعة من المسلحين المحسوبين على التيارات الإسلامية والوطنية المختلفة تأسست في أيار/مايو العام 2014 لرد محاولة الكتائب الموالية لحفتر السيطرة على طرابلس والمنطقة الغربية. وبما أن حركة الإخوان المسلمين والجبهة الليببية المقاتلة قد انضم بعض أفرادها إلى اتفاق الصخيرات فكان لا بد أن ينضم جزء من قوات فجر ليبيا إلى دعم حكومة الوفاق أيضاً.
كما نجحت الضغوط الخارجية في احتواء عدد كبير من المعارضين بما في ذلك خليفة حفتر حتى تنجح الترتيبات الأمنية التي تمكن السراج من فرض حكومته في طرابلس. فقد ذكرت مصادر دبلوماسية أن دورًا جزائريًا ـ فرنسيًا ساعد في انتقال المجلس الرئاسي إلى العاصمة طرابلس. جاء ذلك في الموقع الفرنسي "أفريكا انتيليجنس" الذي نقل عن الوزير المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، أن الجزائر والمملكة العربية السعودية خاضتا "في المرحلة النهائية حملة دبلوماسية سرية من أجل تسهيل وصول فايز السراج إلى العاصمة الليبية"، حيث سارع قبل أيام من دخول السراج عدد من دبلوماسيي البلدين إلى تونس لتسهيل لقاءات بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وبعض الأطراف المسيطرة على طرابلس.
وهكذا، وكما انقسم السياسيون بخصوص اتفاق الصخيرات ومخرجاته انقسم أيضاً حاملو السلاح في كلا المعسكرين بين مؤيد ومعارض. فقد أيد عدد من الكتائب بما فيها تلك التي كانت تابعة إلى فجر ليبيا حكومة السراج واعتبرته فرصة لتحقيق الإستقرار والمكاسب، في حين عارضت كتائب أخرى الاتفاق ووصمته بالخيانة لدماء الشهداء وتنصيباً لحكومة الوصاية الدولية. ولذلك وبمجرد دخول السراج إلى طرابلس أعلن العديد من الكتائب المسلحة انضواءهم تحت ما سموه "لواء الشرعية الممثل في حكومة الوفاق"، ولهذا السبب لم تشهد طرابلس إلا بعض المناوشات البسيطة في أجزاء منها عندما أطلقت بعض الكتائب الرافضة لحكومة السراج الرصاص في الهواء تعبيراً عن سخطها وغضبها على هذا الوضع الجديد.
ومن الواضح أن هذا التراجع الميداني للكتائب الرافضة لحكومة السراج كان بسبب التهديد الذي وصلهم من القوات الغربية المتأهبة للدفاع عن مخلب القط فايز السراج الذي يدافع عن مشروعهم الإستعماري في ليبيا. ومن المؤكد أن لدى فايز السراج خطة للإستعانة بدول الكفر وحلف شمال الأطلسي في إعادة بناء مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية أو للتصدي لأية تهديدات تأتيه من الكتائب المناوئة له. ولكن مزاج الرأي العام في ليبيا وما جاورها لا يتقبل فكرة قيام قوات غربية وأطلسية بغزو بري أو جوي. ولهذا السبب يكثر الغرب من الحديث عن خطر الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا وخطر تزايد أعداد تنظيم (داعش) في ليبيا للتمهيد لأي أعمال عسكرية ممكنة.
فهذا وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير يقول يوم 5 نيسان/أبريل أنه يمكن للاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاقات مقايضة بشأن اللاجئين والمهاجرين مع دول شمال إفريقيا على غرار الاتفاق الذي توصل إليه التكتل مع تركيا. وهذا قائد القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) يقول يوم 7 نيسان/أبريل أن عدد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية تضاعف في ليبيا إلى ما بين 4000 و6000 مسلح خلال فترة تتراوح بين عام وعام ونصف. فهذه التصريحات وغيرها ليست سوى مقدمات ومبررات للغزو والضربات العسكرية في حالة حصول أي تهديد جدي على حكومة السراج وفشل الترتيبات الأمنية التي تم وضعها لحماية حكومته.

عبد الواحد جعفر
19-04-2016, 11:53 PM
خامساً: السيناريوهات المطلوب تنفيذها في ليبيا
يبدو أن الأوضاع في طرابلس والمنطقة الغربية في هذه المرحلة تسير نحو خيار التهدئة واسقاط المواجهة العسكرية بين حكومة الوفاق (فايز السراج) وحكومة الإنقاذ الوطني (خليفة الغويل). وهذا لا يعني أن يتنازل أحد الطرفين للآخر، بل سوف تكون هناك "مواجهة سلمية" تتمسك فيها حكومة الغويل بموقفها من حكومة السراج ومحاوِلة اسقاطها بأشكال قانونية وسياسية، فيما يواصل فايز السراج مساعيه للإمساك بزمام الأمور وتثبيت سلطة حكومته على الأرض مدعوماً بالضغط الدولي على خصومه.
ومع كل الدعوات التي أطلقها نوري بوسهمين وخليفة الغويل نحو الحوار ونبذ العنف مع عدم الإعتراف بشرعية حكومة السراج، فإن الأوضاع يمكن أن تنقلب نحو المواجهة المسلحة في أي وقت وبخاصة إذا بدأت حكومة السراج تتوسع ميدانياً في السيطرة الأمنية والعسكرية على حساب المواقع التي يتواجد فيها نفوذ "قوات فجر ليبيا" وكل الكتائب الموالية لحكومة الغويل والمؤتمر الوطني.
والمتوقع في ظل الدعوات التي تطالب بالحوار ورفض الإقتتال بين أفراد الشعب أن تعمل أميركا وحلفاؤها الغربيون على إضعاف النفوذ السياسي والدعم الشعبي لرافضي حكومة السراج من خلال تمكين هذه الحكومة من النجاح في حلحلة بعض المشاكل الإقتصادية التي يعاني منها الناس مثل توفير الغذاء والدواء والسيولة النقدية.
أما بالنسبة للمنطقة الشرقية فإن الخطة التي تسير فيها أميركا ومواليها من الغرب هي ترك زعماء تلك المنطقة (الثني وصالح وحفتر) ومؤسساتهم (الحكومة والبرلمان والجيش) يعملون بمعزل عن عدم اعترافهم بحكومة السراج مع حصولهم على الدعم الإقليمي من مصر والإمارات. أما الغاية من ذلك فهي توفير الظروف الملائمة سياسياً وشعبياً للسير في موضوع الفدرالية والتقسيم. ومما يؤكد على أن أميركا تعمل على تقسيم ليبيا جدياً من خلال المنطقة الشرقية هو ما يلي:
أولاً: لا توجد أية مطالبة جدية أو تهديد حقيقي من قبل الدول الغربية أو الأمم المتحدة بأن تحل حكومة عبدالله الثني نفسها كما تم طلبه بقوة من حكومة خليفة الغويل في طرابلس. ثم إن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وكل من يدعمه يصرحون بأنهم لن يعترفوا بحكومة السراج ما لم تحظَ بالقبول من قبل البرلمان بشكل قانوني وفي حلسة داخلية، ويصرحون بأن التعديلات الدستورية هي من حق البرلمان دون غيره. وفي نفس الوقت فإن هؤلاء يرحبون بالمجلس الرئاسي وبدور الأمم المتحدة وبالدول الغربية من ورائها فيما يقومون به من تركيز لحكومة "الوفاق" في طرابلس على حساب حكومة "الإنقاذ".
ومن الواضح أن بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها مصر والإمارات تقوم بدور كبير في تثبيت وجود حكومة عبدالله الثني في مدينة البيضاء وقائد الجيش خليفة حفتر في بنغازي ورئيس البرلمان عقيلة صالح في طبرق من خلال الزيارات والدعم العسكري المباشر والتأييد السياسي والدبلوماسي. ولم يحصل أن وقعت أية مطالبة جدية لهذه الأجسام الثلاثة ورؤساؤها بالإلتحاق بحكومة الوفاق كما هو الحال في الضغط والتهديد لحكومة الغويل والمؤتمر الوطني والكتائب العسكرية الموالية لهما في طرابلس بأن يحلوا أنفسهم باعتبارهم "أجساماً غير شرعية". ومما يدلل على ما سبق هو:
1- رغم أن مجلس النواب فشل بشكل متعمد من قبل الأعضاء الموالين لعقيلة وحفتر أكثر من مرة في عقد جلسة لمنح الثقة للتشكيلة الحكومية التي قدمها رئيس المجلس الرئاسي المقترح فايز السراج، طلعت علينا وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية لتؤكد على أهمية ما سمته "الاعتماد الدستوري" للحكومة الليبية من قبل مجلس النواب وفقا لمخرجات اتفاق الصخيرات. وقالت الخارجية الإماراتية، في بيان يوم 5 نيسان/أبريل 2016 إن"هذا الاعتماد أساسي في تعزيز المسار السياسي التوافقي ونجاحه". ومع ذلك أعلنت الإمارات ترحيبها بوصول رئيس المجلس الرئاسي المقترح من البعثة الأممية فايز السراج وأعضاء المجلس إلى العاصمة طرابلس، واصفة الأمربـ"الخطوة الإيجابية" باتجاه الحل السياسي للأزمة الليبية.
2- رغم أن تحالف القوى الوطنية مشارك بقوة في حكومة الوفاق من خلال تولي نائبه فايز السراج رئاستها، إلا أن رئيس التحالف محمود جبريل طالب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر توجيه الدعوة إلى لجنة الحوار السياسي لـ"اجتماع عاجل وطارئ". واعتبر محمود جبريل في رسالة وجهها إلى المبعوث الأممي إلى ليبيا يوم 6/4/2016، أن اجتماع مجلس الدولة وتعديله للإعلان الدستوري، وانتخاب رئيس ونائبين له، يعد "اعتداء على صلاحيات مجلس النواب وخرقاً فاضحاً للاتفاق السياسي"، مشيراً إلى أن "مباشرة بعض أعضاء الحكومة المقترحة قبل نيل ثقة مجلس النواب يمثل هو الآخر استفزازاً واستهتاراً ببنود الاتفاق". وقال جبريل إن هذا "يعد مؤشراً واضحاً على استمرار سياسة فرض الأمر الواقع، والتي إن لم يتم التصدي لها بالسرعة اللازمة قد تمثل سابقة وحافزاً لبقية المؤسسات التي أفرزها الاتفاق السياسي لانتهاج هكذا سياسة".
ثانياً: إن المنطقة الشرقية تتجه نحو خيارين: إما إعلان قائد الجيش في الشرق خليفة حفتر ومواليه مجلساً عسكرياً يكون هو رئيسه ويكون بمثابة مجلس رئاسي مواز للمجلس الرئاسي الذي بترأسه فايز السراج في طرابلس، أو خيار إعلان إقليم برقة الذي يضم كل المنطقة الشرقية. وقد ظهر هذا التوجه في الاجتماع الموسع الذي عقد في مدينة المرج حيث مقر "القيادة العامة للقوات المسلحة" التابعة لحفتر بتاريخ 2/4/2016. وقد جمع هذا اللقاء رئيس البرلمان ونواباً عن المنطقة الشرقية وشيوخ قبائل وأعياناً وقيادات عسكرية، حيث ناقشوا "البدائل المتاحة في حال تأكد خروج المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عن سلطة البرلمان، وإصراره على البقاء تحت رحمة الميليشيات ورهن دوافعهم، ومن أهم هذه الخيارات هو الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد، برئاسة الفريق أول خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة".
أما الخيار الثاني الذي طرحه المجتمعون في لقاء المرج فهو "إعلان إقليم برقة يضم كامل المنطقة الشرقية، ولديه كافة المقومات لنجاحه، من ثروات نفطية وتماسك اجتماعي وقبلي، وهذا الخيار لا يمثل انفصالاً لكنه يمثل توجهاً فدرالياً، كون السلطة المركزية واصلت تهميشها لشرق ليبيا، والذي عانى في عهد القذافي وعقب ثورة فبراير". ويبدو أن الخيار الأول هو الخيار المطروح بقوة باعتبار أنه لن يثير احتجاجاً كبير من قبل الرأي العام الداخلي ولا يبدو ظاهرياً وكأنه عمل انفصالي، وفوق ذلك فهو خطوة مرحلية نحو الفدرالية ريثما تستقر أوضاع المؤسسات وهياكل الفدرالية في الشرق.
وقد أكد المجتمعون أنه سوف يتم السير في أحد هذه الخيارات، ولكن تقرر التريث ومنح الفرصة لتصحيح أوضاع حكومة الوفاق، قبيل تنفيذ أي انتقال "بديل اضطراري للسلطة". وأكد رئيس البرلمان عقيلة صالح في مؤتمر صحفي عقده ذلك اليوم أن "حكومة تحميها الميليشيات المسلحة" في طرابلس لن يتم الاعتراف بها إطلاقاً، مشدداً على أن قيادات القوات المسلحة الليبية "خط أحمر" ولا يمكن المساس بها أو المساومة عليها.
وقد أكد على هذا المعنى أيضاً خليفة حفتر في حوار مع جريدة "الأهرام" المصرية يوم 8/4/2016، عندما قال:"سندعم أي حكومة وفاق يمنحها البرلمان الثقة ولن نقف متفرجين إذا قادت العملية السياسية البلاد إلى الهاوية". وعن دور مصر السيسي فيما يقوم به من أعمال تخريبية واجرامية أكد حفتر وجود تعاون عسكري واستخباراتي مع مصر، وقال إن هذا التعاون هو في أفضل أحواله. وبهذا الشكل يتأكد لنا أن رفض برلمان طبرق منح الثقة لحكومة السراج داخل المجلس النيابي كان عملاً مقصوداً من أتباع حفتر ومدعوماً من دول الكفر حتى يمكن السير لاحقاً في موضوع المجلس الرئاسي في المنطقة الشرقية وما يتبعه من إعلان الفدرالية في اقليم برقة.
وإذا حدث وأعطى مجلس نواب طبرق الثقة لحكومة السراج أو قام بتعديل الإعلان الدستوري فليس ذلك سوى من أجل تدعيم مشروعية حكومة "الوفاق" في طرابلس واضعاف لإحدى حجج رفض المؤتمر الوطني في قبول حكومة السراج. ولكن الثابت أن السير في مسألة فرض الفدرالية بالمكر والسلاح على المنطقة الشرقية أمر لا تراجع عنه عند عملاء أميركا وعلى رأسهم خليفة حفتر. فقد خرجت قبل أيام وتحديدا يوم 10/4/2016 مظاهرة في بنغازي تطالب بالانفصال و"تحرير إقليم برقة" وهي ترفع راية برقة القديمة، الراية السوداء التي في وسطها هلال ونجمة ذواتا اللون الأبيض.
ثالثاً: إن من أهم الأهداف الناتجة عن تحقيق الفدرالية والتقسيم هو السيطرة على ثروات ليبيا الكثيرة. فقد ورد في بعض التقارير الغربية أن "ليبيا تمتلك ما يقرب من 40% من النفط في إفريقيا العالي الجودة والمنخفض التكلفة في الاستخراج فضلاً عن احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي بحيث يمكن للشركات المتعددة الجنسيات الأوروبية والأميركية التي تستغلها أن تحقق منها أرباحاً أعلى بكثير من تلك التي حصلت عليها سابقاً من الدولة الليبية".
فمن خلال القضاء على الدولة المركزية الواحدة والتعامل المنفرد مع كيانات سياسية في أقاليم منفصلة في طرابلس وبرقة مثلاً يمكن للشركات الدولية التي تمثل مصالح الغرب من الحصول على خصخصة احتياطيات الطاقة وبالتالي السيطرة المباشرة عليها. وبالإضافة إلى السيطرة على المخزون النفطي في ليبيا تسعى الشركات الغربية الكبيرة من أميركا وأوروبا للسيطرة على الاحتياطيات الهائلة من المياه الأحفورية في الخزان النوبي الممتد تحت ليبيا ومصر والسودان وتشاد.

سادساً: فرص نجاح حكومة الوصاية في مهماتها
نأتي الآن إلى السؤال التالي: هل ستنجح أميركا وزبانيتها في أوروبا وليبيا ودول الجوار من تمرير مشروع تقسيم ليبيا وإيجاد "منطقة خضراء" في طرابلس كما فعلت في بغداد؟ وللجواب على هذا السؤال سوف نتناول النقاط التالية:
أولاً: الأحزاب
لا بد أن نعرف أولاً أن الدول الغربية والإقليمية قد نجحت في تمرير اتفاق الصخيرات وما نتج عنه من حكومة السراج التي جاءت على سرج الكافر المستعمر بعد أن تمكنت من تشظية التيار الإسلامي وبخاصة في المنطقة الغربية بطرابلس. واستطاعت أن تجعل من تركيبة حكومة السراج عبارة عن توليفة بين "العلمانيين والإسلاميين" من الذين ارتضوا السير في ركاب الدول الغربية. فأهم الأحزاب العلمانية التي توجد في حكومة الوفاق الوطني هي تحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل والجبهة الوطنية التابعة لمحمد يوسف المقريف الذي كان يتزعم الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في عهد القذافي. أما الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي فهي حزب الوطن التابع لعبد الحكيم بلحاج والذي كان أميراً للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في عهد القذافي وحزب العدالة والبناء التابع للأخوان المسلمين، هذا بالإضافة إلى بعض المستقلين من الممثلين للمرأة وبقايا المجلس الوطني الإنتقالي.
ولقد أصرت القوى الدولية الغربية وبعض القوى الإقليمية، على إشراك متعمد لبعض التيارات الإسلامية التي أتينا على ذكرها، وذلك حتى تسحب البساط من تحت التيارات الإسلامية الرافضة للأجنبي وتدخلاته في صياغة الحياة الفكرية والسياسة والدستورية في ليبيا. فهذه التيارات قد رفضت اتفاق الصخيرات ومخرجاته وما زالت مستمرة في معارضتها لحكومة السراج مثل التيار الإسلامي المرتبط بدار الإفتاء الليبية التي اعتبرت ما حصل من التيارات الإسلامية المساندة لحكومة السراج خروجاً على ولي الأمر المتمثل في حكومة الغويل وتجاوزاً لآراء العلماء. ومن الرافضين لحكومة السراج كتلة "الوفاء لدماء الشهداء" التي تشكلت من بعض المنتسبين سابقاً للجماعة الليبية المقاتلة ومن المنسحبين من حزب العدالة والبناء الإخواني وبعض المستقلين الإسلاميين مثل رئيس المؤتمر نوري بوسهمين. وهذه التيارات الإسلامية الرافضة لحكومة السراج لا تزال تملك ثقلاً سياسياً وشعبياً، وهذا يؤهلها للقيام بأدوار كبيرة في منع تغول الأحزاب السائرة في ركاب أميركا ومنع تمرير المؤامرة على الشعب في ليبيا.

عبد الواحد جعفر
19-04-2016, 11:54 PM
ثانياً: الثوار
رغم أن الترتيبات الأمنية التي اُتخذت حتى الآن كافية لتأمين حكومة السراج بفضل الجهد الكبير الذي قام به المستشار الأمني لبعثة الأمم المتحدة، الجنرال الإيطالي باولو سيرا، في استقطاب عدد من قادة التشكيلات العسكرية المتمركزة في طرابلس، إلا أن ذلك لا يعني أن حكومة الغويل لا تحظى بالدعم العسكري. فلا زال هناك العديد من كتائب "تحالف قوات فجر ليبيا" يدعمون حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني ودار الإفتاء. ومن أهم هذه القوات درع ليبيا الوسطى، وغرفة ثوار ليبيا فى طرابلس، وكتائب كثيرة تنحدر من مناطق مصراتة وغريان والزاوية وصبراتة وتاجوراء، لعل أهمها كتيبة الصمود التابعة للعقيد صلاح بادي.
ولذلك فليس غريباً أن يصدر مجلس النواب في طبرق بتاريخ 25/8/2014 قراراً بتصنيف قوات "فجر ليبيا" "مجموعة إرهابية" خارجة عن القانون ومحاربة لشرعية الدولة. والسبب وراء ذلك هو تمكن قوات فجر لييبا في 13/7/2014 من السيطرة على مطار طرابلس الدولي والعديد من المعسكرات في المنطقة الغربية بعد أن نجحت في طرد الكتائب الموالية لخليفة حفتر ومحمود جبريل مثل كتائب الصواعق والقعقاع والمدني وجيش القبائل التابع لبقايا القذافي. وهذه الكتائب وغيرها مثل كتيبة عبدالرحمن الطويل (الذي يسيطر على مطار معيتيقة) وكتائب عبد الرؤوف كارة وهيثم التاجوري هي التي تتولى حماية حكومة السراج والمناطق المحيطة بقاعدة بوستة داخل طرابلس.
وإذا كانت المواجهة العسكرية بين الطرفين متوقفة إلى حين فذلك يعود إلى عدم وجود رأي عام شعبي داعم لها، بحيث يصعب تسويقها من أي جهة في هذه المرحلة. كما أن ميزان القوى العسكري يقف إلى جانب داعمي الاتفاق الذين ارتضوا أن يكونوا جسراً تعبر عليه القوى الدولية الكافرة والمستنفرة بأساطيلها الحربية قبالة السواحل الليبية بحجة محاربة "الإرهاب" والهجرة غير الشرعية.

ثالثاً: الجيش
أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية فهذه أيضاً أحد أهم الإشكالات التي سوف تعترض عمل حكومة السراج؛ لأنها منقسمة بين رئاسة الأركان التي يقودها اللواء عبد السلام جاد الله العبيدي الذي عيَّنه المؤتمر، ورئاسة الأركان التي يقودها اللواء عبد الرزاق الناظوري الذي عينه مجلس النواب. والحقيقة أن دور كلا القيادتين محدود من الناحية الميدانية ومن ناحية سلطتي التخطيط والقرار. فالضباط المشكِّلين لقيادة الأركان برئاسة عبد السلام جاد الله العبيدي، يضيق هامش تحركهم على الأرض بسبب الأفضلية القتالية والتسليحية والجاهزية للكتائب التي تأتمر بأوامر قادتها المباشرين، ولا تتبع رئاسة الأركان إلا شكليًّا. أما قيادة الأركان التابعة لمجلس النواب فيكاد لا يسمع لها ركزاً أمام خليفة حفتر، وبخاصة بعد أن عرّف مجلس النواب في طبرق أن المقصود بـ"الجيش الوطني" هو الكتيبة التي أنشأها حفتر في العام 2011.
وبما أن الضباط الذين كانوا ينتمون للجيش الليبي أيام معمر القذافي منقسمون على أنفسهم، فقد أكد اتفاق الصخيرات أن المقصود بالجيش الليبي ليس هو الكتيبة التي يقودها حفتر، ولكن مجموع الضباط والجنود الموزعين في الجهتين. كما نص الإتفاق على عودة كافة صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا إلى مجلس رئاسة الوزراء الذي يرأسه فايز السراج. وأخيراً فتَحَ اتفاق الصخيرات الباب لدخول عناصر جديدة من حاملي السلاح لتعزيز قدرات الجيش الليبي الذي يراد تكوينه إلى جانب الوحدات والتشكيلات العسكرية القائمة.
وفي حين يصر أعضاء مجلس النواب الموالين لحفتر أن "الجيش الوطني وقيادته خط أحمر"، فإن أعضاء المؤتمر الوطني العام والمحسوبين على حكومة الغويل يصرون على إخراج خليفة حفتر من المشهدين السياسي والعسكري كأحد أهم الشروط لقبول الاتفاق الذي وقع في الصخيرات. صحيح أن اتفاق الصخيرات لم يأتِ على ذكر حفتر كجزء من الجيش لكن المبعوث الغربي مارتن كوبلر أكد في مؤتمر دول جوار ليبيا يوم 22/3/2016 على أن خليفة حفتر جزء من الحل السياسي والعسكري عندما قال صراحة: إن "بناء الجيش الليبي يشمل شرق ليبيا وغربها ووسطها وكل عناصر الواقع السياسي الليبي، وهذا يشمل أيضاً حفتر الذي يمثل جزءاً من الحل، ويبقى للحكومة الليبية أن تحدد الآليات التي سيتم اعتمادها لإدماج حفتر بها".
ولذلك فالراجح أن الكتائب العسكرية الرافضة لحكومة السراج ولتدخل القوى الدولية لن تستسلم للترتيبات الأمنية التي وضعها الكفار في اتفاق الصخيرات والتي تطلب من "التشكيلات المسلحة" أن تنسحب خارج المدن والتجمعات السكنية ثم تقوم بنزع سلاحها وفق جدول زمني محدد، عبر لجان مؤقتة تتولى مراقبة وتنفيذ هذه الإجراءات.
إن الكتائب الموالية للمؤتمر والإنقاذ ودار الإفتاء تنظر بعين الريبة لهذه الترتيبات الأمنية وهي تصرح بأنها لن تقبل بها ما لم يتم اشراكها فيها وبعد أن يتم تعريف "الإرهاب" حتى لا يتم عزلها خارح المدن والتجمعات السكنية وما يترتب عليه من إمكانيات قصفها جواً من قبل قوات حلف الأطلسي بحجة أنها قوات تابعة للقاعدة أو تنظيم داعش، في الوقت الذي يتم فيه دمج الكتائب والقوات الموالية لحكومة السراج، مع احتفاظها بأسلحتها، ضمن المؤسسات الشرطية والعسكرية والجمركية التي سوف يتم انشاؤها وبناؤها على عين الكافر المستعمر.

الخاتمة..
وكما توضح لنا سابقاً، فإن إمكانيات الصراع المؤجل في ليبيا موجودة داخل حكومة الوفاق على مستوى الأحزاب المكوِنة لها، وعلى مستوى الثوار أو الكتائب المسلحة الداعمة والرافضة، وعلى مستوى مؤسسة "الجيش" والأجهزة الأمنية التي يراد تكوينها. وإن الدعم الغربي والإقليمي الذي حصلت عليه حكومة السراج برغم كل هذه القنابل الموقوتة أمامها ليدل على أنها حكومة وصاية دولية جيء بها من أجل تنفيذ المهمات القذرة للدول الغربية. وهذا ما عبر عنه المبعوث الغربي إلى ليبيا مارتن كوبلر، الذي قال في تصريح له: إن "عجز مجلس النواب عن اتخاذ قرار لن يوقف حكومة الوفاق من المضي قدماً".
ومع هذا الإصرار الغربي على حكومة السراج إلا أن هذه الأخيرة لن تنجح في ضم المعارضين لها من السياسيين الموالين للمؤتمر الوطني وحكومة الغويل ودار الإفتاء. كما أنها لن تنجح في نزع سلاح الكتائب المسلحة، وإن كانت استطاعت حالياً تحييد سلاح المخالفين وضم سلاح المؤيدين، بفضل التكلفة العالية للمواجهة المسلحة، خصوصًا مع إبداء الدول الغربية جاهزيتها ورغبتها العلنية في دعم حكومة الوفاق بالوسائل السياسية والإقتصادية والعسكرية. فالقوات الغربية تعد العدة لاستعمال واستمالة أكبر عدد ممكن من الكتائب العسكرية القريبة في طرابلس وما حولها من أجل فرض وتوطين حكومة السراج في العاصمة مستقوية بدعواها في محاربة "الإرهاب" والهجرة غير الشرعية وبقرارات مجلس الأمن بما في ذلك تحت البند السابع.
وقد بات معلوماً لكثير من الناس أن هناك أعداداً كبيرة من القوات الخاصة الغربية الموجود على الأرض في ليبيا. ففي قاعدة الوطية الجوية التي تبعد 130 كلم غرب طرابلس والتي يسيطر عليها العقيد إدريس مادي، توجد بها قوات أميركية. أما قاعدة بنينا في بنغازي والتابعة لخليفة حفتر فيوجد بها قوات فرنسية، وهناك قاعدة ناصر في طبرق موالية لحفتر يوجد بها قوات بريطانية.
إن مهمة القوات الغربية في ليبيا ستكون تأمين "منطقة خضراء"، مثل تلك التي وضعها الأميركيون في بغداد، تسمح لحكومة الوفاق بإقامة مؤسساتها وإداراتها قبل محاولة فرض سيطرتها على المنطقة الغربية، فيما يجري العمل على تمكين خليفة حفتر من السيطرة على المنطقة الشرقية. وحتى تنجح في مهمتها الإستعمارية فإن دول الكفر سوف تعمل على إشراك دول جوار وبخاصة مصر من أجل ضمان تأديتها المهمة المرجوة، وبخاصة وأن إرسال 6000 جندي غربي، التي يتحدثون عنها، لا يكفي لغزو بلد مثل ليبيا مساحته خمسة أضعاف مساحة فرنسا.
ولعل هذا ما جعل صحيفة "الواشنطن بوسط" تتحدث في تقرير لها تزامن مع وصول حكومة السراج إلى طرابلس أن المخططين العسكريين في القيادة الإفريقية بالجيش الاميركي يقومون بتحديد عشرات الأهداف التي من المفترض استهدافها في ليبيا. وأضافت الصحيفة أن الأهداف تمتد من مدينة درنة في الشرق إلى مدينة صبراتة في الغرب مروراً بمدينة سرت التي تعتبر "معقل تنظيم داعش". وأشار التقرير أيضاً إلى أن المسؤولين الأميركيين يواصلون جهودهم في الحصول على موافقة الدول المجاورة لليبيا، وبخاصة تونس والجزائر، للسماح بانطلاق الطائرات الأميركية من أراضي هذه الدول؛ هذا بالإضافة إلى استعمال المنشآت العسكرية الموجودة في إيطاليا وإسبانيا واليونان، وحتى في بريطانيا.
وهكذا يتلاعب الكفار في مصير الأمة الإسلامية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي يقتضي تنفيذه زيادة تفتيت البلاد الإسلامية، والإيغال في إضاعة هويتها الإسلامية، حتى تبقى أمة ضعيفة فاقدة لبوصلتها التي ترشدها إلى سبيل وحدتها، وهي الدولة الواحدة ذات العقيدة الواحدة والتي يقودها حاكم واحد (الخليفة)، ينهي كل مظاهر الضعف والتبعية وضياع المقدرات، فضلاً عن القتل الفظيع لشباب الأمة بفتن افتعلها أعداء الله ورسوله من الأميركان والغرب الكافرين.

8/رجب/1437هـ
16/4/2016م

youniss
20-04-2016, 10:56 AM
من جديد نعيد القول لولا الظهر المنحني لما استطاع الغرب الامتطاء
وكل ما يظهر قانوني حسب قوانين المؤسسات الدوليه
ندعو الله ان يجنب المسلمين الفتن وينور بصائرهم ويردهم الى اسلامهم وينصرهم على اعدائهم انه ولي ذلك والقادر عليه